عمالة الأطفال في بنغلاديش… محاولة لمكافحة الفقر عبر التعليم

أصبح التقدم الكبير الذي حققته بنغلاديش في مجال مكافحة عمالة الأطفال، عرضة للخطر. تقرير يرصد الوضع من مصنع للأسماك في نزيرارتيك، حيث يعمل العديد من الأطفال.

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
ابتدأت موجة البرد، لكن لا تزال درجة الحرارة 30 درجة في نزيرارتيك الواقعة جنوب بنغلاديش. في البلدة الساحلية القريبة من مدينة كوكس بازار، تُنتج أساسا الأسماك المجففة. وعلى أيدي النساء، والأطفال، والشباب، تُعبَّأ الأسماك التي تُصَاد عبر أسطول ضخم وتُباع، هنا في خليج البنغال.
يقطع العاملون والعاملات السمك، وينظفونه ويضعونه على مقاعد خشبية طويلة حتى يجف، ثم يعودون إليه بعد عدة أيام. وتُعتبر ظروف العمل صعبة، ومستوى المعيشة في حي نزيرارتيك الفقير سيئة، حتى بالمعايير المحلية.
وتنتشر عمالة الأطفال كثيرا في هذا القطاع، وتتمثل المشكلة الكبيرة في أن هؤلاء الأطفال يتركون المدارس، ولا يتلقون أي تعليم. ويظلون بذلك أسرى دائرة الفقر، وانسداد الآفاق. ولذلك، تعمل هنا منظمات مختلفة من أجل دمج الأطفال في نظام التعليم.

المدرسة أم العمل؟ الكثيرون ليس لديهم خيار
يضم أحد مباني الحيّ الفقير القليلة، المبنية من الطوب، مكاتب لمنظمة القوة الشبابية في العمل الاجتماعي (YPSA) المحلية غير الحكومية، التي توفّر فرصا تعليمية للأطفال والشباب. بعد ظهر هذا اليوم، يجلس الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و14 عاما في الفصل في غرفة واحدة. لقد عمل الأطفال في الفترة الصباحية، ويمكنهم الآن قضاء بضع ساعات في المركز.
ويتفق الجميع في وصف الوضع: مشقّة العمل وخطورته، والوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة مع رائحة السمك القوية، والشعور بالتعب الشديد في المساء. إنهم يفضلون الذهاب إلى المدرسة، ولكن ليس لديهم خيار آخر، إذ تعتمد الأسر على الدخل الإضافي من العمل في قطاع الأسماك.

ويبدو الأمر مشابها في مركز آخر لمنظمة (YPSA) للخدمات الاجتماعية، على بعد بضع مئات الأمتار. فهناك، تتعلم الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 14 و18 عاما الخياطة وحرف التجميل. وتهدف وحدات التدريب إلى مساعدتهن على تعلم المهارات التي تمكّنهن لاحقا من العثور على عمل في قطاع آخر، ومن ثم ستمكّنهن أيضا من الخروج من دوامة الفقر وانسداد الآفاق، لأن عمالة الأطفال تؤدي إلى المزيد من حالات مغادرة المدارس، وزواج القصّر.
كما تنتشر الأمية كثيرا، ولا يحضر نصف الأطفال الفصول الدراسية، إذ لا يستطيع الجميع هنا تحمل تكاليف التعليم.
يقول محمد علي شاهين من منظمة (YPSA): “نتحدث عن تغيير في عقول الناس، فيتعلّق الأمر بجعل الالتحاق بالمدارس يؤتي ثماره بشكل أكبر على المدى الطويل”. ولكن يجب ألا نتوهم، فيفضّل الآباء هنا أيضا إرسال أطفالهم إلى المدرسة عوضا عن العمل، ولكنهم ببساطة يعتمدون على الدخل الإضافي الذي يوفّره هؤلاء.

المزيد
نشرتنا الإخبارية المتخصصة في الشؤون الخارجية
وبالإضافة إلى العروض التعليمية، تقدم هيئة العمل الاجتماعي غير الحكومية تعويضا ماليا. ويشرح علي شاهين “عبر الدفع مباشرة، نعوض الأسر عن الوقت الذي يؤمّ فيه الأطفال مراكزنا، ولا يذهبون إلى العمل”. وليتضح الأمر أكثر، يحصل الطفل أحيانا على 100 تاكا (75 سنتيما) مقابل حصة عمل مدتها 8 ساعات، وأحيانًا أقل، بينما يتلقى البالغون ضعف هذا المبلغ تقريبا.
وتوفّر هذه البرامج الاجتماعيّة الحماية للعائلات أيضا، إضافة إلى التعليم. إذ لا يعمل العديد من الأطفال في ظروف صعبة فحسب، بل غالبا ما يكون العديد منهم بمفردهم أثناء عمل الآباء. ولذلك تضطر النساء أحيانا إلى اصطحاب أطفالهن معهن إلى العمل، وتلك الخطوة الأولى نحو عمالة الأطفال.

التقدم في خطر
تعدّ بنغلادش إحدى أفقر البلدان في آسيا، ولا تزال عمالة الأطفال منتشرة كثيرا. وبحسب الإحصائيات الرسمية لعام 2022، يعمل 1،77 مليون طفل في البلاد، ويمارس 1،1 مليون منهم أعمالا خطيرة؛ في مجالات الصناعة، أو البناء، أو القطاع غير المهيكل، لكن تشير التقديرات إلى أن الأرقام عند مستويات أعلى بكثير.
ومنذ مطلع الألفية، تمكنت البلاد من الحد من عمالة الأطفال كثيرا من خلال مشاريع عديدة، ودخلت اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الحد الأدنى لسن العمل حيز التنفيذ عام 2022، إذ يُسمح بالعمل من سن 14 عاما، لكن في ظل ظروف تهدف إلى ضمان تنمية الشباب المستدامة فقط.
ومع ذلك، فقد تفاقم الوضع في السنوات الأخيرة؛ من هجرة مرتبطة بالمناخ والأوبئة، وارتفاع التضخم، ما أثّر في الفئات الضعيفة على وجه الخصوص. وتشهد البلاد أيضا مأزقا سياسيا منذ الصيف الماضي، بعد الإطاحة بالحكومة القائمة لفترة طويلة، وتشكيل حكومة مؤقتة.
ومن ضمن الفئات الهشة، يتأثّر الأطفال خاصة أطفال الشوارع، وكذلك الأقليات العرقية واللاجئين واللاجئات على نحو خاص، بالأوضاع المنجرة عن أزمات المناخ. إذ يسهل استغلالها، وتأجيرها بأثمان أقل، دون أن تتمرد أو تحتج على ظروف العمل الصعبة.

العمل لأجل أضعف الفئات
في نزيرارتيك، يعيش ما يقدر بنحو 10،000 أسرة، يعمل من بينها آلاف الأشخاص في قطاع الأسماك المجففة، أغلبيتهم من النازحين والنازحات داخليا؛ وقد اضطر هؤلاء إلى مغادرة منازلهم، بسبب الكوارث الطبيعية أو التغيرات المناخية.
وينطبق ذلك أيضا على جناتول الفرداس، التي تعيش في كوخ مع عائلتها. يعمل زوجها صيادا، وتعمل هي وأطفالها الأربعة في مصنع الأسماك المجفّفة. وتتمكّن أسرتها من الصمود بفضل هذا الدخل والتبرعات المقدّمة من المنظمات، وإن كان ذلك بشكل محفوف بالمخاطر. ويشارك أطفالها في برامج منظمة (YPSA)، فتقول: “بالطبع آمل أن يكون لديهم مستقبل أفضل، لكن عليهم أولا أن يتعاملوا مع الحاضر الصعب”.
تحرير: بنيامين فون فيل
ترجمة: ماجدة بوعزّة
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.