مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“أتمنى أن نظل مُحافظين على هويتنا وأن لا نَندَثر في أوروبا”

من اليمين إلى اليسار: عازف الإيقاع الإيطالي أندريا بيتشيوني، عازف الساكسافون السوري باسل رجوب، المغنية السورية لين أديب، وعازف القانون السوري فراس شهرستان أثناء الحفل الذي أقيم في دار "جولين" للفنون والثقافة بجنيف يوم 25 مايو 2016. zVg

تعالَت عبارات الإعجاب والثناء، والتهبت الأكف بالتصفيق مع نهاية كل مقطوعة موسيقية إستمع إليها جمهور الحاضرين الذي ملأوا قاعة دار"جوليَن" للفنون والثقافة في جنيف يوم الأربعاء 25 مايو.

ولم يكن الحضور الذين كانت غالبيتهم من السويسريين الذين تجاوزت أعمارهم الأربعين عاماً يستمعون إلى إحدى الفرق الموسيقية السويسرية كما قد يتبادر إلى الأذهان، ولكن إلى ألحان تحتفل بالإرث الثقافي السوري من خلال موسيقى  قائمة على التقاليد المُعاصرة ومُفعمة بالإيقاعات الشرقية، أداها عازف الساكسفون والمؤلف الموسيقي السوري باسل رجوب، برفقة عازف القانون السوري فراس شهرستان، وعازف الإيقاع الأيطالي اندريا بيتشيوني، والمغنية والملحنة السورية لين اديب بصوتها الشجي.

swissinfo.ch التقت باسل رجوبرابط خارجي، وكان لها معه هذا الحوار:

swissinfo.ch: كيف تبلوَرَت فكرة المزج بين موسيقى الجاز وإيقاعات الموسيقة الشرقية؟

باسل رجوب في سطور

عازف ساكسفون وموزع وملحن سوري، ولد في مدينة حلب في عام 1981. وهو يقيم في مدينة جنيف السويسرية منذ عام 2011.

درس الموسيقى الكلاسيكية في المعهد العالي للموسيقى بدمشق الذي تخرج منه عام 2005. عُرف بتطويره لتقليد موسيقي مُعاصر مُستند على التراث، ومُستَوحى من إيقاعات وتقاليد الشرق الأوسط، باستخدام أدوات موسيقية حديثة لا تنتمي للثقافة الموسيقية لتلك المنطقة مثل الساكسفون.

أختير للعزف في الافتتاح الرسمي لمهرجان ميلا الموسيقي الدولي في أوسلو في عام 2015. وشارك في العديد من المهرجانات الدولية مثل مهرجان مونترو للجاز ومهرجان كولّي للجاز (في سويسرا)، ومهرجان كوزمو جاز في فرنسا.

له ثلاثة ألبومات هي “خمير” و”آسيا” و”ملكة الفيروز”، وشارك في عزف وتلحين وتوزيع عدد من الألبومات الأخرى. وهو الموزع الموسيقي لألبومات لينا شماميان، التي تقاسم معها الفوز بجائزة “راديو مونت كارلو الدولي” في عام 2006.

في جولته الحالية لأطلاق البومه الأخير “ملكة الفيروز” (ضمن مشروعه الموسيقي “سوريانا”) شارك رجوب في مهرجانات الربيع المقامة في بيروت وتونس، كما أحيا حفلات موسيقية في مدن جنيف وبرن وروجمو وزيورخ السويسرية. ومن المقرر إقامة حفل موسيقي في معهد العالم العربي بباريس في شهر سبتمبر المقبل، فضلاً عن حفلات ستقام في مدن لوكارنو ورومانسهورن السويسرية في شهر نوفمبر القادم. وفي شهر ديسمبر، يمكن الإستمتاع بموسيقى رجوب في قاعة “ويغمور” في لندن.

وبين مشاركاته هذه، يقضي رجوب وقته بين تدريس آلة الساكسفون في المدرسة الدولية بجنيف، والتمرين اليومي على هذه الآلة وتأليف موسيقى جديدة لمشاريعه القادمة.

باسل رجوب: كنت مُهتماً بهذين اللونين الموسيقيين منذ البداية. لقد درست الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الجاز وكان اهتمامي بها بداية يفوق إهتمامي بالموسيقى الشرقية. ومع مرور الوقت ازداد توجهي لموسيقانا الشرقية نتيجة الإستماع المتواصل إليها ونحن نعيش في الشرق. لا أستطيع القول أن ما أعزفه هو دَمج بين موسيقى الجاز والموسيقى الشرقية، لكني قد أسميها موسيقى شرقية حديثة. وبِحُكم عزفي للساكسفون، وهي آلة مُلازمة لموسيقى الجاز، يعتقد الناس بأني أعزف الجاز. أنا احب الساكسفون كآلة ولا أشعر أني سأعزف على العود أو القانون يوماً، وهذا له علاقة بنشأتي وما كنت أستمع إليه وأنا صغير.

swissinfo.ch: نلاحظ تغييراً في الآلات الموسيقية وهيكلة الفرقة في البوماتك الثلاثة. في ألبوم “خمير” كانت الفرقة رباعية والآلات المُستخدمة غربية فقط. في البومك الثاني “آسيا” أدخَلتَ آلة القانون وتقلصت الفرقة إلى ثلاثي. واليوم في ألبومك الأخير “ملكة الفيروز” (وهو جزء من المشروع الموسيقي “سوريانارابط خارجي“)، نجد آلة العود بالإضافة إلى الغناء. كيف جاء هذا التغيير؟ وهل نتوقع المزيد من التحول في المستقبل؟

باسل رجوب: من الطبيعي أن تكون هناك مشاريع جديدة دائماً. في الألبوم الأول “خمير” (الذي سجلناه في عام 2007) كنت بعُمر أحببت فيه أن أنتج موسيقى بأدوات غربية كالكونترباص والبيانو. وبعد إنتهائي من الألبوم، شعرت بأهمية وجود محطة طويلة للموسيقى الشرقية. ومن هنا جاء إدخال الآلات الإيقاعية الشرقية وآلة القانون في ألبوم آسيا. وفي الألبوم الجديد “ملكة الفيروزرابط خارجي” هناك العود والقانون، ومعنا مغنية تؤدي قطعتين في الألبوم هي لين أديب. لم أقرر لغاية الآن ما قد يحدث في المستقبل، لكني سعيد بالآلات الشرقية وأتوقع ان تكون لها مساحة كبيرة في أعمالي القادمة.

swissinfo.ch: هل يساعد مَزج الموسيقى الشرقية بالغربية على إنتشارها وتسويقها بشكل أكبر برأيك؟

باسل رجوب: تعاني الموسيقى العربية من مشاكل كبيرة. إن أسلوب الطَرح ونسبة الأكاديمية في الموسيقى العربية قليل جداً. هناك مشكلة حقيقية تتعلق بالمجتمع، وبعدم وجود إمكانيات كبيرة لتسويق وإنتاج هذه الموسيقى في الشرق. بالنسبة لي، أجد هناك وضوحاً في الموسيقى الكلاسيكية أو الغربية من حيث العَزف وطريقة إقامة الحفلات وإحترام التفاصيل الصغيرة. وباعتقادي، عندما يرى الموسيقي طريقة تعامل الغرب مع هذا النوع من الموسيقى، وينقل هذه التفاصيل للموسيقى الشرقية، فسوف ينتهي به المطاف إلى إحياء حفلة تكون هناك فيها مساحة للقانون مثلاً بصوت وأسلوب طرح جميل جداً، يكون فيه الإحساس بالآلة أكثر مما يحدث عندنا في الشرق.

swissinfo.ch: في مشروعك الحالي “سوريانا” تحتفل من خلال الموسيقى بالارث الثقافي السوري، وقد نشأ هذا المشروع بعد مجيئك إلى سويسرا. كيف أثرت الأحداث المأساوية في سوريا على الألحان التي قمت بتأليفها؟

باسل رجوب: لقد أثرت هذه الأحداث علينا جميعاً بدرجة كبيرة جدا؛ على حياتنا الشخصية والعملية، علاقتنا بأطفالنا وباهلنا، وحتى علاقتنا مع انفسنا كأشخاص، وهذا ينعكس على الموسيقى بالتأكيد. كان من الصعب علي جداً أن أعزف الموسيقى خلال السنتين الأولى من الأحداث. اليوم الموضوع مختلف؛ علينا ان نبقى موجودين وأن نستمر ولا نستسلم. يجب أن أدافع عن موسيقاي وعن الفترة التي عشناها في سوريا قبل الأحداث التي كانت غنية بالموسيقى والكثير من الفنون الأخرى. من المهم بالنسبة لي أن أعود وأعيش تلك اللحظات وأعزف هذه الأغاني وأفرح بهذه الموسيقى مع أصدقائي السوريين عندما نجتمع على خشبة المسرح، لأنها تمثل الذكريات بالنسبة لنا.

swissinfo.ch: مع هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين في أوروبا وسويسرا الان، هل تتوقع حدوث تعاون مع سوريين لديهم معارف موسيقية؟ وهل يمكن أن تُسفر هذه الظروف عن ولادة نمط موسيقي جديد يعكس الأوضاع القائمة، كأن يتبلور هناك نوع من “موسيقى اللاجئين” على غرار أدب اللاجئين؟

باسل رجوب: بداية كنت أرفض أي شيء بهذا الخصوص، وكنت أرى أن نركز على الموسيقى فقط، لأني درستها وهي حياتي. في نفس الوقت، لم أجد في نفسي القدرة على الخروج والعزف للاجئين مع كل ما تحمله الموسيقى من جمال، لشدة الألم الذي كان يعتريني، سيما وأن أهلي من اللاجئين، وقد رأيت كيف وُضِعوا في جميع المواقف التي نراها على شاشات التلفاز. لكننا عندما كنا في لبنان الأسبوع الماضي، توجهنا إلى مدرسة للموسيقى أقيمت لأطفال اللاجئين خارج المعسكرات، وقمنا بالعزف معهم، مما أسعدنا أكثر من الأطفال أنفسهم باعتقادي. وقد كان لهذه التجربة أثر كبير علينا. وهكذا سوف نُحي حفلة كبيرة في برلين في شهر سبتمبرالمقبل، لجمع التبرعات لهذه المدرسة من خلال موضوع يتعلَّق بالموسيقى.

أن تأثر الموسيقى بهذه الأحداث أكيد. لكن ما أتمناه هو أن نبقى محافظين على هويتنا وأن لا نندثر في أوروبا كما حدث مع العديد من الأشخاص الذين مرّوا بهذه التجربة قبلنا – مثل أغلب من هاجر من العراق مثلاً، الذي كان بلدا عظيما ومرجعية لجميع الدول العربية من حيث الأدب والموسيقى والمسرح والسينما – وان يظل لدينا الأمل بالعودة إلى سوريا يوماً ما.

swissinfo.ch: أقمت العديد من الحفلات وشاركت في العديد من المهرجانات في مختلف مدن العالم، بضمنها مهرجان مونترو لموسيقى الجاز في سويسرا. أي هذه المهرجانات ترك اثراً أكبر لديك؟

باسل رجوب: كل حفلة لها خصوصيتها. في سويسرا، كان موقع مهرجان كوزمو جاز في شامونيرابط خارجي مثلاً من أجمل الأماكن التي يمكن تصورها، ولا أستطيع أن أنسى الجمهور الذي كان يتكبد عناء الصعود كل هذه المسافة لحضور مهرجان على ارتفاع نحو 2000 متر. مهرجان مونترو للجازرابط خارجي له خصوصية مميزة لأنه كان أول حفل لي في سويسرا، وكنت سعيداً بأن تكون أولى حفلاتي في مونترو. كما لا أستطيع أن أنسى الكنيسة التي عزفنا فيها في مهرجان كولي للجازرابط خارجي Cully Jazz Festival (في كانتون فو) . كذلك فإن لمهرجان جمعية تشجيع الموسيقى المرتجلةرابط خارجي (AMR ) مكانة خاصة بالنسبة لي، لإن هذه الجمعية هي بيتي الذي أتمرن فيه يومياً، والذي عشت فيه منذ بداية إنتقالي إلى سويسرا وحتى الآن، وكل الجمهور هناك من أصدقائي حيث نتمرن جميعنا كموسيقيين بشكل يومي تقريباً.

swissinfo.ch. هل تفكر بالتعاون مع موسيقيين سويسريين معروفين في عالم الجاز؟ وهل جاءتك دعوات من هذا القبيل؟

باسل رجوب: لقد عزفت نفس هذه الموسيقى بالفعل مع موسيقيين سويسريين لكن بساكسفون آخر وكونترباص وآلات إيقاع. وقد أقمنا ثلاثة حفلات في جمعية تشجيع الموسيقى المرتجلة، وفي مهرجان الموسيقى في جنيفرابط خارجي (Fête de la Musique)، كما سنقيم حفلة في شهر يوليو أيضاً. كذلك سنحت لي تجربة العزف مع عازف بيانو سويسري الشهر الماضي.

swissinfo.ch: ما الذي أردت أن تقوله في مقطوعة Helvetia التي يتضمنها ألبومك الأخير؟ وهل كان لإقامتك في سويسرا تأثير على نوع الموسيقى التي تقدمها؟

باسل رجوب: أردت أن أقول شكراً. لقد غادرت سوريا في عام 2008 تقريباً، وكانت آخر زيارة لي لسوريا قبل شهر من وقوع الأحداث لإطلاق ألبومي في دار الأوبرا بدمشق، ولم أشهد أي شيء من هذه الأحداث. لذا، مازالت سوريا بالنسبة لي هذا البلد الناهض ثقافياً، سيما وأنها شهدت نهضة ثقافية كبيرة قبل وقوع هذه الأحداث. عندما إنتقلت لسويسرا شعرت بالأمان لإول مرّة. فللمرة الأولى أصبح لدي عنوان، وللمرة الأولى أيضاً بِتُ أشعر بالمستقبل. سويسرا هي وطن. لقد وُلِد إبني هنا، وبالنسبة له هذا هو الوطن الأول، ومن خلال علاقتي مع أبني يجب أن تكون سويسرا وطني الأول أيضاً. ومع صعوبة المقارنة بين سوريا التي قضيت فيها 27 عاماً وسويسرا التي جئتها قبل 5 أعوام لكنها يحتلان نفس المكانة في قلبي.


متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية