مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عندما يتحوّل المترجم الفوري إلى وسيط إجتماعي من أجل الإندماج

مع توجه الحكومة السويسرية لدعم جهود الإندماج يتزايد الإقبال على خدمات المترجمين الفوريين الإجتماعيين خاصة في مجال الصحة والتعليم والمرافق الإجتماعية.(Interpret) Null

لتعزيز إندماج الأجانب في سويسرا، يدعم المكتب الفدرالي للهجرة 15 مركزا لخدمات الترجمة الفورية الاجتماعية التي تزايد الطلب عليها خلال العام الأخير بنسبة 18% خاصة من طرف القطاع العام في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.

ويشيد تقرير “مستقبل سياسة الاندماج في سويسرا” الصادر العام الماضي عن المكتب الفدرالي للهجرة بأهمية الدور الذي لعبه المترجمون الفوريون في جهود الاندماج، ويعتبر عملهم أحد المرتكزات الثلاث الفعالة في هذا المجال.

ومن المرجّح جدا أن يتعاظم هذا الدور مع توجه الحكومة السويسرية في المستقبل إلى اعتماد إجراء جديد يهدف إلى عقد لقاء فردي مع كل قادم جديد إلى البلاد بهدف تعريفه بمحيطه الجديد، ودعوته إلى الإستفادة مما هو متاح له، وعدم التهاون في الالتزام بما تمليه عليه القوانين.

ورغم أن هذه الخدمة غير معروفة على نطاق واسع في سويسرا، فإن ميكائيل موللّر، أمين عام الجمعية السويسرية للترجمة الفورية الاجتماعية الذي كان يتحدث إلى swissinfo.ch يعتقد أنها” سوف تنمو وتتسع بشكل كبير في السنوات المقبلة، مع وجود سعي حكومي جاد لدعم جهود الاندماج”.

وترجع سونيا سوبا، مسؤولة قسم “الوساطة” (Intermedia) بجمعية “انتماءات” المتخصصة في مساعدة الأجانب بكانتون فو هذا الدور المتزايد لخدمات الترجمة الفورية الإجتماعية إلى “وعي المسؤولين في كل المرافق المهتمة بالأجانب بأهمية هذا الدور”، ويعزز ذلك القانون السويسري نفسه الذي يضمن كما تقول سوبا: “للمهاجرين الاستعانة بمترجم فوري عندما تنعدم لغة تواصل مشتركة بين طرفين، أو عندما يكون أحدهما غير مرتاح في اللغة التي سوف تستخدم خلال اللقاء”.

لكن عبد الحق الغزواني، أخصائي نفسي سويسري من أصل مغربي متعاون مع جمعية “انتماءات”، يقول في حديث إلى swissinfo.ch “تختلف درجات هذا الوعي من كانتون إلى آخر، فبعض الكانتونات كفو ولوتسرن  يموّلان هذا الجهد بسخاء، وبعضها لا يعير إليه أي اهتمام”.

إنها أكثر من عملية ترجمة

الإستعانة الواسعة بهذه الخدمة تؤكد الأهمية التي يحظى بها التواصل بين المهاجر ومجتمع الإقامة في عملية الاندماج، ومن هنا تأتي ضرورة العناية بمسالكها ولأن الأمر لا يتعلّق هنا بتبادل رسائل عامة أو بمجرد ترجمة من لغة إلى لغة أخرى، بل هي عملية كما يقول الغزواني: “تسمح للأجنبي بتوضّح الكيفية التي تسير بها الأمور في بيئته الجديدة، وهذا الأمر حيوي خاصة بالنسبة للمهاجرين الذين يكونون في وضع اجتماعي صعب كاللاجئين والمقيمين غير الشرعيين”.

كذلك تسمح الترجمة الفورية الاجتماعية على المستوى الاجتماعي، على حد قول الغزواني: “بضمان التوازن والتعادل في العملية التواصلية التي يكون طرفاها من جهة مهاجر في حالة من الهشاشة، والضعف، والدونية، ومن جهة أخرى موظف حكومي في مستوى أسمى وأعلى تعضده ترسانة من القوانين والقواعد المتشددة”. لكن هذا الدور الاجتماعي يتوقف على شرطيْن أساسيْن، من جهة ضرورة وعي المترجم نفسه بهذا الدور، ومن جهة أخرى، سماح الأطراف الأخرى له بالقيام به.

أما من الناحية النفسية، فيمثل وجود المترجم إلى جانب الأجنبي دعما وسندا نفسيا كبيرا، لأنه سوف يشعر كما تقول سونيا سوبا، مسؤولة بجمعية “انتماءات” بلوزان: “بالأمن فهو لن يكون وحيدا في مواجهة المؤسسة”. لكن هذا الشعور بالأمن ينعدم بحسب  الغزواني: “عندما يكون المترجم غير معروف لدى الأجنبي، أو أن يكون من إحدى المجموعات المعادية كأن يكون المترجم صربيا أو كرواتيا، ويكون المستفيد بوستنيا مسلما”، رغم أن الاثنين يتكلمان لغة واحدة، لكن تفصل بينهما حزازات وحروب.

تتعدد الأغراض بتعدد المجالات

سُجّل هذا الإقبال على خدمات الترجمة الفورية في سويسرا خاصة في مجالات الصحة (58%)، والتعليم (26%)، ومرافق المساعدات الاجتماعية (16%)، وبلغ عدد ساعات العمل  في هذه القطاعات في عام 2009 ما يزيد عن 112.135 ساعة عمل، وغطت 100 لغة مختلفة. ويظل القطاع العام عموما أهم المستفيدين من هذه الخدمات.

ومن وحي تجربتها المهنية في هذا المجال تقول هويده السيرغني، مترجمة من أصول لبنانية مقيمة ببرن: “يوجد في هذه المدينة الكثير من العرب لا يتكلمون اللغة الألمانية، لذلك أرافق النساء عند ذهابهن إلى المستشفيات، والأولياء عند لقائهم بالمسؤولين في المدارس، وطالبي اللجوء خلال لقائهم مع موظفي العدل والشرطة”.

ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحد، فالمترجم في بعض الاحيان يلعب دور التوعية والتقريب بين الثقافات والتصوّرات، ومما تذكره السيدة السيرغني في هذا السياق التصوّر الخاطئ المنتشر لدى الرعايا العرب حول الاستعانة بالخبير النفسي، ووسم كل من يفعل ذلك بالجنون، وتضيف هذه المترجمة: “رافقت مؤخرا امرأة تعاني من مشاكل نفسية عند أخصائي في المجال، فشرحت مشكلتها بالعربية، ونقلتها إلى الطبيب بالألمانية، فوصف لها الطبيب دواءً، وشفيت من ذلك المرض”.

كذلك تعتبر المدارس من المجالات المهمّة لعمل هذا الصنف من الوسطاء، وفي هذا السياق تذكر زهرة سلطان، مترجمة سويسرية من أصول مصرية مقيمة ببرن منذ ثلاثين سنة أن “بعض العائلات العربية المقيمة في سويسرا منذ عدة سنوات لا تعرف شيئا عن نظام التعليم في المدارس، او كيف تنظّم الواجبات المدرسية، أو الاختبارات، أو عملية التوجيه، ويوجد لديهم ميل إلى اتهام المدرّسين بالعنصرية لمجرد توجيه أبنائهم إلى شعب علمية لا تلبي آمالهم…عندئذ يكون دوري أقرب إلى المرشدة الاجتماعية منه إلى المترجمة الفورية”.

وتعود هذه المشكلة في جزء كبير منها إلى تمسك نسبة مهمة من العرب المقيمين في سويسرا لسنوات طويلة بوهم العودة يوما ما إلى بلدانهم الأصلية ما يمنعهم من تعلّم لغات بلد الإقامة، فيعجزون بالتالي عن الانفتاح عن الواقع، أو المشاركة الفاعلة في محيطهم الاجتماعي.

المترجم وسيط اجتماعي

هذه المهمة الحيوية المتمثلة في مد جسور التواصل بين الوافد ومجتمع الإقامة، وفي خلق روابط إنسانية مثمرة بين المتخاطبين المنتمين إلى فضاءات ثقافية مختلفة تقتضي من صاحبها إتقانا عاليا للغتيْن على الأقل (المترجم منها، والمترجم إليها)، ومعرفة دقيقة بالنظام الاجتماعي السويسري عامة، وبالقواعد المنظمة للعمل في مجال اختصاصه كقطاع الصحة او التعليم،…فضلا عن إدراك دقيق لحدود دوره ومسؤوليته.

ويشرح ميكائيل موللّر هذا الدور فيقول متحدثا إلى swissinfo.ch: “المترجم مسؤول من ناحية على إنجاح العملية التواصلية، لكنه غير مسؤول على مضمونها، وهو مطالب بلعب دوره كاملا، لكن يحبّذ بقاءه في خلفية المشهد. وعليه ان يمتلك حسا عاليا، فيعرف متى يكون من المفيد تقديم معلومات إضافية، ومتى يكون من الأفضل التحفظ والصمت”.

ولكي ينجح هذا المترجم في عمله لابد أن يكون على دراية تامة باحتياجات المجموعة التي يترجم إليها. ولهذا السبب يعتقد الدكتور الإخصائي النفسي عبد الحق الغزواني أن “الترجم الفوري الاجتماعي الناجح هو الذي يكون مترجما جيّدا، وفي نفس الوقت وسيطا إجتماعيا”.

رغم تنويه الجميع بهذا الدور الحيوي للمترجمين الفوريين، تفتقد هذه الوظيفة إلى حد الآن إلى وضع قانوني واضح، وإلى نقابة تمثل العاملين فيه، وتتركه ميدانا مفتوحا للمتطفلين على هذه المهنة. ولا تساعد الحكومة في تنظيم هذا القطاع على اساس من المهنية والتأهيل، ويبدو هذا واضحا إذ يؤكد امين عام الجمعية السويسرية للمترجمين الفوريين  أن أغلب المترجمين الذين تستخدهم مرافق الدولة لا يحملون مؤهلات في المجال، ولكل مؤسسة قوائمها الخاصة.

تدعم الحكومة الفدرالية، في إطار السياسة الهادفة إلى إنجاح اندماج المهاجرين ثلاث مراكز للترجمة الفورية الإجتماعية من بين 15 مركزا يوجد في سويسرا، ويبلغ التمويل الحكومي لتلك المراكز 1.4 مليون فرنك سنة 2009،  وتقوم المراكز الثلاث المدعومة حكوميا، وهي على التوالي مركز الصليب الأحمر بجنيف، ومؤسسة “إنتماءات” في كانتون فو، ومنظمة “كاريتاس” في لوتسرن وتورغاو بتكوين المترجمين الفوريين الإجتماعيين وتوظيفهم وتأطيرهم. وقد مرّ ثلث ساعات الترجمة الفورية الوسيطة في سويسرا سنة 2009 عبر هذه المراكز الثلاث.

وتشغّل هذه المراكز الخمسة عشر الموزعة على تراب الكنفدرالية 1724 مترجما فوريا منهم 572 مترجما حاصلا على دبلوم “Interpret”، وارتفع عدد المترجمين الحاصلين على الدبلوم سنة 2009 بنسبة 17% مقارنة بالسنة التي سبقتها. كما توظذف جمعية “إنتماءات” بلوزان لوحدها 76 مترجما حاصلا على الدبلوم الفدرالي.

وتواصل ارتفاع معدلات الطلب على المترجمين الفوريين خلال العام الماضي خاصة من طرف القطاع العام كالمستشفيات، وإدارات الخدمات الإجتماعية، والمؤسسات التعليمية لتصل نسبة الزيادة العامة إلى 18% مقارنة بالسنة التي سبقتها، وتتوزع تلك الزيادة بين القطاع الصحي (58%)، والخدمات الاجتماعية (26%)، والتعليم (13%).

تغطي خدمات مراكز الترجمة الفورية الإجتماعية الموجودة في المناطق السويسرية المتعددة حوالي 100 لغة مختلفة، و إذا ما قارنا زيادة الإقبال على خدمات الترجمة الفورية بين سنتي 2008 و2009، تأتي اللغة البرتغالية في المرتبة الأولى (+42%)، تليها التامول (+28%)، ثم الإيطالية(+15%). في حين تحتل اللغة العربية المرتبة الخامسة في كانتوني فو وجنيف.

وفي ما يلي ترتيب اللغات بحسب ساعات تدخل المترجمين الفوريين سنة 2009:

اللغة الألبانية: 19.105 ساعة

اللغة التركية: 15.655 ساعة

التامول: 11.228 ساعة

البرتغالية: 9.888 ساعة

الإيطالية: 2.344 ساعة

اللغات الأخرى: 38.666

لا تعتبر سويسرا على المستوى التاريخي، من البلدان الرائدة في توظيف وإستخدام الترجمة الفورية الإجتماعية، فقد سبقتها إلى ذلك بلدان مثل النرويج، وبريطانيا، وألمانيا، لكن تطوّر وانتشار هذه الوظيفة قد تسارع في العقود الأخيرة:

1987: إطلاق أوّل مشروع للترجمة الفورية الإجتماعية ببازل بمبادرة من منظمة المساعدة البروتستانتية EPER.

1992: الطبيب فلوباخر، طبيب مستقل يعمل ببازل يستعين بخدمات مترجم فوري كردي وتركي لتيسير التواصل مع مرضاه من المهاجرين، ويتحمّل على حسابه تكاليف تلك الخدمة.

1993: انشاء جمعية “إنتماءات” بلوزان، ومركز الخدمات الصحية للاجانب بجنيف، وكلا المؤسستيْن توفران خدمات الترجمة الفورية الإجتماعية للأجانب.

1995: الصليب الاحمر السويسري بكانتون برن يفتتح مركز لعلاج الأجانب، ويوفّر خدمة الترجمة الفورية.

1999: إنشاء الجمعية السويسرية  للترجمة الفورية الإجتماعية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية