The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

تفاقم النزاعات حول المياه مع تزايد الاحتباس الحراري

إثيوبيا
منظر لسد النهضة الإثيوبي الكبير في بني شنقول-جوموز، إثيوبيا، الثلاثاء 9 سبتمبر 2025. Copyright 2025 The Associated Press. All Rights Reserved

تمتد المياه كمصدر للصراعات الجيوسياسية، من النيل إلى كولورادو، مرورًا بأهوار بلاد الرافدين وبحيرة جنيف. ويحذر كريستيان  بريثوت، المدير المشارك لكرسي اليونسكو للسياسات المائية، من أن الاحتباس الحراري قد يؤدي إلى تفاقم هذه التوترات. 

وفي حديثه في البرنامج التلفزيوني، “جيوبوليتيس” (Géopolitis)، الذي ينتجه التلفزيون السويسري الناطق بالفرنسية (RTS) ويبثّه، أشار إلى أنّ “التوترات المتعلقة بالمياه تزداد حدة حاليًا، خاصة على المستوى الإقليمي، بينما تظل المياه عامل تعاون مهم على الصعيد الدولي. لكن قد تتغيّر الأمور بسرعة”. 

وتُمثّل المياه العابرة للحدود 60٪ من تدفقات المياه العذبة العالمية. ومع ذلك، لا توجد اتفاقيات كافية لإدارتها. ويُلخّص الأستاذ بجامعة جنيف ذلك قائلًا: “إنّ أزمة المياه هي أزمة إدارة وحوكمة، قبل كلّ شيء”. 

النيل عنوانٌ للتنافس

تتجلّى هذه القضية بكلّ أبعادها وتحدياتها، في نهر النيل. فيثير إعلان إثيوبيا تشغيل أكبر سدٍّ في أفريقيا، المعروف بسد النهضة، قلقَ مصر والسودان، اللتين تخشيان على مواردهما المائية. ويُشير كريستيان بريثوت إلى أنّنا “عندما نتحدث عن بنية تحتية بهذا الحجم، تكون آثارها في دول المصب حتمية، للأسف”.  

ويتابع محدّثنا: “إن السؤال المحيّر، هو كيف ستنظم الدول أنفسها خلال الظروف المناخية القصوى، مثل الجفاف، لمنع تحوّل التوترات إلى صراع. ويعقّد غياب اتفاقيات في هذا المجال أي إجراء استباقي، أو أي تكيّف مع الأوضاع المستجدة”.  

ومن تداعيات إقامة السد أيضًا ظهور بوادر تحوّل إقليمي كبير. “نحن أمام ظاهرة أشبه بالقومية المائية. فتريد إثيوبيا فرض نفسها قوةً في شرق أفريقيا، متحديّةً مصر التي لطالما هيمنت على نهر النيل. 

المياه
إن تشغيل إثيوبيا لسد النهضة، أكبر سد في أفريقيا، يثير مخاوف مصر والسودان من انخفاض مواردهما المائية. RTS Geopolitics

اتفاقيات في مياه مضطربة

يُساهم تغيّر المناخ والتلوّث، في تفاقم هذه التوترات المائية. وينطبق هذا على نحو خاص، على نهر كولورادو، المنخفض تدفّقُه بنسبة 20٪ خلال قرن بسبب الجفاف المتكرر، والاستغلال المفرط. فبسبب ندرة الموارد المائية، لم يعد تقاسم مياه نهري كولورادو وريو غراندي (أو ريو برافو في المكسيك)، الذي أُقرّ بموجب معاهدة بين الولايات المتحدة والمكسيك عام 1944، مثلما كان في الماضي. وأصبح هشًا. 

في شمال تايلاند، يتعرض نهر كوك، أحد روافد نهر الميكونغ، للتلوث بسبب الرواسب السامة الناتجة عن استخراج الذهب والمعادن الثمينة في بورما المجاورة، التي تُعزى إلى شركات صينية. ونتيجة لذلك، تتأثر صحة الأسماك، ما يجعل من الصعب على الصيادين بيع ما يصطادونه. ويحذر بينشوم سايتانغ، مدير منظمة “إيرث تايلاند” غير الحكومية، من أن يتطلّب حلّ هذه المشكلة، تعاون الحكومات التايلاندية، والبورمية، والصينية. 

ويرى كريستيان بريثوت أنّ التعاون الدولي يظل الحلَّ الأمثل لتجنب مثل هذه الخلافات. وفي مطلع سبتمبر، وقّعت سويسرا وفرنسا، اتفاقيتين تتعلقان بإدارة مياه نهر الرون وبحيرة جنيف، بعد أربعة عشر عامًا من المفاوضات. وتهدف هاتان الاتفاقيتان إلى تنسيق الإدارة المستدامة للمياه، لا سيما خلال فترات الجفاف والفيضانات.  

ويشير البروفيسور إلى أنّ “آليات إقليمية فعّالة كانت لدينا لفترة طويلة، ولم تكن للجانب الفرنسي أيّ رغبة في إعادة النظر فيها. فقد دفع تغيّر مناخ باريس إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، والمطالبة بمزيد من المرونة”. 

مع ذلك، لا يكفي توقيع الاتفاقيات. بل هناك حاجة أيضًا إلى بنية تحتية موثوقة، وإرادة سياسية. ويقول كريستيان بريثوت في هذا الصدد: “تفقد مدنٌ مثل مدينة مكسيكو، ما بين 40٪ و50٪ من مياهها بسبب التسربات. ولا يتعلق الأمر هنا بالمناخ، بل بقرار سياسي يجب أن يركّز على تجديد البنية التحتية، وترشيد استهلاك المياه”. 

أثناء الحروب، تُصبح البنية التحتية المائية أحيانًا هدفًا عسكريًا. في السودان وأوكرانيا، تعرّضت السدود للهجوم والتهديد، مما أضرّ بشبكات الإمداد بالمياه. في قطاع غزة، أدّى القصف ونقص الوقود إلى تعطيل جزء كبير من شبكة توزيع مياه الشرب. ووفقًا لليونيسف، يواجه أكثر من مليوني فلسطيني وفلسطينية “جفافًا من صنع الإنسان”.

ويُحذّر كريستيان بريثوت من أن “استهداف البنية التحتية للمياه لم يعدّ من المحرّمات، بعد تعرّض الخزانات ومنشآت التخزين ومحطات تنقية المياه وتحليتها إلى هجمات مباشرة. ويختم قائلًا: “إن الماء حقٌّ أساسيٌّ من حقوق الإنسان، وموردٌ يجب حمايته باستمرار”.

المقال هو ثمرة تعاون بين سويس إنفو وبرنامج جيوبولتيس التابع للإذاعة والتلفزيون السويسري الناطق بالفرنسية ( RTS).

ترجمة: موسى آشرشور

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية