مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات
لماذا يثق الشعب السويسري في مؤسسات الدولة

وسائل التواصل الاجتماعي ونشر لتضليل : الوضع في سويسرا والولايات المتحدة

وسائل التواصل الاجتماعي
لوسائل التواصل الاجتماعي وجود عالمي، لكن هذا لا يعني تلقائياً أن لها نفس التأثير في كل مكان. Keystone / Christoph Dernbach

تحظى سويسرا بحماية أفضل في مواجهة الأخبار الزائفة، مقارنةً ببلدان أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية. فهل يعود ذلك لنظامها الأفضل ومواطنيها ومواطناتها الأكثر وعياً ـ أم فقط لإن جماعات التصيد الإلكتروني أقل اهتماماً بسويسرا؟ هناك إجابات شتى على هذا السؤال.

يستقي الكثيرون معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من الإذاعة أو التلفزيون أو الصحف. بينما يساور القلق آخرين كُثُر من ضياع الأخبار الهامة، وانتشار المعلومات الزائفة بدلاً منها، وكذلك من أن يظل الناس عالقين بشدة في فقاعات الترشيح الخاصة بهم، بمعنى أن يظلوا – نتيجةً للخوارزميات – منحصرين في المحتوى المفضل لهم على الإنترنت، منعزلين عن غيره.

محتويات خارجية

الولايات المتحدة الأمريكية: “أكثر الدول عرضةً” للتضليل الإعلامي

من المعروف أن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل ـ بخلاف الإذاعة والتليفزيون ـ دون التقيد بحدود الدول. إذ أنها عالمية. وبالتالي فقد يُستنتج من ذلك أنه: إذا ما أشاعت وسائل التواصل الاجتماعي الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي والاستقطاب،

يافطات
احتجاج أمام المفوضية الأوروبية في بروكسل خلال جلسة استماع لمؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ في عام 2018. Keystone / Stephanie Lecocq

فإن هذا سيحدث في العالم كله في نفس الوقت. لكن هذا ليس هو الحال. فهناك بعض البلدان والمناطق التي لديها مناعة أقل إزاء التضليل الإعلامي الإلكتروني، مقارنةً بغيرها. وأكثرها عرضةً لذلك هي الولايات المتحدة الأمريكية. ففي الدراسة المنشورة عام 2020 والتي تناولت “الصمود في مواجهة التضليل الإعلامي الإلكتروني: إطار عمل للدراسات المقارنة العابرة للقومياترابط خارجي” تم تسليط الضوء على العديد من الدول الأوروبية وكذلك على الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا السياق قام الفريق البحثي الذي تقوده الخبيرة في علم الاتصال السيدة إدا هوبريشت، بوصف الولايات المتحدة بأنها حالة خاصة، فيما يتعلق بالتضليل الإعلامي الإلكتروني.

أما الأسباب التي تكمن وراء ذلك فهي اقتصادية وهيكلية: “فهذا البلد يتميز بسوق دعاية ضخم، وكذلك بوسائل إعلامه الرسمية الضعيفة، وفي المقابل كذلك بالاستهلاك المتجزئ للأخبار.” فسوق الدعاية الضخم، يغري بتناقل الأخبار الكاذبة إلى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. كما تخلص الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الولايات المتحدة تعد “البلد الأكثر عرضةً” لنشر التضليل الإعلامي إلكترونياً.

من هؤلاء الذين يستقون معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي؟

إن التطورات التي شهدتها السنوات الأخيرة قد أدت لدى الكثيرين إلى وعي عالمي متنامٍ بالتضليل الإعلامي الذي يمارس إلكترونياً. ووفقاً للتقرير الرقمي الإخباري الصادر عن وكالة رويترز عام 2023، فإن 17% فقط هم من لا يزالون يستقون معلوماتهم بسلامة نية تامة من وسائل التواصل الاجتماعي ـ أما الآخرون فهم الأكثر حذراً وتخوفاً أن تفوتهم معلومات هامة أو أن يُستخف بعقولهم.

محتويات خارجية

صحيح أن هناك الكثيرين غيرهم ممن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار، إلا أن هذه النسبة قد تراجعت في بعض البلدان: ففي عام 2018 كان واحد من بين كل اثنين في سويسرارابط خارجي يستقي معلوماته من وسائل التواصل الاجتماعي ـ أما في عام 2023 فقد تراجعت هذه النسبة لتصبح 39% فقط. وبالنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكيةرابط خارجي فقد وصلت بها هذه النسبة عام 2017 إلى 51 %، لتحقق بلاد العم سام بذلك الرقم القياسي حينها بالفعل؛ إلا أن عام 2022 شهد تراجعاً، حيث بلغت تلك النسبة 42% فقط.

هذا بينما توجد النسب الأعلى في الكثير من البلدان الأفريقية. ففي نيجيريارابط خارجي يستخدم حالياً 78% وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار.

محتويات خارجية

وفيما يخص تكوين رأيّ سياسي، فإن وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن في سويسرا أبداً الوسيلة الإعلامية الفيصلية: إذ يستنتج الكتاب التخصصي “رقمنة الديمقراطية السويسرية” والصادر عام 2021 أن “أغلبية واضحة من الناخبين والناخبات بسويسرا لا يراجعون وسائل التواصل الاجتماعي قبيل الانتخابات والاقتراعات لتكوين رأيّ خاص بهم”. حيث ما تزال الإذاعة والتليفزيون والصحف في سويسرا هي الأهم حتى اليوم كمصادر للمعلومات في الشؤون السياسية. كما أنها تحظى بمزيد من الثقة.

رجل
توبياس كيلر باحث في علوم الإعلام والاتصالات. zVg

من جانبه فإن توبياس كيلر، أستاذ العلوم السياسية والإعلام في معهد gfs.bern  للأبحاث واستطلاعات الرأي في برن، والذي شارك في الكتاب التخصصي حول “رقمنة الديمقراطية”، يذكر في تصريحاته لموقع SWI swissinfo.ch بعض العوامل التي تميز الوضع في سويسرا عن مثيله في الولايات المتحدة والبرازيل. فوسائل الإعلام واسعة الانتشار في الولايات المتحدة، “ذات توجه سياسي واضح أكثر مما هي عليه في سويسرا، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي هناك تؤجج وجهات النظر ذات الصبغة السياسية”.

أما في البرازيل، فإن تطبيقات “واتس آب” و”تليغرام” ما تزال تمثل “قنوات معلوماتية هامة للغاية”. إلا أنه قلما يمكن تبين المعلومات أحادية الجانب أو تلك المزيفة في إطار هذا السياق الذي يشبه الرأي العام. في المقابل، فإن التفاعل بين وسائل الإعلام الرسمية وتلك الخاصة، وكذلك نظام التعدد الحزبي مع سياسته التي تسعى إلى التوافق، تعد – وفقاً لرأيّ السيد كيلر – عوامل قد أدت في سويسرا إلى تحقيق مزيد من الصمود في مواجهة الاستقطاب والشعبوية المنتشرة في الإنترنت، وذلك في المقارنة العالمية.

في سياق متصل، فقد ورد في كتاب “رقمنة الديمقراطية السويسرية” أن الاقتراعات الكثيرة تعتبر ضرباً من التدرب على تتبع التضليل الإعلامي: “فمن خلال مئات المسودات السياسية التي قيَّموها، ومن خلال الحملات الانتخابية التي يشهدونها، فإن الناخبين السويسريين لديهم خبرة في تقييم المعلومات غير المألوفة (…). مما يزيد من مقاومتهم للمعلومات المشبوهة” ـ وهذا بغض النظر عن القناة التي تنقلها إليهم.

بمعنى آخر: أن السويسريين والسويسريات قد اعتادوا من خلال المنشور الانتخابي ألا يثقون دائماً في المعلومات التي تصل إلى أيديهم، وهذا بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة. كما أن الشعبوية لم تنشأ فقط مع ظهور فيسبوك.

الشعبوية في سويسرا أقدم من فيسبوك

لا تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط مجالاً لترويج الأخبار الكاذبة، بل كثيراً ما تتهم بالمسؤولية عن الاستقطاب السياسي وعن نجاح القوى الشعبوية.

بدورها تجري الخبيرة في علم الاتصال بجامعة زيورخ السيدة سينا بلاسينغ أبحاثها العلمية لنيل درجة الدكتوراه حول الكيفية التي تتم بها الاتصالات الشعبوية في الإنترنت. وقد درست على سبيل المثال الوتيرة التي يدلي بها السياسيون والسياسيات في سويسرا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا بتصريحات شعبوية في البرامج الحوارية التليفزيونية أو على شبكة الإنترنت، وكذلك نوعية هذه التصريحات.

ولم تكن الولايات المتحدة هي من تصدرت أحد جوانب هذه الدراسة – مثلما كان متوقعاً -، بل كانت سويسرا.

وتستطرد السيدة بلاسينغ موضحةً: “إن بعض ملامح النظام السياسي في سويسرا”، والتي كان يُنظر إليها باعتبارها عقبات في وجه تمدد الشعبوية، تؤدي في حقيقة الأمر إلى تفاقمها ـ على سبيل المثال الاقتراعات المتعددة. “فالاقتراعات الشعبية المنتظمة قد تؤدي إلى تعزيز الحملات الشعبوية الدائمة، وبهذا فإنها تحول دون تحقق النتائج المرجوة من نظام التوجيه والمحاصصة والذي يستهدف التقييد”. أما من الناحية الثقافية، فإن هناك بعض النقاط التي ترتكز عليها الشعبوية المناهضة لحكم الصفوة في سويسرا: “فالثقافة السياسية لسويسرا تتيح من خلال نظام الميليشيات الذي تتبعه، وكذلك من خلال محليتها الشديدة وموقفها المتشكك من أوروبا، أرضاً خصبة للخطاب المناهض للصفوة والمتمركز حول الشعب.”

وللتوضيح، فعلى الرغم من أن الطيف السياسي بأكمله “يلجأ إلى استخدام الخطاب الشعبوي من آن لآخر”، إلا أن الغلبة في سويسرا تكون “على الأرجح للشعبوية اليمينية”. لكن هذه الشعبوية أقدم من الإنترنت واسع الانتشار: “فبالمقارنة بالبدان الأخرى، فإن لدى سويسرا منذ تسعينيات القرن العشرين حركة شعبوية يمينية قوية بالفعل.”

سويسرا: لا تشكل أهمية بالنسبة لروسيا والصين

تجري السيدة إدا هومبرشت أبحاثها العلمية بجامعة زيورخ، كما أنها الكاتبة الأساسية لهذه الدراسة التي توضح كيف أن الولايات المتحدة “أكثر الدول عرضةً” للتضليل الإعلامي.

في هذه الدراسة تبدو سويسرا جزءاً من مجموعة دول شمال أوروبا، التي لديها أعلى قدرة على مقاومة الأخبار الزائفة والمضرة. إلا أن السيدة هومبرشت تعزو ذلك ـ فضلاً عن الاستقرار الديمقراطي ـ إلى أن سويسرا دولة صغيرة مقسمة بين أربع لغات وذات أهمية جيوسياسية محدودة. فهل تتميز سويسرا بصفة عامة بصمودها أمام الاستقطاب والشعبوية ـ أم هل يقتصر صمودها هذا على وسائل التواصل الاجتماعي بصفتها مسرعاً للتضليل الإعلامي؟

سيدة
إيدا هومبريشت أستاذة في جامعة التكنولوجيا النرويجية (NTNU) في تروندهايم، وتجري أبحاثاً حالياً في معهد علوم الاتصال وأبحاث الإعلام في جامعة زيورخ. zVg

“لا هذا، ولا ذاك”، ترد السيدة هومبرشت. “إذ يلعب كل من الاستقطاب والشعبوية دوراً هاماً في سويسرا، كما هو الحال في الكثير من الدول الأخرى. وصحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم بكثرة في سويسرا. إلا أن هذا البلد لا يجتذب الحملات المنظمة كثيراً.”

فضلاً عن ذلك، فهناك عوامل تعزز المقاومة في سويسرا مثل نظامها الإعلامي الموسع. “إلا أن الطبقات الأكثر عرضة للتضليل الإعلامي من قِبل الطيف السياسي اليميني، لا تستخدم وسائل الإعلام الرسمية بكثرة.” أما العامل الأكبر في هذا الصدد، فتعدُّه السيدة هومبرشت العامل الاجتماعي: “ففي سويسرا يعتبر عدد المهمشين اقتصادياً أقل من مثيله في فرنسا.” وهذا يساهم في تعزيز المقاومة إلى حد ما، كما يساهم فيها سوق الدعاية السويسري الصغير.

جدير بالذكر، أن السيدة هومبرشت والكُتَّاب المشاركون لها، قد قاموا في تلك الدراسة بوضع أسواق الدعاية وما يرتبط بها من التوجه نحو التربُّح كمقياس، ذلك لإنه من السهل قياسها أكثر من الأهمية الجيوسياسية. “إلا أن الجغرافيا السياسية لا تقل بالطبع أهميةً. وتتمتع سويسرا في هذا الشأن بوضع جيد: فروسيا والصين لا تهتمان كثيراً بالتأثير على سويسرا، بقدر ما يعنيه لهما التأثير على إحدى الدول الكبرى.” إذن فأحد الأسباب وراء ضعف تهديد الأخبار الزائفة لسويسرا مقارنةً بالولايات المتحدة الأمريكية، هو ببساطة: أن سويسرا ليست على نفس القدر من الأهمية كالولايات المتحدة.

تحرير: دافيد أويغستر

ترجمة: هالة فرَّاج

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية