مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بين تركيا وإسرائيل.. سحابة صيف “عابرة” أم تنافُـس “إمبراطوري”؟

في يناير 2010، أدى وزير الخارجية التركي داوود أوغلو (أقصى يمين الصورة) رفقة سفير بلاده في تل أبيب (وسط) زيارة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في مقر وزارته. Keystone

هل كان الإعتداء الإسرائيلي على المواطنين المدنيين الأتراك في القافلة البحرية الدولية، "خطأً متعمداً؟". كل المؤشرات تؤكِّـد ذلك. "فالإسرائيليون" كانوا يعلَـمون بالطّـبع أن السُّـفن الثلاث الأولى من أسطول المساعدات المتجه إلى غزّة، كانت تركية، كما يعرفون جيِّـداً أن الأتراك شعب مُقاتِـل لا يقبَـل أن يُستفَـزّ بدون أن يَـرُد.

لكن، هل إطلاق العِـيارات النارية الحيّة، كان حتمياً أيضا؟ ألَـم يكن في مقدور الكوماندوس الإسرائيلي، المُدرّب تدريباً عالياً على احتلال السّـفن في عرض البحر، قادِراً على احتواء الموقِـف من دون إسالة هذا السَّـيل من الدِّماء؟

الجواب هو “نعم، بالتّـأكيد” على كل هذه الأسئلة الثلاثة. ولذا لا تبقى سوى الفَـرَضية بأن تل أبيب أو بعض المسؤولين فيها على الأقل، تعمّـدوا افتِـعال هذا الخرْق الفاضح لكل معايير القانون الدولي الإنساني والمعاهدات الدولية الخاصة بحُـرية المِـلاحة في أعالي البحار، لتحقيق ثلاثة أهداف تتضمّـن في ثناياها ثلاثة رسائل موجهة إلى كلٍّ من تركيا وأمريكا والأسْـرة الدولية.

أربع رسائل واضحة

الرسالة إلى تركيا تتضمن الآتي: “لا تُـحاوِلي ثانيةً التدخّل في غزة والضفة. فهاتان المنطقتان مُـستعمرتنا الخاصة للغاية وحديقتنا الخلفية. وإذا ما كُـنّا اليوم قتلنا بعض مواطنيك لمنعِـك من تحقيق نصْـر دبلوماسي عبْـر كسر الحصار الذي نفرِضه على غزّة. فغداً، قد نفعل أكثر من ذلك إذا تطلّـب الأمر. ولتذهب إلى الجحيم حينها، مناوراتنا العسكرية المشتركة ومعها الثلاثة بلايين دولار من التّـبادلات السنوية التجارية معكِ. ثم لا تنسَـي يا بلاد الأناضول أنك لسْـت الخلافة العثمانية الجديدة (ليس بعدُ على الأقل)، بل “الخلافة الأطلسية”، التي تتربّـع على عرشها حليفتنا الكبرى أمريكا، وبالتالي، أي محاولة للمسّ بسيْـطرتنا على نظام الشرق الاوسط، ستلقى مصير أسطول غزّة نفسه”.

أما الرسالة إلى الولايات المتحدة فتقول: تلقَّـينا مؤخراً تلميحات منكِ تهدِّد بتركِـنا من دون غطائك الدولي المعهود. كما استلمنا رسائل مماثلة من تحت الماء خلال المؤتمر النووي في واشنطن. حسناً. ها نحن نرُدّ التحية بمثلها ونتحدّاك الآن أن تشتركي في أي بيان رئاسي في مجلس الأمن، يُـمكن أن يٌُشكّل إدانة حقيقية لنا أو تهديداًً جدّياً لأمننا المُـطلق. سنعرف عمّـا قريب مَـنْ يجب أن يهدِّد مَنْ: أنتِ وبيتك الأبيض أم نحن و”كونغرسنا” الأبيض؟

الرسالة إلى الأسرة الدولية تقول: عملية الكوماندوس في أعالي البحار، تذكرة لكِ ومعكِ “جي ستريت” و”جي كول” وأكاديميي هارفارد ويهود جنوب إفريقيا، بأن رصاصنا هو الردّ الوحيد على كلماتكم وقوانينكم ومعاهداتكم. هكذا كنّا منذ عام 1948، وهكذا سنبقى الآن، ومَـن لا يعجبه، فليَـشرب من مياه البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي!

ثم هناك رسالة رابعة أقل وضوحاً، لكن اكثر خطرا: مخطِّـطو العملية في المتوسط ليسوا “المجانين السبعة” (وزراء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية)، بل حزبَـيْ العمل والليكود، وبموافقة كل أطياف اللّـون الإسرائيلي، وهذا يعني أن إسرائيل كلها، وليس الصقور الدِّينيون والقوميون المتشددون وحدهم، هم من قـرّروا القيام بهذه المغامرة البحرية الفاقعِـة في جنونها، وهذا وحده يجب أن يقرع أجراس الإنذار في كل العواصم العربية، لأنه يعني أن تل أبيب تسير بالفعل في خَـطٍّ مستقيم نحْـو حروب جديدة، فيما المنطقة برمّـتها تلهج بأحاديث السلام والتسويات، وهذا لا يجب أن يُثير العجب: فمَـن شبّ على الحروب وإرهاب الدولة، شاب عليهما، ورأس الدولة الصهيونية يعجُّ هذه الأيام بالشّيب.

“تركيا العروبية”

هذا على الصعيد الإسرائيلي، فماذا على الصعيد التركي؟ أهم مَـن ردِّ فعل طيب رجب أردوغان على العملية الإسرائيلية الدموية في أعالي البحار، كانت ردود الشارع التركي.

فالتظاهرات الغاضِـبة قُـبالة السفارة الإسرائيلية واستطلاعات الرأي السريعة التي أُجرِيت بعد “المجزرة الإسرائيلية”، على حد تعبير أردوغان، تَـشي بأن المواطنين الأتراك أو جلّهم على الأقل، باتوا يسبقون بكثير مواقِـف حكومتهم، ذات الجذور الإسلامية، وهذا ليس فقط حيال قضية فلسطين والفلسطينيين، بل أولاً وأساساً في الدّعوة إلى معاقبة إسرائيل والاقتصاص منها.

قال أحدهم لـ “بي. بي.سي”: “الإسرائيليون لا يعتبروننا بشراً، وبالتالي، ردعهم بالقوة أصبح أمراً مُلِـحّا”. وقال آخر، وهو يُـلوِّح بالعَـلميْـن التركي والفلسطيني في وجه موظّـفي السفارة الإسرائيلية: “قضية فلسطين أصبحت الآن قضيتنا”. هذا التطور استثنائي وتاريخي، هو استثنائي لأنه لم يسبق له مثيل منذ عام 1948، بل حتى منذ ثورة كمال أتاتورك في عشرينيات القرن العشرين، التي أدارت ظهر تركيا لكل ما هو فلسطيني وعربي وإسلامي، ويمَّـمت وجهها نحو الغرب ثم نحو التحالف مع إسرائيل بعد إعلان دولتها. وهو تاريخي، لأنه يعني أن الأتراك بدؤوا يعودون إلى “عروبتهم” بعد قطيعة مريرة دامت نحو القرن. العروبة التي نقصد هنا، ليست القومية العربية بكل أشكالها الناصرية أو البعثية والتي كانت لها صولات وجولات مع القومية التركية الطورانية الأتاتوركية ولا بالطبع القومية العربية، التي رفع لواءها أنصار الثورة العربية ضدّ الدولة العثمانية بقيادة الأمير الهاشمي فيصل الأول والتي تركت ندوباً لا تندمل في جسم العلاقات التركية – العربية.

العروبة المعنية، هي تلك التي أطلّ عليها الترك منذ أن استلموا دفّـة قيادة العالم الإسلامي من العرب في القرن الخامس عشر، بوصفها التعبير الدِّيني والثقافي عن “أمة الدّعوة” (أي العرب)، في مقابل “أمة الاستجابة” (الأتراك وبقية الشعوب الإسلامية).

من هذا المنظور، كانت تركيا العثمانية “عروبية” إلى أقصى الحدود. ومن هذا الموقع، كان الخليفة عبد الحميد يرفُـض بإصرار في أواخر القرن التاسع عشر الضغوط الغربية واليهودية العنيفة التي مورست عليه لحمله على السّـماح لليهود باستيطان فلسطين.

الآن، بدأت تركيا “العثمانية الجديدة” تنفض عنها غُـبار الذكريات المريرة لخِـيانة بعض العرب للدولة العثمانية وتحالفهم مع الأنجليز ضدّها، لتستعيد دورها “العروبي” التّـليد. قد لا يحدث هذا بين ليلة وضُـحاها، بسبب استمرار الغموض الذي يُـحيط بموقف الجيش التركي الكمالي من كل هذه التطورات الجِـسام. بيْـد أن إقدام إسرائيل على سفك دماء الأتراك المسالمين على هذا النحو السّـافر، قد يؤدّي إلى حصيلتيْـن إيجابتيْـن إثنتين بالنسبة إلى “العروبة التركية”:

الأول، دفع العلاقات التركية – الإسرائيلية إلى طريق اللاعودة، خاصة في حال رفضت تل أبيب الطّـلب التركي بالاعتذار عن هذه المجزرة، والثاني، تقاطع المشاعر القومية التركية (العنيفة عادة) مع العواطف الإسلامية التركية (الأعنف عادة)، ليولد من زواجهما الوليد العثماني الجديد الذي طال انتظاره في الشرق.

لقد لاحظ عمرو موسى خلال اجتماع الجامعة العربية أن تركيا “أصبحت شريكة للعرب في ضبط الأمور في المنطقة وفي التصدّي لهجمة قوات الاحتلال الإسرائيلية”، وهذا توصيف صحيح، لكنه غير كافٍ. فتركيا لم تعُـد شريكة وحسب، بل أيضاً دولة “عروبية” بامتياز في زمن بات فيه التنكّـر للعروبة، هي الموضة السائدة لدى العرب أنفسهم.

يهود.. ويهود

حسنا. إلى أين الآن من هنا؟ وكيف ستؤثِّـر هذه التطوّرات على وضع إسرائيل لدى كلِ من الحركة اليهودية العالمية والرأي العام الرسمي والشعبي الغربي؟

المفارقة هنا لا يمكن أن تكون أكثر وضوحاً: إسرائيل تحاصر عسكرياً قطاع غزة الصغير وتضرب قافلة بحرية إنسانية دولية، فيما 189 دولة في العالم، بمَـن فيهم أمريكا، تحاصرها نووياً وتطالبها بالرّضوخ إلى الإرادة الدولية. إنه مجدّداً “اليهودي في مواجهة العالم”، لكنه هذه المرة ليس اليهودي التائِـه والمُضطهَـد والمظلوم، بل المُسيْـطر والمُضطهِـد والظّـالم، الذي يعبث بالقِـيم الإنسانية في الجغرافيا ويُهدّد بتدمير كل التاريخ بقنابله النووية.

قد يقال هنا إن هذا الأمر ليس بالأمر المُستجدّ على اليهود. فبعد أن كانوا طيلة ألفيْ سنة يعزلون أنفسهم عن كل المجتمع البشري ويُـمارسون ضده نوعاً من الحرب الباردة على المستويات الأيديولوجية والثقافية (عبْـر اعتبار كل الغوييم، أي غير اليهود، “قوائم للشيطان”) حدثت تحولات تاريخية واقتصادية وسياسية هائلة في أوروبا والغرب عموما ساهم فيها العديد من ورموزهم بشكل حاسم وحين انتصرت الحداثة الرأسمالية والديموقراطية في الغرب، وجدت النّـخبة المالية والفِـكرية اليهودية نفسها متربّعة على عرش الدول الغربية ومُمسكة بالقرار السياسي والاقتصادي فيها.

هذه كانت ذروة الصعود اليهودي في العالم، والذي شهد حصول اليهود على شرعية لا تُضارع بوصفهم أرباب التحديث الرأسمالي والحريات المدنية. وكان يُفترض أن يُحتفل بهذا الانجاز في القدس، عاصمة الدولة اليهودية، التي تم تأسيسها بشكل مُـتزامن مع حِـقبة الصعود هذه.

بيْـد أن الرياح لم تجْـرِ كما اشتهت سُـفن اليهودية العالمية. فالنّـبتة الصهيونية، وعلى رغم كل خراطيم الدّعم المالي والتكنولوجي والحداثي الذي مُدَّت بها، وجدت نفسها في بيئة غير مؤاتية، فظهرت في الشرق الأوسط العربي، كعضو اصطناعي مزروع في جسم كان (ولا يزال) يرفضها ويلفظها باستمرار. كما أنها كانت مُصرّة على الترعْـرع والتوسّع في هذه البيئة المعادية، فكانت الحرب الدائمة، هي الأسلوب الوحيد الممكن في معركة صِـراع البقاء العجيبة هذه.

أين اليهودية العالمية من هذا التطور؟

في البداية، كانت الصورة واضحة: القلة اليهودية في إسرائيل ضحية كثرة عربية “بربرية وعدوانية ولا ديمقراطية”، والعالم لا يستطيع إلا أن يقف إلى جانبها، لكن الصورة في النهاية انقلبت إلى عكسها: القلة اليهودية تُهدِّد الكثرة العربية بالدّمار (بما في ذلك الدمار النووي) وترفض فكرة السلام برمّـتها.

هنا بدأ المأزق اليهودي العالمي مع إسرائيل، فوُلدت حركة “جي ستريت” في أمريكا و”جي كول” في أوروبا لمحاولة إيجاد مخرج من هذا المأزق. والحبل على الأرجح، سيكون على الجرار، حيث يُتوقّـع أن تتعالى الأصوات اليهودية التي بدأت تعتبر السياسات الإسرائيلية تهديداً للمكاسب الهائلة التي حققتها اليهودية العالمية في العصور الحديثة. والحصيلة: العالم بدأ يحاصِـر إسرائيل أخلاقياً وسياسياً ونووياً، وهي لا تزال مُصرّة على مواصلة حِـصارها اللاإنساني لغزة واللاعقلاني لمسألة السلام في الشرق الأوسط.

بيْـد أن كل هذه التطورات السلبية على الصعيد اليهودي – اليهودي، ليست خاتمة المطاف. هناك ما هو أسوأ على صعيد العلاقات بين الغرب واليهود. فكل الأمور كانت تسير على ما يُـرام بين الطرفيْـن حتى ما قبل حرب 1967، إذ كان الغرب بكل أطيافه اليسارية واليمينية يطل على إسرائيل من زاويتيْـن إيجابيتين: الأولى، أنها الدولة الليبرالية الديمقراطية الوحيدة في شرق أوسط استِـبدادي وديكتاتوري، ومُغالٍ في عدائه للغرب بفعل التاريخ والدّين والثقافة ما قبل الحديثة. والثانية، أن دعم الدولة الإسرائيلية يعوّض اليهود عن الممارسات العنصرية التي مارسها الغرب ضدهم إبّـان العصر النازي وما قبله.

بيْـد أن هذه الصورة الزاهية بدأت تهتزّ بالتدريج بعد حرب 1967، خاصة في أوساط اليسار الغربي، الذي كان يعتبر إسرائيل مشروعاً اشتراكياً تقدمياً، لكنه بعد هذه الحرب، بات يضعها في خانة الدول الاستعمارية. أما اليمين الغربي، فقد واصل اعتبار إسرائيل في جوهرها، دولة أوروبية وغربية، حيث كانت غالبية سكانها أوروبية (أشكيناز)، مثلما هو حال جميع قادتها منذ عام 1948. وقد تطلّب الأمر حدوث انقلاب ديموغرافي في إسرائيل، كي يبدأ اليمين الغربي بتغيير موقفه من الدولة الصهيونية.

ويوضح بول سالم، مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط، طبيعة هذا الإنقلاب الديموغرافي فيقول: “إن حرب 1967 أسفرت عن موجة جديدة من المهاجرين اليهود. فمن الولايات المتحدة جاء تيار من المتطرفين يحمل الكتاب المقدّس والخرائط ويحرص على الاستيطان في الأراضي المحتلة. ومن الدول العربية، جاءت الحرب بموجة كبيرة من المهاجرين الذين خرجوا بدافع العداء للعرب، أكثر من دافع الانجذاب إلى مبادئ الاشتراكية أو الصهيونية العِـلمانية. وكان من شأن هؤلاء الإسرائيليين الجُـدد أن يوفّروا الأساس الديمغرافي لصعود مناحيم بيغن وإسحق شامير، ولنزعة الهيْـمنة المتنامية لحزب الليكود واليمين. وبعدها، تحوّلت إسرائيل على نحو مُـتزايد من بلد للعمال الصهاينة الاشتراكيين، إلى بلد للمتعصّـبين الدِّينيين والشوفينيين القوميين المتطرِّفين والدّاعين إلى التطهير العرقي. ومع الموجة الإضافية من المهاجرين الرّوس، الذين أتَـوا في وقت لاحق، أكملت إسرائيل تحوّلها الديمغرافي، فباتت صورتها سلبية جداً لدى الرأي العام في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية”.

قضية المحرقة (الهولوكوست)، لا تزال تمنع العديد من الحكومات الأوروبية من اتِّـخاذ مواقف قوية، لكن حتى هذا التأثير بدأ يتلاشى ومعظم الأوروبيين اليوم، لا يمكنهم قبول الفكرة بأن الأحداث التي وقعت قبل وقت طويل من وِلادتهم، ينبغي أن تُبرر ممارسات إسرائيل ضدّ السكان الفلسطينيين العُـزّل اليوم.

هذا التحوّل الكبير في المواقف الغربية، والذي تجسّـد بتنامي الانتقادات الأكاديمية والسياسية والإنسانية لإسرائيل، سُـرعان ما تمدد إلى بعض أقسام اليهودية العالمية، التي خشِـيت أن تنتقل موجة الانتقادات هذه إليها، فانبرت هي الأخرى إلى رسم مسافة بينها وبين تل أبيب وإلى الإنخراط في حملة الانتقادات ضدّها.

والآن، إذا ما تقاطعت هذه الأجواء الثقافية – السياسية العالمية مع التحولات الرّاهنة في الموازين الإستراتيجية في الشرق الأوسط، بعد دخول تركيا وإيران على خطِّـها وبعد تراجُـع الهيبة العسكرية الإسرائيلية، فسيكون من المُـمكن بالفعل تحديد خياريْـن لا ثالث لهما لمستقبل إسرائيل: إما أن تقبل كونها دولة صغيرة مُندمجة في شرق أوسط عربي – إسلامي أو أن تُقدِم على الإنتحار الجماعي وتزول كدولة وكِـيان.

على أي الخيارين ستقع القُرعة “الإسرائيلية؟ لا تسألوا نتانياهو وليبرمان.

سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch

واشنطن (رويترز) – دعا الرئيس الامريكي باراك اوباما اسرائيل يوم الاربعاء 9 يونيو 2010 للمساعدة في تخفيف القيود على وصول المعونات الانسانية الى غزة عقب مداهمة قافلة معونات أسفرت عن سقوط قتلى وتعهد أوباما بتقديم معونة بقيمة 400 مليون دولار للفلسطينيين.

واستضاف أوباما الرئيس الفلسطيني محمود عباس في البيت الابيض يوم الاربعاء 9 يونيو ووصف الوضع في قطاع غزة المحاصر بأنه “لا يمكن أن يستمر” ودعا اسرائيل الى العمل مع جميع الاطراف من أجل ايجاد حل.

ولكن أوباما الذي تبنى نهجا حذرا لم ينضم الى الادانة الدولية الواسعة لاسرائيل بسبب مهاجمة قافلة المعونة ولم يدعم مطلب عباس برفع الحصار عن غزة.

وقال أوباما للصحفيين بينما كان عباس يقف بجانبه في المكتب البيضاوي ” الوضع الراهن الذي نواجهه غير مستقر منذ زمن بعيد.”

كما دعا اسرائيل والفلسطينيين الى بذلك مزيد من الجهد من أجل المضي قدما في المفاوضات غير المباشرة التي تتوسط فيها الولايات المتحدة وذلك في اطار سعيه لاحتواء تداعيات مهاجمة قافلة المعونة.

وتأتي زيارة عباس وسط رد فعل دولي غاضب من اسرائيل حليف واشنطن الوثيق بعد اعتلاء قواتها سفينة المساعدات التركية مافي مرمرة التي كانت متجهة الى قطاع غزة الذي تحكمه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) في 31 مايو ايار ومقتل تسعة نشطين مؤيديين للفلسطينيين عليها.

وحث عباس اوباما الذي كان اكثر ترويا في رده على الهجوم على الاسطول من المجتمع الدولي الاوسع على اتخاذ موقف اكثر تشددا مع اسرائيل.

وقال عباس “نرى أن هناك حاجة لرفع الحصار الاسرائيلي عن الشعب الفلسطيني.”

وأبدى أوباما تعاطفه مع محنة الفلسطينية في القطاع ولكنه أصر على أن أي حل ينبغي أن يلبي احتجات اسرائيل الامنية. وتقول اسرائيل ان الحصار المفروض منذ أكثر من ثلاثة أعوام يلزم في منع تهريب الاسلحة الى حماس. ويصف الفلسطينيون الحصار بأنه عقاب جماعي.

وقال أوباما “ينبغي أن تكون هناك وسائل للتركيز فقط على شحنات السلاح بدلا من التركيز بشكل عام على وقف كل شيء.. ومن ثم البدء بالتدريج بالسماح بمرور الاشياء الى غزة”. مضيفا ان ادارته بدأت مناقشات صارمة مع اسرائيل في هذه القضية.

ولا يوجد مؤشر على حدوث انفراجة جراء محادثات عباس مع أوباما ولكن الرئيس الامريكي لم يرسل نظيره الفلسطيني الى بلاده خاوي الوفاض. فقد أعلن أوباما عن معونة تنمية اقتصادية جديدة للضفة الغربية وقطاع غزة بقيمة 400 مليون دولار.

وأي دفعة ماليا لغزة لا بد أن تكون مقيدة بشروط تبقيها بعيدة عن أيدي حماس المدرجة على قائمة الارهاب الامريكية.

وفي السنوات الاخيرة كان أغلب المساعدات الامريكية للفلسطينيين يرسل الى الضفة الغربية التي تسيطر عليها حركة فتح بزعامة عباس أو ينقل الى غزة عبر منظمات دولية. وتعهدت واشنطن بتقديم 900 مليون دولار للفلسطينيين في مؤتمر للجهات المانحة في 2009 .

وفي اشارة الى رغبة الولايات المتحدة لتعزيز موقف عباس أمام شعبه سمح للصحفيين بدخول المكتب البيضاوي لمقابلة الزعيمين معا. وكانت التغطية الصحفية ممنوعة خلال زيارة متوترة في نوفمبر تشرين الثاني لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو ما وصفته وسائل اعلام اسرائيلية على نطاق واسع بأنه ازدراء.

وأبدى أوباما تأييده لاجراء تحقيق “موثوق منه” لحادث القافلة قائلا ان من المهم “اخراج الحقائق الى العلن”. ولكنه لم يتطرق للدعوات باجراء تحقيق دولي مستقل. واصرت اسرائيل على اجراء تحقيق بنفسها على أن يلعب خبراء أو مراقبون أجانب دورا.

وعلى الرغم من التوترات المتصاعدة في المنطقة تأمل ادارة أوباما أن تبقي على المحادثات غير المباشرة التي ترعاها الولايات المتحدة والتي لم تحقق تقدما يذكر منذ أن بدأت في أوائل مايو ايار. ويأمل اوباما في دفع الطرفين نحو الدخول في محادثات مباشرة.

وزادت دبلوماسية أوباما في الشرق الاوسط -التي تمثل عنصرا محوريا في تقربه الى العالم الاسلامي- تعقدا بعد مهاجمة اسرائيل لقافلة المساعدات المتجهة الى غزة.

وعقد الاجتماع بين عباس وأوباما بعد أسبوع من الغاء نتنياهو محادثات في واشنطن وعودته مسرعا الى الدولة اليهودية للتعامل مع الازمة التي سببها الهجوم على القافلة.

ووصفت زيارة نتنياهو بأنها محاولة لرأب الصدع لتجاوز الخلافات المتعلقة ببناء المستوطنات اليهودية في الاراضي المحتلة.

وليس هناك متسع أمام أوباما للمناورة في الوقت الذي تقترب فيه انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر القادم ولابد أن يضع في اعتباره أن اسرائيل تحظى بشعبية بين المشرعين والناخبين الامريكيين.

ووصل عباس الى الولايات المتحدة قادما من تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي والتي أدانت الممارسات الاسرائيلية وخفضت علاقاتها معها. ووصف عباس الهجوم بأنه “مذبحة”. وقالت اسرائيل ان قوات الكوماندوس التابعة لها كانت تدافع عن نفسها عندما تعرضت للهجوم لدى اعتلائها السفينة مرمرة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 جوان 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية