The Swiss voice in the world since 1935

عيادات إطالة العمر: بدعة حديثة أم سرُّ الشيخوخة المفعمة بالصحة؟ 

إطالة العمر
Illustration: Helen James / SWI swissinfo.ch

لا يزال البحث عن إكسير الحياة مستمرًا منذ زمن سحيق - وقد لعبت سويسرا دورًا رئيسيًا في هذا المجال. ورغم أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى وصفة ناجحة، فإن لدى دولة جبال الألب سوقا مزدهرة للعلاجات، والحبوب، والأدوات التي تدعي أنها تبطئ الشيخوخة، وتساعد الإنسان على العيش حياة أطول، وأكثر صحة.   

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

المزيد

نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

اشترك.ي في النشرة الإخبارية لدينا، واحصل.ي على بريد إلكتروني كل يوم جمعة يحتوي على أخبار من الدول الناطقة بالعربية تم جمعها بواسطة وسائل الإعلام السويسرية. معلومات من منظور سويسري خصّيصًا من أجلك.

طالع المزيدنشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

جئت إلى هذا العالم قبل نحو أربعة عقود ونصف. وها أنا اليوم أستشعر الزمن وهو يلقي بظلاله عليَّ؛ ألاحظ آثاره في مظهري، وأحسّ بها في جسدي: يتسلّل البياض إلى شعري، وتتمدّد التجاعيد حول عينيّ، وترافقني آلام العضلات كلّ صباح. وقبل أربع سنوات، استأصلتُ مبيضيّ لتبيُّن أنّ لديّ خطرًا وراثيًا كبيرًا للإصابة بالسرطان. وأدخلني ذلك في مرحلة انقطاع الطمث. وفي غضون ستة أشهر، شعرت بأنني كبرت 20 عاماً.    .    

وراودتني أسئلة لم أجد لها جوابًا: هل هذا الأمر طبيعي؟ لماذا يشيب البعض في الأربعين، بينما لا يظهر الشيب لدى آخرين قبل الستين؟ لماذا يُصاب بعضنا بأمراض القلب أو السرطان في منتصف العمر، بينما ينجو البعض الآخر، حتى من أفراد الأسرة الواحدة؟ ولماذا يجد بعض كبار السن صعوبة في المشي، بينما لا يزال البعض الآخر يركض في سباقات الماراثون؟ وإذا كنّا نتفاوت في تقدمنا في السن، أفلا يمكننا إبطاء هذه العملية، وتفادي آثارها السلبية؟  

وبدأت البحث عن إجابات لهذه الأسئلة الوجودية، وقادني فضولي في رحلة حول العالم. فحضرت مؤتمرًا حول الشيخوخة وعقاقيرها في كوبنهاغن، وشاركت في منتدى عالمي لتحسين الصحة، وإطالة العمر في سانت موريتز، وتحدثت إلى خبراء في سنغافورة، والولايات المتحدة، والصين، والسعودية، وسويسرا، وزرت ثلاث عيادات متخصصة في مجال إطالة العمر، وقضيت يومًا كاملًا في العيادة الأسطورية، “كلينيك لا بريري” (Clinique La Prairie)، على ضفاف بحيرة جنيف. 

وخلال رحلتي، اكتشفت ما تحقَّق خلال العقدين الماضيين من تطوّرات هائلة في مجالات التقانة، والعلوم، والذكاء الاصطناعي، وما أحدثته هذه الاكتشافات من تحوّلات جذرية في فهمنا للشيخوخة، ففتحت أمامنا فسحة من الأمل بأن نعيش حياة أطول وأكثر صحة. ولعلنا نتمكن في المستقبل من التخفيف من آثار الزمن، بل، ربما، من إعادة الزمن إلى الوراء يوماً ما. 

وفي جميع أنحاء العالم، بدأت العيادات والمنتجعات الصحية، التي تقدّم حزمة كبيرة من العلاجات المرتبطة بإطالة العمر، مثل العلاج بالأشعة الحمراء، ونقل بلازما الدم، وزراعة الخلايا الجذعية تزدهر. 

وتحتلُّ سويسرا موقعًا رياديًّا في هذا المجال، معتمدةً على سمعتها الراسخة كوجهة مثالية لتقديم خدمات تحسين الصحة وإطالة العمر. فعلى مدار أكثر من قرن، جمعت هذه الدولة الصغيرة بين جمال الطبيعة الجبلية، والمياه العلاجية الحارة، ونظام الرعاية الصحية المتطور، والتكنولوجيا الطبية الرائدة، إلى جانب تاريخها العريق في الضيافة الفاخرة، ناهيك عن الحرص على الخصوصية والكتمان. 

وبما أنني أعيش وأعمل بها، قررت استكشاف المتاح على مقربة مني. وفي يوم ضبابي من أيام يناير الباردة، دخلت إلى بهو كلينيك لا بريري ، لاستكشاف العيادة وخدماتها. 

ورغم الأجواء المريحة والهادئة التي سادت المكان، سرى بداخلي قلق مما قد تكشفه النتائج. فهل أكتشف حقيقة صادمة، أن يكون جسدي أكبر سنًّا من عمري الحقيقي؟ أو ربما أعاني من مرض قلبيّ لم يُشخّص بعد؟ أو من سرطان في الغدّة الدرقيّة؟ هل لديّ استعداد وراثيّ للإصابة بمرض ألزهايمر؟ أم ستكون حالتي الصحية أفضل ممّا أتوقع؟  

نظرة من الداخل 

افتتحت عيادة “كلينيك لا بريري” عام 1931، كمنتجع صحي وطبي يلبي احتياجات الأثرياء والمشاهير، وقدّمت منذ ذلك الحين برامج تقوم على أسس علمية متطورة في مجال العلاج الخليوي، ومقاربات تجديد الخلايا وتعزيز الحيوية، التي توصَّل إليها مؤسس العيادة، الطبيب السويسري بول نيهانس. ويُقال قد لجأت شخصيات بارزة، مثل الممثلة مارلين ديتريش والسياسي البريطاني ونستون تشرشل – لجأت إلى ما عُرف حينها باسم “علاجات استعادة الشباب” التي طوَّرها الدكتور نيهانس، رغم ما أثارته من جدل. 

واليوم، تروِّج العيادة لخدماتها تحت شعار “تمكين الأفراد من تحقيق حياة أطول، وأكثر صحة وحيوية”، بالاعتماد على العلم والعلاجات المبتكرة. وتُعدّ حزمة خدمات التجدُّد الممتازة (Revitalisation Premium) أبرز برامجها العلاجية، وتشمل أسبوعًا كاملًا من العلاجات الفاخرة مقابل 48،250 فرنكًا سويسريًّا (حوالي 54،600 دولار أمريكي)، مع الإقامة والوجبات. ويتضمن البرنامج “تركيبة التجديد السريّة”، المستوحاة من أبحاث نيهانس الأصلية، باستخدام خلايا جذعية من الحملان، التي تؤخذ كمكمّل غذائي فموي، وتتوفر فقط في فرع مونترو (غرب سويسرا). 

وأمَّا عن تجربتي الشخصية، فكان أقصى ما أتاحته ميزانيتي كان زيارةً استغرقت ثماني ساعات. ومع ذلك، قيل لي إن بوسعي لقاء بعض الخبراء، وتجربة أدوات تشخيص حديثة، واكتشاف الأسس العلمية التي تروِّج لها المنشورات التسويقية البرَّاقة. 

عيادة
Clinique La Prairie

فقضيتُ ساعة مع جورجيا غريسوتو، الأخصائية في علوم الصحة، التي أجرت لي سلسلة من الفحوصات لتقييم حالتي التغذوية ( nutrition score). وفي الخطوة التالية، التي هدفت إلى قياس معدل الأيض، غطّاني الفريق بطبقة بلاستيكية، ووضع قبة شفافة فوق رأسي متصلة بأنبوب أكسجين، لقياس كمية الطاقة التي ينتجها جسمي أثناء الراحة، وهو المعيار المستخدم لتحديد عدد السعرات الحرارية التي يحتاجها الجسم في حالة السكون. 

وبعد ذلك، خضعت لجلسة مع مدرب الحركة، ماتيو فالتسوني، لقياس سرعة استجابتي ومدى إدراكي مقارنةً بالمتوسط لفئتي العمرية. ثم أمضيت ساعة في قبة إزالة السموم بالأشعة تحت الحمراء، حيث نمت على ما يبدو لعشرين دقيقة، وخرجت وأنا أشعر كأنني كائن هُلامي – من شدّة الارتياح! 

وعقب هذه التجربة، كان من السهل أن أتصوّر كيف لأسبوع في هذه العيادة أن يمنحني إحساسًا متجدّدًا بالشباب. وربما كنت سأبدو أصغر أيضًا، لو خضعت لعلاج تجديد الوجه بالخلايا الجذعيةرابط خارجي – الذي لم أجرّبه. لكن السؤال الحقيقي هو: هل سيكون جسدي أصغر عمرًا حقا؟ ربما. 

بحسب قاموس كامبريدج، يُعرَّف طول العمر بأنه “العيش لفترة طويلة”. ويُستخدم هذا المصطلح بشكل متزايد للإشارة إلى العمر الزمني (إجمالي عدد السنوات التي يعيشها الإنسان) والعمر الصحي (عدد السنوات التي يعيشها الإنسان بصحة جيدة، دون أمراض مزمنة أو إعاقات). 

فهم جديد للشيخوخة 

منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، مكّنت سلسلة من الاكتشافات العلمية والتكنولوجية الفرق البحثية من التعمّق في فهم أسباب الشيخوخة، ووفرت للمرة الأولى أدوات لقياس هذه العملية. 

وبينما كانت الدراسات القديمة تُشير إلى أنّ الجينات مسؤولة عن نحو 80% من سرعة التقدّم في السن، اكتشفت أبحاثرابط خارجي ظهرت حديثا، أنّ تأثير الجينات لا يتجاوز ما بين 10 و 30%، وأنّ البيئة ونمط الحياة يلعبان دورًا أكبر بكثير في تحديد سرعة التقدّم في السن.  

ويُعرف هذا الفرع من البحث العلمي بعلم التخلّق فوق الجيني (Epigenetics)، ويدرس كيف تتأثر عملية “تنشيط” الجينات أو “تثبيطها” بعوامل مثل التعرّض للسموم، والنشاط البدني، والنوم، والنظام الغذائي. 

وبفضل هذا العلم، تمكَّنت الفرق البحثية عام 2013 من تطوير أول “ساعة للعمر البيولوجي”، تقيس مدى تقادم خلايا الجسم، بصرف النظر عن العمر الحقيقي. وفي العام نفسه، نشر فريق بحثي دراسةرابط خارجي رائدة في مجلة Cell حدّد فيها تسع سمات أساسية للشيخوخة – توسّعت لاحقًا إلى 12 سمة – تشمل تغيّرات على مستوى الخلايا مثل الالتهاب المزمن. ولا ترتبط هذه السمات بالعلامات الظاهرية، مثل الشيب، بل بتغيّرات تحدث على المستوى الخليوي مع تقدّمنا في العمر. 

ويقول سيموني جيبيرتوني، رئيس كلينيك لا بريري التنفيذيّ والمشرف على برامج إطالة العمر فيها: “أدّت معرفتنا اليوم بأنّ علم التخلّق، المرتبط بنمط الحياة، يمكن أن يؤثّر أيضًا في كيفية تقدّمنا في السنّ بدلًا من الاعتماد على العوامل الجينية فقط، إلى زيادة وعي الناس بوجود خيارات عمليّة للتدخّل في مسار الشيخوخة”. 

يمكن اليوم قياس “العمر الحقيقي” للجسم، أي مدى تقدّمه في السنّ على المستوى الخليوي، من خلال ما يُعرف بتقنية “ساعات العمر البيولوجي”. وتوجد اليوم مجموعة من “ساعات العمر البيولوجي”، التي تعتمد على تحليل مؤشرات جزيئية معيّنة تتغير بطريقة متوقعة مع التقدّم في السن. وقد وضع العالم الأمريكي-الألماني، ستيف هورفاث، أوّل نموذج لحساب هذه الساعات عام 2013. 

وتُستخدم عيّنات من الدم، أو اللّعاب، أو الأنسجة، لتحليل ميثلة الحمض النووي (أي ارتباط جزيء الميثيل بالحمض النووي)، وهي عملية بيوكيميائية تساعد في تنظيم وظائف الجهاز القلبي، والجهاز العصبي، والجهاز التناسلي، وتُخبر الجسم متى وكيف “يشغّل” الجينات أو “يُوقفها”. وتقلّ معدّلات الميثلة مع التقدّم في السن، ما يعني تراجع عمل “مفاتيح الجينات”، مما قد يؤدي إلى التهاب أو أمراض مزمنة. 

وأظهرت الدراسات أن عمر الشخص البيولوجي، كما تقيسه هذه الساعة، يمكن أن يرتفع أو ينخفض خلال بضعة أشهر فقط، سواءً بسبب مرض (مثل كوفيد أو السرطان)، أو نتيجة تغييرات في نمط الحياة مثل تقليل استهلاك الكحول، وزيادة التمارين الرياضية المكثَّفة، واتّباع نظام غذائيّ منخفض السعرات. 

وتوجد حاليًا عدة نماذج من ساعات العمر البيولوجيّ تعتمد على مناهج مختلفة، ومؤشرات حيوية متنوعة، وخوارزميات متخصّصة. 

وتزامنت هذه التطورات مع قفزات كبيرة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتعلّم الآلة، والتقنيات الرقمية، والطب، بما في ذلك علم الجينوم. وقد أتاحت هذه التطورات إمكانية قياس السلوكيات اليومية، مثل النوم، إلى جانب مئات المؤشرات الحيوية، أو عوامل الخطورة المرتبطة بالأمراض. 

وتقول كريستينا روكه، أخصائية علم النفس ومديرة “مركز الشيخوخة الصحية” ( Healthy Longevity Center) في جامعة زيورخ: “فجأة، أصبح بالإمكان السيطرة على الشيخوخة بفضل الذكاء الاصطناعي، وهي فكرة لطالما بدت مستحيلة… ومع الأجهزة القابلة للارتداء، أصبح تتبع السلوكيات وقراءة المؤشرات أمرًا ميسورًا”. 

وفي هذا السياق، أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز الزخم، إذ ظهرت مجتمعات من هواة إطالة العمر من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب شخصيات بارزة في عالم الأعمال، مثل الأمريكي براين جونسون، الذي يجري تجارب شخصية على نفسه، ويشارك نصائح صحية خارج إطار الممارسة الطبية التقليدية. 

السيمات المميزة للشيخوخة
Kai. Swissinfo

سوق مزدهرة وفرص تجارية 

بفضل هذه الاكتشافات العلمية وموجة العلاجات الجديدة، تحوّل مجال إطالة العمر إلى سوق مزدهرة. وتتوقعرابط خارجي التحليلات أن يتضاعف حجم السوق العالمية لعلاجات إطالة العمر، ليصل إلى 44،2 مليار دولار بحلول عام 2030، بعد أن كان 25،1 مليار دولار في عام 2020. وخلال العقد الماضي، تدفّقت استثمارات بمليارات الدولارات إلى شركات ناشئة، وعيادات، ومصانع مكمّلات غذائيّة وأجهزة الطبيّة. 

وتنتشر العيادات الخاصة والمراكز الصحية في جميع أنحاء العالم لتلبية احتياجات الأشخاص الأصحاء، والأثرياء في منتصف العمر الذين يتمتعون بصحة جيدة نسبيًا ويتطلعون إلى درء الشيخوخة. ويوجد ما يقدر ب 800رابط خارجي عيادة متخصصة في إطالة العمر في الولايات المتحدة. وقد افتتحت العشرات منها في منطقة الخليج في السنوات القليلة الماضية، وشهد عام 2023 افتتاح أول عيادة خاصة لطول العمر في الصينرابط خارجي. أما “كلينيك لا بريري”، فلديها اليوم ستة فروع، ومنتجعات في أوروبا وآسيا والخليج، وتطمح لافتتاح ما لا يقل عن 40 فرعًا جديدًا خلال العقد القادم. 

وفي سويسرا، أحصيت ما يزيد قليلًا عن 20 عيادة خاصّة تقدّم فحوصات وعلاجات ترتبط بطول العمر، وتتراوح بين المراكز الفارهة والمراكز المتواضعة. ومن الأمثلة على المراكز الفارهة مركز “كوسناخت براكتيس”، الذي يقدّم باقة التجدُّد الحيوي (BIO-R Restoration) تشمل الإقامة أسبوعًا واحدا في فيلا خاصة مع فريق طبيّ متكامل، لقاء 117،300 فرنك سويسري، شامل جميع الفحوصات والعلاجات.  

وبالنسبة إلى أولئك الذين لديهم موارد محدودة، تقدم عيادة أيون النهارية، التي تقع على بعد بضعة مبانٍ من محطة قطار زيورخ، فحصاً تشخيصياً شاملاً مقابل حوالي 3000 فرنك سويسري، وقائمة انتقائية من العلاجات والخدمات تبدأ من 55 فرنك سويسري.  

بين المنافع والمخاطر

,على غرار الموجات الصحية السابقة، مثل الحميات قليلة الدسم أو علاجات تنظيف القولون، التي أثبت العلم لاحقًا أنها مضلِّلة أو غير فعالة، تُحذّر بعض الأبحاث اليوم من المبالغة في الترويج لفوائد علاجات إطالة العمر. 

وأظهرت الدراسات أن بعض العلاجات الشائعة (انظر معرض الصور)، مثل العلاج بالتبريد، والعلاج بالضوء الأحمر، وحقن الفيتامينات، والعلاج بالأوكسجين عالي الضغط، أثبتت فائدتها في تحسين الصحة العامة أو بعض المؤشرات الحيوية، لا سيما عند ممارسي الرياضة وممارساتها، لكنها نادراً ما أظهرت فوائد طويلة الأمد أو تأثيرًا مباشرًا في إطالة العمر.  

أما العلاجات الأخرى، مثل استخدام دواء “رابامايسين” مثبّط المناعة، أو الصيام المتقطع، أو التعرّض لدرجات حرارة متدنية جدًا، فقد أثبتت قدرتها على إطالة عمر الديدان والفئران في المختبر. لكن، لا تزال الأدلة على فاعليتها لدى البشر ضعيفة أو منعدمة.  

ويقول كريستوف هاندشين، أخصائي العلوم الخليوية في مركز بازل البيولوجي ومؤلف دراسة نقدية في هذا المجال: “هناك ضجّة كبيرة تُحيط بعلاجات إطالة العمر، ولا شك أن البحث العلمي في هذا المجال واعد. لكننا غالبًا ما نُهمل ما نعرفه مسبقًا عن تقليل مخاطر أمراض الشيخوخة. فتتعلق أقوى الأدلة المتوفرة لدينا من دراسات على البشر، بأمور بسيطة مثل التمارين البدنية – حتى إن بدت عادية أو مملة”.  

ومع احتدام المنافسة، اتجهت بعض العيادات إلى تقديم مجموعة متزايدة من العلاجات التجريبية أو الجديدة، مثل العلاج الجيني أو نقل بلازما الدم، بهدف جذب الزبائن، رغم أنني لم أصادف مثل هذه العلاجات أثناء بحثي في سويسرا. ويضيف هاندشين: “أعتقد أن بعض هذه العلاجات يُسوَّق لها قبل أوانها، بسبب ما تدرّه من مكاسب مالية كبيرة”.  

ورغم تضارب الأدلة، لا يمانع روّاد هذه العيادات في خوض التجربة، على أمل أن تفتح أبوابًا نحو صحة أفضل، حتى إن لم تكن النتائج مضمونة. 

ويقول يواخيم هورليبوس، وهو مواطن ألماني يبلغ من العمر 53 عامًا ويعمل في قطاع الرعاية الصحية قرب زيورخ، إنه دفع 5،000 فرنك مقابل برنامج مدته 12 شهرًا، يشمل فحوصات دورية، واستشارات طبية، وسلسلة من العلاجات في “عيادة أيون” خلال الصيف الماضي. ويضيف: “أعتقد أنني في حالة جيدة، لكن لا يمكنني أن أعرف ذلك يقينًا إلا إذا خضعتُ للفحوصات. وأردتُ أن أعرف ما الذي يمكنني فعله لأبقى بصحة جيدة في العشرين عاما أو الثلاثين المقبلة”.  

وأكَّد هورليبوس أن التجربة كانت تستحق إنفاق المال، حتى وإن كانت غالبية التوصيات التي تلقاها تتعلق بتغييرات في نمط الحياة يمكنه تطبيقها في المنزل. وأضاف: “أدرك أن الذهاب إلى عيادة متخصصة في إطالة العمر ليس خيارًا متاحًا للجميع، لكن ينبغي التفكير في الأمر بجدية، ومع التقدم التكنولوجي ستصبح هذه الخدمات في متناول عدد أكبر من الناس.” وتابع متسائلًا: “وكم ننفق على إصلاح سياراتنا؟ فلماذا لا نتعامل مع صحتنا بنفس الطريقة؟”. 

كلام الجدَّة … ما زال صالحًا 

ويبقى من غير الواضح ما إذا كان في المقدور إطالة متوسط العمر إلى مدى أبعد مما تحقَّق خلال القرن العشرين. ففي شهر أكتوبر، أشارت دراسةرابط خارجي نُشرت في مجلة متخصصة في الشيخوخة تابعة لمجلة نيتشر (Nature) إلى أننا قد نكون بلغنا بالفعل الحد الأقصى لإطالة العمر البشري. 

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: جيسيكا دافيس بلوس

ما رأيك في فكرة إطالة عمر الإنسان؟

يشهد سوق إطالة العمر ازدهارًا، بفضل التقدّم في علم الشيخوخة. ما رأيك في فكرة تمديد عمر الإنسان إلى حدّ كبير؟

عرض المناقشة

ويقول برايان كينيدي، عالم أمريكيّ مختصّ في علم الشيخوخة، يعمل في جامعة سنغافورة الوطنيّة، وقد شغل سابقًا منصب مدير معهد باك لأبحاث الشيخوخة في كاليفورنيا: “إبطاء الشيخوخة أمر ممكن، وأسهل ممّا كنّا نعتقد، نحن العلماء… لكنّ الحديث عن إيقافها أو عكسها بالكامل، ذلك موضوع مختلف تمامًا. ولا أعتقد أن يعرف أحد حتى الآن إن كان ذلك ممكنًا”. 

وتحرص العيادات التي تواصلت معها سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) على انتقاء كلماتها بدقّة عند الحديث عن إطالة العمر. ويقول جيبيرتوني من كلينيك لا بريري: “علينا أن نركّز أولًا على تحسين نوعيّة الحياة، أي إطالة الفترة التي نحيا فيها بصحّة جيدة. أما مسألة طول العمر، فتأتي لاحقًا، فلا نملك عقارًا سحريًا يضمن لنا العيش أطول، ولهذا نحتاج إلى نهج شامل في التعامل مع الشيخوخة”. 

سعى البشر منذ قرون لاكتشاف أسرار طول العمر. وقد أدت الطفرات الهائلة في علم الشيخوخة، إضافة إلى تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي خلال العقد الأخير، إلى منح العلماء أسبابًا للاعتقاد بأننا على أعتاب اختراق كبير.
هذا التطور أسهم في إطلاق حركة جديدة معنية بطول العمر، وتم افتتاح عيادات وشركات متخصصة في أنحاء متعددة من العالم، مثل السعودية، والولايات المتحدة، وسويسرا. تقدم هذه العيادات اختبارات متطورة، وعلاجات مبتكرة، إلى جانب من الوعود.

لطالما لعبت سويسرا دورًا رئيسيًا في السعي وراء “الشباب الأبدي”، حيث قصدها الناس منذ قرون للاستفادة من القوى العلاجية لحماماتها الحرارية. وقد ساهمت العيادات الصحية السويسرية، والعلماء، والمستثمرون.ات، وشركات الأدوية في تطوير مجال علوم طول العمر.

فإلى أي مدى تمثل هذه الصيحة الجديدة مجرد دعاية وتسويق ذكي؟ وهل بإمكاننا حقًا إطالة عمر الإنسان؟ ولماذا نسعى إلى ذلك؟

تندرج هذه المقالة ضمن سلسلة من التحقيقات الصحفية التي تستكشف تنامي ظاهرة السعي إلى طول العمر ودور سويسرا المحوري فيها. يمكنك الاطلاع على جميع المقالات ومقاطع الفيديو الخاصة بالسلسلة هنا.

وترى عيادات إطالة العمر أنّها تسدّ فجوة في أنظمة الرعاية الصحيّة التقليديّة، التي تركّز على علاج الأمراض بدلًا من الوقاية منها. وتقول أنطوانيت سارازين جياندوتسو، مبتكرة باقة التجدُّد الحيوي في عيادة كوسناخت براكتيس: “يرغب الناس في الحفاظ على الصحة الجسديّة، والعقلية، والعاطفية، لأطول فترة ممكنة. فتعني جودة الحياة دوام الحيوية، والتمتع بالقوة الجسدية، واليقظة الذهنية، والخلو من الألم أو الأمراض المزمنة حتى نهاية العمر”. 

وبالنسبة إليَّ، لا يسعني إلاّ أن أتفهّم هذا التوجّه. فعندما أفكّر في الحياة التي أريد أن أحياها لِما تبقّى لي من عمر، يبدو واضحًا أنّ تحسين نوعيّة الحياة لا يقلّ أهميّة عن إطالة مدّتها. ولم أجر فحصًا لقياس عمري البيولوجيّ، فلا أشعر بحاجة ملحة لمعرفة الرقم، ولا أعتقد أنه سيحفّزني على الاعتناء بصحتي. ومع ذلك، كشفت زيارتي القصيرة إلى كلينيك “لا بريري” بعض المشاكل لدي، خاصة في ما يتعلّق بعمليّات الأيض، وجودة النوم، التي أعزو جزءًا كبيرًا منها إلى كثرة الجلوس وشغفي بالجبن. 

وقددفعتني هذه المعرفة إلى إجراء تغييرات بسيطة في نمط حياتي: أصبحت أكثر جدية في تنظيم نومي، وأمارس تمارين القوة، وأزيد من كمية البروتين التي أتناولها، كما أضفت بعض المكملات الغذائية، كالفيتامينات. 

لكن، هل أحتاج حقًا إلى عيادة متخصصة في إطالة العمر؟ كثير من التوصيات التي تلقيتها كنت أعرفها مسبقًا، لكنني أجد صعوبة في تطبيقها وسط محاولاتي للتوفيق بين مسؤولياتي كأم، وعملي المهني. كما أن هناك دائمًا معادلة الوقت مقابل المال، فلا شك أن جلسة علاج بالتبريد قد تساعدني على النوم، لكنها تكلّف 100 فرنك، وليس هناك ما يضمن دوام فاعليتها. 

وتقول كريستينا روكه، من جامعة زيورخ: “لدينا أدلة قوية، من مجالات مختلفة، حول الممارسات التي تُحسن الصحة وجودة الحياة مع التقدّم في السن. وأعتذر لقول ذلك، لكن الكثير من هذه الممارسات… نصحتنا بها جدّاتنا منذ زمن بعيد، ولا حاجة إلى إنفاق مبالغ طائلة في عيادات فاخرة لمعرفتها”. 

تحرير: نيريس أفيري

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

دفعت SWI swissinfo.ch مبلغ 150 فرنكًا سويسريًّا لقاء جلسة العلاج في قبة VitalDome، في حين تكفّلت عيادة كلينيك لا بريري بتغطية باقي التكاليف، بما في ذلك فحوصات التغذية والحركة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية