مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“مبادرة طرد المجرمين والمشروع البديل عنها يعززان النظرة السلبية للأجانب”

ينظم فضاء موزاييك كل يوم جمعة جلسة للحوار والنقاش بين رواده الذين هم في أغلبهم أجانب حديثي الهجرة إلى سويسرا swissinfo.ch

يقرر الناخبون السويسريون في إستفتاء عام يوم 28 نوفمبر 2010 ما إذا كانوا يرغبون في تشديد الإجراءات ضد المجرمين الأجانب أم لا، لكن ما هو موقف الأجانب أنفسهم من هذه المبادرة؟ هذا ما يحاول التقرير التالي الإجابة عنه.

على مقربة من المستودعات القديمة بحي Flon بلوزان، تنتصب بناية متعددة الألوان، تحمل واجهتها رموزا وأشكال، داكنة كأيام الخريف الرمادية. إنه فضاء موزاييك، مكان أنشأه مهاجرون لإستقبال مهاجرين آخرين يؤمونه للحوار، ولتعلم الفرنسية، وللعلاج بالفن، وللمشاركة في رحلات ترفيهية. وتعرض هذه المؤسسة على روّادها العديد من الأنشطة الهادفة إلى التشجيع على الالتقاء، وتبادل التجارب والخبرات بين المهاجرين المنتمين إلى ثقافات وحضارات مختلفة.

الحوار الاسبوعي

اليوم هو يوم الجمعة، والساعة هي ساعة انعقاد الديوان، جلسة أسبوعية تشبّهها كارول، متطوعة تعمل بهذا الفضاء منذ ثماني سنوات ب”تقليد الجلسات تحت ظلال أشجار”الباوباب” في المناطق الاستوائية” بالمجتمعات الإفريقية، الفرق الوحيد بين الاثنين هو أن المشاركين هنا يجلسون على أرائك بدلا من الأرضية الحدباء الصلبة بإفريقيا. كما أن المشاركين ينتمون إلى أعراق وجنسيات مختلفة. يشارك في هذا الحوار الأسبوعي الصومالي والبرازيلي والكوسوفي، والبوسني، جمهور متعدد الثقافات.

وتشير فالدات بالاباني، منشطة ومترجمة إلى أن “الديوان، فضاء للحوار، والنقاش الحر، يطرح خلاله كل مشارك انشغالاته وهمومه اليومية، والمشكلات التي تعترضه، ولا توجد أجندة مسبقة لهذه الجلسات، فالنقاشات حرة ومفتوحة. وقد يمتد الحوار لوقت طويل، إذ يتطلب الأمر كل مرة تدخل المترجم، بالنسبة للمشاركين الذين لا يتقنون اللغة الفرنسية”.

هذا المساء، النقاش اتخذ طابعا سياسيا، مدار الحديث مبادرة حزب الشعب الداعية إلى طرد المجرمين الأجانب، والمشروع البديل الذي اقترحه البرلمان وأوصت الحكومة بالتصويت إليه. في هذه الأجواء الملبدة، وبعيدا عن مشاحنات السياسيين، أكد الجميع صعوبة عيش المهاجر في بلد هو غير بلده الأصلي.

لا تعاطف مع المجرمين

خلال النقاش شدد أفديك، مهاجر بوسني على ضرورة دراسة كل حالة بمفردها، وبالنسبة له: “من حيث المبدأ، لابد من معاقبة المجرمين وطردهم. لكن لابد من الأخذ في الاعتبار في نفس الوقت السبب الذي دفع ذلك الشخص إلى انتهاك القوانين، هل هذا الشخص معتاد على ذلك، أم دُفِع إلى ذلك دفعا، لإنعدام أي خيار آخر أمامه، مثلا بسبب الأوضاع الاجتماعية؟ أنا أرفض مثلا طرد الأشخاص الذين ارتكبوا خطأ معزولا، ثم ندموا عليه. لكن إذا ما احترف أحدهم الجريمة، في هذه الحالة لابد من طرده، وليبقى في بلده. لابد من دراسة كل حالة بمفردها”.

لا يبدي المشاركون في هذا الحوار أي تعاطف أو تأييد لهؤلاء الأشخاص الذين يسيئون إلى كل أولئك الذين يحاولون إعادة بناء حياتهم في بلد هو ليس بلدهم الأصلي. وبعيدا عن التلاعب بالأرقام والإحصاءات، وعن المعارك السياسية ذات الأجندات المتباينة، وحسابات الربح والخسارة في المحطات الانتخابية القادمة، والتي في كل الاحوال هم غير معنيين بها لأنهم لا يشاركون فيها لا ترشحا ولا انتخابا، يعبّر رواد فضاء موزاييك من خلال ما يعيشونه في حياتهم اليومية. كل المجرمين الأجانب يضرون بقضيتهم، لأنهم بأفعالهم تلك يعززون الأفكار المسبقة التي تخلط بين الأجنبي والمجرم.

مذنب ومسؤول

يشير نسيب، يعمل حارسا وحاجبا بأحدى البنايات، إلى أن الصحف “لا تخلو يوميا من مقالات تشير إلى ارتكاب الأجانب لأعمال إجرامية. وعندما أقرأ ذلك، ينتايني مباشرة شعور بأني مذنب ومسؤول. وإذا كان 30% من الأجانب مثلا يرتكبون جرائم، فإن الأبرياء البقية يشعرون بأنهم مدانون بالتبعية. إنهم يعانون بدون ذنب إقترفوه. على هؤلاء المخطئون ترك المكان إلى أولئك الذين يريدون أن يعيشوا معتمدين على أنفسهم وبطريقة صحيحة ومشروعة”.

ويتفق أفديك مع ما ذهب إليه نسيب، ويضيف: “منذ وصولي إلى سويسرا، كان ينظر إليّ دائما من خلال الجرائم التي يرتكبها آخرون”.

ترى هل يمثل تشديد القوانين الهادفة إلى طرد المجرمين الأجانب حلا؟ يشير تقرير اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة إلى أن سنة 2009 شهدت طرد 750 أجنبيا كانوا يتمتعون بحق الإقامة في سويسرا بسبب مخالفات ارتكبوها، وهذا العدد شهد زيادة كبيرة بالمقارنة مع 2008، إذ لم يتجاوز هذا العدد عندئذ 615 فردا، ولكن الذي يستمع إلى ما يقوله هؤلاء المهاجرين، لا يبدو أن صورة الأجنبي في البلاد قد تحسّنت ، بل هي في الواقع ازدادت سوءً.

وصم الأجانب

يرفض فهد، مهاجر من الصومال مبادرة حزب الشعب، والمشروع المضاد في نفس الوقت باعتبارهما يعززان النظرة السلبية إلى الأجانب، وبالنسبة لهذا المهاجر الإفريقي، لا يرواده أدنى شك: “السويسريون لا يحبون الأجانب، ويحبّذون أن يبقوا بعيدين عنهم، لكن نحن جئنا نحبث عن الأمن والسلام”.

ويشاطره في الموقف من المبادرة والمقترح المضاد نيكول، مهاجر آخر من الكامرون، متدرب يشتغل بفضاء موزاييك، والذي بالنسبة له كذلك: “لا المبادرة ولا المشروع البديل عنها يقدمان أي حل، سوى تعزيز النظرة السلبية إلى الأجانب”. ويشعر الكثيرون هنا بأنه سواء ارتكبت مخالفات أم لا، ما دمت أجنبيا، فأنت هدف لهذه الحملة. ويتساءل جمال، أبوه جزائري وأمه سويسرية ماذا سيكون مآله لو ارتكب أي خطأ؟.

اما الربط بين الإجرام والإندماج، هذه المسألة التي أفرد لها بندا في المقترح البديل هو ربط مرفوض بالنسبة لرواد موزاييك. لانه يعطي الانطباع بأن عدم الإندماج يقود حتما إلى الإنحراف. هذا الموقف يرفضه مثلا أفديك الذي يقول: “لست مندمجا بشكل كامل، وينقصني الكثير من الاشياء على هذا المستوى، لكن هذا لا يعني أبدا أنني مجرما”.

نجحت المبادرة الشعبية الفدرالية لحزب الشعب “من أجل طرد المجرمين الأجانب” في جمع 211.000 توقيع.

ويهدف حزب الشعب من خلال هذه المبادرة إلى سحب حق الإقامة وطرد كل الأجانب الذين يرتكبون جرائم خطيرة كالقتل والإغتصاب والسطو المسلح والإتجار في المخدرات او الإحتيال من اجل الحصول على المساعدات الإجتماعية .

فالمبادرة تدعو إلى أن تتم عمليات الطرد بشكل آلي ومنتظم.
المبادرة تدعو على طرد الاشخاص الذين يرتكبون الجرائم سابقة الذكر بغض النظر عن وضعهم القانوني او العائلي او السنوات التي قضوها في سويسرا، ومن دون النظر إلى مدى اندماجهم ام لا. كما لا تحترم هذه المبادرة بحسب البعض مبدأ التناسب بين إجراء الطرد وطبيعة الجرم المرتكب.

لا يختلف المشروع المضاد الذي صاغته الحكومة وصوتت له الأغلبية في البرلمان السويسري كثيرا عن نص مبادرة حزب الشعب التي جاء لمنافستها. فالإطار العام والهدف واحد، حتى لو بدا المشروع المضاد أكثر دقة في بعض النقاط القانونية، كان يضيف إلى قائمة الجرائم التي تستحق الطرد مسالة الاحتيال ذا الطابع الاقتصادي.

كذلك ينص المشروع المضاد على أن سحب حق الإقامة، والطرد إلى البلد الأصلي، إجراء يجب ان يطبق في احترام تام للحقوق الأساسية ولمبادئ الدستور ولمقتضيات القانون الدولي، كما لابد من احترام مبدأ التناسب بين الحكم وطبيعة الجرم المرتكب.

يتضمن مشروع الحكومة أيضا بندا خاصا يلزم الحكومة بتقديم الدعم اللازم لخطط الكانتونات والبلديات الهادفة إلى أنجاح اندماج الأجانب.

حاليا، تنص المادة 121 من الدستور السويسري على ان الأجانب الذين يشكلون تهديدا على امن البلاد يمكن أن يتم طردهم من البلاد.

ويعود القرار إلى السلطات الكانتونية في تحديد ما إذا كان الأجنبي المدان في سويسرا يجب ان يطرد على خارج البلاد ام لا.
طبقا للقوانين السارية حاليا، تدرس كل حالة بحالة بحسب العديد من المعايير (العمر، سنوات الإقامة في سويسرا، مدى الإندماج، قوة الروابط مع سويسرا ومع البلد الاصلي).

شهدت سويسرا خلال السنوات الأخيرة بحسب تقرير أصدرته اللجنة الفدرالية المعنية بقضايا الهجرة يستند إلى دراسة أنجزها المنتدى السويسري لدراسة الهجرة تزايدا كبيرا في حالات طرد الأجانب.

أغلبية الأشخاص الذين تم طردهم من سويسرا في السنوات الأخيرة ينتمون على بلدان تقع خارج الإتحاد الأوروبي وبلدان الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة. ويعود هذا الامر بالأساس للقواعد المتضمنة في اتفاقيات حرية تنقل الأشخاص.

(نقله من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية