مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بلدنا يُقصي عشرين في المئة من مواطنيه

مارتن كانديناس

يتعرض أصحاب الاحتياجات الخاصة للتهميش. وفي هذا العام الذي أصبحت فيه المواطن الأول في سويسرا، سأسعى لتغيير هذا الوضع.

في الشهر الماضي قام البرلمان الفدرالي بانتخابي رئيساً له. وإنني أرى أن دوري يتمثل كذلك في محاولة دمج الجميع في دولتنا الديمقراطية. فالعالم قد احتفل في الثالث من ديسمبر باليوم العالمي للمعاقين. وفي هذه المناسبة، نُذَكِّر بأننا جميعاً مطالبون بالعمل جاهدين على دمج أصحاب الاحتياجات الخاصة.

ففي سويسرا يعيش 1،8 مليون معاقاً. وهو ما يعادل نسبة واحد من بين كل خمسة أشخاص. وبصفتي عضواً منذ سنوات طويلة في اللجنة التابعة لمؤسسة “برو إنفيرميس” (المسؤولة عن المعاقين بدنياً وذهنياً ونفسياً) في كانتون غراوبوندن، فإن لديّ معرفة مسبقة بمطالب واحتياجات المعاقين. ولكن للأسف فإن واقع الأمر يُنبئ أن جزءاً كبيراً من هؤلاء المواطنين والمواطنات ما يزالون يعيشون على هامش مجتمعنا ويتعرضون للتمييز، ولا يمكنهم المشاركة بما يخدم مصالحهم في الكثير من مجالات الحياة العامة.

جدير بالذكر أن سويسرا قد ألزمت نفسها منذ عام 2018 بتغيير هذا الوضع. حيث ينبغي عليها تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق المعاقين. وبالفعل تمت أول مراجعة في هذا الصدد من خلال الأمم المتحدة في مارس من عام 2022. لكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال: فبلدنا ما تزال بعيدة كل البعد، عن أن تكون واحدة من أفضل الدول في هذا المضمار.

رجل يحمل باقة من الورود داخل قاعة اجتماعات مجلس النواب السويسري
انتُخِب مارتن كانديناس يوم 28 نوفمبر 2022 رئيساً لمجلس النواب لعام 2023. ويشغل هذا السياسي من حزب الوسط كذلك رئاسة لجنة فرع منظمة “برو إنفيرميس” (Pro Infirmis) المعنية بشؤون المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة في كانتون غراوبوندن. Keystone SDA

حيث نددت لجنة الاستعراض الدوري بأداء سويسرا في تطبيق جميع مجالات الاتفاقية: فبالنسبة للمجالات الأساسية مثل التعليم ودخول سوق العمل، تبين أن المعاقين فرصهم أقلّ من غيرهم للالتحاق بهما، كما ينقصهم الدعم اللازم كي يتمكنوا من المشاركة في هذين المجالين على قدم المساواة مع غيرهم.

وهناك أيضاً نقطة أخرى كانت مثاراً للنقد: فالأشخاص من ذوي الإعاقة يتعرضون للظلم فيما يخص حقهم الانتخابي، سواء كان ذلك في الترشح أو في الانتخاب والتصويت. فهم إما محرومون جزئياً أو كلياً من هذا الحق.

فضلاً عن ذلك، فإن أوراق الاقتراع لا تتوفر بلغة مبسطة ولا تتاح بلغة المكفوفين “بريل”. فإذا ما أراد أحد المعاقين الترشح، فإنه إضافة إلى الحواجز الجسدية التي تحول بينه وبين ذلك، يجد نفسه أمام وصم المجتمع له. ويمكن لمس أثر هذه الحواجز في التمثيل السياسي. إذ يوجد حالياً في البرلمان الفدرالي نائب واحد فقط من ذوي الإعاقة.

هذا بينما قد يشكل التمثيل الأكثر تكافؤاً على جميع المستويات دفعةً تساهم في المضي قدماً وبوتيرة أسرع في طريق المساواة. ففي سويسرا الفدرالية ومتعددة اللغات ينبغي أن تكون الديمقراطية انعكاساً للواقع. ولكن إذا ما كان عشرون بالمائة من الشعب ممثلين بصورة غير متكافئة، فإن حقوقهم كثيراً ما سيتم نسيانها أو تجاهلها. وآمل خلال مدة تقلدي لهذا المنصب أن أضع بصمة في هذا الاتجاه. ففي الرابع والعشرين من مارس 2023 سوف ادعو لعقد أول جلسة للمعاقين في سويسرا، وهذا بالاشتراك مع مؤسسة “برو إنفيرميس”. وبخلاف ما يحدث في اجتماعيّ الشباب والمرأة، فإننا لن نحتاج سوى إلى خُمس المائتي مقعد. وهو ما يعتبر التمثيل العادل للمعاقين في البرلمان.

إنني أوجه نداءً إلى السياسيين والسياسيات. إذ ينبغي عليهم أن يكونوا على وعي بنسبة الناخبين من ذوي الإعاقة الذين يمثلونهم. كما أنني أتوجه بندائي هذا إلى الأشخاص المعنيين بالأمر. فعليهم أن يتثبتوا من أنهم قادرون على تمثيل مطالبهم بأنفسهم في مبنى البرلمان الفدرالي. وهذا النداء موجه كذلك لنا جميعاً. فعلينا أن نتكاتف كي يتمكن خُمس الشعب السويسري من تبوأ مكانه في المجتمع وفي السياسة.

تَمُر الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم بأكبر أزمَة لها منذ الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. ومنذ حوالي خمسة عشر عامًا، سُجّل توجّه متزايد نحو السلطوية والديكتاتورية.

في المقابل، تظل سويسرا واحة للاستقرار. إذ تتواجد جميع الأحزاب تقريبًا بشكل جماعي في الحكومة، ولا تنظم فيها أبدا أي انتخابات مبكرة. مع ذلك، يُمكن للمواطنين والمواطنات الذين يحق لهم التصويت التعبير عن آرائهم بشأن العديد من القضايا من خلال مبادرات شعبية واستفتاءات في أحيان كثيرة وبوتيرة تزيد عما هو متاح في أي بلد آخر في العالم.

لكن تاريخ الديمقراطية السويسرية هو أيضًا تاريخ لمن يُسمح له بالمشاركة في اتخاذ القرار ولمن لا يُسمح له بذلك. عندما تأسست الدولة الفدرالية في عام 1848، كان 23٪ فقط من السكان يتمتعون بالحق في التصويت، وعلى مدى فترة طويلة من تاريخها، استبعدت الديمقراطية السويسرية نصف السكان، إذ لم تتمتع النساء بالحقوق السياسية إلا منذ أزيد من خمسين بقليل. وحتى يوم الناس هذا، لا يستطيع كثيرون في سويسرا أن يكون لهم رأي في الشأن العام.

من يُسمح له بالمشاركة وبأن يكون له رأي ومن لا يُسمح له، مسألة مثيرة للجدل سياسياً. حتى الآن، رفضت الغالبية العظمى من سكان سويسرا توسيع مجال ممارسة الحقوق السياسية، لتشمل الأجانب والأجنبيات المُقيمين على سبيل المثال. وهو ما عبّرت عنه الناشطة السياسية والمحامية ديمي هابلوتزل من حزب الشعب السويسري (يمين محافظ)، التي اعتبرت في مقال رأي لها أن “الحقوق السياسية ليست أداة للإدماج”.

مع ذلك، يتعيّن على الديمقراطيات أن تواجه باستمرار السؤال الشائك حول من يحقّ له أن يُشارك في اتخاذ القرار وإلى أي مدى. وبحكم أن الديمقراطية الليبرالية لم تعد هي المقياس المرجعي على المستوى العالمي، أصبح من الواجب على الدول الديمقراطية أن ترتقي إلى مستوى مطالبها.

لهذا السبب تكرّس SWI swissinfo.ch هذه السلسلة لمسألة لإدماج السياسي وفيها نهتم بالسجالات والنقاشات المتعلقة بمعرفة من يحق له المشاركة في القرارات في سويسرا وإلى أي مدى. نتحدث إلى خبراء كما نسلط الضوء على أشخاص وحركات تعمل من أجل الإدماج السياسي الشامل لمختلف الأقليات والأفراد المُهمّشين في سويسرا.

بالمناسبة، تم استبعاد السويسريين المُقيمين في الخارج أيضًا لفترة طويلة ولم يُسمح لهم بالتصويت والانتخاب إلا منذ عام 1992.

* نُشرت وجهة النظر هذه لأوّل مرة يوم 5 ديسمبر 2022 في صحيفة “تاغس أنتسايغر” رابط خارجي(تصدر بالألمانية في زيورخ)

ترجمة: هالة فرّاج 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية