مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد الهجوم الإسرائيلي والتنديد الدولي.. تركيا تواجه خيارات صعبة وتحديات متعددة

رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي اثناء إلقاء خطابه الغاضب أمام نواب حزب العدالة والتنمية في أنقرة يوم 2 يونيو 2010 Keystone

يوما بعد يوم يتضح أن ما جـدّ يوم 31 مايو 2010 بين تركيا وإسرائيل، ليس مجرد حدث عادي في تاريخ العلاقة بين الدولتيْـن إذ أن "أسطول الحرية"، الذي انطلق لكسْـر الحصار عن غزّة لم يكن مجرّد تجمّـع شعبي دولي مُـناهض لسياسات الإحتلال الإسرائيلية، بل كان الأتراك عماده ويشكِّـلون غالبية أفراده وسفينته الكُـبرى "مرمرة الزرقاء" كانت تركية أيضا.

كانت السُّـفن مدنية والمشاركون على متنِـها مدنيون عُـزّل وكانت متواجدة في المياه الدولية عندما اعتدى عليها كوماندوس إسرائيلي بحرا وجوا. وكانت النتيجة أيضا أن غالبية القتلى والجرحى الذين سقطوا في الهجوم هُـم من الأتراك.

ويرى مراقبون لشؤون الشرق الأوسط أنه كان واضحا أن الاعتداء يستهدِف تركيا بالذّات، ويبدو أنه لم يتّـصل فقط بالعلاقات التركية الإسرائيلية، وإذا كان ساعي البريد في هذه الحادثة إسرائيلي الهوية، فإن الرسالة التي حملها كانت دولية المصدر، حسب تقديرهم.

ليس من المبالغة القول بأن الكيْـل قد يكون طفَـح لدى بعض الأطراف والأوساط الغربية من “قصة النجاح” التركية الأخيرة في المنطقة والعالم منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في نهاية عام 2002، ويذهب البعض إلى حد القول بأنه حتى لو كانت تركيا لا تزال متمسكة بالتوجهات الغربية السابقة، فإنها كانت ستتلقى مثل هذه الرسالة الدموية، لأن الأمر يتّـصل أيضا بمسألة جوهرية أخرى ترتبط بتقسيم القوى الكبرى للعالم.

نجاح تركي بارز

لقد برز النجاح التركي جلِـيا في الآونة الأخيرة مع توقيع اتفاق طهران النووي، الذي كان لتركيا دور أساسي في التوصل إليه، والذي اعتُـبر خرقا كبيرا في جِـدار الأزمة النووية المزمنة بين الغرب وإيران.

في تلك المناسبة، بدت تركيا دولة أكبر من حجمها وتسعى للعب دور أكبر من أن تتحمّـله القِـوى المُـهيمنة على النظام الدولي الجديد، لذا، لم يكن غريبا أن يقول رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان، “إن الغرب يغار من النجاح التركي”، وهو ما قد يفسر ردّة الفعل الغربية، التي جاءت مباشرة بعد التوصل إلى الإتفاق وتمثلت في الدعوة إلى فرض عقوبات على طهران في سلوك غريب تُـجاه اتفاق أقل ما يقال فيه أنه فتح كوة للأمل في حلّ الملف النووي الإيراني بصورة سِـلمية وتجنيب المنطقة والعالم الحروب والتوترات، وهو ما كانت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تدعو إليه.

بل إن تركيا والبرازيل (شريكتها في الإتفاق والإنجاز) اضطرّتا إلى الكشْـف عن مضمون رسالة كان اوباما قد بعث بها إلى كل من اردوغان ولولا داسيلفا أظهرت أن الشروط التي حدّدها رئيس الولايات المتحدة في رسالته، قد تمّ الإلتزام بها في الإتفاق الذي تم التوقيع عليه في طهران.

لقد بدا واضحا أن بعض الدول الكُـبرى لم تكن تتوقّـع ولا تريد هذا النجاح التركي، كما أنها لم تكن ترغب في أن تقتحم دول جديدة نادي الدول الكُـبرى المغلق. ولإسرائيل أيضا غَـرض مُـباشر من استهداف تركيا، حيث تخشى، في حال قَـبول العالم لاتفاق طهران، أن تكون هي الهدف الموالي في جهود أنقرة لنَـزع السِّـلاح النووي نهائيا من منطقة الشرق الأوسط برمتها.

نهاية لمرحلة وافتتاح لأخرى

يُكرر المراقبون والخبراء في الشرق الأوسط التذكير بأن إسرائيل كانت على الدوام الأداة الأساسية لتنفيذ السياسات الغربية والإستعمارية عموما في المنطقة، وهي سياسات لا تعرف الرحمة مع أحد. وينوهون إلى أن تركيا، التي كانت رأس حربة حلف شمال الأطلسي والغرب ضدّ الكُـتلة الشيوعية والدول العربية المُـعادية لإسرائيل على مدى أكثر من نصف قرن، لم يحفظ لها أحد ذلك الدور المهِـم جدا حينها ولا هذا الجميل، وعند أول فرصة، وقع الإنقضاض عليها فجر اليوم الأخير من شهر مايو 2010 وبأسوإ طريقة دموية وعدوانية، من دون أن يرف جفْـن للإدارة الأمريكية.

ويبدو أن واشنطن أرادت أن تكون الرسالة أكثر وضوحا، عندما وقفت في مجلس الأمن الدولي ضدّ إدانة اسرائيل على هجومها البحري، كذلك لم ينتج عن اجتماع حلف شمال الأطلسي، الذي دعت إليه تركيا، أية نتيجة.

يرى البعض أن مضمون الرسالة الإسرائيلية – الدولية وصل إلى تركيا، لكن السؤال عمّـا اذا كانت أنقرة ستلتزم بمفرداتها أم أنها ستتمرّد عليها وتُـواصل مسِـيرتها باتجاه أن تصبح قوة إقليمية عظمى، بل قوة “متوسطة القوة” في الطريق لتكون قوة كبرى في يوم من الأيام؟

قبل الإجابة عن السؤال، من المؤكد أن اضطلاع إسرائيل لتكون الأداة في ذلك الاعتداء، يرتب تداعيات على العلاقات التركية مع إسرائيل. فما جرى، كان نهاية لمرحلة وفتْـحا لأخرى، والدّم الذي أريق على الطريق بين انقرة وتل أبيب، سيكون شاهدا يعسر محْـوه أو تجاهله.

تحدٍّ كبير في الداخل والخارج

الردّ التركي على إسرائيل سيأتي بكل تأكيد، إذ لا يمكن لدولة كبيرة مثل تركيا أن تلعق جرحها وكأن شيئا لم يكن. وما صدر حتى الآن من إجراءات تركية، كان خجولا، لكنه كان فوريا وأوليا ليس إلا. فالتحدي القائم أمام اردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية كبير جدا، في الداخل والخارج.

في الداخل، لا يمكن لأردوغان إلا أن يَـزن حساباته السياسية عشيّـة الإستفتاء المرتقب على الإصلاح السياسي وقبل سنة من موعد الإنتخابات النيابية. وهنا، لا تلعب حسابات العقل كثيرا، بل تخضع عملية التقييم لحسابات محلية بهدف الإستِـمرار في السلطة، ولابد بالتالي، أن يتدرج اردوغان في اتِّـخاذ مواقف خطابية وعملية ضد إسرائيل ويواصل الدفاع عن القضية الفلسطينية، وإلا ستتعرض شعبيته للتراجع.

أما في الخارج، فهناك أكثر من بُـعد: بالنسبة لإسرائيل، فإن تركيا مُـضطرّة لأن تَـرُد على انتهاك إسرائيل لسيادة تركيا وكرامتها وهيبتها، وليس بالضرورة أن يكون الرد عسكريا، بل إن شبكة المصالح الإسرائيلية لا تزال كبيرة في تركيا على الصُّـعد، الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية، ويُـمكن إلغاء اتفاقيات مهمّـة مع إسرائيل على صعيد أنابيب الطاقة والتعاون العسكري ومقاطعة البضائع الإسرائيلية واستبعاد إسرائيل عن المُـناقصات العمومية والاستغناء عن عمل الكثير من الشركات الاقتصادية. كذلك يبقى خيار اتخاذ إجراء دبلوماسي، أقوى من مجرّد سحْـب السفير، واردا.

أما على الصعيد الدولي، فعلى الرغم من وجود قناعة شعبية بوجود مشاركة دولية غير مباشرة في الإعتداء الذي حدث، لا ترغب أنقرة في كسْـر العلاقة مع الإدارة الأمريكية أولا، لأن الولايات المتحدة لاعب أساسي في المنطقة والعالم. وثانيا، لأن أنقرة تريد استمرار الصفحة الجديدة مع إدارة اوباما بعد الصفحة الصعبة والمزعِـجة مع إدارة جورج بوش.

قوة إقليمية ذات ثِـقل

ويبدو في الأفق أن تركيا لن تتخلى عن أسس سياستها الجديدة في تعدّد البُـعد ونسج أفضل العلاقات مع الجميع والقيام بدور مبادر لحلّ الأزمات الإقليمية، ومنها دور الوسيط، وبالتالي، فإن السعْـي لتكون تركيا صاحِـبة دور واسع في مُـحيطها وفي العالم سيستمِـر، لأنها بمثل هذه السياسة بلغت هذه المرتبة من التأثير والثِّـقل، وهي تدرك أنها ستواجه عراقيل، لكنها تعرف أكثر أن الدور يُـنتَـزِع ويُـعْـطى، ولو كان خلاف ذلك، لما تعرّضت تركيا لكل هذه المضايقات ولهذا العدوان الفجّ في عرض البحر.

ومن المحتمل أن هذا العدوان على تركيا سيجعلها أكثر دفاعا عن القضية الفلسطينية وتصميما على رفع الحصار المفروض على قطاع غزة وتمسكا بالتعاون مع العالميْـن العربي والإسلامي، هذا التعاون الذي أكسبها وسهّـل عليها التَّـبلْـور كقوة إقليمية ذات ثقل رغم إصرارها على استخدام “الوسائل الناعمة” فحسب.

د. محمد نور الدين – بيروت – swissinfo.ch

هل تستطيع اسرائيل أن تفرض حصارا بحريا على غزة؟
أجل تستطيع بموجب قانون الحصار الذي انبثق عن القانون الدولي والمنصوص عليه في اعلان لندن لعام 1909. وجرى تحديثه عام 1994 في وثيقة معترف بها قانونيا بعنوان “كتيب سان ريمو للقانون الدولي المطبق على الصراعات المسلحة في البحر.”

وبموجب بعض القواعد الاساسية يجب أن يعلن الحصار وتبلغ به جميع الدول المحاربة والمحايدة ولا يمكن منع الدخول للموانيء المحايدة والمنطقة الوحيدة التي يمكن حصارها هي الخاضعة لسيطرة العدو.

وقال فيليب روش الشريك في فريق نزاعات الشحن وادارة المخاطر بمؤسسة نورتون روز القانونية “على أساس أن حماس هي الكيان الحاكم في غزة واسرائيل تخوض صراعا مسلحا ضد هذا الكيان الحاكم فان الحصار قانوني.”

ما هي المياه الدولية؟
بموجب اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار فان للدولة الساحلية “بحر اقليمي” مسافته 12 ميلا بحريا من الساحل الذي تتمتع بالسيادة عليه. ويسمح لسفن الدول الاخرى “بالمرور البريء” عبر هذه المياه. وهناك منطقة أخرى على بعد 12 ميلا بحريا تسمى “المنطقة المتاخمة” التي تستطيع الدولة اتخاذ اجراء فيها لحماية نفسها او قوانينها.

وقال روش “بعد حدود 12 ميلا بحريا مباشرة توجد “أعالي البحار” او “المياه الدولية”.

وقالت البحرية الاسرائيلية يوم الاثنين 31 مايو 2010 انه تم اعتراض الاسطول الذي كان متجها الى غزة على بعد 120 كيلومترا (75 ميلا) غربي اسرائيل. وقال الربان التركي لاحدى السفن في مؤتمر صحفي باسطنبول بعد العودة الى الديار عقب احتجازه في اسرائيل انهم كانوا على بعد 68 ميلا خارج المياه الاقليمية الاسرائيلية.

ويقول خبراء قانونيون انه بموجب قانون الحصار فان اعتراض سفينة يمكن أن يطبق عالميا ما دامت السفينة متجهة الى أراض “محاربة”.

هل تستطيع اسرائيل استخدام القوة عند اعتراض السفن؟
بموجب القانون الدولي تستطيع استخدام القوة عند اعتلاء سفينة.

وقال جيمس كراسكا استاذ القانون الدولي بكلية الحرب البحرية الامريكية “اذا كانت القوة غير متناسبة يكون هذا انتهاكا أساسيا لاستخدام القوة.”

وقالت السلطات الاسرائيلية ان جنود البحرية الذين اعتلوا السفينة التركية (مافي مرمرة) فتحوا النار دفاعا عن النفس بعد أن ضربهم نشطاء بهراوات وطعنوهم وخطفوا بعض أسلحتهم.

ويقول خبراء قانونيون ان القوة المتناسبة لا تعني أنه لايمكن أن تستخدم القوات البنادق حين تهاجم بالسكاكين. وقال كراسكا “لابد أن تكون هناك علاقة بين التهديد والرد.”

وربما يكون لاستخدام القوة تداعيات أخرى.

وقال جي بيتر فام المستشار الاستراتيجي للحكومات الامريكية والاوروبية “في حين يجب أن تظهر الحقائق الكاملة من خلال تحقيق يتسم بالمصداقية والشفافية فانه مما هو معروف الان يبدو أن اسرائيل تصرفت في حدود حقوقها القانونية. “غير أنه ليس بالضرورة أن تكون كل عملية يسمح بها القانون حكيمة من وجهة النظر الاستراتيجية.”

وصف خصوم الغارة الاسرائيلية بأنها “قرصنة”. هل كانت كذلك؟
كلا بموجب القانون الدولي يعتبر هذا عمل دولة. وقال كراسكا “سواء أكان ما فعلته اسرائيل خطأ ام صواب فانه ليس من أعمال القرصنة. القرصنة تتعامل مع سلوك خاص يحقق مصلحة مالية.”

هل كان هناك اي تعطيل للشحن بعد الغارة؟
لم يحدث اي تعطيل حتى الان لكن الغرفة الدولية للشحن وهي رابطة تمثل 75 في المئة من أسطول العالم التجاري عبرت عن “قلق عميق” لاعتلاء القوات الاسرائيلية السفينة قائلة ان السفن التجارية لها الحق في المرور الامن وحرية الملاحة في المياه الدولية. وأضافت “يجب أن تلتزم كل دول العالم بهذه المباديء الاساسية للقانون الدولي”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 يونيو 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية