مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المغرب العربي: تنافس فرنسي أمريكي

بين بوش وشيراك تباين في وجهات النظر حول قضايا عديدة من بينها المغرب العربي Keystone

لا يبدو أن الخلاف الأمريكي الفرنسي يقتصر على الموقف من المسألة العراقية في مجلس الأمن أو في الحلف الأطلسي، بل يتعداه ليشمل مناطق أخرى في العالم.

ويعتقد مراقبون للشؤون المغاربية أن منطقة المغرب العربي تحولت في الفترة الأخيرة إلى ساحة تنافس اقتصادي وسياسي بين واشنطن وباريس قد تزيد من حدّة الخلاف بين الطرفين

من المنتظر أن ينعكس الخلاف الفرنسي الأمريكي حول المسألة العراقية بصورة مباشرة أو غير مباشرة على علاقات باريس وواشنطن في منطقة المغرب العربي، التي تشهد منذ أكثر من سنتين عودة التنافس من جديد بين البلدين.

فلا يكاد يمر شهر، إلا ويقوم أحد كبار مسؤولي الفرنسيين أو الأمريكيين بجولة في المنطقة. وغالبا ما يقع التوجه إلى كل من تونس والجزائر والمغرب، حيث لا تزال ليبيا مستهدفة بسياسة العزل المتواصلة من قبل واشنطن، رغم تسارع عمليات مد الجسور مع طرابلس التي تقوم بها عديد العواصم الأوروبية منذ نجاح الوساطة التي قامت بها كل من السعودية وجنوب إفريقيا. أما موريتانيا، فدورها بقي محدودا على صعيد السياسات المغاربية.

وإذا كان التقسيم الاستراتيجي الموروث عن المرحلة الاستعمارية ما يزال معتمدا بشكل ضمني، حيث يُعتبر المغرب العربي تقليديا منطقة نفوذ فرنسا، إلا أن أمريكا أخذت تكثف من اهتمامها بشمال إفريقيا منذ أن وسعت مفهومها للشرق الأوسط ليشمل كامل الامتداد الجغرافي للوطن العربي.

حصل ذلك بعد حرب الخليج الثانية مباشرة ومحاولة تسويق مشروع الشرق أوسطية، لكن الاهتمام الأمريكي بالجزء المغاربي ازداد على إثر أحداث 11 سبتمبر، وتوجّـه الإدارة الأمريكية نحو إجراء تغييرات استراتيجية في العالمين العربي والإسلامي، بعد ضرب العراق وتغيير النظام القائم في بغداد.

إعادة البناء

فبعد إزاحة الاشتراكيين عن الحكم، قررت الدبلوماسية الفرنسية، بتوجيه من الرئيس جاك شيراك، الشروع في إعادة بناء علاقاتها مع دول المغرب العربي. هذه العلاقات التي اعتبرتها الحكومة اليمينية قد تضررت خلال المرحلة السابقة.

ومما زاد في إشعار الفرنسيين بضرورة إنجاز تلك المهمة في أسرع وقت ممكن، إحساسهم بالقلق وهم يتابعون الرغبة الأمريكية المتصاعدة للتوغل في منطقة كانوا يكتفون من قبل بحمايتها من السقوط تحت النفوذ السوفيتي.

لقد فوجئت فرنسا بمشروع الشراكة الأمريكية المغاربية المعروف بمبادرة “أيزنشتات”، وهو مشروع يختلف في بعض جوانبه عن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة أنه يفصل الاقتصادي عن السياسي، ولا يعتبر الإصلاح السياسي والديمقراطي شرطا من شروط الشراكة، مما زاد في إغراء الطرف المغاربي.

ولم تأخذ فرنسا هذه المبادرة في البداية مأخذ الجد، نظرا للصعوبات التي بدت أمام تنفيذها. لكن إصرار واشنطن على تذليل الصعوبات، وإدراج المسألة ضمن أولويات برنامج الرئيس بوش التي طرحها أمام الكونغرس، والشروع في إنجاز بعض الخطوات العملية، جعل باريس تشعر بالقلق، وهو شعور عبّـر عنه وزير فرنسي زار مؤخرا الرباط، عندما لمح إلى أن الشراكة المغربية مع الولايات المتحدة تتناقض مع الشراكة المغربية الأوروبية. فجاءه رد، ربما لم يتوقعه عندما قيل له، بأن الشراكة مع أوروبا “لا تعني الحجر على المغرب”.

تعاون أمني وعسكري

لا يتوقف الاهتمام الأمريكي على الجانب الاقتصادي، حيث شرعت الشركات الأمريكية في دراسة السوق المغاربية والتمركز هنا وهناك، وإنما ركز أيضا في الأشهر الأخيرة على التعاون الأمني والعسكري.

لقد فوجئت واشنطن بحجم انخراط أبناء المنطقة في شبكات تنظيم القاعدة، لهذا، أصبح ملف مقاومة الإرهاب نقطة ثابتة في جدول أعمال كل المحادثات التي أجراها الأمريكيون مع كبار المسؤولين في تونس والمغرب والجزائر. وقريبا، سيقوم وفد عسكري أمريكي مفوض من البنتاغون بزيارة إلى الرباط لبحث صيغ تطوير التعاون العسكري بين البلدين، بما في ذلك تنظيم مناورات مشتركة.

وباستثناء ليبيا، فإن واشنطن أظهرت حرصا شديدا على دعم الأنظمة القائمة. فجميع المسؤولين الأمريكيين الذين زاروا تونس خلال الأشهر الأخيرة، وصفوها بالحليف والصديق، وأشادوا بسياسة السلطة واعتبروها “نموذجية على أكثر من صعيد”.

أما بالنسبة للجزائر، فقد عدلت واشنطن من موقفها بشكل جذري، وقررت تقديم كل أشكال الدعم إلى حكومة الرئيس بوتفليقة، بما في ذلك الدعم العسكري. ويكفي للتدليل على وثوق العلاقة وأهمية الرهان، الإشارة إلى أن الرئيس الجزائري قد أدى إلى حد الآن أربعة زيارات إلى أمريكا. لقد تبخر نهائيا الرهان على انهيار السلطة الجزائرية وحسم موضوع الجماعات المسلحة وبقية الفصائل الإسلامية.

أكثر من ذلك، قررت واشنطن أن تتولى بذل مزيد من الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل لمعضلة الصحراء الغربية، وذلك حرصا منها على تجاوز أهم عقبة لا تزال تحول دون الاندماج الاقتصادي بين دول المنطقة، وتوحيد أسواقها وفق ما طالبت به الشركات الأمريكية.

حماية المصالح

أمام هذا المنعرج الذي اتخذته العلاقات الأمريكية المغاربية، انطلقت باريس في سباق لحماية مصالحها في منطقة كانت تعتبرها أشبه بـ “فضائها الحيوي”، وقامت بطمأنة الطرف التونسي، وجددت معه العهد.

كما نشطت اتصالاتها بالمغرب، وأشادت بالانتخابات البرلمانية الديمقراطية التي جرت قبل أشهر، وأطقت اسم محمد الخامس على إحدى ساحات العاصمة الفرنسية. وركزت جهودها من أجل تطبيع العلاقات مع الجزائر بطريقة تحول دون الانتكاسة أو الشك في النوايا. بل إن فرنسا كادت أن تضاعف من حجم مبادلاتها التجارية مع الجزائر من 4 مليار أورو خلال عام 1999 إلى 6،4 مليار عام 2001، وحافظت بذلك على موقع المزود الأول للجزائر، فيما تعتبر حريفها الرابع قبل الولايات المتحدة بفارق كبير.

وفي الفترة الأخيرة، أبدت باريس استعدادها لمراجعة قرارها السابق حول حظر إمداد الجزائر بنوع من العتاد العسكري لمحاربة الجماعات المسلحة، التي لا تزال متمركزة في بعض الجبال. وبذلك، تكون قد تحررت من تهديد هذه الجماعات، وقررت الوقوف إلى جانب السلطة.

ولئن قامت فرنسا بتنشيط تعاونها الأمني مع الدول الثلاث، فإنها قررت في الوقت نفسه أن تضع كامل ثقلها الدبلوماسي حتى تبدو أكثر حرصا من غيرها على تنقية المناخ بالمنطقة، وذلك من خلال العمل على تجاوز الخلاف المغربي الجزائري.

فشيراك أبدى الرغبة في أن يكون وراء قمة ثنائية تجمعه مع الرئيس بوتفليقة والملك محمد السادس، وهو يريد من وراء ذلك أن يؤكد بأن بلاده هي الأقدر على رعاية مصالح المنطقة، والأقرب لجعل دول المغرب العربي شركاء فعليين مع أوروبا .. من خلال البوابة الفرنسية.

وبالرغم من أن سفراء باريس في العواصم المغاربية يؤكدون في لقاءاتهم بممثلي حركات المجتمع المدني في تونس والرباط والجزائر أن بلادهم متمسكة بالتشجيع على الإصلاحات الديمقراطية، إلا أنها، مثلها في ذلك مثل واشنطن، ستعطي الأولوية للعوامل الاقتصادية والثقافية والاستراتيجية.

ومن خلال الزيارات المتتالية التي سيقوم بها شيراك للعواصم الثلاث، يتأكد أن باريس تريد أن تجعل من السنة الجارية سنة المصالحة الاستراتيجية بينها وبين المغرب العربي، الذي ستُـعرّضه المرحلة القادمة إلى مزيد التجاذب والاستقطاب.

صلاح الدين الجورشي – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية