“خمسة ملايين دولار للمقعد البرلماني”… هل تغيّر الانتخابات الأخيرة وجه العراق؟
متابعة معمّقة لمآلات الانتخابات التشريعية في العراق، حيث تباينت الآراء بين من يرى فيها تجديدًا سياسيًّا ومن يعدّها إعادة إنتاج للفساد، إلى جانب تغطيات موسّعة لتداعيات التصعيد العسكري الإسرائيلي في جنوب لبنان وتمسك حزب الله بسلاحه.
عودة السياسة إلى المدن السنية في العراق
كتب الصحفي دانيال بوم، من صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ، تقريرًا ميدانيًّا من تكريت والموصل، يرصد ما اعتبره “يقظة سنية جديدة” مع إجراء الانتخابات التشريعية في العراق. المشهد كما وصفه يبدو خليطًا من الأمل والحذر، في بلدٍ أنهكته الحروب والطائفية منذ عام 2003.
يروي بوم قصة علي ذياب أحمد، تاجر أجهزة كهربائية من تكريت، الذي قرر خوض الانتخابات مستقلًا، متحديًا “السمعة الثقيلة” التي تلاحق مدينته بوصفها مسقط رأس صدام حسين. ويقول أحمد: “ليس سهلاً علينا أن نعيش بهذا السُمعة السيئة”.
ويضيف الرجل، محاطًا بدخان السجائر في مكتبه المتواضع:”العراق يعيش حاليًّا تحوّلاً تاريخيًّا”.
ويرى التقرير أن النفوذ الإيراني، الذي كان مهيمناً لعقدين، بدأ يتراجع بعد خسائر حزب الله في لبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا. وهو ما أعاد للطائفة السنية في العراق شيئًا من الثقة والقدرة على المشاركة السياسية، بعد سنوات من التهميش. يقول أحد المرشحين المحليين، يَزَن الجبوري: “نشهد حاليًا نهضة سنيّة حقيقية في العراق”.
يقول الجبوري وكأن المقعد البرلماني سلعة يمكن شراؤها: “في السابق كان مقعد البرلمان يُكلف مليون دولار، أما الآن فأصبح خمسة ملايين”.
نويه تسورخير تسايتونغ
ومع ذلك، يُذكّر بوم بأنّ الميليشيات الشيعية ما زالت تملك نفوذًا كبيرًا داخل مؤسسات الدولة والاقتصاد، وأنّ الفساد السياسي يظلّ العقبة الأكبر أمام أيّ تحول حقيقي. وينقل عن مراقبين أن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، وهو شيعي معتدل يسعى لولاية ثانية، يجسد محاولة لترميم الثقة عبر مشاريع بنى تحتية واسعة وسياسات أقل طائفية. إلا أن النفوذ الواسع للميليشيات المدعومة من إيران، وظاهرة “بيع المقاعد البرلمانية التي تبلغ تكلفتها نحو خمسة ملايين دولار”، كما نقلت نويه تسورخير تسايتونغ، يكشف عمق الفساد المتجذر في النظام السياسي العراقي.
(المصدر: نويه تسورخير تسايتونغرابط خارجي، 11 نوفمبر 2025، بالألمانية)
عراق “واحة سلام غير متوقعة” – واشنطن وطهران تترقبان
في تقرير بعنوان “في عراقٍ أصبح واحة سلام غير متوقعة، انتخابات تشريعية تتابعها واشنطن وطهران”، كتبت الصحفية توان إيزاغيير في صحيفة لوتون أن العراق، الذي كان يومًا رمزًا للفوضى، يعيش لحظة استقرار نسبي غير مألوفة، لكنه استقرار هشّ محاط بالضغوط الإقليمية والدولية.
ويوضح التقرير أن أكثر من عشرين مليون شخص توجهوا إلى صناديق الاقتراع. ورغم التحضيرات الواسعة، لاحظت الصحيفة أن الساعات الأولى للاقتراع في بغداد بدت هادئة بشكل لافت، مع انتشار أمني كثيف وشوارع شبه خالية: “شوارع بغداد بدت خالية على نحو يائس، باستثناء الانتشار الكثيف لقوات الأمن”.
وركز التقرير على التوازن الدقيق الذي يحكم النظام السياسي العراقي: “وفق النظام الانتخابي القائم، يكون رئيس البرلمان سنّيًا، ورئيس الوزراء شيعيًا، والرئيس من الأقلية الكردية”.
وأوضحت الصحيفة أن هذا التوزيع يعكس طبيعة النظام الذي يسعى للحفاظ على توازن هشّ بين المكونات الطائفية. أما على الصعيد الدولي، فكتبت لوتون: “الإدارة الأميركية تراقب العراق عن كثب، ملوّحة بعقوبات جديدة إذا لم تُنزع أسلحة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران”.
وترى الصحيفة أن هذه الانتخابات تمثل اختبارًا لسياسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يحاول الموازنة بين النفوذ الإيراني والمطالب الأميركية، وبين الحاجة الداخلية إلى الاستقرار والرغبة الشعبية في التغيير.
(المصدر: صحيفة لوتونرابط خارجي، 11 نوفمبر 2025، بالفرنسية)
مشاركة مرتفعة رغم الدعوات إلى المقاطعة
وفي تقرير آخر لصحيفة لوتون بعنوان أي “رغم الدعوات إلى المقاطعة، أكثر من 50% نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بالعراق”، أبرزت الصحيفة ما وصفته بالمفاجأة التي أحدثتها نسبة المشاركة المرتفعة (أكثر من 55%)، مقارنة بنسبة 41% فقط في انتخابات 2021. وقد اعتبرت المفوضية العليا للانتخابات هذه المشاركة “إشارة على رغبة الشعب العراقي في استعادة صوته بعد سنوات من الإحباط”.
ورغم هذا الزخم، رصدت الصحيفة حالة من الشك بين الناخبين.ات، إذ نقلت شهادات تعكس الإحباط من بطء الإصلاحات وتفاقم البطالة. وقال أحد الناخبين في الموصل:”نواجه البطالة والناس سئموا، نحن بحاجة إلى التقدّم.”
كما أوردت شهادة طالب جامعي في بغداد، عبّر عن الإحباط ذاته: “كل أربع سنوات، يتكرر المشهد نفسه، لا نرى وجوهًا شابة ولا طاقات جديدة قادرة على التغيير.”
وربطت الصحيفة بين ارتفاع المشاركة وبين رغبة الشعب العراقي في الخروج من الطائفية، رغم استمرار النفوذ الإيراني في الحياة السياسية: “عرف العراق استقرارًا غير معتاد في السنوات الأخيرة، بعد عقود من الحرب والقمع في عهد صدام حسين ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وأطاح به. غير أنّ البلاد لا تزال تعاني من بنى تحتية ضعيفة، وخدمات عامة متدهورة، وفساد مستشرٍ”.
(المصدر: صحيفة لوتونرابط خارجي، 12 نوفمبر 2025، بالفرنسية)
إسرائيل تضرب جنوب لبنان وتلوّح بحرب جديدة
تحت عنوان “إسرائيل تفقد صبرها على حزب الله”، نشرت صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ تقريرًا ميدانيًا للصحفي يوناس روت يرصد التصعيد العسكري الإسرائيلي في جنوب لبنان بعد مرور عام على الهدنة الموقعة مع حزب الله.
ويوضح الصحفي إن الجيش الإسرائيلي أعلن عن ضربات استهدفت “بنى تحتية عسكرية” للحزب في خمس قرى جنوبية، في “أعنف هجوم منذ شهور”. وقد أدانت الحكومة اللبنانية الغارات بوصفها “جريمة سياسية مشينة”، لكن دوائر أمنية إسرائيلية وصفتها بأنها “مجرّد مقدّمة لما قد يأتي لاحقًا إذا لم يُنزع سلاح حزب الله”.
ويشير التقرير إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار، الموقّع في 27 نوفمبر 2024، لم يصمد فعليًا. إذ تواصل إسرائيل منذ أشهر شنّ غارات بطائرات مسيّرة ضد مواقع الحزب بحجة خرق الهدنة. وتنقل الصحيفة عن أورنا مزراحي، الباحثة في معهد الدراسات الأمنية بجامعة تل أبيب، قولها:
“تسعى إسرائيل من خلال هجماتها إلى تحقيق هدفين: القضاء على التهديدات، وضمان أن تمارس الحكومة اللبنانية ضغطًا على الحزب لنزع سلاحه”.
لكن بيروت، بحسب روت، “تفتقر إلى الإرادة والقدرة” على مواجهة الميليشيا المدعومة من إيران. ويذكر التقرير أن الرئيس اللبناني، جوزيف عون، حاول طمأنة الغرب بإعلان تدمير الجيش اللبناني أكثر من عشرة آلاف صاروخ تابع لحزب الله، لكن القلق من اندلاع صدامٍ داخلي جعل الحكومة تتراجع عن أي خطوة حاسمة. وتقول مزراحي: “الحكومة تسمح لحزب الله بترهيبها… الجميع في لبنان يخشى من اندلاع حربٍ أهلية”.
“إما أن يختار اللبنانيون دولةً ذات سيادة وجيشًا وسلطة موحّدة، أو أن يقبلوا بدولة حزب الله داخل الدولة”.
آرغاور تسايتونغ نقلاً عن الصحفي اللبناني طارق أبو زينب
ورغم أنّ حزب الله خرج من حرب عام 2024 ضعيفًا ومنهكًا بعد خسارته آلاف المقاتلين وجزءًا كبيرًا من قيادته، فإنّ تقرير نويه تسورخير تسايتونغ يوضح أنّه ما يزال يشكّل قوة منظّمة ومؤهلة عسكريًا. ويقول: “رغم أن حزب الله بات ضعيفًا، فإنه لا يزال خصمًا مهابًا في وجه الجيش اللبناني ضعيف التمويل والتسليح.”
وفي ختام التقرير، نقلت الصحيفة عن الخبيرة الأمنية في جامعة تل أبيب أورنا مزراح تقييمًا حذرًا لاحتمالات التصعيد، إذ قالت:
“لا أعتقد أن الحرب وشيكة، لكن لا يمكنني أيضًا استبعادها”.
(المصدر: نويه تسورخير تسايتونغرابط خارجي، 8 نوفمبر 2025، بالألمانية)
الإنذار الأميركي الأخير لبيروت
أما تقرير آرغاور تسايتونغ حول الوضع في لبنان، فيرصد تصاعد الضغوط الدبلوماسية الأميركية على لبنان لتنفيذ بنود اتفاق الهدنة. فالمبعوث الأميركي توم باراك – وهو لبناني الأصل ومقرّب من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب – من المقرر أن يصل إلى بيروت حاملاً، ما وصفته الصحافة اللبنانية بأنه “آخر إنذار”، وأوضحت أن توم باراك سيقدّم للحكومة اللبنانية تحذيرًا أخيرًا يطالبها بوضع جدول زمني واضح لنزع سلاح حزب الله.
التحذير يستند إلى نص الهدنة التي ألزمت الجيش اللبناني بتطهير المنطقة جنوب نهر الليطاني من كل وجود للحزب قبل نهاية عام 2025. لكن نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، ردّ قائلًا إن “الحزب سيبقى في وضع الدفاع” و”يرفض أي وساطة أميركية لأنها منحازة لإسرائيل”.
ويورد التقرير موقف الرئيس اللبناني الذي حذّر من اللجوء إلى القوة، قائلًا:
“نزع سلاح حزب الله بالقوة أمر مستحيل”، منوهًا إلى أن “أي محاولة لذلك ستؤدي حتمًا إلى حربٍ أهلية جديدة”.
ورغم خسائر الحزب الفادحة في حرب 2024، تشير الصحيفة إلى أنّه أعاد بناء صفوفه بدعمٍ مباشر من الحرس الثوري الإيراني، وعيّن قيادة جديدة “أكثر شبابًا ومرونة”. وتضيف أن الحزب “ما زال يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة في أنفاقٍ بعمق 100 متر”، وأنّ إسرائيل “تُدرك مواقعها لكنها لم تدمرها بعد”.
وفي ختام التقرير، ينقل الكاتب عن الصحفي اللبناني طارق أبو زينب قوله: “إما أن يختار اللبنانيون دولةً ذات سيادة وجيشًا وسلطة موحّدة، أو أن يقبلوا بدولة حزب الله داخل الدولة”.
(المصدر: صحيفة آرغاور تسايتونغرابط خارجي ، 9 نوفمبر 2025، بالألمانية)
مقالاتنا الأكثر قراءة هذا الأسبوع:
من مناجم السودان إلى مصافي سويسرا…الذهب الإماراتي يغذّي الصراع بين الأشقاء
كيف ابتكر سويسري البِرشر موِسلي كعلاجٍ لمشاكل المعدة؟
الجدل يتصاعد في إسرائيل بعد تسريب فيديو يظهر تعذيب معتقل فلسطيني
موعدنا يوم الجمعة 21 نوفمبر مع عرض صحفي جديد.
مراجعة: ريم حسونة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.