المؤسسات الخيرية السويسرية في إزدهار متواصل
أظهر تقريرٌ صَدَر حديثاً، أن سويسرا هي واحدة من الدول التي يَجتمع فيها أكبر عددٍ من المؤسسات الخيرية في العالم - كما يواصل هذا القطاع نموه بقوة. وفي العام الماضي، تم تسجيل أكثر من 13,000 مؤسسة خيرية لتقديم المِنَح، تقدر قيمة ثروتها الإجمالية بنحو 100 مليار فرنك - وهو ما يمثل زيادة بنسبة 30% منذ عام 2012.
وبحسب التقرير السنوي لرابطة المؤسساترابط خارجي المانحة السويسريةرابط خارجي (Swiss Foundations) للعام 2017، والذي نُشِرَ يوم الثلاثاء 22 مايو، شَهد العام المنقضي إنشاء مؤسسة جديدة لتقديم المِنَح بشكل يومي تقريباً (بواقع 364 مؤسسة). ومع إنهاء 187 مؤسسة لنشاطها في السنة ذاتها، بلغ العدد الإجمالي لهذه المؤسسات 13,129 مؤسسة.
ووفقاً لمؤلفي التقرير، فإن سويسرا هي واحدة من الدول التي يتمركز فيها أكبر عدد من هذه المؤسسات بواقع 15,6 مؤسسة لكل 10,000 نسمة. وقد أُنشأت نصف هذه المؤسسات الجديدة خلال السنوات العشرين الماضية.
لا تُصَنِّف رابطة المؤسسات المانحة السويسرية (SwissFoundations) المؤسسات الوطنية من حيث الحجم أو النفوذ. من جانبها، تقوم المؤسسات الخيرية السويسرية بتقديم تقارير سنوية حول حساباتها إلى سلطات المراقبة المعنية، لكن تفاصيل هذه الحسابات غير مُتاحة للعموم.
بعض أكبر هذه المؤسسات وأكثرها نفوذاً هي مؤسسة “بَايَلير”رابط خارجي (Beyeler)، ومؤسسة “أفينا”رابط خارجي (Avina) التي أنشأها رجل الأعمال السويسري ستيفان شميدهايني، ومؤسسة “بوتنار”رابط خارجي (Botnar) ومؤسسة “هانز فيلسدورفرابط خارجي” (Hans Wilsdorf)، ومؤسسة “جاكوبز”رابط خارجي (Jacobs)، ومؤسسة “أرنست غونَررابط خارجي” (Ernst Göhner)، ومؤسسة “ليناردز”رابط خارجي (Leenaards).
وكما جاء في التقرير الصادر عن المنظمة السويسرية الجامعة، فقد ارتفعت الثروة الإجمالية للمؤسسات السويسرية الواهبة للمنح خلال السنوات الخمس الماضية بمقدار الثلث، لتصل إلى 97,4 مليار فرنك سويسري. وقد أدى وﺟﻮد ﻣﺆﺳﺴﺎت خيرية أكبر حجماً، إلى إرتفاع متوسط قيمة أصول المؤسسات الواهبة للمنح إلى 8,2 ﻣﻠﻴﻮن ﻓﺮﻧﻚ ﺳﻮﻳﺴﺮي، بيد أنَّ 80% من هذه المؤسسات تمتلك ثروة تقل عن 5 ملايين فرنك سويسري في الواقع.
الثروة الخاصة في سويسرا
حتى اليوم، لاتزال المجالات التقليدية التي تركز عليها هذه المؤسسات هي الثقافة والترفيه، تليها الخدمات الاجتماعية، والتعليم، والبحوث، والصحة والبيئة. على الجانب الآخر، تقل نسبة المؤسسات الدينية الواهبة للمنح عن 5%. وبحسب التقرير أيضاً، تُصرَف نصف هذه الأموال تقريباً خارج حدود سويسرا.
الديناميكية الأخيرة في هذا القطاع الخيري تعزى إلى عوامل مختلفة. فبداية، هناك الزيادة العامة في الثروة الخاصة؛ حيث لا تزال سويسرا أكبر مركز لإدارة الثروات في العالم بالنسبة للأصول الدولية (مع إدارتها لـ 1,84 تريليون دولار في عام 2017)، ويذهب مقدار وافر من الأموال الأجنبية والسويسرية إلى هذه المؤسسات.
وكما يوضح جورج فون شنورباين، مدير مركز الدراسات الخيرية في جامعة بازلرابط خارجي: “يتم منح الكثير من المال الموروث في سويسرا. لكن في الوقت الراهن، لا يَمنح الذين تتراوح أعمارهم بين الستين والسبعين عاماً المال لِمَن هُم في الأربعينيات من أعمارِهم. فالأمر يتعلق أكثر بمن يبلغون التسعين عاماً، الذين يعطون المال لمن هم في الستينيات من عمرهم. وغالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص في وضع مستقر بالفعل، ولديهم ما يكفيهم من المال لحياة مريحة، ما يجعلهم يفكرون في ما يمكنهم فعله بهذا المال الذي ورثوه”. ومثلما أضاف فون شنورباين، فإن دور الدولة والمجتمع المدني يتغير هو الآخر.
ووفقاً للأستاذ المساعد في مادة إدارة المؤسسات في جامعة بازل: “أدرك الناس اليوم، ولا سيما في أوروبا، بأن الدولة غير قادرة على حل كافة مشاكلنا، وهذا ما يجعلهم ينخرطون بشكل أكبر في القضايا التعليمية والاجتماعية”.
وبحسب ما جاء في التقرير، ترتبط الزيادة الحاصلة في مستويات التمويل في الآونة الأخيرة أيضا بالعديد من المنظمات التي أُنشِأت لأغراض إجتماعية أو ثقافية – مثل دور رعاية المُسنّين أو المتاحف – والتي تحول نفسها إلى مؤسسات واهبة للمنح. بالإضافة إلى ذلك، جَنَت المؤسسات التي استثمرت بكثافة في العقارات الفوائد الناجمة عن توظيف أموالها.
ويرى المتخصصون أيضاً أن النظام القانوني المستقر في سويسرا، وليس نوع المعاملة الضريبية الخاصة، هو ما ساهم في نمو هذا النوع من المؤسسات.
“من السهل جدًا إنشاء مؤسسة هنا، والقوانين القائمة المتعلقة بالهدف والتنظيم والإبلاغ ليبرالية للغاية”، كما قال فون شنورباين. “في الولايات المتحدة، تبلغ نسبة الخصم الضريبي على المؤسسات 40%، لكنه في سويسرا لايزيد عن 20% فقط”، على حد قوله.
بدورهاـ قالت كلوديا جينييه، نائبة مدير رابطة المؤسسات المانحة السويسرية (SwissFoundations): “إن ما يدعم الديناميكية العامة لهذا القطاع، هو موقف السويسريين الإيجابي تجاه العمل الخيري والأنشطة الموَجَهة لفائدة الجمهور”.
مناطق إزدهار هذه المؤسسات
في العام المنقضي، أُنشِأت معظم المؤسسات الجديدة لتقديم المنح في كانتون زيورخ (بواقع 57 مؤسسة)، يليها كانتون جنيف (55 مؤسسة) ثم تسوغ (47 مؤسسة). وقد شهد كانتون تسوغ إزدهار ما يُسمى بمؤسسات التشفير المُرتبطة بظهور تقنيات سلسلة الكتل أو الـ “بلوك تشاين” (blockchain).
وكما قال فون شنورباين، فإن الهيكل القانوني للمؤسسات [التي تعتمد على تقنية التشفير] هو العامل الرئيسي الذي جعل سويسرا جذابة لتقنية الـ “بلوك تشاين”. وكما أضاف: “هذا الهيكل ليبرالي تماماً. وعاجلاً أو آجلاً، سوف نشاهد ظهور المزيد من التنظيم لمؤسسات الـ “بلوكتشاين” في سويسرا خلال السنوات القادمة. لكن الوضع الآن أشبه بـ ‘الغرب المتوحش’”.
وحتى يومنا الحالي، يتبوأ كانتون بازل، الذي يُعتَبَر مَهد سويسرا التقليدي للعمل الخيري المرتبط أساسا بالفنون والثقافة، مركز الصدارة من حيث كثافة المؤسسات الواهبة للمنح (بنسبة 45,3 مؤسسة لكل 10,000 نسمة)، والتي تدير أصولاً تقارب قيمتها 17 مليار فرنك سويسري.
بدورها، نجحت جنيف وبقية منطقة بحيرة ليمان (التي تسمى بحيرة جنيف أيضاً) في اللحاق بالرَكب بسرعة على مدى الخمس إلى العشر سنوات الماضية. ويرجع الفضل في تحقيق ذلك إلى تأثير ما يسمى بجنيف الدولية، والخبرة المالية المتوفرة في هذه المنطقة.
وكما تعلق جينييه: “هناك القليل من الأماكن على هذا الكوكب التي يمكن العثور فيها على مثل هذا التركيز من الخبراء في جميع المجالات وفي مساحة صغيرة كهذه”.
وفي شهر سبتمبر 2017، أطلقت جامعة جنيف مركزاً للأعمال الخيررابط خارجيية بالتعاون مع مؤسستي “لومبار أودييه” (Lombard Odier) و”أدموند دي روتشيلد” (Edmond de Rothschild)، لتشجيع البحث والتدريس الأكاديمي. ومؤخراً، انضم المعهد الدولي للتنمية الإدارية في لوزان (IMD) وجامعة سانت غالَّنرابط خارجي إلى هذا المجال البحثي أيضاً.
ومع إحتفال مركز الدراسات الخيرية في جامعة بازل ومركز القانون التأسيسي في جامعة زيوريخ بالذكرى السنوية العاشرة لتأسيسهما في هذا العام، يمكن العثور اليوم على أكثر من 20 مركز أبحاث مُشابه في أوروبا.
أظهرت دراسة حديثةرابط خارجي أجرتها مؤخراً منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول الأعمال الخيرية لإغراض التنمية، تدفق مبلغ 7,8 بليون دولار في المتوسط سنوياً. واستندت الدراسةً إلى بيانات أكثر من 130 مؤسسة خيرية خاصة كبرى من جميع أنحاء العالم. من جانبها، ساهمت المؤسسات السويسرية بنحو 572 مليون فرنك سويسري بين عامي 2013 و2015.
في حين أن قرابة ثلاثة أرباع المبلغ كان مصدره مؤسسات تقع مقارها في الولايات المتحدة – نصف هذه الكمية جاءت من مؤسسة بيل وميليندا غيتس (BMGF) – فإن الدول الأخرى المتصدرة لقائمة التمويل الخيري لأغراض التنمية هي بريطانيا (7%)، هولندا (5%)، سويسرا (2%)، كندا (2%) والإمارات العربية المتحدة (2%).
ووفقا لـ جورج فون شنورباين، يمر مليار دولار من الأموال التي تنفقها مؤسسة بيل وميليندا غيتس عبر سويسرا إلى بقية أنحاء العالم. “يمر حوالي ثلث الإنفاق السنوي لمؤسسة بيل وميليندا غيتس عبر منظمات سويسرية، أو وكالات تقع مقارها في سويسرا، مثل منظمة التحالف العالمي للقاحات والتحصين (GAVI)، والصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، ومنظمة الصحة العالمية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.