مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اليوم العالمي للعمل الإنساني: بعد عقد من الزمن، بماذا نحتفل؟

مبدنى الامم المتحدة الرئيسي في بغداد
يخلد اليوم العالمي للعمل الإنساني اليوم الذي قُتل فيه مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق، سيرجيو فييرا دي ميلو، و21 موظفاً آخرين في تفجير انتحاري في مقر الأمم المتحدة في بغداد، العراق في 19 أغسطس 2003. Keystone / Jerzy Undro

يصادف يوم 19 أغسطس من كل عام، اليوم العالمي للعمل الإنساني. وتم الاحتفال بهذا اليوم للمرة الأولى قبل 10 سنوات في عام 2009. وجاء هذا اليوم "مستلهماً" ، إذا صح التعبير، من الوفاة المأساوية التي حدثت لـ 22 من عمال الإغاثة في بغداد عام 2003، عندما هاجم انتحاري مجمع الأمم المتحدة هناك.

أذكر ذلك اليوم منذ 16 عاماً، كان العديد من الصحفيين، وأنا من بينهم، ينظرون إلى عراق ما بعد صدام، في المهمة الطموحة التي اضطلعت بها الأمم المتحدة لدعم البلد نحو مستقبل جديد، معتبرين أن الأمر يمكن أن يكون بداية لقصة جيدة. وكانت رحلتي الخاصة الى هذه البلاد مع اثنين من الصحفيين السويسريين ما تزال في مرحلة التخطيط.

ولكن خططنا لهذه الرحلة انتهت بشكل مفاجئ في ذلك اليوم؛ فقد بدأ عمال الإغاثة والصحفيون على حد سواء ينظرون بجديّة إلى ما يبدو واقعاً مستجداً قاسياً للعمل في مناطق الصراع.

قال لي أحد عمال الإغاثة: “لم يعد الخطر على حياتنا يقتصر على وجودنا في مرمى تبادل إطلاق النار. في الواقع، لقد أصبحنا هدفاً “.

في جنيف، أدى هذا الواقع الجديد إلى تفاقم مشاعر الحزن، إزاء فقدان عدد كبير من الزملاء. عاد الدكتور ديفيد نابارو، الذي كان يعمل مع منظمة الصحة العالمية، من العراق وهو لا يزال يحمل غبار ودماء القصف على ملابسه. وقال إنه حاول علاج المصابين، في الوقت الذي كان يعرف فيه أن بعض أصدقائه مازالوا محاصرين داخل مقر الامم المتحدة، الذي تم قصفه.

“لقد أدركت”، كما قال لاحقاً، “أن حياتي لن تكون أبداً كما كانت”.

تقلّص الحيّز المتاح للعمل، وازدياد عدد القتلى

يتم كل عام إحياء ذكرى أولئك الذين لقوا حتفهم في بغداد في تكريمٍ مؤثر. ومن خلال التطرّق إلى موضوع مختلف في كل عام، ينتهز القيّمون على هذا اليوم العالمي للعمل الإنسانيرابط خارجي الفرصة، للفت انتباه الرأي العام إلى دور العاملين في المجال الإنساني، وحاجتهم إلى العمل في ظروف آمنة.

ومع ذلك، فإن الهجمات وعمليات الاختطاف والقتل مستمرة؛ بل ويبدو في الواقع، أنها في تزايد مستمر. ففي عام 2018، تعرّض عمال الإغاثة لأكثر من 400 من أعمال العنف، أدت الى 131 حالة وفاة. فمن جنوب السودان، إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية المنكوبة بالإيبولا، إلى سوريا، إلى اليمن، إلى أفغانستان، يخاطر عمال الإغاثة بحياتهم من أجل إنقاذ أرواح الآخرين.

ولكن ولسبب ما، وبالرغم من كل ما يقوم به عمال الإغاثة من مساعدات ملموسة للمنكوبين في مناطق الصراع، ورغم سياساتهم المعلنة في البقاء على الحياد التام، ومدّهم يد العون للأشخاص الأكثر ضعفاً، فإن كل ذلك لا يبدو كفيلاً لضمان الاحترام لهم والحماية التي يحتاجونها، لكي يستمروا في القيام بوظائفهم بأمان.

التركيز على العمل المحلي

ولذلك، تقوم الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة هذا العام، بالبحث عن الطرق التي من شأنها أن تعزز سلامة واحترام العاملين في هذا المجال بطريقة أفضل. وخلص الصليب الأحمر إلى التركيز الرئيسي على المتطوعين المحليين. ويضم الصليب الأحمر حالياً 191 جمعية وطنية، تضم آلاف الأشخاص الذين هم على أهبة الاستعداد لتقديم يد العون في أعمال الإغاثة، إذا ما ضربت كارثة ما مناطقهم أو حصل صراع ما داخل مجتمعاتهم.

وتشرح جميلة محمود، الوكيلة العامة في الاتحاد الخارجي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمررابط خارجي (FRC)، قائلة: “إن عمال الإغاثة المحليين (في المقام الأول) هم الذين يُقتلون أثناء تأدية واجبهم”، وتضيف: “غالباً ما يكون هؤلاء المتطوعون هم الذين يعيلون أسرهم”.

ورغم ذلك، ففي كثير من الأحيان، لا تلقى الهجمات التي يتعرّض لها العاملون المحليّون في المجال الإنساني وتؤدي الى مقتلهم سوى القليل من الاهتمام، على الأقل مقارنة بالضجة الإعلامية التي تميل إلى مواكبة مقتل عامل إغاثة دولي.

بل والأكثر من ذلك، أن مستوى دورات التدريب على السلامة، وحتى التأمين ضد الوفاة أو العجز للعاملين في مجال المساعدات المحلية، غالباً ما يكون أدنى من ذلك الذي يتم توفيره للموظفين الدوليين.

ويمارس الصليب الأحمر ضغوطاً على أصحاب القرار، من أجل معاملة أكثر انصافاً للمتطوعين المحليين، ويتفاوض من أجل الحصول على خطة تأمين شامل لهم، كما يشجع على القيام بالمزيد من دورات التدريب على السلامة.

وتقول جميلة محمود: “نريد أن نضمن حصول العاملين في الميدان، والمتطوعين المحليين، على ما هو متاح للعمال الدوليين”. “إنه العمل المسؤول وهو الواجب الأخلاقي الذي يجب القيام به، وهو ليس امتيازاً أو ترفاً.”

التركيز على دور المرأة

وفي الوقت نفسه، اختار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيةرابط خارجي، أن يجعل المرأة محور الاهتمام هذا العام. فوسط أدلة على أن العاملات في مجال الإغاثة هنّ أكثر عرضة لخطر العنف وخاصة العنف الجنسي، مقارنة بنظرائهن من الرجال، يقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إنه يريد الاحتفال بـ “قوتهن ومقدرتهن ومثابرتهن”.

وهو ليس مجرد احتفال بالإنجازات الفردية، بل يعني أكثر من ذلك، كما تعتقد شاما مول من منظمة “سي إتش إس ألاينس”، وهي منظمة تروج للمعايير الإنسانية الأساسية بشأن الجودة والمساءلةرابط خارجي.  وتشير قائلة: “إن وجود المرأة العاملة في المجال الإنساني أساسي لتلبية المساعدة الفعالة. فنحن النساء نتمكن من الوصول بسهولة أكبر إلى أكثر الفئات ضعفاً في الأزمة: النساء والأطفال وكبار السن.”

ورغم ذلك وفي الوقت نفسه، قد تواجه العاملات في مجال الإغاثة حالة من انعدام الثقة بهن، حتى من قِبَل مجتمعاتهن المحلية، إذا تبيّن أن عملهن يتخطى الحواجز الثقافية أو الاجتماعية.

تقول شاما مول: “أذكر خلال تلبيتنا لنداء الإغاثة بعد زلزال جنوب آسيا الذي حصل عام 2005، أنه كان من الصعب للغاية الوصول إلى النساء اللاتي يعشن في بعض المجتمعات النائية الأكثر محافظةً في شمال باكستان”. كان علينا التفاوض مع قادة المجتمع من الذكور قبل أن نلتقي بالنساء؛ فبعض المجتمعات المحلية قد تنظر إلى النساء العاملات في المجال الإنساني كتهديد، خشيةً من تغيير الأعراف الثقافية”.

ممارسة ما نعظ به  

وتعتقد شاما أن مسؤولية التصدي للتحديات المحددة التي تواجهها المرأة عند اضطلاعها بالأعمال الإنسانية، تقع على عاتق وكالات الإغاثة التي لم تواجهها بشكل كامل إلى اليوم.

وتضيف أن ممارسات التوظيف التي تتبعها نفس وكالات الإغاثة هذه، لا تزال تشجع في بعض الأحيان على عدم التوازن بين الجنسين: “بصفتنا موظفين في المجال الإنساني والتنمية، فإننا نسعى جاهدين لدعم وتمكين الفئات المهمشة، بما في ذلك النساء، من الحصول على حقوقهم الأساسية.”

“ومع ذلك، فنحن كموظفات في القطاع نعلم أنه يمكن معاملتنا بشكل مختلف، نمطي، ومصنّف مسبقاً؛ فما زلنا لا نرى تصرّفات إنسانية متوازنة بين الجنسين.”

وتعتقد أن الوقت قد حان للمجتمع الإنساني أن يفكر ويمعن النظر في السؤال التالي “لماذا لا نطبق داخل منظماتنا نفس القواعد والمعايير التي نعمل على تحفيزها خارجاً؟ نحن بحاجة إلى ممارسة ما نعظ به”.

تآكل المبادئ؟

ولكن ومع تضافر جهود المجتمع الإنساني في 19 أغسطس من كل عام، لتكريم عمال الإغاثة والإشادة بدور العاملات في مجال الإغاثة بصفة خاصة، هناك أمر آخر يبعث على القلق.

أياً كان ما تفعله وكالات الإغاثة نفسها من أجل زيادة مستوى السلامة، ومستوى الوعي إزاء التحديات الخاصة التي تواجه النساء، وزيادة المساهمات الخاصة المقدمة من قبلهن، فلا تزال هناك خشية من أن يتضاءل الحيز المتاح للعمل الإنساني مع تزايد الهجمات على العاملين في مجال الإغاثة، بسبب عدم تقديم الدعم للمبادئ التي يقوم عليها هذا العمل.

ويعد عام 2019 أيضاً الذكرى السنوية السبعين لاتفاقيات جنيف، وهي مجموعة من القواعد تُنتهك أغلب الأحيان، مع أنها دُعمَت بثبات ولعقود من قِبَل زعماء العالم، واعتبرها الكثيرون ثابتة، لا رجعة فيها.

لكننا اليوم نرى أن الأمور تغيّرت؛ فلم نعد نشهد هذا الإجماع من قِبَل قادة الحكومات على الاتفاقيات والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبدلاً من ذلك، ينصب الاهتمام على وضع المصالح الوطنية فوق كل اعتبار، وعلى حماية الحدود.  ووصل الأمر لدرجة أن بعض المنظمات في الولايات المتحدة وأوروبا تواجه ملاحقات قانونية لقيامها بمساعدة المهاجرين وطالبي اللجوء.

وتخشى جميلة محمود أن يؤدي “تجريم أعمال الإغاثة ” إلى آثار خطيرة على سلامة العمل الإنساني.

وتقول: “عندما يتم تجريم أعمال الإغاثة، وتسييس المساعدات الإنسانية، فسيكون لذلك حتماً آثار على الأمن والسلامة”. هذه الآثار هي: مزيد من القيود على كيفية ومكان نشاط عمال الإغاثة، ونقص في احترام وفهم الدور الحاسم الذي يقومون به في النزاعات والأزمات، وربما يؤدي ذلك إلى المزيد من الهجمات والقتلى.

إنها مأساة للإنسانية جمعاء وليست فقط للعاملين في المجال الإنساني.


يمكنكم متابعة إيموجين فولكس على العنوان التالي  imogenfoulkes@

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية