مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الوجوه العديدة لعمالة الأطفال والطفلات في سويسرا

المزارعة الطفلة تسيتسيليا شميديغ بعدسة المصوّر ليونارد فون مات، حوالي العام 1942.
المزارعة الطفلة تسيتسيليا شميديغ بعدسة المصوّر ليونارد فون مات، حوالي العام 1942. © Leonard von Matt / Fotostiftung Schweiz

كان الأطفال والطفلات قوّة عاملة أساسية للأسر خلال القرن التاسع عشر وفي أوائل القرن العشرين. ومع بداية العصر الصناعي، تمّ استغلالهم.ن كقوة عاملة ذات تكلفة منخفضة. يسلّط معرضٌ الضوء على حقبة منسيّة من تاريخ سويسرا. 

يعدّ الإدمان الرقمي الأكثر شيوعاً اليوم. لم يعد بإمكان الأطفال، ذكورا وإناثا، التوقّف عن النظر إلى شاشة هواتفهم.ن الذكية، مما يؤدي إلى عدم قدرتهم.ن على فهم معنى اللعب. ووفقاً لدراسة قامت بها منظمة “أنقذوا الأطفال”، يقضي العديد من المراهقين.ات أكثر من خمس ساعات يومياً على الإنترنت، ممّا يؤثّر سلبياً على نموهم العقلي والاجتماعي. 

ويُعتقد أنه غالبًا، لم يعرف الأطفال والطفلات، في القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين، معنى اللعب. حيث إنه لم يتسنّ لهم.نّ الوقت أو الفرصة للّعب. وكان يتوجّب عليهم.هنّ العمل للمساهمة في دخل الأسرة. 

الحقبة المنسيّة من تاريخ سويسرا 

يقام معرض “الأطفال العاملين والطفلات العاملات في القرنين التاسع عشر والعشرين”رابط خارجي، في منتدى التاريخ السويسري. ويسلّط المعرض الضوء على جوانب عديدة من العمل القسري في سويسرا. توضح بيا شوبيغر، المؤرخة والمنسقة للمعرض في شفيتس، أنّها ” المرة الأولى التي تعرض فيها عمالة الأطفال والطفلات بطريقة شاملة. وقد تمّ جمع هذه المعلومات من خلال دراسة مستفيضة للمادّة المتاحة. يمكن أن يؤدي هذا المعرض إلى بدء المزيد من الابحاث حول حقبة منسية من تاريخ سويسرا”. 

لمحة من المعرض المقام حالياً في منتدى التاريخ السويسري في شفيتس.
لمحة من المعرض المقام حالياً في منتدى التاريخ السويسري في شفيتس. SNM Jörg Brandt

في الماضي، كانت المساهمة التي يقدمها الأبناء والبنات مهمّة جداً في مجال الزراعة والحرف اليدوية والصناعات المنزلية الصغيرة. لذلك، لا تعود ظاهرة العمل القسري للأطفال والطفلات إلى العصر الصناعي فقط. وكان الأطفال، إناثاً وذكوراً، ينشؤون في عالم الكبار، ويكتسبون من خلال اللعب المهارات اللازمة ليصبحوا دعماً أساسياً لعائلاتهم.ن التي غالباً ما تكون فقيرة.

وتذكّر شوبيغر أنّ “عمالة الأطفال والطفلات كانت تختلف حسب العمر، وكانت تتمحور حول رعي الحيوانات وحصاد القشّ ونقل الحليب والقيام بالأعمال المنزلية. وكان للأطفال والطفلات أدوات عمل مصممة خصيصاً لهم.هنّ، ممّا كان يسهّل عملية العمل، ويبرز مدى المسؤولية المتزايدة التي كانت تقع على عاتق الأطفال والطفلات تجاه معيشة عائلاتهم.ن”.   

مصادر دخل إضافية 

كانت عائلات الفلّاحين.ات تحاول زيادة دخلها من خلال وظائف موسمية تختلف بحسب المناطق، وتشمل، على سبيل المثال، تقليم الأشجار أو إزالة الثلوج. وفي بلدة روتنتورم الواقعة في كانتون شفيتس، كان إنتاج الثلج الطبيعي واستخراج الخثي، الذي كان مسموحاً به حتّى عام 1987 حين بدأت حماية المناطق الرطبة، يمثلان دخلاً إضافياً هامّاً خلال فصل الشتاء. وكانت هذه الوظائف الموسمية تشهد على عمالة الأطفال والطفلات. وتوضّح منسّقة المعرض أنّ “الخثي أصبح وقوداً مطلوباً جداً، بدءاً من عام 1850. فبعد أن يتمّ ضغط الخثي بواسطة آلة، يباشر الصبي المعروف باسم “لاداليبويب” (Lädälibueb) بنقل الخثي المربع ووضعه على لوح خشبي، حيث كان يُقطع ويترك ليجف”. 

وقد أدّى ظهور السياحة في القرن التاسع عشر، إلى ازدياد فرص العمل ومصادر الدخل. فعلى سبيل المثال، كان يتم نسج الدانتيل يدوياً، ومن ثمّ بيعه مباشرة للمسافرين.ات في المزارع الجبلية مثل وادي لاوتربرونن. وتضيف شوبيغر أنّ “هذا العمل كان يتطلّب مشاركة الأطفال والطفلات. وكانت عمالتهم.نّ تبدأ في عمر الست سنوات. وكان يُتوقّع منهم.هنّ إنتاج نصف متراً من الدانتيل يومياً”.

طفل وطفلة يبيعان الدانتيل في وادي لاوتربرونن حوالي عام 1900.
طفل وطفلة يبيعان الدانتيل في وادي لاوتربرونن حوالي عام 1900. Museu Nacional da Suíça

أطفال وطفلات سفابيا 

نشأت الظاهرة التي تُعرَف بأطفال وطفلات سفابيا (Schwabenkinder) خلال حرب التحالف الثاني (1799-1801). وهي فترة من الصراعات بين السلالات الملكية الأوروبية المتحالفة وفرنسا الثورية والنابليونية، التي شملت أيضاً كانتون غراوبوندن. وقد أدّى تزايد الفقر ووفاة مئات الرجال والآباء إلى توجّه أطفال و طفلات سويسرا الشرقية إلى سفابيا العليا (التي تمثّل اليوم جزءًا من منطقة بادن فورتمبرغ وولاية بافاريا) التي كانت تتيح لهم.نّ فرص عمل في المزارع. وكانت مسيرتهم.نّ نحو سفابيا العليا تدوم ما بين سبعة إلى عشرة أيام. ووفقاً للمصادر التاريخية، “كانت هذه الفئة تنطلق بعد نهاية العام الدراسي أي في شهر أبريل، وتعود في أكتوبر. وتُعزا أسباب هذه الهجرة إلى الجوع والفقر”.  

المزيد

كانت أعمار معظم “أطفال وطفلات سفابيا” تتراوح بين 6 و14 عاماً. وكانت هذه الفئة تأتي من مناطق ناطقة باللغة الرومانشية في كانتون غراوبوندن، مثل سورسيلفا العليا وفال لومنيزيا، ممّا جعلها تواجه عقبة لغوية. وكانت تلك المجموعات تتشكّل من 10 إلى 20 شخصاً، وتسافر برفقة شخص بالغ عادةً ما يكون امرأة. وكانت المجموعات تحمل معها القليل من الأشياء. وكان الطعام يكفيها فقط خلال الأيام الأولى من المسيرة، التي كانت مسافتها تبلغ 150-200 كيلومتراً. فكانت المجموعة تحرص على البقاء على قيد الحياة من خلال التسول أو طلب الضيافة من الفلاحين والأديرة. وتضيف شوبيغر أنّ “هناك صورة تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر تظهر ‘سوق رافنسبورغ للعبيد’ حيث كان يتم تسليم الأطفال والطفلات القادمين.ات من كانتون غراوبوندن إلى عائلات الفلّاحين.ات. وكانت الأسواق، الواقعة في المدن أو في المراكز الكبرى للتجمع السكاني، تشكّل نقطة اللقاء بين كل من الباحثين.ات عن عمل و الفلّاحين.ات. وعادةً ما كان الشخص الذي يرافق الأطفال والطفلات يهتمّ بالمفاوضات”. 

لم تُلتقط هذه الصورة في سفابيا، بل في كانتون سانت-غالن الذي يشهد أيضاً على عمالة الأطفال والطفلات. يأخذ صبيّان استراحة برفقة الأغنام التي يعتنيان بها (ما بين عامي 1920 و1935).
لم تُلتقط هذه الصورة في سفابيا، بل في كانتون سانت-غالن الذي يشهد أيضاً على عمالة الأطفال والطفلات. يأخذ صبيّان استراحة برفقة الأغنام التي يعتنيان بها (ما بين عامي 1920 و1935). © Museo nazionale svizzero

كان عمل الأطفال يقتصر على رعي الماشية بشكل أساسي. وفي المزارع الأكبر، كان عليهم العمل والمساعدة أيضاً في الطاحون أو في الحانة. أما بالنسبة للفتيات، فكان عليهنّ العمل في المنازل والاعتناء بصغار السنّ. وكانت مجموعة الأطفال والطفلات تعمل مقابل الطعام والسكن وراتب متواضع. وكان الجزء الأساسي من الأجر يتألف من الملابس والأحذية ويُعرَف باسم “دوبلت هيس” (Doppelt Häs). فكان يتم تقديم ملابس لجميع العمال والعاملات. وشهد عدد أطفال وطفلات سفابيا انخفاضاً ملحوظاً بين عامي 1850 و1860، وذلك بسبب بداية هجرة أخرى إلى أمريكا وظهور السياحة وبذل جهود إضافية لتطوير مصادر دخل جديدة. وتذكّر شوبيغر أنّ “هذه الظاهرة قد توقّفت نهائياً مع اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914”. 

في المصنع، لمدّة تصل إلى 16 ساعة يومياً 

مع ظهور العصر الصناعي في القرن التاسع عشر، بدأ استغلال الأطفال والطفلات كقوى عمل رخيصة في المصانع، وخاصة في مجال صناعة النسيج. كان عدد ساعات عمل الأطفال والطفلات يوازي عدد ساعات عمل البالغين والبالغات. وكانت المجموعة من الأطفال والطفلات تعمل في المصنع لمدّة تصل إلى 16 ساعة يومياً. وكانت تقضي اليوم بأكمله، وفي بعض الأحيان حتى الليالي، في مكان خانق ومليء بالغبار وحارّ، مقابل راتب بالكاد يكفي للعيش. 

عملية الصباغة في مصنع حرير (ما بين عامي 1890 و1936).
عملية الصباغة في مصنع حرير (ما بين عامي 1890 و1936). © Museo nazionale svizzero

كان يجب على الأطفال والطفلات الالتزام بمهام بسيطة ومتكررة. غالباَ ما تكون هذه المهام خطرة كما يذكر أرنولد شتاوبر الذي بدأ في العمل في مصنع قطن تابع لشركة كونز (Kunz)، في كانتون آرغاو، عندما كان يبلغ من العمر 14 عاماً. ويكتب شتاوبر في مذكراته: “كان عملنا الأكثر إثارة للغثيان. وكما أدركت فيما بعد، كان أيضاً العمل الأكثر ضرراً على الصحّة في المصنع. وعندما تتوقّف آلات الغزل في فترة بعد الظهر، كان على الصبيان تنظيف الأسطوانات والأعمدة والمغزل بالزيت. وكان علينا أن نستلقي على ظهرنا ونزحف تحت الآلات الضخمة للقيام بعمل التنظيف. وكان الزيت ينقط على وجوهنا وثيابنا. وكان من الصعب التحرك تحت الآلات، وغالباً ما كنّا نصاب بجروح نتيجة ضرب رأسنا أو أنفنا بالحديد”. 

بدأ بعض الأطفال والطفلات بالعمل في سن الثامنة، مما أدّى إلى آثار خطيرة وسلبية على تعليمهم.ن ونموّهم.ن النفسي والجسدي. ويروي العامل السابق في صناعة النسيج أرنولد شتاوبر في كتابه “ذكريات عامل نسيج سابق” (Erinnerungen eines ehemaligen Textilarbeiters) روتينه اليومي. حيث كان يدخل إلى مصنع النسيج في الساعة السادسة صباحاً، ثم يذهب إلى المدرسة من الساعة الثامنة حتى الحادية عشرة، ويعود إلى المصنع لمدة نصف ساعة قبل الغداء، ثم يتابع الدروس من الساعة الثانية بعد الظهر حتى الرابعة، ليعود بعدها للعمل من جديد لمدّة ساعتين.  

في عام 1877، وافق الشعب السويسري على قانون جديد للعمل في المصانع رغم مقاومة العديد من الصناعيين. للمرة الأولى على الصعيد الدولي تقوم دولة بالاعتماد على توجيهات هدفها تنظيم ساعات العمل وحماية الأطفال، إناثاً وذكوراً، والنساء بشكل خاص. هذه التوجيهات تشمل أيضاً حرية التعاقد واستقلالية أصحاب وصاحبات المشاريع. وبفضل هذه القوانين، أصبحت سويسرا واحدة من الدول الرائدة في حماية العمال والعاملات.  

يقوم قانون العمل في المصانع بتحديد ساعات العمل التي تقتصر على 11 ساعة يوماً. ويحظر العمل ليلاً وفي أيام الآحاد، كما يمنع توظيف الأطفال دون سن ال 14 والنساء الحوامل أو في فترة ما بعد الولادة. ورغم ذلك، تنطبق هذه القوانين على المصانع فقط ولا تشمل المصانع الصغيرة والقطاع الزراعي. 

مصدر: تاريخ الضمان الاجتماعي في سويسرارابط خارجي.  

وقد تحسّن وضع الأطفال والطفلات جزئياً بفضل فرص التعليم الإلزامي على المستوى الفدرالي عام 1874، وأيضًا بفضل القانون الفدرالي للمصانع الذي تمّ اقراره في عام 1877، والذي يمنع العمل لمن هم.نّ دون سن ال 14، ويحدّ من العمل الليلي وفي أيام الآحاد. وتختتم شوبيغر كلامها بالقول إنه “مع ذلك، استمرّت عمالة الأطفال والطفلات خاصّةً في المناطق الأكثر فقراً وعزلة، حيث باتت تشكّل عنصراً أساسياً في مساعدة الأسر. وعلى سبيل المثال، يمكننا ذكر أطفال وطفلات سفابيا ومنظفي المداخن القادمين من كانتون تيتشينو للعمل في إيطاليا. وبالإضافة إلى ذلك، شهد تاريخ سويسرا أحداثا مؤلمة في القرن العشرين، مثل تلك المرتبطة بالتبني القسري في إطار إجراءات الرعاية الإجبارية التي استمرت حتى عام 1981. 

أدّى تعديل الدستور الفدرالي في عام 1874 إلى الاعتماد على التعليم الإلزامي، المجاني، وغير الطائفي. ومع ذلك، لم تكن القدرة على القراءة والكتابة تعتبر ضرورية في الحياة اليومية بالنسبة لمعظم السكان.  بل كان العديد من الأشخاص يعتبرون.ن أن المدرسة غير ضرورية لأنها لا توفر فرص عمل أفضل. وقد اعترضت الأسر التقليدية على التعليم الإلزامي والمجاني، خشية أن يشجّع ذلك أولاد وبنات العائلات الفلاحية على الابتعاد عن العمل الزراعي.  

وأدّى إقرار قانون التعليم الإلزامي على المستوى الفدرالي إلى ازدياد عدد الطلاب والطالبات، وإلى تطوّر المناهج العلمية التي تشمل مواد عديدة مثل علم الدين، والقراءة، والكتابة، والغناء. وكان التعليم متاحاً في المدارس العامة والخاصة، وفي المنازل. وكانت السلطات المحلية وسلطات الكانتون تتولّى المراقبة للحرص على تطبيق القانون. 

تحرير: دانييلي مارياني

ترجمة: إيفون صعيبي 

مراجعة: أمل المكي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية