مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

احتفاءٌ عالمي بـإرث ميريت أوبنهايم الفنّي

ميرات أوبنهايم خلال عملها في ورشتها في أوبرهوفن بكانتون برن سنة 1958 Keystone

جذابة، تتمتع بحِسٍّ فكاهي عالٍ، ولا تَمتثل للأعراف على الإطلاق. تلك هي المصورة، والنحاتة، والشاعرة، والفنانة السريالية ميريت أوبنهايم، التي يجري الإحتفال بإرثها الفني في عدة عواصم عالمية بمناسبة مرور قرن على ميلادها.

من أجل تكريم هذه الفنانة السويسرية المُتَعَددة الأوجه وإنصافاً لأعمالها – المُتضمنة للوحات، وتماثيل، و أزياء، و تصاميم، وأبيات شعرية – يجري عرض ارثها الفني في متحف الفنون في برن من 19 أكتوبر 2012 إلى فبراير 2013، وفي معرض “بنك النمسا للفن” في فيينا، بالإضافة الى متحف “مارتين غروبيوس باو” في برلين حتى نهاية عام 2013.

و تظهر العروض الرئيسية المُقامة في العواصم الثلاث ما خلّفته أوبنهايم وتأثيرها على الفن السويسري إلى يومنا هذا، بما في ذلك الفن المعاصر.

على عكس الكثير من الفنانين، طرقت الشهرة أبواب أوبنهايم وهي لم تتجاوز عتبة الثالثة والعشرين من عمرها، بِفضل عملها “إفطار بالفراء” التي أنتجته في عام 1936. وتمثل هذه القطعة الفنية صحناً و فنجان شاي و ملعقة مكسوة بِفَراء غزال صيني. و بين عشية و ضحاها، تحوّل عملها هذا الى أيقونة للفن السريالي، والمثال الأكثر إستشهاداً من جملة القطع المنحوتة في الحركة السريالية. غير أنَّ الشهرة التي تَلت هذا العمل كادت أن تُدمِّر الفنانة المُتَمَردة الشابة.

قضت أوبنهايم التي ولدت في ألمانيا من أب ألماني يعمل كطبيب، وأم سويسرية بعض سنوات دراستها بسويسرا، في عام 1937، لتمضي فيها بقية عمرها بإنتاج أعمال فنية مُخالفة لجميع الأساليب المُتفق عليها ورافضة لأي نوع من الطابع المألوف. وعلى الرغم من وفاتها في عام 1985، إلّا انَّ أوبنهايم ما تزال تعُتبر الرائدة والمُمَهِدة للحركة الطليعية.

بعد إقامة أول معرض إستعادي شامل لإعمال أوبنهايم في متحف برن للفنون في عام 2006، قررت أمينة المتحف كاثلين بوهلَر تسليط الضوء على الأعمال الفنية المعاصرة لهذه الفنانة المتعددة الأوجه، وإبراز تأثيرها الفكري حتى يومنا هذا في معرض مُمتع يحمل عنوان “شرارات ميريت”.

و قامت بوهلر بدعوة خمسة فنانين شباب مُقيمين في سويسرا لِعَرض أعمالهم السريالية الخاصة الى جانب مجموعة مُختارة من 50 قطعة من أعمال أوبنهايم. ولم يَجرِ إختيار هؤلاء الفنانين بسبب وجود تشابه بصري بين أعمالهم وأعمال أوبنهايم، ولكن لكونهم يشاركون الفنانة الراحلة “عوالم الفكاهة والإثارة والمفارقات”.

وكما قالت بوهلر في حديث إلى swissinfo.ch: ” إنَّهم يدعونك لنسيان أسلوبك الخاص بالتفكير، ويسمحون لعقلك بالتجوال، تماماً مثل ميريت”.

وكما هو الحال مع أعمال أوبنهايم، فالنتيجة مُقلقة، ولكنها مَرِحة ومُثيرة للإهتمام في نفس الوقت. وعلى الرغم من الأسلوب المُمَيز لعملِ كلٍ من الفنانين الخمسة، ومجاورَتهم لكل ما هو غريب، إلّا أنَّ إستحضارهم لروح أوبنهايم يبلغ من الشدة بحيث يبدو وكأنَّها تحدق النظر من فوق أكتافهم مُبدية إستحسانها.

المزيد

المزيد

جسرٌ بين الطبيعة والمدينة

تم نشر هذا المحتوى على swissinfo.ch ألقت نظرة فاحصة على هذا العمل الفني الإستثنائي وسألت عددا من الخبراء والمقربين من الفنانة الراحلة هل كانت ستكون راضية عن التغييرات التي طرأت على نافورتها اليوم؟ (ميكيلي أندينا، swissinfo.ch)

طالع المزيدجسرٌ بين الطبيعة والمدينة

ميريت المُثيرة

من جهته، كشف فرانسيسكو سييرا المولود في شيلي، والذي هاجر الى سويسرا في عام 1986، وأحد الفنانين الخمسة المشاركين في المعرض، بأنَّه لم يكن على علم جيد بأعمال أوبنهايم عندما إتصل به المسؤولون عن معرض متحف برن. وبعد تَعَرُّفه على أعمالها بشكل أدق، أصبح سييرا أكثر بَيِّنة بتأثيرها اللامنظور. وحسب كلماته: “لقد أدهشني أن أكتشف كم نحن قريبَين”.

كما يتقاسم الفنانان حِساً فكاهيا غريباً يسمح لهما بتجسيد الأعضاء التناسلية بدون أن ينحو عملهما الى البذاءة. ولم تكن أوبنهايم تخجل من العري، بل أنها سمحت للفنان الأمريكي مان راي بالتقاط صور لجسدها العاري الرشيق عندما كانت تسكن باريس، في سلسلة حملت العنوان المثير ذي الدلالة “الحجاب المُغري”.

الحرية فوق كل شئ

عكست ميريت أوبنهايم نموذج المرأة الشابة القوية الإرادة التي نجحت في التخلص من التأثير القمعي لشيوخ السريالية عندما كانت ما تزال في السادسة و العشرين من العمر، ومن ضمنهم الرسام والنحات والشاعر الألماني ماكس أرنست، أحد أبرز رواد الحركة الدادائية والسريالية، والتي كانت ترتبط معه بعلاقة عاطفية.

وقد وُصِفَت أوبنهايم بأنَّها نسوية (مؤيدة للمساواة بين الجنسين)، وهي صفة أخرى كانت تمقتها، فقد أرادت أن تكون حُرّة فقط، ولكن هذه الحرية لم تكن بلا ثمن، إذ توقفت أوبنهايم عن مزاولة نشاطها الفني لسنوات عدّة حين عودتها الى سويسرا في عام 1937. وقد مثلَت هذه الفترة أزمة فنية في حياتها لم تخرج منها حتى مَطلع خمسينيات القرن الماضي.

وفي معرض تعليقه على أعمالها قال سييرا الذي يشاطر أوبنهايم عصاميتها وإزدرائها لسلوك الإمتثال: “لقد بَقيت ميريت وَفية لنفسها ولم تشارك في التيارات السائدة في ذلك الوقت “.

وفي المعرض المقام في متحف برن، يعبر سييرا عن تشجيعه السري لأوبنهايم من خلال أسورة مُعلقة بِحَجم طاولة غرفة الطعام يكسوها الفراء. و مع إبتسامة بهيجة لا تخلو من بعض الخُبث قال: “كلانا يُحب أن يأخذ الأشخاص معه في رحلات “.

1913: ميلاد أوبنهايم في مدينة برلين يوم 6 أكتوبر.

1914: إنتقال العائلة الى سويسرا إثر إلتحاق والدها بالجيش في الحرب العالمية الأولى.

1932: رحيل ميريت الى باريس لتصبح رسامة و لتبدأ علاقتها مع الفنانين السرياليين.

1936: إنجازها لأشهر أعمالها “إفطار بالفراء”، التي تعكس الحركة السريالية في ذلك الوقت، إثر لقاءها بالفنان بيكاسو و عشيقته السابقة دورا مار، حيث قرر الثلاثة إمكانية صنع أي شئ من الفراء.

1938: دراستها لترميم اللوحات الفنية.

1939: الإنتقال إلى بازل. حرمان أهلها من الدخل المالي نتيجة الوضع السياسي.

1945- 1949 : لقاءها وزواجها ب ولفغانغ لاروش، وانتقالها الى برن.

1954: العثور على محركها الإبداعي من جديد بعد فترة من الركود الفني.

1967: اول معرض إستعادي (بأثر رجعي) في معرض الفن الحديث Museet Moderna في ستوكهولم.

1982 : تكريم أوبنهايم بجائزة الفن الكبرى لمدينة برلين، و مشاركتها في العام نفسه في معرض “دوكومنتا 7” العالمي للفن الحديث، الذي يدعو إلى تجاوز كل القيود في سبيل خلق إبداعات أكثر حداثة، والذي أقيم في مدينة كاسل الألمانية.

1983: تدشين “نافورة أوبنهايم” المثيرة للجدل في العاصمة السويسرية برن.

1985: وفاة ميريت أوبنهايم إثر إصابتها بنوبة قلبية.

ميريت الغريبة

لم تعُد رغبة أوبنهايم الجامحة للإبداع الى الظهور ثانية إلّا في عام 1954 بعد إستئجارها لأحدى الأستوديوهات في العاصمة برن. ومن خلال عملها كمُرَمِّمة للأعمال الفنية في السنوات السابقة، حصلت ميريت على مهارات من شأنها أن تسمح لها بإستكشاف مواضيع مختلفة في مجموعة متنوعة من المواد.

من جهتها، ترى أليزابيث للاخ، وهي فنانة أخرى دُعيَت للمشاركة في معرض متحف برن، بأن إبتكار أوبنهايم غير الخاضع للرقابة يتمتع بجاذبية شديدة. ولم ترغب للاخ بالعمل مع رسومات أوبنهايم التي تعتبرها مُرهِقة، ولكنَّها إكتشفت من ناحية أخرى، بأن أجسام أوبنهايم تتناغم جيداً مع عالمها الخاص من “الإفراط و الهستيريا، والإنحطاط والجمال”.

ويأتي الإسراف في الشهوانية عند الإناث اللواتي تجسدهن للاخ مُتناقضاً بشكلٍ صارخ مع رصانة أوبنهايم الغامضة، ولكن تَجاور أعمال الفنانتين جاء بنتيجة جيدة.

وحول سؤالها عما إذا كانت تعتبر نفسها فنانة سريالية، أجابت للاخ بأن السريالية مقيدة بالفترة الزمنية الواقعة ما بين الحربين الكونيتين. غير أنَّها ربما تشارك ميريت وباقي الفنانين الأربعة المشاركين بالمعرض في مقاومتهم للشكلية والفن الزخرفي، وكما قالت: “نحن جميعاً غُرباء”.

تأثير ميريت الخالد

خلافاً للمعرض المقام في برن، سيكون معرض فيينا الذي سيفتتح في شهر مارس القادم، والذي سينتقل الى برلين في شهر أغسطس الذي يليه، معرضاً إستعادياً رئيسياً لأوبنهايم، وأوّل معرض للفنانة الألمانية المولد في كلتا المدينتين.

وكما قالت هايكة آيبيلداوَر أمينة المتحف ل  swissinfo.ch:”إنه أمر طال انتظاره”. وبرأيها، تشكل الذكرى المائوية لميلاد أوبنهايم فرصة مثالية لوصول قاعدة عريضة من الجماهير و المختصين الدوليين الى أعمال هذه الفنانة المُتَعَدّدة الوسائط.

و بالنظر الى تنوع أعمالها، كان قرار آيبيلداوَر بتقديم المعروضات وفق نَهْج موضوعي يرتبط بالأساطير والأحلام التي وَجَّهَت المسيرة الفنية لأوبنهايم. وفي توضيحها للعرض غير الزمني لإعمال الفنانة الراحلة قالت: “لم يكن التطور الخطي جزءاً من تفكيرها على أية حال”.

وأشارت آيبيلداوَر الى أن أعمال أوبنهايم ليست بالواسعة، ولكن بالإمكان دائماُ إكتشاف ما هو جديد فيها، وكما تقول:”لا يمكنك الوصول الى النقطة التي تكون قد فككت بها كل الشفرات في أعمالها”.

وحسب أمينة المتحف، تستمر ميريت بإلإبهار، لأنها لم تثق بالحقائق المزعومة كما أنَّها مارست نهجاً مُتعدد التخصصات في مجموعة كبيرة ومتنوعة من المواضيع والمواد. ولكن الأهم من كل ذلك هو “إيمانها الفريد بالحرية كشكلٍ من أشكال الوجود”.

و بوصفها واحدة من أهم فناني القرن العشرين تلخصت عقيدة أوبنهايم بمقولة الروائي والكاتب الأمريكي جيمس آرثر بالدوين “الحرية لا تمنح وإنما يتم انتزاعها”.

“شرارات ميريت – السريالية في الفن المعاصر السويسري”، هو عنوان المعرض الذي إفتُتِح في متحف الفنون في برن يوم 19 أكتوبر 2012، والذي يستمر حتى 10 فبراير 2013، وبمشاركة كل من الفنانين: السويسريين مايا برينغولف، والفرنسية فيديا غاستالدون، وتاتيانا جيرهارد، وأليزابيث للاخ، والفنان الشيلي فرانسيسكو سييرا. وقد تمت دعوة الفنانين الخمسة الى منزل أوبنهايم الصيفي في كانتون تيتشينو حيث تسكن ابنة أخيها ليزا فينغر، التي تواصل دَعم ذكرى عمتها والحفاظ عليها.

 إصدار نشرة المعرض المصورة المُتَضمِّنة نصوصاً عديدة بضمنها ذلك الذي كتبه الفنان السويسري المعروف توماس هيرشهورن، بعنوان: “لماذا أحِبُ ميريت”.

إقامة معرض ميريت أوبنهايم في “بنك النمسا للفن” في فيينا من مارس إلى يوليو 2013، وكذلك متحف “مارتين غروبيوس باو” في برلين حتى شهر ديسمبر من العام نفسه. و يبحث المعرض في تسعة مواضيع لأوبنهايم، بما فيها البحث عن الهوية، الأحلام والأساطير، فهم طبيعة، الأقنعة والتحولات، الشبق و الشهوة الجنسية الأنثوية، وعلاقات النص- الصورة.

 نشر دراسة شاملة تتضمن فهرساً لأعمال أوبنهايم، وشظايا لنصوصٍ غير منشورة، وأصوات لزُمَلاء وأصدِقاء، مع مواضيع رئيسية.

“يحتل عمل ميريت أوبنهايم فضاءَه الخاص في تاريخ الرسم الحديث. بغض النظر عن ما كان لها من قواسم مشتركة مع مُمَثلين فرديين لتلك الحقبة التاريخة أو الإتجاهات السائدة في ذلك الوقت، إلّا أنَّ ولاءها الأوحد كان لحريتها الشخصية”.

كاثلين بوهلر 2012

“يحدث الإختراق الكبير الذي يمكن أن يولده الفن حينما يتم إنشاء شيء، أو شكل، أو مفهوم جديد. الأمر يتعلق دائماً و فقط بهذا الإختراق الذي نجحت ميريت أوبنهايم بتحقيقه في جميع أعمالها”.

توماس هيرشهورن 2012

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية