الأحزاب الشابة: أرضية اختبار للسياسة السويسرية
سواء تعلّق الأمر بالسجالات الدائرة حول الحَد من الأجور المُرتفعة لكبار المُدراء والمُسيّرين، أو بمُكافحة توحيد أسعار الكتب، أو أثناء المُطالبة بالمزيد من حق المشاركة في الرأي بخصوص إصلاح نظام التقاعد، يبدو التدخل المُتنامي للأحزاب الشابة السويسرية واضحا في ضبط إيقاع سياسة الكنفدرالية. ولكن، هل لهذه الفئة الشابة المُتحمسة تأثير حقيقي على السياسة السويسرية؟
كان بِوسعهم أن يجعلوا الأمر أكثر سهولة بالنسبة لهم، بِتناول قسيمة الإيداع والقيام بدَفع الرسوم السنوية، ومن ثَمَّ المشاركة في تشكيل سياسة البلاد ضمن أحزابهم الناجحة والراسخة في التاريخ السويسريرابط خارجي.
ولكن لوكاس رايمان وسيدريك فيرموث كانا يتطلعان إلى أبعد من ذلك: الحق الفوري في المشاركة في الرأي. “كان هناك شيء مفقود”، يقول رايمان، الذي لا يتعدّى عمره الحادية والثلاثين عاماً، وهو يستذكر عضويته في حزب الشعبرابط خارجي (يمين شعبوي) عندما كان يبلغ 15 عاماً، ومُحاطاً بأشخاص “يكبرونه بـ 50 عاماً.
هذا الطموح دَفع رايمان إلى جانب عدد من زملاء الدراسة إلى تأسيس حزب “شباب حزب الشعب السويسريرابط خارجي” في كانتون سانت غالن، وهو ما هيأ له “الولوج الصحيح” إلى عالم السياسة. “هكذا تَجِد نفسك تلقائياً في مجلس إدارة الكانتون، وتُشارك في كل مكان، وتنفذ العديد من الأنشطة”، كما يقول المحامي الشاب، الذي ترأس شباب حزب الشعب في كانتون سانت غالَّن في الأعوام المُمتدة من 2000 وحتى 2008. وخلال الإنتخابات الفدرالية في عام 2007، وبِعُمر 25 عاماً فقط، انتُخب رايمان لعضوية مجلس النوابرابط خارجي (الغرفة السفلى في البرلمان الفدرالي السويسري) .
وعلى الجانب الآخر، يُبَرِّر سيدريك فيرموث، المولود في عام 1986، دخوله المُعترك السياسي في سن مُبكرة مُماثلة لرايمان بالقول “لم يُرضِني أبداً أن يُحدِّد الآخرون الكيفية التي يجب أن يبدو عليها البلد الذي ينبغي أن أعيش فيه أنا أيضاً”.
وكان فيرموث قد عثر بمحض الصدفة على منشور لإحدى الأحزاب الشابة، حينما كان ينظر إلى بعض الوثائق الانتخابية الخاصة بوالديه في عام 1999. “حتى تلك اللحظة، لم أكن أعلم بوجود أحزاب شابة”. وهكذا استقر به المقام مع الشباب الإشتراكي السويسريرابط خارجي (JUSO)، الذي يمثل فئة الشباب للحزب الإشتراكي السويسريرابط خارجي. وقد تولى فيرموث رئاسة هذا الحزب في الأعوام من 2008 حتى 2011، وفي الإنتخابات البرلمانية لعام 2011، تم انتخابه كعضوٍ في المجلس الوطني.
دور هام
لا تلعب الأحزاب الشابة في أي دولة أخرى هذا الدور الهام الذي تلعبه في سويسرا. وفي الآونة الأخيرة بالذات، نجحت بعض هذه الأحزاب في لَفت الأنظار إليها من خلال المُبادرات أو الاستفتاءاترابط خارجي التي أدت إلى الوصول إلى مرحلة التصويت الشعبي في نهاية المطاف. وكأمثلة على ذلك، تبرز المبادرة التي أطلقها الشباب الليبراليون لرفض العمل بسعر ثابت للكِتاب في جميع أنحاء سويسرا (التي حظيت بقبول الناخبين، حيث رُفِض القرار المُقترح من قبل البرلمان لهذا الغرض)، و”مبادرة 1:12، معاً من أجل رواتب عادلة” التي أطلقها الشباب الإشتراكي والمُناهضة للأجور المُفرطة التي يتقاضاها كبار المُدراء والمُسيرين (والتي قوبلت بالرفض). وفي الوقت الراهن، تتدخل الأحزاب البورجوازية الشابة في المناقشات المتعلِّقة بإصلاح نظام المعاشات التقاعدية.
“نحن لا نتوفر على حكومات مُتغيرة”، كما يقول المُحلل السياسي مايكل هيرمان، في تبريره للدور الهام الذي يمكن للأحزاب الشابة أن تضطلع به في السياسة السويسرية. “في النُظُم السياسية الكلاسيكية، حيث الحكومة والمعارضة، يشارك الحزب بشكل مكثف في مسألة من سيصبح رئيس الحكومة أو نائب المُستشار، كما هو الحال في ألمانيا”.
الأحزاب السويسرية الشابة في أرقام
شباب حزب الشعب (JSVP): يضم في صفوفه نحو 6000 عضو، تتراوح أعمارهم بين 14 و35 عاماً.
الشباب الإشتراكيون (JUSO): يتكون من نحو 3300 عضو. والأعضاء الشباب في الحزب الاشتراكي الأم، ليسوا أعضاءً في الحزب الإشتراكي الشاب بشكل تلقائي. ويتمثل الحد الأعلى لعمر الأعضاء بـ 35 عاماً.
الشباب الليبراليون (JF): يشترك في هذا الحزب حوالي 3000 عضو. والحد الأعلى لعمر الأعضاء هو 35 عاماً.
الشباب الديمقراطي المسيحي(JCVP) : يتألف من نحو 2000 عضو. وينتقل الأعضاء الذين أكملوا عامهم الخامس والثلاثين (35) إلى الحزب الديمقراطي المسيحي الأم تلقائياً.
الشباب الخضر (JG): يضم هذا الحزب 1515 عضوا. ولا وجود لحدٍ أعلى للعمر، بَيد أن الأعضاء يُدعَون إلى تغيير عضويتهم إلى حزب الخضر الأم بعد بلوغهم الثلاثين من العمر تقريباً.
(المصادر: أمانات الأحزاب، رؤساء الأحزاب، مايو 2014)
وعلى عكس هذا التنظيم الحزبي الهرمي، تقف التسلسلات الهرمية المُسطحة للأحزاب السويسرية، التي “توفر الكثير من حرية الحركة”. فضلاً عن ذلك، تتمتع الأحزاب الشابة بميزة هيكلية “لأنها ليست مقيَّدة أو مَصقولة، مثلما هو الحال مع الأحزاب الراسخة، وهو ما يتيح لهم صياغة الخطابات وإطلاق المناقشات في أغلب الأحيان”، وفقاً لهيرمان.
وحسب المحلل السياسي، فإن سويسرا تتمتع بشيء فريد من نوعه في أوروبا، وهو إتاحة الديمقراطية المباشرة لمجموعات صغيرة، كالأحزاب الشابة، استخدام أدوات سياسة “تُمَكِنُهم من إطلاق مشاريع سياسية ضد الحزب الأم أو بشكل مستقل عنه”. ولكن هيرمان يشير بهذا الصدد أيضا إلى الجانب المظلم: “يمكن أن يكون الحزب الشاب عائقاً أيضاً، حيث تصعب السيطرة عليه، كما أنه يطور مَساره الخاص، الذي يعمل بشكل حسن جدا وفق منطق وسائل الاعلام”.
يبدو فيليب مولر، رئيس الحزب الليبرالي الراديكالي رابط خارجي(FDP)، واثقاً من الدور الهام الذي سيضطلع به الشباب الليبراليون. “إنهم يجذبون شريحة من الناخبين، لا يسعُنا أو يصعُب علينا الوصول إليها بصفتنا الحزب الليبرالي الراديكالي”. ووفق مولَّر، يشكِّل الشباب الليبراليون جزءاً هاماً من التنظيم الكلي. “من الجيّد دائماً أن يدلنا الشباب الليبراليون على الطريق من وقت إلى آخر”.
الارتقاء إلى القرن الحادي والعشرين
حتى تسعينيات القرن الماضي، لم تكن للأحزاب الشابة أهمية تُذكَر. وكما يقول هيرمان، كان الأمر نادراً ما يصل إلى مناقشات حول المسائل المبدئية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين. “كان وضع نماذج واضحة للمجتمع أو للعالم في مواجهة بعضها البعض، يُعتَبَر من الماضي”، الأمر الذي أدّى إلى تقلّص جاذبية الأحزاب الشابة.
وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين – وكانت الاشتراكية القائمة فعلاً قد انهارت منذ فترة طويلة – أدّت الأزمة الاقتصادية والمالية إلى تَمكين الأجيال الشابة من إدارة النقاشات المَبدئية مرة ثانية”. ووفق هيرمان، أصابت الأحزاب الشابة بذلك “روحية مُعينة للعصر”.
المزيد من الحريات
من جهتهما، استمتع كل من فيرموث ورايمان بالإستقلالية في أحزابهما الشابة. “نحن نتوفر بالتأكيد على مفهوم سياسي أكثَر حرية وأقل مؤسَسَية وأكثر شغباً وراديكالية بعض الشيء، لأننا غير مُقيدين بهذه العقبات الشهيرة”، كما قال فيرموث.
كما عاش رايمان في صفوف الحزب الشاب نشاط الشباب وديناميكيتهم. “الأعضاء جميعهم من الشباب الذين ما يزال المستقبل أمامهم، والذين يعملون بتفاني من أجل مستقبل البلاد، وليس من أجل الحصول على تفويض أو ملء المحفظة الخاصة”.
وقد نجح كل من فيرموث ورايمان في الانتقال من صفوف أحزابهم الشابة إلى خِضَم السياسة الوطنية. ويحتل كلاهما اليوم مقعداً في المجلس الوطني كمُمَثليَن عن حزبيْهما الأم، حزب الشعب والحزب الاشتراكي السويسري. وتحدو كلاً من السياسيَّين الشابين الثقة بأن انخراطهما في الأحزاب الشابة كان له الأثر الكبير في تعجيل حياتهما المهنية.
فبالرغم من مركزه الأخير على القائمة، انتُخِب رايمان وبعمر 21 عاماً فقط، إلى برلمان كانتون سانت غالَّن، بوصفه رئيساً لشباب حزب الشعب. “كنت معروفاً بالفعل بفضل نشاطاتي مع شباب حزب الشعب، وقد ساعدني ذلك بكل تأكيد”. كما يقول.
ومن جهته، يؤكد فيرموث بأن انضمامه إلى حزب الشباب الاشتراكي السويسري (JUSO)، لم يكن لأسباب مهنية، “لكنه كان في حالتي نقطة انطلاق بالتأكيد. لقد وجَدتُ من خلال الحزب الشاب المَدخل إلى الحزب الأم وإلى التصور العام”.
صُيّاغ المواضيع المواهب
لكن هذه القفزة الناجحة إلى صفوف الحزب الأم لم تكن من نصيب جميع السياسيين الشباب، كما يوضح هيرمان. “هناك العديد ممن اتصفوا بنشاطهم في الأحزاب الشابة، لكنهم إختفوا بعد ذلك”. وهم غالباً ما يفشلون في هذه الخطوة الإنتقالية “لأنها تتطلب منهم مهارات أخرى”. وبالنسبة لهيرمان، يمثل دور الحزب الشاب نوعاً من خزَّان البحوث للحزب الأم. ويتفق كل من رايمان وفيرموث تماماً بأن دور صُيّاغ المواهب في تشكيل الشباب، لا يقل أهمية.
أمّا مولَّر، فيصف ثلثي الشباب الليبراليين بأنَّهم “صُيّاغ المهن السياسية المستقبلية” والثلث الباقي بـ “مخزون من الموضوعات الجديدة أو المواقف المُتسقة”. وهذا يمثل “مزيجاً جيداً جداً للمُدخلات وللتطور المُستدام للحزب كَكُل”.
الصندوق الأسود – الأحزاب السياسية السويسرية الشابة
لا تتوفر دراسة شاملة حول الأحزاب السياسية السويسرية الشابة، بسبب افتقار الموضوع إلى الجاذبية بالنسبة إلى الباحثين السياسيين.
وفقاً للمحلل السياسي مايكل هيرمان “ليست هناك ثقافة للمناظرات العلمية حول الأحزاب الشابة”.
ويعود السبب في ذلك إلى أنَّ علماء السياسة ينشرون بحوثهم على النطاق الدولي، وهذا الموضوع يفتقر إلى المرجعية الدولية، لأنه سويسري بحت.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.