تحالف سويسري-أوروبي جديد لتمويل مشاريع مناخية في دول نامية
مع انتهاء المفاوضات في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 30" بمدينة بيليم البرازيلية، أعلنت سويسرا تشكيل تحالف يضم دولا تؤيد آلية التعويض عن الانبعاثات الكربونية التي تعتبر سويسرا رائدة في تنفيذها.
يوم الجمعة الماضي، أعلنت وزارة البيئة السويسرية إطلاق “تحالف الطموح بموجب المادة السادسة”، مجموعة تضم عشرة دول تتعاون في إطار المادة السادسة من اتفاقية باريس للمناخ. ويهدف لمساعدة الدول المتقدمة على تضييق الفجوة بين خططها الوطنية لخفض الانبعاثات الكربونية، والأهداف الدولية الرامية إلى إبقاء الاحترار العالمي ضمن حدود الاتفاقية، المحدّدة قبل عقد من الزمن.
وتنضم إلى سويسرا في هذا التحالف ألمانيا، ولوكسمبورغ، والنرويج، والسويد. وهي دول تعتزم تمويل مشاريع تهدف إلى التعويض عن انبعاثاتها الكربونية في الخارج، فضلا عن الدول المضيفة الملتزمة بالموافقة عليها وتنفيذها على أراضيها. وهي بيرو، وتشيلي، ومنغوليا، وغانا، وزامبيا.
ويتيح البند الثاني من المادة السادسة في اتفاقية باريس للدول المتقدمة نقل تخفيضات الانبعاثات الكربونية إلى دول أخرى من خلال اتفاقيات ثنائية، ثم يتم نقل أرصدة تعويض انبعاثات الكربون، وتُعرف التعويضات الصادرة في إطار هذه الاتفاقيات الثنائية باسم “نتائج التخفيف المنقولة دوليًّا” (ITMOs).
وتعتزم سويسرا تعويض نحو ثلث انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون. وذلك، من خلال شراء شهادات تخفيض الانبعاثات الكربونية في دول أخرى، بموجب البند الثاني من المادة السادسة المشار إليه أعلاه.
غير أن هذه الآلية تعرّضت لانتقادات لأنها تتيح للدول استخدام أرصدة تعويض انبعاثات الكربون بدلًا من اتخاذ المزيد من الإجراءات على الصعيد المحلي للحد من الانبعاثات الخاصة بها. وامتدت الانتقادات إلى قضايا أخرى، منها لجوء شركاء من الدول المتقدمة إلى “الثمار سهلة المنال”، أي المشاريع الممكن للدول النامية تنفيذها أصلًا لخفض انبعاثاتها الكربونية، فضلًا عن قضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك غياب الحصول على موافقة مستنيرة من المجتمعات المحلية قبل تنفيذها.
ودعم بيان صادر عن التحالف التقرير الصادر مؤخرًا عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. فأفاد بعدم كفاية الأهداف المناخية الوطنية للبلدان حول العالم، لتحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ الرامية لحصر ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية عند 1،5 درجة مئوية. وهناك حاجة إلى مزيد الإجراءات لتخفيف آثار تغير المناخ، وتقديم المساعدة للبلدان النامية.
وكان من المقرر الإعلان عن التحالف في فعالية، بحضور وزراء من الدول الشريكة يوم الخميس الماضي. لكن تقرر إلغاؤها بسبب استمرار مفاوضات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ بشأن النص السياسي النهائي. وقد أطلق عليه الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، اسم Global Mutirão. وهو مصطلح يعني، في لغة توبي-غواراني، “الجهد الجماعي”. كما أدّى حريق في موقع انعقاد المؤتمر، إلى تعقيد خطط الإطلاق المشترك للتحالف بشكل إضافي.
مشروعان إضافيان وأخرى في الطريق
كانت سويسرا من أبرز الداعمين لآلية التعويض الثنائي عن الانبعاثات الكربونية قبل إقرار اتفاقية باريس للمناخ عام 2015. ثم وُضع عام 2021 دليل قواعد، أو إطار عمل، يحدد المبادئ التوجيهية بما فيها كيفية احتساب التحويلات بين الدول. ويحتوي الدليل عددًا من ضمانات الحماية الاجتماعية خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 26”.
وفي مدينة بيليم، وسّعت سويسرا قائمة اتفاقياتها بموجب البند الثاني من المادة السادسة. إذ وقّعت ثلاثة اتفاقات جديدة مع منغوليا، وزامبيا، وأوغندا، ليرتفع إجمالي ما وقّعته إلى 17اتفاقًا. وقد وصل وزير البيئة والطاقة السويسري ألبرت روشتي، يوم الخميس للمشاركة في مرحلة المفاوضات الأخيرة في المدينة الساحلية البرازيلية. وقال متحدثا إلى سويس إنفو ( Swissinfo.ch)، إنّ المادة السادسة مهمة لسويسرا، مضيفًا أنّ نحو 20 اتفاقًا إضافيًا قيد المناقشة حاليًا.
وشملت مشاريع سابقة لسويسرا تمويل مبادرات مثل مبادرة مواقد طهي أكثر استدامة في بيرو، أوّل مبادرة لها، ومشروع الحافلات الكهربائية في تايلاند. كما تعاونت دول متقدمة أخرى، منها سنغافورة، واليابان، والمملكة المتحدة، بنشاط مع دول نامية في مشاريع بموجب البند الثاني من المادة السادسة.
أين أرصدة تعويض انبعاثات الكربون؟
مع توسيع سويسرا لمحفظة مشاريعها بموجب البند الثاني من المادة السادسة، عبّر خبراء عن مخاوف بشأن ما سيحدث بعد عام 2030. أي قبل أحدث أهداف السياسة المناخية السويسرية المحددة لعام 2035 بخمس سنوات. ويرى أكسل ميتشلوفا، رئيس سياسات المناخ الدولية في جامعة زيورخ السويسرية، حاجة الحكومة السويسرية إلى تمديد شراء أرصدة تعويض انبعاثات الكربون حتى عام 2035. وقال: “لا تهبط هذه المشاريع من السماء؛ فهي تحتاج إلى رؤية طويلة الأمد. والمنظور الحالي حتى عام 2030 غير كافٍ”.
تم إعداد الاتفاقيات المتعلقة بالمناخ وفقًا للبند الثاني من المادة السادسة، بهدف تحقيق هدف سويسرا في تقليل انبعاثات الكربون بحلول عام 2030. وجاء ذلك قبل تقديم خطة المناخ الأحدث، المعروضة على هيئة الأمم المتحدة المعنية بالمناخ في وقت سابق من هذا العام، والتي تغطي الفترة حتى عام 2035.
وفي ذات الوقت، أشار تقرير خبراء فنيون.اترابط خارجي نشرته أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) في أغسطس، إلى وجود تأثير ضئيل لاتفاقيات نتائج التخفيف المنقولة دوليًّا على خفض الانبعاثات الكربونية في سويسرا.
وعند سؤاله عن هذا التقرير، قال روشتي في مدينة بيليم، شهدت سويسرا “تقدمًا واضحًا” نحو تحقيق أهدافها الخاصة بالمناخ، بفضل اعتماد قانون المناخ والابتكار. وذلك عقب استفتاء أجري قبل عامين، يهدف إلى بلوغ صافي انبعاثات كربونية صفري بحلول عام 2050.
وشهد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ المعقود بمدينة باكو في أذربيجان العام الماضي، اعتماد دليل قواعد لأرصدة سوق الكربون الطوعي. وذلك من أجل تنظيم أفضل لكيفية حصول الجهات الفاعلة الخاصة والعامة، على أرصدة مقابل خفض الانبعاثات الكربونية. وبموجب ذلك الإطار، المعروف بقواعد البند الرابع للمادة السادسة، ستكون الصفقات المبرمة الآن، كما أشار ميتشلوفا، أكثر موثوقية من حيث الضمانات الاجتماعية والبيئية. وكذلك مع إنشاء هيئة إشرافية تابعة للأمم المتحدة للمساعدة في تنفيذ الآلية، بما يوفّر رقابة أقوى وشفافية أكبر.
إجراءات غير كافية
انتقدت منظمات المجتمع المدني اعتماد برن على هذه الأداة لتعويض الانبعاثات الكربونية المحلية. وقالت بيتينا دور، مديرة برنامج العدالة المناخية في صندوق لينتن السويسري، في حين يُفترض بالمادة السادسة زيادة الطموحات الخاصة بالمناخ، يمثّل استخدامها الفعلي من قبل دول، مثل سويسرا، “انحرافًا” عمّا تم الاتفاق عليه في اتفاقية باريس للمناخ، ومنح الدول مزيدًا من المرونة في خفض انبعاثاتها الكربونية. وتضيف: “إنهم لا يستخدمونها لزيادة الطموحات [الخاصة بخفض الانبعاثات الكربونية]، بل لتعويضها، ما لا يقود إلى مزيد من الطموحات بشكل عام”.
كما يشير خبراء إلى إمكانية انجذاب الدول النامية، رغم حذرها من هذه الآليات، إلى جوانبها التنموية على نحو مضلِّل.
وأضافت دور: “لا تبدي العديد من المجتمعات المحلية التي تحدثنا إليها، أي اهتمام بأسواق الكربون. وقد يرها بعضها، خاصة في أفريقيا، فرصة لتمويل التنمية، والانتقال إلى الطاقة النظيفة مع تراجع مصادر التمويل الأخرى. ولكن طالما تستخدم دولٌ مثل سويسرا، البند الثاني من المادة السادسة بشكل أساسي لتحقيق أهدافها الخاصة بخفض الانبعاثات الكربونية، فلا يضفي ذلك الشرعية على استخدامها”.
ورفض روشتي المخاوف من إمكانية اعتبار المشاريع الخاصة بالمادة السادسة شكلًا من أشكال المساعدة الإنمائية، أو التمويل المناخي. وقال: “لا أعتقد أننا يمكننا اعتبارها تمويلًا خاصًا بالمناخ خارج البلاد. فنحن نعوض عن تخفيضات ثاني أكسيد الكربون في سويسرا، لأنها أرخص للطن خارج البلاد”.
وقضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2024، بعدم كفاية جهود الحكومة السويسرية لتحقيق أهدافها في خفض الانبعاثات الكربونية. وذلك في قضية رفعتها مجموعة من النساء المُسنّات، القائلات إنهنّ أكثر عرضة لتأثيرات تغيّر المناخ. وقد جادلن بمواجهتهنّ خطرًا أعلى للوفاة بسبب موجات الحر الشديدة والمتكررة. وخلصت المحكمة إلى عدم بذل سويسرا جهودًا كافية للحد من الاحترار العالمي إلى 1،5 درجة مئوية.
المزيد
تحرير: فيرجيني مانجان
ترجمة: أحمد محمد
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.