مُبادرة الحد من الزيادة السكانية تثير الحيرة في سويسرا
تقترح جمعية دعم مبادرة البيئة والسكان الحد بشكل صارم من الهجرة إلى سويسرا، بتخصيص 10% من المساعدات التي تقدمها سويسرا في مجال التنمية لفائدة برامج تنظيم النسل. ومع أن فكرة القيام بحملات تحسيسية لصالح النساء والفتيات في بلدان الجنوب تحظى بالإجماع، إلا أن هذا الشق الثاني من المبادرة التي أطلقها بعض أنصار حماية البيئة لا يروق تماما للعاملين في مجال المساعدة من أجل التنمية.
في النيجر، غرب افريقيا، تلتقي مجموعة من الرجال مرتين في الشهر تحت ظل شجرة في ساحة السوق، ليس لمناقشة إنجازات الفريق الوطني لكرة القدم، أو لخوض مباراة في المصارعة التقليدية، بل لحضور دروس “مدرسة الأزواج” التي يسهر على تنظيمها صندوق الأمم المتحدة للسكانرابط خارجي. ويتمثل الهدف من هذه الدروس المُرتجلة، في تحسيس الرجال بأهمية مواد تحديد النسل، وحثهم على السماح للنساء بالوصول إلى مواد العلاج الخاصة بمجال الصحة الإنجابية.
يتوفر النيجر على أعلى نسبة إنجاب في العالم. وهي تقدر اليوم بحوالي 7.6 طفل بالنسبة لكل عائلة، وفقا لما توصلت إليه دراسة أنجزت من قبل الحكومة في عام 2012. فالنيجر الذي يبلغ عدد سكانه حاليا حوالي 17مليون نسمة، سيصل في عام 2050 إلى حوالي 69 مليون، وقد يزيد في عام 2100 عن 203 مليون نسمة.
النيجر، الذي تم تصنيفه من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المرتبة الأخيرة في مقياس التنمية البشرية، يُعتبر من البلدان التي تحظى بالأولوية في برامج المساعدة للوكالة السويسرية للتنمية والتعاونرابط خارجي. وهو ما يرشحه لكي يكون من بين البلدان المقترحة لتلقي برامج التنظيم العائلي التي تقترحها مبادرة البيئة والسكان، في صورة موافقة الناخبين عليها.
في هذا السياق، أظهر أصحاب المبادرة اهتماما بالنجير خصوصا وأنه يُعتبر من بين البلدان الأربعة التي تُوجد فيها نسبة عالية من الإنجاب والتي أشار اليها موقع المبادرة على الإنترنت.
فرض حلول أم اقتراح مساعدة؟
في السياق، أصبحت الحملة ضد الزيادة السكانية التي تقوم بها جمعية دعم مبادرة البيئة والسكانرابط خارجي من بين أهداف الجمعية التي تهدف للحفاظ على الموارد الطبيعية بالنسبة للأجيال القادمة. كما تقترح في نفس الوقت وضع سقف سنوي للهجرة إلى سويسرا لا يزيد عن نسبة 0.2% من إجمالي عدد السكان.
المعارضون للمبادرة احتجوا بأن تخصيص نسبة 10% من المساعدات التنموية (للحد من السكان) تعني أن التنظيم العائلي يجب أن يكون مفروضا على البلدان التي تتلقى الدعم وهذا بدون أية مراعاة للظروف المحلية. وفي هذا الصدد، يقول جون لوك بيتي، الأمين العام لمنظمة أرض البشر السويسريةرابط خارجي: “إن التنظيم العائلي ليس بالبرنامج الذي يمكن أن يتم فرضه من الخارج. فقد رأينا في الماضي كيف أن حلولا مفروضة من فوق تحولت الى كارثة”.
وجهة النظر هذه يُشاطرها جيرمياس بلازر، المسئول عن التعاون والتنمية بمنظمة “سويس إيد”رابط خارجي (أو العون السويسري)، إذ يقول: “إن قضية نسبة الإنجاب هي قضية سيادة ولا يحق لأحد التدخل في ذلك غير سكان النيجر وحكومتهم حول ما إذا كانت النسبة في حدود 5.3 او 7.2%”.
أصحاب مبادرة البيئة والسكان يرفضون هذه الادعاءات، ويُجيب أندرياس تومن، الأمين العام للمنظمة قائلا: “سوف لن نتعاون إلا مع من يرغب في بناء عائلات صغيرة العدد، أما الآخرون فهم أحرار في تطوير عائلات كبيرة العدد”.
المبادرة في سطور
ترى الجمعية المحافظة على البيئة “إيكوبوب Ecopop” أنه يجب أن لا تتجاوز نسبة الهجرة الصافية (أي حصيلة عدد الوافدين (زائد) والمغادرين من المهاجرين (ناقص)) 0.2% من إجمالي عدد السكان على طول معدل ثلاث سنوات.
إضافة إلى ذلك، يدعو أصحاب المبادرة إلى ضرورة تخصيص حوالي 10% على الأقل من المساعدات المقدمة من قبل الكونفدرالية في مجال التنمية لفائدة برامج لتنظيم العائلي الطوعي، الذي اعتبرته الأمم المتحدة منذ عام 1968 من “حقوق الإنسان الأساسية”.
تزعم جمعية إيكوبوب أيضا أن سياسة المساعدة على التنمية التي تنتهجها سويسرا “تتجاهل عملية دعم تحديد النسل في البلدان الفقيرة”.
تثير هذه المبادرة موجة واسعة من المعارضة سواء في الأوساط الحكومية أو لدى الأحزاب السياسية الرئيسية، وفي صفوف الأوساط الإقتصادية، والنقابية، والدينية ولدى غالبية المؤسسات الخيرية. أما السبب في ذلك فيتلخص في أن نص المبادرة يتسم بالكثير من التشدد، إضافة إلى أنها تُسيئ إلى صورة سويسرا عموما، كما تُلحق الضرر بازدهارها الإقتصادي وبتقاليدها الإنسانية.
بدورها، تخشى الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون من أن تتعرض علاقاتها مع الدول المستفيدة من الدعم في مجال التنظيم العائلي للضرر. إذ تقول الوكالة تعليقا على ذلك: “إن اتخاذ قرار بتخصيص 10% من المساعدات التنموية لمجال التنظيم العائلي قد يكون من الصعب شرحه للدول المستفيدة من المساعدة، وقد يكون مُخالفا للإتفاقات السياسية المُبرمة سابقا”.
وفي حال ما إذا كانت الدول المستقبلة للمساعدة مستعدة للحد من نسبة الإنجاب بشكل واضح؟ فقد أعلنت حكومة النيجر في عام 2012 عن التزامها برفع نسبة استخدام وسائل منع الحمل إلى 25% حتى العام 2015 وإلى حوالي 50% في حدود عام 2020. ولكن زيادة نسبة توزيع وسائل منع الحمل لا تكفي لوحدها لتحقيق الهدف المنشود نظرا لأن نسبة الإنجاب العالية ناجمة عن الرغبة في بناء عائلات متعددة الأفراد، والمقترنة بالرغبة في الزواج المبكر بالنسبة للبنات، والنقص في إمكانية الوصول الى مراكز العلاج. وتضيف مونيك كليسكا: “عادة ما ترفض النساء البوح بالرغبة في الإستفادة من برامج التنظيم العائلي”، بل تقلن “أريد أن استريح قليلا من الإنجاب. وهذا لأن برامج التنظيم العائلي لا يُنظر لها في النيجر بنظرة إيجابية”.
إجماع حول ضرورة التوعية
قد يكون عنصر التوعية من العوامل القادرة على إحداث تغيير في التصرفات في النيجر وفي الحد من نسبة الإنجاب. فالسيدات اللواتي لم يتلقين تعليما تنجبن ثلاثة أطفال أكثر من اللواتي تابعن الدراسة حتى الصف المتوسط أو أكثر. وهذا الفرق في نسبة الإنجاب وفي استخدام وسائل تحديد النسل يُعزى بالدرجة الأولى إلى الهوة القائمة على مستوى التعليم أكثر مما هي راجعة لوجود فوارق بين سكان المدن وسكان الأرياف أو بين الأغنياء والفقراء.
وبما أن نسبة ثلثي فتيات النيجر اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و 24 سنة لسن متعلمات، فإن تحسين مستوى تعليم البنات ومعالجة موضوع الزواج المبكر، قد يكونان من العوامل المهمة القادرة على الحد من الإنجاب. إذ تقول مونيك كليسكا: “عندما تلتحق فتاة بسلك التعليم، فإنها من المحتمل أن تتزوج وتنجب أطفالا في سن متأخر. . فقد اتضح حسب التجربة (في العالم) بأن الإحتفاظ بالبنات في سلك التعليم يُعتبر أحسن وسيلة للحد من الإنجاب”.
في الواقع، يُعتبر الزواج المبكر من الظواهر الواسعة الإنتشار في النيجر. إذ تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 40% من المُراهقات (ما بين 15 و 19 سنة) لهن أطفال. في الأثناء، اتضح أن التوجّه الرامي إلى تحسين التعليم لدعم التنمية في النيجر يحظى بالإجماع سواء لدى المُؤيّدين أو المعارضين لمبادرة البيئة والسكان (ايكوبوب). ويقول جون لوك بيتي من منظمة أرض البشر غير الحكومية: “لقد لاحظنا في مختلف أنحاء العالم بأنه كلما كان مستوى التعليم مرتفعا، وأيا كان البلد أو الثقافة، كلما كان عدد أفراد العائلة أقل”.
المزيد
تحديدُ سَقف للهجرة من أجل تقليص “البصمة البيئية”
ومع أن الساهرين على إطلاق هذه المبادرة يعتقدون أيضا أن “تعليم البنات يعتبر عنصرا مهما يحظى بالإجماع”، إلا أن أندرياس تومن يستدرك مُصححا: “لكننا نعتقد بأن تعليم البنات يجب أن يتضمن برنامجا للتربية الجنسية”.
ومن ناحيتها، أعدت مونيك كليسكا اقتراحا في هذا الشأن من أجل عرضه على الحكومة في حال قبول المبادرة من طرف الناخبين، إذ ترى أنه “بإمكان سويسرا أن تستثمر في مبادرة برنامج الأمم المتحدة للسكان الهادفة لمساعدة المراهقين في النيجر، وهو برنامج يستمر لمدة ثمانية أشهر ويهدف لوضع حد للزواج المبكر والإنجاب المبكر، والمعتمد على محو الأمية، والرعاية الصحية، والتربية في الصحة الإنجابية”.
(نقله من الفرنسية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.