مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أوسبيل غادر .. والأزمة بَـقِـيت

swissinfo.ch

خصصت الصحافة السويسرية يوم الأربعاء حيزا هاما لطرح علامات استفهام عديدة في تعليقاتها على استقالة مارسيل أوسبيل من مجلس إدارة اتحاد المصارف السويسرية "يو بي إس" والخسائر الجسيمة التي سجلها المصرف في الثلاثي الأول من هذا العام.

وبينما رحبت افتتاحيات كثيرة بمغادرة أوسبيل، أعرب العديد من المُعلقين عن القلق حول مستقبل أكبر مصرف في البلاد.

“هل لمست يو بي إس القاع أخيرا؟” انتشر رنينُ هذا السؤال الذي طرحته صحيفة “لوتون” (الصادرة بالفرنسية في جنيف) في مختلف اليوميات السويسرية غداة سلسلة الإعلانات المثيرة للصدمة التي صدرت عن “يو بي إس”، أهم مصرف في الساحة المالية السويسرية.

فبخسارة 12 مليار فرنك سويسري في الربع الأول من هذا العام، وشطب أصول إضافية بقيمة 19 مليار في سوق الرهون العقارية غير المضمونة في الولايات المتحدة، وإطلاق عملية ترفيع جديدة لرأس المال بقيمة 15 مليار، ومغادرة رئيس مجلس الإدارة مارسيل أوسبيل، سيظل يوم الثلاثاء 1 أبريل راسخا في سجلات التاريخ المصرفي للبلاد.

وتساءلت صحيفة “فانت كاتر أور” (تصدر بالفرنسية، في لوزان): “متى سيخرج يو بي إس، أول مصرف سويسري، من الحفرة؟”. في المقابل، لم يذهب أيّ محرر إلى حد التوقع باختفاء المؤسسة المصرفية، بل أبرز مُعظم كُتاب الافتتاحيات صلابة اتحاد المصارف السويسرية.

شكوك حول المستقبل

وقد شددت يومية “دير بوند” (تصدر بالألمانية في برن) على أن “يو بي إس لن تغرق لأن الجزء الأكبر من أعمالها بصحة جيدة ومازال يعـِد بإيرادات جيدة”. وكانت البورصة السويسرية قد ذهبت في الاتجاه نفسه، إذ قفز سهم يو بي إس يوم الثلاثاء بـ 12%؛ وهو مؤشر فسرته يومية “باسلر تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في بازل) بشكل إيجابي.

ولكن الشكوك تظل حاضرة في كل مكان. وتلاحظ “دير بوند” أن “الرؤوس الكبيرة في يو بي إس تقول بصوت عال إن ترفيعا ثالثا لرأس المال لن يكون ضروريا، ولكن لا أحد يستطيع أن يعطي ضمانة بهذا الخصوص”.

نفس الشكوك عبرت عنها “لا تريبون دو جنيف” التي تعتقد أن “الخطة الجديدة لترفيع رأس المال، ولعبة خـِفة اليد الهادفة إلى عزلٍ مُصطنع لنشاطات الاستثمار في الولايات المتحدة من أجل إعادة البريق لعلامة يو بي إس، لا تشكلان بتاتا عربونا لتطهير” الوضع المالي للمؤسسة.

ومن بين التدابير المخطط لها، أعلنت يو بي إس بالفعل إنشاء وحدة مُستقلة للمواقع المرتبطة بالعقار الأمريكي؛ وهي خطوة وصفتها “دير بوند” بـ”عملية تجميل”، بينما أشادت بها “باسلر تسايتونغ” كإجراء من شأنه إعادة الثقة في المؤسسة.

هل سيكون كورر خير خلف لأوسبيل؟

في المقابل، حظي الترحيب بانسحاب مارسيل أوسبيل بإجماع الصحف السويسرية. فمن “برنر تسايتنونغ” (تصدر بالألمانية في برن) التي عنونت مقالها بـ”غراوندينغ مارسيل أوسبيل” (نسبة إلى شريط “غراوندينغ” الذي يحكي قصة إفلاس شركة سويس إير، والتي ارتبطت بقوة باسم أوسبيل) إلى “لا تريبون دو جنيف” التي تعتقد أن استقالة أوسبيل كانت “الخبر الجيد الوحيد في يوم أمس المظلم”، شددت الصحف على أن مغادرة أوسبيل كانت ضرورية.

تلك المغادرة “المثيرة للشفقة”، كما نعتتها لوتون، فسحت المجال لـبيتر كورر. وأوضحت الصحف بشكل عام في وصفها لهذا الخبير القانوني والمحامي المُحنك أنه رجل السراي (اعتبارا لتجربته الطويلة داخل المصرف)، ورجل الفترات الإنتقالية في المقام الأول.

فبفضل مهاراته، قد يُخرج يو بي إس من أزمته، حسب إقرار “برنر تسايتنونغ”. أما “لا تريبون دو جنيف” فتظل مُترددة وتعتقد في المقابل بأنه “في الوقت الذي كانت فيه الحاجة لمتخصص في المالية قادر على حل ربطة خيوط أزمة شديدة التعقيد، عيـّن المصرف، في عجالة من أمره، مُحاميا”.

من جهتها، ترى صحيفة “كوريري ديل تيتشينو (تصدر بالإيطالية في موتسانو) في هذا التعيين إرادة استراتيجية. وكتبت في هذا السياق: “بعد مغامرات محفوفة بالمخاطر لـ”رجال السوق”، لقد آن الأوان لتنصيب رجال قانون قادرين على مواجهة القواعد الجديدة التي أصدرتها سلطات المراقبة والتي ستزداد صرامة أكثر فأكثر”.

أثر الأزمة على البلاد

على صعيد آخر، اهتمت تعليقات كثيرة بتأُثير هذه الأزمة على الوعي الجماعي السويسري، لأن الأخبار السيئة التي تأتي من القطاع المصرفي تذكرهم بالتأكيد بإفلاس شركة الطيران الوطنية “سويس إير” في عام 2001.

مع ذلك، تؤكد “فانت كاتر أور” أن الأمر لا يتعلق بـ “سويس إير مُكرّر”، مشددة في الوقت ذاته على أن “هذه الأزمة سيكون لها تأثير على سويسرا، على المستوى الضريبي، وبلا شك على مستوى سوق الشغل أيضا”. من جهتها، أعربت “تاغس أنتسايغر” (تصدر بالألمانية في زيورخ) عن قلقها حول العواقب على الساحة المالية السويسرية.

وبدت الصحف الروماندية (الناطقة بالفرنسية) منتقدة للسلطات الفدرالية. فعلى سبيل المثال، اعتبرت “لوتون” أن اعتراف اللجنة الفدرالية للمصارف بالعجز تقريبا أمام أزمة يو بي إس “حدثا” أكثر أهمية من إعلانات يو بي إس عن الخسائر الجديدة ومغادرة أوسبيل.

في غضون ذلك، انتقدت “لا تريبيون دو جنيف” بشدة التصريحات “المُذهلة” لوزير المالية هانس – رودولف ميرتس. وجاء في الافتتاحية: “إن تشكراته لمارسيل أوسبيل، على أمواج الإذاعة، على عمله الهائل لإعادة إنعاش الأوضاع، لامس البذاءة، بينما كان التفاؤل المُطمئن الذي عبر عنه في أعمدة صحيفتنا أكثر إثارة للإزعاج من التهدئة”.

وتعتقد لوتون أن صعوبات يو بي إس لها فضيلة على الأٌقل: فهي تُقدم لسويسرا فرصة لكي تدرك “في أعماق أعماقها هشاشة النظام المصرفي حيث يتمتع عملاقان بوزن ليس له نظير في العالم على إجمالي الناتج الداخلي”.

سويس انفو – كارول فيلتي

(ترجمته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)

وُلد في بازل عام 1950.

التحق بجمعية المصارف السويسرية في عام 1977، وقضى مشواره الوظيفي فيها (باستثناء ثلاث سنوات في شركة “ميريل لينش”) إلى أن انضم إلى مجلس الإدارة في عام 1990.

كان مهندس عملية الاندماج بين جمعية المصارف السويسرية واتحاد المصارف السويسرية في عام 1998 الذي نجم عنه إنشاء مصرف “يو بي إس”.

حتى عام 2001، كان المدير التنفيذي للـ “يو بي اس” التي شكلت حديثا، ومنذ ذلك الحين شغل منصب رئيس مجلس الإدارة. في أول أبريل 2008، أعلن أنه سوف يتنحى عن منصبه يوم 23 أبريل.

واجه أوسبيل موجة انتقادات وضغوط في أعقاب انهيار شركة الطيران الوطنية “سويس إير”. وقال منتقدوه إنه كان بالإمكان تفادي إفلاس الشركة لو أمكن الاتصال به (حيث أن هاتفه ظل مُغلقا طول الوقت) وتحويل الأموال الضرورية إلى خزائن الشركة الفارغة.

يعتبر مصرف يو بي إس، الذي تأسس سنة 1997 نتيجة عملية دمج بين “جمعية المصارف السويسرية” و”اتحاد المصارف السويسرية”، أكبر مؤسسة مالية في الكنفدرالية والعاشر على المستوى العالمية، ويوظف 80 ألف شخص في جميع فروعه.

مصرف يو بي إس، هو أحد المؤسسات المالية الدولية الرائدة في مجال إدارة الثروات وله فروع في أكثر من خمسين بلدا ويسجل حضوره في مختلف الساحات المالية الدولية الهامة.

في السنوات الأخيرة، أعلن مصرف يو بي إس بشكل منتظم عن تحقيق نتائج استثنائية، وقُـدِّرت أرباحه بمليارات الفرنكات.

في موفى يناير 2008، أعلن مصرف يو بي إس للمرة الأولى عن خسائر هائلة (4،4 مليار فرنك) خلال عام 2007، وفي الثلاثي الأخير من العام الماضي، بلغت الخسائر أرقاما لولبية (12،5 مليار فرنك).

السبب الرئيسي الكامن وراء هذه المشاكل، يرتبط أساسا بأزمة قروض الرهن العقاري في الولايات المتحدة. في المقابل، لم تتردد الأسواق المالية في معاقبة هذا التطور السلبي بصرامة، حيث فقد سهم مصرف يو بي إس منذ بداية عام 2008 ثلث قيمته تقريبا.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية