The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

مستقبل الخدمات الرقمية بين حرية تدفق البيانات وحماية الخصوصية

في حين أن تدفقات البيانات الدولية والخدمات الرقمية قد تعزز الاقتصاد، إلا أنها تثير المخاوف أيضًا، لا سيما فيما يتعلق بخصوصية الأفراد الذين قد يتم جمع عاداتهم على الإنترنت ووضعهم المالي وحتى إحصاءاتهم الصحية وتخزينها في السحابة.
في حين أن تدفقات البيانات العالمية والخدمات الرقمية تعزز الاقتصاد، إلا أنها تثير أيضًا مخاوف بشأن الخصوصية فيما يتعلق بالبيانات الشخصية والمالية والصحية المخزنة في السحابة. _. Keystone

أبرمت سنغافورة ودول الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة (EFTA)، التي تضم سويسرا، اتفاقية جديدة بشأن تجارة الخدمات الرقمية. وتسعى هذه الاتفاقية إلى الموازنة بين الحاجة إلى الخصوصية والأمن من جهة، والرغبة في الابتكار والنمو في الاقتصادات المعتمدة على البيانات بشكل متزايد من جهة أخرى.

وتُظهر هذه الخطوة إمكانيّة مساهمة تحالفات الاقتصادات الصغيرة بفعالية في وضع المعايير العالمية في العصر الرقمي الجديد. 

 خلف عالمنا المتصل بالإنترنت، يكمن عالم خفي للبنى التحتية الرقمية على نطاق متزايد. وهي بنى تشبه أنابيب السباكة المنزليّة، ومنافسها، وصماماتها، التي لا نلاحظ وجودها إلا عند حدوث خلل أو مشكلة ما. وقدّمت خدمات أمازون ويب (Amazon Web Services) اعتذارًا في شهر أكتوبر، بعد تسبُّب انقطاع في مركزها للحوسبة السحابية العملاق في شمال فيرجينيا في تعطيل آلاف المواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى أكبر عمليات الخدمات المصرفية، والاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت على مستوى العالم. 

ويُظهر هذا الانقطاع الذي يُعدّ من أبرز الحوادث في السنوات الأخيرة، الطابع العالمي للبنية التحتية للبيانات، والخدمات التي نرتبط بها جميعًا.        

وفي أكتوبر أيضا، وقّعت سويسرا وشركاؤها في الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة (الإفتا)، اتفاقًا رئيسيًا في مجال الاقتصاد الرقمي مع سنغافورة. ويهدف الاتفاق إلى حماية التدفق الحرّ للبيانات عبر الحدود، واحترام الخصوصية، وتوفير الأمان، وضمان حقوق الملكية الفكرية في الوقت ذاته. في ما يلي شرح لأهميته ودلالاته.

محتويات خارجية

ماذا يعني ذلك في حياتنا اليومية؟

يتغلغل العالم الرقمي في حياتنا. ولا يمثل التسوق عبر الانترنت، وتطبيقات الهواتف الذكية، وبث الموسيقى والفيديو (وقراءة هذه الصفحة الالكترونية) سوى أبرز الأمثلة على ذلك.  

وأصبحت السيارات، ومؤخرًا أجهزة التبريد والأفران، التي كان من الممكن إصلاحها في الماضي بالجهد اليدوي والمثابرة، تعتمد بشكل متزايد على البرمجيات واتصالها بالانترنت. ويتم تحديث البرامج المثبتة (Firmware) باستمرار ونقل المعلومات. وترسل منازلنا المؤتمتة بشكل متزايد تحديثات الحالة مثل المراهقين.ات على وسائل التواصل الاجتماعي.

 وتعتمد الشركات، من التمويل إلى الزراعة، كذلك على البيانات الرقمية. فحتى الخبز يبدأ صنعه بالقمح المزروع بشكل مستقيم كالسهم، بواسطة الجرارات المزودة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS). فتتمّ لاحقًا معالجته، وتتّبعه، وشحنه عبر الخدمات اللوجستية الرقمية، وتسويقه، وبيعه عبر الإنترنت ليصل إلى موائد الطعام. وساهمت جائحة كورونا في تسريع التعاون القائم على السحابة في العمل.     

ميرا بوري، أستاذة القانون الاقتصادي الدولي وقانون الإنترنت في جامعة لوسيرن
ميرا بوري، أستاذة القانون الاقتصادي الدولي وقانون الإنترنت في جامعة لوتسيرن unilu.ch

وتشير وزارة التجارة والصناعة بسنغافورة، إلى إمكانية تقديم حوالي نصف تجارة الخدمات البالغة 23 مليار دولار (18،4 مليار فرنك سويسري) بين دول إفتا (سويسرا، أيسلندا، ليختنشتاين، والنرويج)، وسنغافورة رقميًا. وستشكّل الخدمات المالية حوالى 20% من هذا المجموع. وتُعتبر هذه الخدمات مهمّة جدا للاقتصاد السويسري في عالم رقمي، لم تعد السلع المادية هي الوحيدة المتنقلة بسرعة حول العالم.    

وتقول ميرا بورّي، أستاذة القانون الاقتصادي الدولي وقانون الإنترنت في جامعة لوتسيرن: “لنأخذ على سبيل المثال، الهاتف الذكي. فهذا الأخير يتم تداوله في حدّ ذاته كسلعة، ولكنّه يشكّل منصة للخدمات أيضًا، ويشمل متجر التطبيقات والأفلام والموسيقى الخاصة بك. أضف إلى ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، مثل منصات انستغرام أو فيسبوك، التي تُعتبر مجانية، لكن تجمع البيانات وتتداولها”.  

ويشمل ذلك تبادل البيانات عبر الحدود، والمدفوعات الرقمية، والعقود، ووثائق تحديد الهوية، بالإضافة إلى المخاوف بشأن السلامة، والأمن السيبراني، وحماية البيانات الشخصية، ومنع الجريمة.  

كيف تستفيد سويسرا من التجارة الرقمية؟  

توفّر الاتفاقية الاقتصادية الرقمية المبرمة الشهر الماضي، نموذجًا لتبسيط التجارة عبر تقليل الأعمال الورقية، والاعتراف بالعقود والتواقيع الإلكترونية، وإضافة خيارات الدفع، وضمان انتقال البيانات عبر الحدود، وحماية الملكية الفكرية، مثل شفرة الحاسوب المصدرية، بحسب أمانة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية (SECO).  

وتقول أنتيه بايرتشي، المتحدثة باسم أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية في سويسرا: “تشمل العوائق النموذجية المعترضة للتجارة الرقمية الإجراءات الإدارية القائمة على الورق، وعدم اليقين التنظيمي بشأن تدفقات البيانات العابرة للحدود، وحماية الشفرة المصدرية”.    

والآن، يرتبط أكثر من 60% من الإنتاج الاقتصادي العالمي بالمعاملات الرقمية. إذ بلغت مبيعات السلع، والخدمات عبر الإنترنت للشركات والمستهلكين.ات 26 تريليون يورو (24،1 تريليون فرنك سويسري) في عام 2019، بحسب تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية.  

وتُظهر هذه الأرقام حجم المخاطر، وكيف يمكن للعوائق الموجودة، مثل السياسات الحمائية، والقواعد المحلية المتضاربة أو المعقدة للغاية، أو الأنظمة القديمة إلحاق الضرر بالفرص الاقتصادية، وإعاقة الابتكار والتعاون في مجالات جديدة، مثل الذكاء الاصطناعي (AI).        

وعلى عكس التجارة التقليدية، لا تتعلّق الاتفاقيات الرقمية، في رأي بوري من جامعة لوتسيرن، بفتح أسواق الخدمات أمام الشركات الأجنبية، أو خفض الرسوم الجمركية. بل [تتعلّق] بتوفير اليقين القانوني، الذي يُعتبر مهمًا بالنسبة إلى الشركات الصغيرة، ومتوسطة الحجم بشكل خاص.   

وتعجز شركات صغيرة تقدّم منتجات وخدمات تنطوي على تبادل البيانات عبر الحدود، عن تحمّل التكلفة الباهظة للامتثال للتشريعات المتباينة في مختلف الدول. كذلك، يتعيّن على الحكومات، لاسيما حكومات الدول الصغيرة مثل سويسرا وسنغافورة، التعاون لمواجهة التحديات الجديدة وغير المتوقعة. وذلك مثل الانتشار الهائل لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والأعمال التجارية المرتبطة به التي يصعب التعامل معها بشكل منفرد.   

محتويات خارجية

هل تضمن الاتفاقية سلامة الخصوصية والبيانات؟ 

 بينما قد تعزّز الاقتصاد، تثير تدفقات البيانات الدولية والخدمات الرقمية مخاوف أيضًا، خاصة في ما يتعلق بخصوصية الأفراد الممكن جمع عاداتهم.نّ وتخزينها عبر الإنترنت، ووضعهم.نّ المالي، وحتى إحصاءاتهم.نّ الصحية في السحابة. وتخشى الشركات من سرقة ملكيتها الفكرية، وتخشى الحكومات من تعرُّض الأمن القومي للتهديد، من خلال فتح البنية التحتية الحيوية للهجمات السيبرانية. 

وتقول بوري: “إذا نزّلت أغنية على  منصة آبل للموسيقى (Apple Music) أو استمعت إليها، فهو يرسل  تلقائيًا بيانات معينة إلى آبل. سيعرفون، على سبيل المثال، من هو.هي المستخدم.ة، وما هي تفضيلاته.ها، ومع من يشارك الموسيقى أو تشاركها”. ويؤدي هذا النوع من التوسع في التجارة، المتجاوز لمجرد تقديم خدمة، إلى “توترات معينة، لأنّ في لحظة تداوُلِ البيانات، يمكن أن يكون جزء منها بيانات شخصية. لذلك، تدخل قضايا أخرى في الاعتبار. ولا يتعلق الأمر حينها بتنظيم التجارة فحسب، بل يبدأ الأمر فجأة بالدوران حول حماية البيانات الشخصية، أو الأمن السيبراني، أو قضايا الأمن القومي”. 

صورة لأفق سنغافورة في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2025. (AP Photo/Anton L. Delgado)
تستعد كل من سويسرا وسنغافورة، وكلاهما من بين أغنى عشر دول من حيث نصيب الفرد من الدخل الفردي بفضل صناعات الخدمات المتقدمة، للاستفادة من النمو في المعاملات الرقمية التي تقدمها الاتفاقية الأخيرة. Keystone / AP

هذه التوترات هي ما تسعى اتفاقيات الاقتصاد الرقمي إلى حلها. وليس هذا مهمًا للنمو والابتكار فحسب، بل أيضًا لمنح الأفراد العاديين.ات والشركات، اليقين بحماية بلادهم.نّ لخصوصيتهم.نّ وحقوق المستهلكين.ات بشكل كافٍ. تقول الحكومة السويسرية، تضمن اتفاقية إفتا-سنغافورة تدفق البيانات الحر بما يتماشى مع “لوائح حماية البيانات الشخصية”. بينما “تسعى أيضًا إلى تعزيز ثقة المستهلكين.ات في التجارة الرقمية من خلال مطالبة الأطراف بالحفاظ على […] لوائح لحماية المستهلكين.ات، ومنع الاتصالات غير المرغوب فيها (البريد العشوائي)”. 

هذه الثقة ضرورية للاقتصاد أيضًا. فتقدِّر منظمة التجارة العالمية (WTO) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) انخفاض الناتج الاقتصادي العالمي بنسبة 5%، إذا تم تنظيم التدفقات الرقمية بطريقة مجزأة. ومع ذلك، سيعيق العكس، أي إزالة جميع اللوائح، النمو أيضًا بسبب فقدان الثقة. ومن ناحية أخرى، ستضيف الموازنة بين الحرية والقواعد 2% إلى الاقتصاد، كما يقولون.

تقول بوري: “يمكن لأي بلد تنظيم الاقتصاد الرقمي محليًا مع الالتزام في الوقت نفسه بالتدفقات الحرة للبيانات، وحماية حقوق مواطنيه ومواطناته ومصالحهم.نّ الأساسية”. فنوع الاتفاقيات الرقمية المبرمة مع سنغافورة، كما تضيف، “طريقة ذكية للموازنة بين هذه الحاجة لتعزيز الاقتصاد القائم على البيانات، وحماية مساحة السياسات”. وتشير الدراسات إلى ضرر الحمائية الرقمية بالأعمال التجارية المحلية، والأجنبية على حد سواء.

لماذا لا يستطيع العالم التوافق على القواعد؟  

منذ أواخر التسعينات، حاولت منظمة التجارة العالمية التوصل إلى اتفاقيات بشأن التجارة الإلكترونية، دون أن تكلُّل جهودها بنجاح، عندما كان الإنترنت مختلفًا تمامًا. ودفع عدم إحراز أي تقدم في هذا الإطار دولًا، مثل سويسرا وشركائها، إلى إبرام اتفاقيات ثنائية أو إقليمية.  

ويُعزى هذا الجمود جزئيًا إلى صراعات بين القوى الاقتصادية الرئيسية الثلاث: الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والصين. ويتعارض تركيز الاتحاد الأوروبي على تنظيم الأسواق وحماية حقوق المواطنين.ات، مع النهج الأمريكي القائم على عدم التدخل في مجال الأعمال، ومطالب الصين، في المقابل، بسيطرة الحزب الشيوعي وجهاز الدولة مجتمعين.       

وتقول بورّي: “هنا، تتصادم الأولويات والقيم الوطنية. تعتبر أوروبا الخصوصية حقًا أساسيًا، وتُعدّ مستويات حماية الخصوصية في الولايات المتحدة متدنية، بينما تدافع بحزم عن حرية التعبير. وتضع الصين الأمن القومي في المقام الأوّل. وقد أعاق هذا المثلث مساعي منظمة التجارة العالمية للتوصل إلى قواعد عالمية للتجارة الرقمية متفق عليها”.  

وتشير إلى انسحاب الولايات المتحدة إلى حدّ كبير من صياغة القواعد التنظيمية المشتركة بشأن التجارة الرقمية. إذ كان آخر اتفاق تم التوصّل إليه بين الولايات المتحدة واليابان عام 2019.     

وفي عام 2025، أبرمت 82 دولة عضو في منظمة التجارة العالمية اتفاقًا بشأن مجالات مثل التواقيع والعقود الإلكترونية، وتدابير الحماية من الاحتيال الإلكتروني. لكنّها فشلت مرة أخرى في اعتماد القوانين المتعلقة بالبيانات بسبب الانقسامات المستمرة بين الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين، بالإضافة إلى معارضة دول أخرى، منها الهند وجنوب أفريقيا.  

وفي حين حاولت الجهات المنظمة للمفاوضات مثل اليابان، ونيوزيلاندا، وسنغافورة، المدعومة أيضًا من سويسرا الدفع قدمًا، لا يزال مصير الاتفاقية، وكيفية دمجها في قانون منظمة التجارة العالمية مجهولًا.   

ما هو مستقبل سويسرا الرقمي؟

حافظت سويسرا على موقف هادئ نسبيًا بشأن تطوير قواعد التجارة الرقمية المحدثة، وركّزت بدلًا عن ذلك على التعددية من خلال منظمة العمل الدولية. لكن دفعها الجمود السائد هناك، مع دول أخرى في منظمة الإفتا، إلى السعي لإبرام اتفاقيات رقمية أكثر شمولًا، مثل الاتفاقية مع سنغافورة، بعد أوّل صفقة من هذا النوع عام 2023 مع مالدوفا.    

وتضيف بوري: “يُعتبر دور سويسرا في وضع القواعد في هذا المجال حديثًا نسبيًا، وبدأ مع الاتفاقية المبرمة بين مولدوفا ورابطة الإفتا، وبرز بشكل أكبر مع اتفاقية سنغافورة والإفتا”.  

وجاءت الاتفاقيات السابقة أقل شمولًا مع دول، منها اليابان والصين والمكسيك. إذ كانت تتضمّن فقط نصوصًا وأحكامًا محدودة أو قديمة بشأن المجال الرقمي، بدلًا من تخصيص فصول كاملة لها. 

وتقول بوري: “في هذه المرحلة الزمنية، تُعتبر هذه الاتفاقية مؤشرًا جيوسياسيًا مهمًا. وتُظهر بوضوح تام استعداد سويسرا، ودول رابطة  الإفتا لتتبوأ موقع الصدارة في صناعة القرار في التجارة الرقمية، بمستوى يوازي أكثر الدول تقدّمًا مثل سنغافورة، والمملكة المتحدة، أو اليابان. ويُعتبر مؤشرًا على التطور التنظيمي وترسيخ التعاون الدولي”.   

تحرير: طوني باريت

ترجمة: ناتالي سعادة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلّي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية