مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“السوق المغاربية المشتركة” تتأرجح بين المراوحة السياسية والبراغماتية الأمريكية

خوزي فيرنانديز، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الاقتصادية والطاقة والعلاقات swissinfo.ch

رفضت الجزائر إلتـزام الصَّـمت والتخفي وراء التعابير الدبلوماسية المنمقة، فأعلنت في الساعات الأخيرة، أنها قد طلبت من دول المغرب العربي الأخرى، أن "تتفهّـم وضعها الإقتصادي الداخلي"، رافِـضة فِـكرة السوق الحرّة ومقترحة في المقابل، "سوقا مغاربية مُـشتركة"، تكون نتيجتها "سوقا مغاربية حرّة" في نهاية المطاف.

جاء هذا الإعلان الجزائري، بعد أيام قليلة من انتهاء أشغال قمة جمعت رجال الأعمال المغاربة مع نظرائهم الأمريكيين في العاصمة الجزائرية، وكان الطرف الأمريكي الذي شارك فيها برئاسة خوسي فيرنانديز، نائب كاتب الدولة الأمريكي للشؤون الاقتصادية والطاقة والعلاقات التجارية، الذي حثّ رجال الأعمال المغاربة على “إنشاء سوق حرّة” أو في أسوإ الحالات، “منطقة تجارة حرّة”، كخطوة أولى. وأضاف فيرنانديز، أن على الدول المغاربية أن تترك خلافاتها السياسية جانبا، مثل مشكلة الصحراء الغربية، التي تُـسمِّـم العلاقات الجزائرية – المغربية منذ عام 1974، كما حثّ على أن “يعلُـو منطق الأعمال على منطِـق السياسة وخلافاتها”.

وكان الحبيب بن يحيى، الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، أعلن يوم 1 ديسمبر بالجزائر أيضا، عن توصل الدول المغاربية إلى اتفاقية تتعلق بإنشاء “منطقة مغاربية للتبادل الحر”، ابتداء من السنة القادمة رغم أن المشروع اعتمد منذ سنة 1991. وأوضح بن يحيى في تصريحات صحفية “أننا توصلنا إلى توافق يتعلق بإنشاء منطقة للتبادل الحر، ستطلق السنة القادمة”، مضيفا أن “الإتفاقية المتعلقة بهذه المنطقة جاهزة وسيتم التوقيع عليها من طرف وزراء التجارة بالإتحاد قبل تقديمها إلى مجلس وزراء الخارجية قريبا”.

توجس ورفض

وتعلِّـق غنية عكازي، المحللة السياسية والاقتصادية على أفكار المسؤول الأمريكي قائلة: “هذا مستحيل. أنا لا أثِـق في العرض الأمريكي. فمنذ متى يريدون استقرارا في منطقة ما ويقبلون أيضا بتحويل التكنولوجيا إليها؟ أعتقد جازمة أنهم يرمون لنا بهذا الاقتراح وعينهم على استقرار المنطقة الغنية بالنفط ولمحاربة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي”.

وفي سؤال لـ swissinfo.ch حول نجاح الأردن مثلا في تصدير سِـلع ممتازة إلى الولايات المتحدة بالشراكة مع إسرائيل، ردّت غنية عكازي بالقول: “لقد تمكَّـن الأردنيون من فعل ذلك، بعد أن خضعوا بالكامل إلى الشروط الأمنية الإسرائيلية، ألا ترى أنهم يمنعون السياح ابتداء من الرابعة بعد الظهر من زيارة البحر الميِّـت، خوفا من عمليات ضدّ إسرائيل؟ لن تقبل أمريكا بمساعدةٍ من أي نوع من دون الحصول على فوائد أمنية”.

من ناحيتها، لم تقل الأوساط الرسمية إنها تؤيِّـد رأي غنية عكازي تماما، ولكن الحكومة الجزائرية أعلنتها صراحة ولأسباب اقتصادية أنه “لا يمكننا القبول بالإقتراح الأمريكي مائة بالمائة”، والسبب – حسب الحكومة الجزائرية دائما – هو أن الجزائر ستكون الخاسر الوحيد في حال فتح السوق بالكامل، فاقتصادها وسوقها لا يتحمَّـلان حجم وجوْدة السِّـلع المغاربية الأخرى، وبخاصة تلك القادمة من تونس والمغرب.

“قوانين وتشريعات.. مقيّـدة”

في السياق نفسه، سألت swissinfo.ch الإقتصادي عزوني سيد علي، صاحب مؤسسة دراسات اقتصادية في العاصمة الجزائرية عن الموقف الرسمي للجزائر، فردّ قائلا: “أعتقد أن الحكومة الجزائرية على حق، من حيث الشكل، لكنها مُـخطِـئة في المضمون، لأنها تنفق المليارات على البُـنى التحتية والمدارس والمستشفيات، في حين أنها عاجزة على دعْـم إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي لها اليَـد الطُّـولى في دعْـم الإنتاج الصناعي والخدمات بنوعيات ممتازة”.

كما يضيف عزوني سيد علي: “لدينا القوانين والتشريعات اللازمة، إلا أنها مقيَّـدة بشيء غاية في الخطورة. فلو فرضنا أن مُـستثمرا وطنيا أو أجنبيا  أراد العمل في مجال ما، فإن الإدارة غيْـر مقيَّـدة بنصوص الجريدة الرسمية المحدّدة للوثائق اللازم جلبها للقيام بذلك النشاط، بل يملك البيروقراطيون الحقّ في إضافة أي شيء يريدونه من الوثائق، بحجَّـة التأكد من جدية المستثمر، ما يعني طول مدة دراسة الملفات وإمكانية الوقوع في الرشى، بما أن البيروقراطي محمي بالقانون ولا يملك المستثمر حقّ مخاصمته، إلا أمام المحكمة الإدارية”.

“الاقتصادي سيغلب السياسي”

ففي ظلّ هذا الواقع، أعلنت الحكومة الجزائرية للدول المغاربية الأخرى عن ميزة اقتصادها بصراحة تامَّـة. فكيف يمكن للدول المغاربية أن تندمِـج اقتصاديا حسب الرغبة الأمريكية، في ظلّ عدم التناسُـق القائم بين وضعيات وهيكليات اقتصاديات بلدانها؟

يقول فيصل معطاوي، المحلل السياسي الجزائري: ” أنا متفائل جدا. فالإقتصادي سيغلب السياسي، وبالرغم من مشاكل هذه الدولة أو تلك، فلا سبيل إلى اندماج اقتصادي مغاربي من دون ضغط خارجي، وخاصة من دولة عُـظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية”.

ويضيف معطاوي: “إن عدد رجال الأعمال المغاربة في لقاء الجزائر كان كبيرا، وغالبيتهم تعي بشكل كامل أهمية الإندماج. كما أنني أعتقد أنه من العيْـب أن نعمل سويا نحن المغاربة بضغط من الخارج، رغم أني أؤكد أن السياسة ليست فيها عواطف، ومسألة الصحراء الغربية، يمكننا تحييدها وإبعادها عن العلاقات الاقتصادية، بل يجب علينا فتح الحدود البرية المُـغلقة بين الجزائر والمغرب في أسرع وقت ممكن، كي تستفيد منها كل دول المغرب العربي الخمسة”.

الاقتراح الأمريكي.. قفزة نوعية

من ناحيتها اقترحت الحكومة الأمريكية أسلوب المناولة التكنولوجية، أي تصدير نوع معيَّـن من التكنولوجيا إلى شركات مغاربية قادِرة على تصنيعها، كي تقوم بهذا العمل في بلدها الأصلي أو في منطقة تبادل حُـر تُـحدَّد في لقاء سيجمع رجال الأعمال المغاربيين والأمريكيين في المملكة المغربية في موفى عام 2011.

ويُـعتبَـر هذا الاقتراح، إن كان صادقا، قفْـزة نوعية في العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول المغرب العربي، على اعتبار أنها لأول مرّة تقدِّم مثل هذا الإقتراح، الذي يعني أنها تثِـق في حكومات المغرب العربي، عندما تقدّم لها نوعا معيَّـنا من التكنولوجيا لا تملكه، من دون مساعدة أجنبية.

كما أن الولايات المتحدة، في حلّ من توجهات السياسة الفرنسية التي تؤيِّـد المغرب في مسألة الصحراء الغربية وتستعمل الفيتو في مجلس الأمن إذا ما تعلَّـق الأمر بمسألة الصحراء الغربية، وهو موقف كثيرا ما يُـغضِـب الجزائر، التي تعتبره مُـنحازا إلى بلد “مُـحتل لأرض شعب يجب أن يقرِّر مصيره”.

وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة لا تتحرّك بنفس المنطق الفرنسي، الذي يرى البعض أنه لازال “يُـسمِّـم أجواء المغرب العربي”، فإن رجال الأعمال المغاربة يؤيِّـدون مساعدتهم لها في أي إطار يتعبِـرونه مُـفيدا لهم، إلا أن سياسات الدول قد  ترى شيئا آخر، وهو ما يعني أن على الولايات المتحدة أن تبذُل جُـهدا أكبَـر، كي تُـقنِـع القادة السياسيين في عواصم شمال افريقيا بأن أهدافها هي استقرار المنطقة اقتصاديا، وبالتالي أمنيا، وليس كما يقول البعض بأن الولايات المتحدة تذر الرّماد في العيون عبْـر هذه اللقاءات، كي تضمَـن شن الحرب على تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.

امتداد مشروع أيزنشتات

وغير بعيد عن منطِـق البحث عن النيات الصادقة، فإن أكبر حقيقة عن المغرب العربي، تظل أنه لا زال من أقل المناطق في العالم اندماجا وتعاونا، من الناحيتيْـن السياسية والاقتصادية، بالرغم من أنه أكثر منطقة تَـشابُـها وتجانسا في العالم، من حيث اللغة والدِّين وتقاليد الأسرة والطعام وغيرها، كأنهم شعب واحد تماما، إلا أن المؤكَّـد، أن خلافاتهم، ومهمَـا كانت صِـدقِـيتها وجِـديتها، فإنها ستسمح لكل مَـن يريد الإستفادة من خيْـرات المنطقة، من الولوج إليها ومن السعي إلى محاولة دغْـدغة شعور أهلها أو إغضابهم.

وبحكم أنه ليس من الممكن إيجاد حلٍّ سريع لهذه المُـعضلة في أقرب فرصة ممكنة، بسبب صعوبة تحديد الإشكال من الأساس، يبقى أن المشروع الأمريكي الحالي، ليس إلا امتدادا لمشروع أيزنشتات، الذي اقترحته الولايات المتحدة عام 2000، بنفس الصِـيَـغ التي يقترحها المشروع الحالي تقريبا مع فارق عدم وجود فكرة المناولة التكنولوجية، كما ورد في الصيغة الجديدة التي عُرضت بداية ديسمبر 2010 في الجزائر العاصمة.

فاقتراح الجزائر سوقا مغاربية مشتركة عِـوض السوق الحُـرة، هو في حدِّ ذاته تأكيد على نجاعة الضغط الأمريكي إذا اتسم بقدر من الإيجابية. إذ لو شعرت الحكومة الجزائرية أن الأمر يتعلق بمجرد ترتيبات آنية وليس بتخطيط إستراتيجي طويل المدى، لرفضت المشروع رأسا، كما سبق أن رفضت السماح بإقامة قواعد أمريكية فوق أراضيها.

أما الحقيقة الأخيرة التي لم تعلن أي دولة مغاربية رفضها، فهي حقيقة أن شعوبها لا تأبه بخلافاتها وبأن الأمر منُـوط بالوقت كي تنتهي الخلافات التي لا يمكن لمْـس ماهيتها، لأنه اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن ضغط الزمن والعوْلمة لا يتْـركان مجالا لأي طرف لا يقبل بالإندماج في حركية التاريخ التي لا تنتظر المتقاعسين والكسالى.. والمغفلين.

أطلقت الولايات المتحدة مشروعا جديدا لتحسين فرص الاستثمار والعمل والتعاون المشترك بين واشنطن ودول المنطقة، يسمى «شراكة شمال أفريقيا بحثا عن فرص اقتصادية» (Napeo نابيو).

عقد مؤتمر «روح المبادرة» يومي 1 و2 ديسمبر 2010 في العاصمة الجزائرية واعتمد على ما تم التوصل إليه في مؤتمر مشابه سبق أن التأم في واشنطن في أبريل 2010.

حضر خوسي فرنانديز، مساعد وزيرة الخارجية  الأمريكية للاقتصاد والتجارة والطاقة المؤتمر الذي شارك فيه أيضا رجال أعمال شبان وأصحاب مقاولات من شمال أفريقيا والولايات المتحدة إضافة إلى مغاربيين مهاجرين، ومستثمرين أمريكيين ومسؤولين حكوميين.

سجل مؤتمر الجزائر حضور حوالي 350 شخصا، في حين بلغ عدد المتحدثين 70 شخصا من المغرب العربي والولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط.  

أكد خوسي فرنانديز، الذي قام بجولة مغاربية شملت الجزائر تونس وليبيا والمغرب، أن الهدف الرئيسي من برنامج «نابيو» هو “تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والمغرب العربي وخلق فرص استثمار وعلاقات تجارية جديدة في المنطقة، وذلك عبر مشاريع التدريب وتحسين فرص الإستثمار”.

أفاد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للإقتصاد والتجارة والطاقة أن «معهد أسبن» الأمريكي هو الذي سيدير برنامج «نابيو»، وسيعمل على شكل أمانة عامة مستقلة. إضافة إلى ذلك، سيتم تشكيل مجلس مستشارين في كل دولة من دول المنطقة، ثم سينبثق عنها مجلس مستشارين إقليمي سيشكل إلى جانب «معهد أسبن» ما يشبه المنظمة الإقليمية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية