مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا يجب مُحاربة الإرهاب فقط ولكن يجب محاربة أسبابه”

رجال يصلون داخل مسجد
مسلمون يؤدون الصلاة في الفضاء المخصص للديانة الإسلامية داخل "بيت الأديان" في العاصمة السويسرية برن يوم 26 أبريل 2015. Keystone

بعد كل حادثة إرهابية، تتجه الأنظار في سويسرا إلى المسلمين المقيمين في البلاد وتكاد تضعهم جميعا في قفص الإتهام، رغم إعلان من يتحدثون باسمهم باستمرار عن استنكارهم وشجبهم لكل ما له صلة بالتخريب والقتل وأعمال العنف. فكيف يتعايش المسلمون المقيمون في سويسرا مع هذه الوضعية؟

لمحاولة الحصول على إجابة على هذا السؤال وغيره من الإشكاليات المطروحة، التقت swissinfo.ch الدكتور محمود الجندي، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في زيورخ، وهي منظمة تأسست قبل 20 عاما بناءً على طلب من سلطات مدينة زيورخ التي كانت تريد حينها التحاور مع طرف واضح بخصوص موضوع مدافن المسلمين.

swissinfo.ch: كُنتُم من أوائل الجمعيات الاسلامية التي تفتح الحوار مع السلطات في كانتون سويسري. ما هو تقييمكم لتجربة اتحاد المنظمات الإسلامية في زيورخرابط خارجي ؟ وهل أنتم راضون عن نتائج حواراتكم المستمرة مع السلطات؟

د. محمود الجندي: التجربة في مجملها إيجابية. أهدافنا كانت بناء مقابر للمسلمين والإعتراف بالإسلام وإنشاء مسجد مركزي في زيورخ. تحقق منها موضوع واحد وهو موضوع المدافن. ولقد اقتضى هذا تغيير بعض القوانين في سويسرا لأجل إنشاء المدافن، كما أن مدينة زيورخ قدمت دعماً مالياً بهذا الخصوص.

الهدف الرئيسي للإتحاد هو الإعتراف بالدِّين الإسلامي وهذا هدف على المدى الطويل. أما إنشاء مسجد مناسب يليق بِنَا وينقل المسلمين من المآوي السفلية والأقبية، فهذا هدف على المدى القصير.

swissinfo.ch: بعد كل حادثة إرهابية، تتجه الأنظار إلى المسلمين وكأنهم جميعا في موضع الإتهام، رغم أنكم أعلنتم بوضوح عن استنكاركم مما حدث في 11 سبتمبر وفي باريس وغيرها من خلال وثيقة مرجعيّة منشورة على الموقع الرسمي للإتحاد. كيف تتعاملون مع هذا؟

د. محمود الجندي: نحن نشجب وندين كل صور العنف، ولكننا نرى أن الإرهاب عَـرَضٌ وليس بمرض. فلا يجب محاربة الاٍرهاب فقط ولكن يجب محاربة أسبابه، وفي هذا يشترك المسلمون وغير المسلمين، لأن المشكلة عامة. يجب أن يشترك الكل في هذا من حكومات وجامعات ومنظمات ومؤسسات.

هناك أحد الاستراتيجيتين: إما أن نقول إن هذا ليس له علاقة بالإسلام، وفي هذه الحالة لن يُصدّقنا أحد. أما الاستراتيجية الثانية، فأن نقول إن هذا جزء من الثقافة الإسلامية، كما أن الحروب الصليبية كانت نتاج الثقافة المسيحية، في هذه الحالة قد يُصدّقنا البعض. نحن لا نرى حرجاً في القول بأن ما يحدث هو جزء من الثقافة الاسلامية. إن العنف ظاهرة إنسانية وليست دينية.

نحن نتعاون مع جمعيات حوار الأديان (مثلا منتدى زيورخ للأديانرابط خارجي، والطاولة المستديرة للأديان ومعهد زيورخ لحوار الأديانرابط خارجي) كما نحاول أن نوضح وجهة نظر الإسلام، ونحصل على دعم منها بهذا الخصوص، والسلطات ممثلة من قبل بعض هذه الجمعيات والهيئات ونلقى منهم الدعم. إن ظاهرة الإرهاب في سويسرا تكاد تكون غير موجودة فالمشكلة بالتالي أقل حدة عما يحدث في الدول العربية أو في فرنسا وغيرها.

ولد الدكتور محمود الجندي (الصورة) الرئيس الحالي لاتحاد المنظمات الإسلامية في كانتون زيورخ قبل 71 عاما في مصر. درس هندسة الطاقة بجامعة القاهرة، ثم هاجر إلى سويسرا عام 1969، وحصل فيها على الدكتوراه في هندسة الطاقة. يؤكد أنه ترك بلاده “لأسباب مهنية وليست سياسية”، فبعد حرب يونيو 1967، هاجر عدد كبير من المصريين للخارج لمحاولة فهم ما جرى ولاكتساب خبرات مهنية ولفهم ثقافات العالم لأن “ما حدث حينها كان كصدمة ثقافية بالنسبة لهم وكان أفراد من جيلي يبحثون عن إجابات على أسئلة كثيرة محاولين بذلك فهم العالم”، على حد قوله. عمل أولاً فترة تدريبية في الدنمارك لمدة ستة أشهر ثم تحصل على الدراسات العليا والدكتوراه من المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، واشتغل لاحقا لدى إحدى الشركات الرائدة في سويسرا في مجال الطاقة. فكّر يوماً في العودة إلى مصر إلا أن رأي عمه كان أنه “ليس مهماً أين هو ولكن كيف هو”، وأن المهم هو أن “يؤدي واجبه تجاه الأسرة وتجاه العمل على أكمل وجه”. انتُخب في عام 2012 رئيساً لاتحاد المنظمات الإسلامية في كانتون زيورخ (يُعرف اختصارا بـ “ڤيوتس”). ومن أهدافه إنشاء مسجد مركزي في مدينة زيورخ والحصول على الإعتراف بالإسلام من طرف السلطات في الكانتون. forum-der-religionen.ch

swissinfo.ch: برأيك، ما هو واجب المسلمين في سويسرا تجاه الظاهرة الإرهابية عموما والأزمات المترتبة عنها؟

د. محمود الجندي: السؤال هو: ما هو واجب المسلمين جميعاً؟ إذا كان المسلمون يقومون بعملهم بكفاءة وعلى أكمل وجه فإنهم يؤدون واجباتهم ويمارسون دينهم بإخلاص. هذا يساهم في تحسين الصورة. نؤكد أن المسلمين أناس بسطاء طيبون ومسالمون، ولكن المشاكل لها جذور طبيعية، وهذه طبيعة البشر وهذا أيضا بسبب التطورات التي تمر بها بعض المناطق. فالأحداث في البلاد العربية تؤثر على الجاليات المقيمة هنا، ولكنه يظل تأثيراً محدوداً.

نحن نرى أن أحد المشاكل الرئيسية هو الصراع المزمن الإسرائيلي الفلسطيني، لذلك ندعم ونُحيّي مجهودات سويسرا من خلال “مبادرة جنيف” لأجل السلام، وكان انطباعي أثناء حضوري إجتماع المبادرة بدعوة من الجهات السويسرية المختصة إيجابياً جداً حيث لمست الرغبة الصادقة في حل المشكلة. فهذه خطوة إيجابية لتجفيف منابع الإرهاب.

swissinfo.ch: في تقرير حديث، اعتبر جهاز الإستخبارات السويسري أن “ظاهرة الجهاديين تمثل مشكلة أمنيّة لدول الغرب بما فيها سويسرا”، هل تُشاطرون هذا التقييم وهل ثمة تخوفات برأيكم من حدوث أعمال إرهابية في سويسرا؟

د. محمود الجندي: طبقاً لدراسة منشورة من طرف قسم الدراسات الأمنية بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، اتضح أنه يوجد في سويسرا حوالي 50 شخصا من الممكن أن يُشكلوا خطراً أمنياً للإشتباه في أن لهم صلة بمنظمات إرهابية. ولكننا نرى أن هذه مسألة أمنية بحتة.

swissinfo.ch: من خلال تجربتك ضمن اتحاد المنظمات الإسلامية في زيورخ، كيف يُمكن إقناع الرأي العام السويسري بأن الإسلام والمسلمين لا يُشكّلون تهديداً لأمنهم أو لنمط حياتهم مثلما يزعم البعض؟

د. محمود الجندي: السيدة ميركل، المستشارة الألمانية، قالت إن الاسلام جزء من ألمانيا. السؤال أكاديمي لأن المسلمين جزء من المجتمع ومعظم السويسريين لهم تجارب إيجابية مع المسلمين، ومجهوداتنا مستمرة لتحسين الصورة. كما أن الأجيال الجديدة من المسلمين لديهم هوية مزدوجة، فهم مسلمون أيضاً. حوالي أكثر من الثلث يحملون الجنسية السويسرية. لا أظن أن هذه مشكله، فالمسلمون حققوا نسبة معقولة في الإندماج، فهم يعيشون منذ عشرات السنين ونحن نتواصل ومجهوداتنا مستمرة مع إدارات الإندماج (التابعة للكانتونات – التحرير).

يُمكن القول أن شروط الإندماج في سويسرا – مقارنة بالدول الأوروبية المجاورة – أفضل بكثير. لقد بذلت سويسرا الكثير لدمج المهاجرين الجدد والتنبؤ بما يحدث قبل حدوثه والتهيؤ له. كما أن سويسرا ليس لها تاريخ استعماري، فمن جاء إلى هنا، كان لأجل العمل ولأسباب اقتصادية وعلمية. إن جذورنا وثقافتنا مختلفة، لذلك تختلف أنماط الإندماج.

swissinfo.ch: بشكل عام، هل تعتبر أن المسلمين في سويسرا مندمجون حقاً في المجتمع السويسري أم أنهم لا زالوا بحاجة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات لتبديد كل الشكوك والمخاوف؟ وما هي؟

د. محمود الجندي: الإندماج ليس حالة ولكنه إجراء مستمر. هناك أناس يقدمون إلى سويسرا باستمرار وهناك قاعدة من المسلمين المندمجين وهذا يُسهّل استقبال ودمج الجدد منهم. إننا نتحدث عن الإندماج الذي يحدث من الداخل وبالرغبة، وليس عن الدّمج الذي يأتي من الخارج وبالقوة. كما أن الجيل الثاني من المسلمين ينظر إلى نفسه كمسلم، فهويته ليست أحادية البعد، ولكنها هوية مزدوجة. يُمكن القول أن درجة الإندماج في المجتمع السويسري جيّدة، وأنها في تحسّن.

swissinfo.ch: عموما، هل تعتبرون المساجد جسوراً للإندماج في سويسرا؟

د. محمود الجندي: نعم، المساجد جسور للإندماج، فمن يستطيع ممارسة دينه في مجتمع ما، فانه يقبل بالتالي المجتمع الذي يعيش فيه. هناك مشروع اسمه “مساعدة المسلمين في الأزمات”، وقد ساعدتنا السلطات السويسرية أيضاً ماديا لمساعدة المسلمين في أزماتهم، وهناك برامج تدريبية للمتطوعين لمعرفة كيفية التعامل مع الأفراد والأسر المتعرضة للأزمات. مسؤوليتنا أن ندعم في دور العبادة (كالمساجد) صورة الإسلام المعتدل والإسلام الوسط.

swissinfo.ch: في الوقت الحالي، ما هي الأجواء العامة في اتحاد المنظمات الإسلامية في كانتون زيورخ؟

د. محمود الجندي: كان الدكتور إسماعيل أمين هو الرئيس المصري الأول للإتحاد، ومن قبلي كان تركيّاً ونحن نحترم بَعضُنَا البعض بعض النظر عن الجنسية. تم اختياري لأَنِّي قمت بنشاط تطوعي لمدة عشر سنوات في منتدى زيورخ للأديان، حيث اكتسبت خبرة كبيرة، وكان التوقيت متزامنا مع وقت خروجي إلى المعاش. الجو العام عندنا طيب، فالجمعية تمثل مصالح المسلمين، وتتعاون مع السلطات عن طريق إدارات الإندماج حيث نلتقي بشكل دوري كأسرة كبيرة لمواجهة التحديات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية