مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

فاراه رومي.. مناضلة سويسرية أثبتت جدارتها خلال جائحة كوفيد

فرح رومي، عضوة برلمان
فاراه رومي السريلانكية الأصل والمولودة في 28 ديسمبر 1991 Thomas Kern/swissinfo.ch

شكّل انضمام الاشتراكية فاراه رومي إلى البرلمان الفدرالي إحدى المفاجآت في الانتخابات الفدرالية لعام 2023. لقد كانت هذه السياسية الشابة في الوقت وفي المكان المناسبين. كما كان موضوع حملتها الانتخابية مثار اهتمام المشتغلين والمشتغلات بالشأن السياسي. بورتريه

نلتقي فاراه رومي على غرينشنبيرغ (Grenchenberg)، جبل في منطقة جورا يبلغ ارتفاعه 1400 متر تقريبًا، مع إطلالة رائعة على الهضبة السويسرية. اختارت النائبة الاشتراكية هذا المكان الساحر لتقديم نفسها.

يحظى هذا المكان بأهمية خاصة لها، فهي تعيش قريبا من منطقة غرانج” بكانتون سولوتورن، ويسمح أيضا بالتوقّف عند مطعم أُنتر-غرينشن-بيرغ، المعروف بفطائر الألف ورقة، التي لها دورٌ أيضًا في العمل السياسي لفاراه رومي، كما سيبدو لاحقا.

صعود سياسي سريع

كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة لفاراه رومي. بالكاد مرّ على جهودها في مجلس كانتون “سولوتورن” ومجلس الأعيان في “غرينشن” ثلاث سنوات، وجدت رومي نفسها تتهيّأ لخوض الانتخابات الفدرالية للفوز بمعقد في مجلس النواب. يُعدّ هذا الأمر مرحلة لابد من المرور بها بالنسبة للسياسيّات والسياسيين من جيل الشباب داخل حزبٍ ما، فالانتقال من المستوى المحلي إلى مستوى الكانتون، ثم إلى المستوى الوطني، هو المسار الواجب قطعه لكل ممتهن وممتهنة للعمل السياسي في سويسرا.

أنجزت فاراه رومي ذلك بوتيرة سريعة. وكانت البداية خلال جائحة كوفيد، حيث عايشت هذه المرأة المتخصصة في التمريض تأثيرات الجائحة عن قرب، في المستشفى كما في مختبر قسطرة القلب حيث غالبًا ما يتعلق الأمر بالحياة والموت، ويتطلب قراراتٍ ومعالجاتٍ سريعة.

في أكتوبر الماضي دخل 56 منتخبًا ومنتخبة حديثًا إلى البرلمان الفدرالي. حزب الشعب السويسري (SVP)، أحزاب الوسط، والحزب الاشتراكي (SP)، كانت الأكثر نجاحاً في الانتخابات الفدرالية لعام 2023 ولها العدد الأكبر من الوافدين والوافدات حديثًا إلى البرلمان. حزبا الخضر والخضر الليبراليين كانا أكبر خاسرَين في الانتخابات، ولم يتمكنا من إرسال وجوهٍ جديدة إلى برن.

عندما كانت منهكة بعد يوم عمل طويل، كان عليها أن تشد من عضد زميلةً لها كانت على وشك انهيار نفسي، تريثت قليلا ثم قالت: “الوضع ليس على ما يرام!”

رومي بديلا عن فرانسيسكا روث في مجلس النواب
بعد أن انتقلت فرانسيسكا روت من عضوية مجلس النواب إلى شغل مقعد في مجلس الشيوخ، أصبحت فاراه رومي بديلا عنها في مجلس النواب www.swissinfo.ch/Thomas Kern/swissinfo.ch

كررت رومي خلال اللقاء معها هذه الجملة مرارًا. وتضيف: “لقد تجلت أوجه الفشل والقصور في نظام الرعاية الصحية، الذي ساد لسنوات طويلة، إلى العيان خلال جائحة كوفيد- 19، ودفع مقدمو ومقدمات الرعاية الصحية، ثمن ذلك في المقام الأوّل”.

هذا الوضع دفعها محاورتنا للانخراط في العمل السياسي. والبداية من خلال دعم مبادرة “الرعاية التمريضية”، التي كانت قد قُدّمت قبل الجائحة، لكن المطلب بتحسين ظروف الممرضين والممرضات تلّقى دفعةً قوية خلال جائحة كوفيد وتم قبوله في الاقتراع بنسبة 61%. وكانت هذه هي المرّة الأولى التي تُقبل فيها مبادرة شعبية تتقدم بها دوائر نقابية.

ما الذي تتناوله مبادرة الرعاية الصحية؟ المقال اللاحق يشرح ذلك:

المزيد
ممرضة

المزيد

ما هو الحل لتلافي النقص في عدد العاملين في الرعاية الصحية؟

تم نشر هذا المحتوى على في خضم جائحة كوفيد -19، تواجه سويسرا نقصًا حادًا في العاملين في مجال الرعاية الصحية. لكن الحلول المقترحة تقسم المجتمع.

طالع المزيدما هو الحل لتلافي النقص في عدد العاملين في الرعاية الصحية؟

تقول رومي: “ليس هناك أدنى شك، في أن هذا الجهد يقف وراء نجاحي الانتخابي”، لكنْ هنالك أيضًا مشاريع عمل أُخر عُرِفت بها هذه العضوة في البرلمان الفدرالي السويسري في غرينشن وخارجها: على سبيل المثال: الحملة ضد هدر الطعامرابط خارجي، أو مبادرة تبادل الرسائل بين الأجيالرابط خارجي، والتي كان الهدف منها حماية المقيمين والمقيمات في دور الشيخوخة من الوحدة خلال الجائحة.

لم تقطع رومي الخطوة الأخيرة باتجاه المؤسسات السياسية الرسمية إلّا بعد هذا العمل التطوعي، والعمل الجمعياتي، والتي توصلت من خلالهما إلى أن تحسين ظروف العمل والأجور وساعات الدوام في القطاع الصحي، لا يمكن تحقيقه إلّا بالعمل على مستوى المؤسسات الوطنية.

هل لهذا السبب قررت رومي الانضمام إلى الحزب الاشتراكي؟

تجيب السياسية الشابة بكل بساطة: “ملأت استبيان العنكبوت الذكي، ظهر لي حزبان، فقررت اختيار الحزب الاشتراكي”.

رسم العنكبوت الذكي
Thomas Kern/swissinfo.ch

على هذا النحو، وببساطة يمكن أن تجري الأمور أحيانا في عالم السياسة.

الذكاء العنكبوتي

مع ذلك، سوف تتعقد الأمور في وقت لاحق: فميزانية حملة انتخابها عضوة بمجلس النواب لم تتجاوزعدة مئات من الفرنكات. وللمقارنة، بلغت أعلى ميزانية معلنة في انتخابات البرلمان السويسري عام 2023 أكثر من 370 ألف فرنك (رجلٌ من زيورخ لم يفز في الانتخابات). “لا أرى أن المال وحده عامل حاسم في السياسة. وبالتأكيد هو أقل تأثيرا عندما يتعلق الأمر بترشحٍ لمقعد في البرلمان”، تُعلق رومي البالغة من العمر 32 عامًا.

قضية المنشأ

تركت التقارير الإعلامية عن فوزها الانتخابي انطباعا سيئًا لديها: “كثيرا ما تعلقت التقارير في المقام الأول بأصلي وليس بسجل انجازاتي”، تقول رومي، التي وُلدت في كولومبو، عاصمة سريلانكا وأكبر مدنها. كان والدها قد عثر على وظيفةً في صناعة الساعات في غرينشن، فالتحقت به زوجته وابنته، وهي في السادسة من عمرها. وأن تتكرر الإشارة إلى ذلك في صدارة كل التقارير هو أمرٌ مفهوم كما تقول رومي، لكنه مزعج: “أنا سويسرية بجذورٍ سريلانكية، وانتهى الأمر”.

وتحدثت وسائل إعلام كثيرة عن وجه غير معتاد، لكن كان بالإمكان النظر إلى الأمر بشكل مغاير كالإشارة مثلا إلى أنها تنحدر من مدينة سويسرية صغيرة؛ ويعيش الجزء الأكبر من السويسريين والسويسريات في المدن الصغيرة. وهي من أصولٍ مهاجرة؛ وذلك ما ينطبق على نسبة 40 % تقريبًا من السكان في سويسرا. ودرست دراسة مهنية؛ وذلك هو الطريق الدراسي الأكثر ارتيادًا أيضا في البلاد.

ولنا أن نتساءل إذن: لماذا يُنظر إلى فاراه على أنها وجه غير معتاد؟

“فاراه رومي قطعت طريقًا وعرًا مثل الكثير من ذوي وذوات الخلفيات المهاجرة”، يقول شولويان سُنتارالِنغام الذي يشاركها النشاط السياسي أيضًا في الحزب الاشتراكي، جناح المهاجرين والمهاجرات في كانتون “سولوتورن”رابط خارجي، وهو جناح يعمل في المقام الأول من أجل مطالب المهاجرين والمهاجرات: “أوقات العمل، أقساط التأمين الصحي، مفاوضات الأجور. هذه الأمور جميعها، قضايا سياسية جوهرية، تهم الجميع في هذه البلاد”.

فرح رومي، سريلانكية وعضوة برلمان سويسرية
فاراه رومي، سريلانكية وعضوة برلمان سويسرية www.swissinfo.ch/Thomas Kern/swissinfo.ch

لكن ليس باستطاعة الجميع العمل من أجل ذلك بالمستوى نفسه. وفقًا لسُنتارالِنغام، فإن وصول فاراه إلى البرلمان الفدرالي، أمرٌ مهم أيضًا لأن البرلمان أقل تنوعًا مما هو عليه الوضع في صفوف السكان. وبفضل هذه البرلمانية، كما يضيف سُنتارالِنغام: “سيكون لدينا صوتٌ موثوقٌ به في البرلمان”.

ويقول أيضًا: “أقدرها كسياسية واقعية تستطيع دون شك أن تبني جسورًا في برن. إنها لا تخاف أن تسميَّ الأشياء بأسمائها، لكنها مستعدة أيضًا للقبول بحلول وسطى”.

“ملتزمة ومتحفّزة”

لن تكتفي رومي بممارسة السياسة في برن، بل ستستمر في تدريس طالباتها وطلابها في مدرسة مهنية، تُعدّ متخصصين ومتخصصات في المجال الصحي، حيث يستهويها الجانب التعليمي. وستبقى هذه السياسية ناشطة على المستوى المحلي أيضًا، في بلدية غرينشنرابط خارجي، على سبيل المثال.

فهذه الشابة الناجحة هي عضو في مجلس الأعيان المحلي، وهي مسؤولة عن منح المواطنة على المستوى المحلي، لكونها عضوة منذ ثلاث سنوات في اللجنة المختصة بدراسة مطالب التجنيس .

“كل الملفات ذات البعد الاجتماعي تمثّل مركز قوتها”، يقول رئيس اللجنة، إدوارد شبيرِسن، الذي ينتمي إلى الحزب الليبرالي الراديكالي، أي على الجانب الآخر من الطيف السياسي، والذي يجدها أيضا ملتزمة ومتحمسة في القضايا الأخرى أيضا”. ويؤكد على أن “التعاون معها يسير بشكل جيد”.

وكإدارة عامة، يدير مجلس الأعيان المحلّي في غرينشن الشؤون اليومية للمنطقة، ويشرف على بعض الأملاك: عقارات عديدة، ومؤسسة لإدارة الغابات الخاصة بالبلدية، وثلاث فنادق كبيرة في الجبل. كما إنه يمنح تصاريح البناء وعقود تأجير الأراضي الزراعية وضماناتها، ويشرف أيضًا على صيانة الطرق الجبلية. في مناطق كثيرة من سويسرا يوجد هذا النوع من الهيكلية السياسية الموازية، وهو من بقايا العصور الوسطى.

يقول شبيرِسن: “نهتم بالسياسة الهادفة إلى تحقيق المنفعة العامة، وهنا لا يلعب البرنامج الحزبي دورًا جوهريًّا”، ويعرب عن فخره بأن امرأة من غرينشن تمثل كانتون سولوتورن في البرلمان. “كانت مسيرتها المهنية مبهرة، علينا الاعتراف بذلك، لكنها عملت بجد لتحقيق ذلك”.

تخلت رومي عن التكليفات الأخرى. وفقًا لقولها فإن الجهد المبذول في البرلمان الفدرالي، وفي العمل كمدرسة بمدرسة مهنية، كبيران. لكن العمل على المستوى المحل، يظل في غاية الأهمية بالنسبة إليها.

وهنا يعود الحديث مرة أخرى إلى فطائر الألف ورقة: فمن الأسئلة التي تطرحها ويطرحها رئيسة ورئيس لجنة التجنيس بشكل متكرر على المترشحين والمترشحات هو حول مدى معرفتهم ومعرفتهن بالمنتج الغذائي الخاص بجبل “غرينشن”.

ليس غريبًا أن تُطرح مثل هذه الأسئلة خلال إجراءات التجنيس في سويسرا، حيث تصاعد الانتقاد لهذه الظاهرة في السنوات الأخيرة وطالبت مجموعات المجتمع المدني بتغييرها.

موضوع جديد ومطالب قديمة

ما هي إذن أهداف فاراه رومي من شغلها مقعدا بمجلس النواب؟

كوافدة جديدة، لم تحصل رومي على مقعدها الذي تتمناه في لجنة الصحة والأمن الاجتماعي، فالمقاعد تُوزع حسب مبدأ الأقدمية. وبسبب ذلك فهي حاليا عضوة في لجنة الشؤون الخارجية. وهذا يعني الكثير من الجهد والطاقة لاستيعاب المواضيع المعقدة.

تقول رومي في هذا الصدد: “هذا أمرٌ جذّاب بالنسبة لي. يُضاف إليه أنني سأرى طرقًا جديدة تعلمني الجوانب السياسية المتعلقة بالصحة في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك بموضوع هجرة العمالة، المهمة في مجال التمريض”.

للتعرّف عن الوضع الصعب الذي يحيط بعمل مقدمي ومقدمات الرعاية الصحية في سويسرا، يمكنكم.كن قراءة هذا المقال:

المزيد
infermiera con mascherina

المزيد

الممرضات في سويسرا.. بطلاتٌ مُنهكات ومنقوصات الأجور

تم نشر هذا المحتوى على توفيت، ذات ليلة، سيدة مسنة، لم يكن أحد يزورها بتاتا، وقد أمضت وقتا طويلا في المستشفى من دون أن يتفقدها أحد من أفراد عائلتها ولا من معارفها، وتقول جِنيفر س.* التي كانت بجانبها: “ما زالت تراودني زفراتها، ويؤلمني موتها وحيدة”. ورغم مرور عام تقريبا على الحدث المأساوي، إلا أن الممرضة الشابة في مستشفى إحدى كانتونات…

طالع المزيدالممرضات في سويسرا.. بطلاتٌ مُنهكات ومنقوصات الأجور

رومي ترى أيضًا أن هنالك الكثير ما يجب فعله غير ذلك: سويسرا لديها واحد من أغلى الأنظمة الصحية. في السنوات الأخيرة كانت أقساط التأمين الصحي ترتفع بشكلٍ دائم، ما يشكل عبّئًا كبيرًا على الأسر ذوات الدخل المحدود بشكلٍ خاص.

“تبقى القوة الشرائية موضوعًا مهمًّا، وفي المجال الطبي هنالك الكثير من إمكانيات التحسين”، تقول رومي، التي ترى أنه من المهم لها الآن “دقّ الوتد الأول. وتطبيق مبادرة الرعاية الصحية التي انتُخبت من أجلها بشكل كامل”.

تحرير: بالتس ريغيندينغر

ترجمة: جواد الساعدي

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/م.ا

المزيد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية