مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المعارض الوطنية…تجربة تحتاج إلى التأمّل والتفكير

Keystone/Fabrice Coffrini

حالة من الفوضى،... ثم ولادة عسيرة،... فنجاح شعبي واسع في نهاية المطاف. هذه هي المراحل التي قطعتها مسيرة المعرض الوطني "اكسبو 02" الذي شهدته سويسرا سنة 2002، أي قبل عشر سنوات بالضبط. ومن الممكن ان تنظّم الدورة القادمة منه في عام 2027، مما سيوفّر فرصة أخرى لهذا البلد لكي يسترجع تاريخه، ويعزّز أواصر هويّته الهشّة.

ويؤكّد أستاذ الفلسفة السياسية جورج كوهلر على أن “المعارض الوطنية تظل خصوصية سويسرية”. وهي بطريقة او بأخرى تعبير عن الحالة النفسية لهذه الأمّة، وتقليد تتبعه سويسرا لإحداث صحوة جماعية كل 25 أو 30 سنة”.

 ويشير جورج كوهلر إلى أن سويسرا عبارة عن فسيفساء من الثقافات واللغات والمعالم الجغرافية، ومن الضروري إذن أن نطرح السؤال عما يوحدنا، وأن نفهم كيف يمكن تعزيز الارادة الجماعية على الرغم من هويتنا الثقافية الهشّة. ولابد من التأكيد على ان هذا الواقع قد بات جزءً من الحقيقة السويسرية منذ منتصف القرن التاسع عشر.

 تحطّم، عقب سقوط جدار برلين، أيضا التصوّر الذي كان يحمله السويسريون على بلادهم، صورة أساسها الحياد المسلّح، والانتماء إلى الكتلة الغربية، ويقول أستاذ الفلسفة السياسية: “هذه الصورة التي نحملها عن ذواتنا كانت تعكس الواقع بحق في الفترة الممتدة من 1945 إلى 1990، ولكنها صورة لا تعكس أبدا حقيقة العالم الذي نعيش فيه اليوم”. ونظرا إلى كون عملية التحوّل هذه قد بدأت سنة 1990، ولم تنته بعدُ، يدعو كوهلر بكل الحاح إلى تنظيم معرض وطني جديد.

“روتشغرابن”، والتمايز اللغوي

رافقت الرغبة في تعزيز أواصر الوحدة الوطنية الطريق الطويل والمتعرّج للمعرض الوطني “اكسبو 02”. وقد اتخذ القرار من حيث المبدأ بتنظيم معرض وطني في وقت مبكّر من التسعينات من طرف البرلمان، وكان من المقرّرتنظيم هذا المعرض سنة 1998، ليتوافق مع إحياء ذكرى مرور 150 سنة على تأسيس سويسرا الحديثة. 

كان الجدل الذي احاط بالاستعدادات لمعرض “اكسبو 02” يحمل في أبعاده الخلافات المستمرة بين المناطق اللغوية في البلاد. فالسويسريون الناطقون بالألمانية رفعوا شعار “لا للإنضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة”، وذلك على خلاف توجه الأقلية الناطقة بالفرنسية، وأعلنت شركة خطوط الطيران السويسرية انتهاء رحلاتها المستمرة منذ عهد طويل انطلاقا من جنيف، وبدأت زيورخ تفكّر في جدوى تعليم الفرنسية، وعما إذا كان من الأجدى تعليم اللغة الانجليزية بدلا من ذلك.

وكذلك سبقت افتتاح معرض 02 مناقشات ونزاعات مطوّلة استمرت عدّة سنوات، وقد تمّ تأخير هذه التظاهرة عدّة مرات، واستبدل الفريق المشرف عنها بالكامل، كما وقع تقليص ميزانيتها إلى حد بعيد.

وعلى الرغم من هذه المعوقات، لقيت هذه التظاهرة نجاحا شعبيا كبيرا، حيث بيعت أزيد من 10.3 مليون بطاقة دخول، وأشادت وسائل الاعلام، التي كانت أغلبها في البداية منتقدة، بشعار المعرض “مرآة عاكسة للبلاد، وللحياة العصرية”، وأيضا تصاميم الهندسة المعمارية واللقاءات المثمرة بين الناطقين باللغة الألمانية واللغة الفرنسية. 

جميع المعارض أثارت جدلا

 لم يمثل المعرض الوطني 02 استثناءً لهذه القاعدة، لأن أغلب المعارض السابقة قد تعرّضت إلى التشكيك والانتقاد قبل افتتاحها، وتم على سبيل المثال تأجيل المعرض الوطني الذي كان مقررا عام 1939 العديد من المرات، وذلك لان المزارعين كانوا يعترضون على تنظيم تلك التظاهرة في المدينة “الحمراء” بزيورخ، ولكن في النهاية دخلت التاريخ من بابه الواسع باعتبارها من ابرز اللحظات التي عبّرت عن الروح الوطنية السويسرية .

وأما بشأن المعرض القادم، الذي من المفترض ان يرى النور بحلول 2027 ومن المتوقع أن تستضيفه سويسرا الوسطى، فإنه يظلّ يلفه الغموض. وقد أعربت كانتونات  أبّنزل رودس الخارجي، وسانت – غالن، وتورغاو عن موافقتها للمساهمة في وضع مشروع أوّلي. وينتظر أن يتخذ قرار لتجسيد هذا العمل بحلول نهاية هذا العام.

لا للغوتهارد

 لقي مشروع آخر يتمحور حول مرتفعات الغوتهارد تدعمه كانتونات التيتشينو، والفالي، وأوري، وغراوبوندن فشلا ذريعا، وأرجع ماركو سولاري، رئيس مصلحة الترويج السياحي بالتيتشينو هذا الفشل إلى “كون الكانتونات الجبلية عادة ما تتحفّظ على المشروعات الكبيرة”.

 وكان ماركو سولاري يتمنى أن يتزامن تنظيم هذا المعرض مع افتتاح نفق جديد للسكك الحديدية بالغوتهارد، مشروع ضخم وتاريخي ذو أبعاد أوروبية. ويأسف سولاري: “لأنه ما أن بدأ شقّ النفق حتى انهالت الآهات والإعتراضات “. وبحسب هذه الرؤى المحزنة، سنكون عندئذ قد أنفقنا الكثير من الاموال على حفر النفق، فلا يبقى لدينا ما يغطي عملية الإحتفال. والمواطن السويسري بطبعه لا ينظر إلى بعيد، ويتميّز بميله إلى ما هو منفعي وعملي.

ويظل سكان التيتشينو مقتنعين بأنه سيأتي اليوم الذي ينظم فيه معرض وطني جديد، شريطة بالطبع أن يقتنع شرق سويسرا بذلك ايضا: “عندئذ فقط سيكون لهذا المشروع معنى يجمّع ويوحّد الجهود ويكون منطلقا في لحظة بات فيها كل فرد منكفأً على نفسه وقابع وراء شاشة جهاز حاسوبه”.

هو المعرض الوطني السادس في التاريخ السويسري ، وقد نظّم في الفترة الفاصلة بين 15 مايو و20 أكتوبر 2002 في منطقة البحيرات الثلاث (بيل/ بيان، ونوشاتيل، وإيفردون ومورا). 

 تحوّلت هذه المنطقة خلال 159 يوما إلى محجّ ثقافي مهم في سويسرا، تضمّن تنظيم 39 معرضا و13.500 تظاهرة ثقافية متنوعة.


تم وضع تصميم معرض 02 بطريقة لا مركزية. ووقع تشييد منصات خاصة بالمعرض في مدينة بيل/ بيان، ونوشاتيل، ومورا، وإيفردون. وكان معلوما منذ البداية ان هذه المنصات وقتية وليست دائمة، وفعلا تم تفكيكها حال انتهاء هذا المعرض.

بلغت إيرادات المعرض 690 مليون فرنك، وبلغت ميزانية إنجازه 1.6 مليار فرنك، كما بلغ عدد بطاقات الدخول التي بيعت اثناء المعرض 10.3 مليون بطاقة. ويشير هذا إلى أن العديد من السويسريين قد زاروا المعرض العديد من المرات، وأن المعرض قد استقطب اجانب أيضا.
 

نظمت المعارض الوطنية السابقة في كل من زيورخ (1883، و1939)، وجنيف (1896)، برن (1914)، ولوزان (1964).

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية