The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

تأخّر سويسرا في دعم المضادات الحيوية يهدد الأمن الصحي العالمي

أقراص المضادات الحيوية
شكّلت المضادات الحيوية عماد الطب الحديث لعقود، لكن ضعف تطوير المضادات الحيوية في سويسرا والعالم يهدد بتحويل الإجراءات الطبية البسيطة إلى خطر مميت بسبب تنامي المقاومة البكتيرية. Dr P. Marazzi / Science Photo Library

في مواجهة تصاعد مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، تحذّر الأوساط الطبية من تأخّر سويسرا، رغم ثرائها وتقدّمها، في دعم تطوير علاجات جديدة. أزمة صامتة تهدّد الطب الحديث، وقد بدأت تظهر ملامحها حتى داخل المستشفيات السويسرية.

لطالما حذّر خبراء الصحة العالمية وخبيراتها من أنّ مقاومة مضادات الميكروبات، وتشمل المضادات الحيوية، هي أزمة تتفاقم ببطء وتهدّد الأرواح. ووفقًا لدراسة في مجلة “ذي لانسيت”، تسبّبت مقاومة مضادات الميكروبات في عام 2019، في وفاة حوالي 1،3 مليون شخص في العالم. وبذلك، احتلت المرتبة الثالثة فيه، كأبرز مسبّبات الوفاة الرئيسية. ووفقًا للتقديرات، ستكون مقاومة مضادات الميكروبات، بحلول عام 2025، السبب في وفاة 10 ملايين شخص سنويًا، ما يعادل عدد الوفيات بالسرطان.

جوهر الموضوع:

* كيف يهدد التخلي عن دعم المضادات الحيوية الأمن الصحي في العالم؟

* ما سبب نقص هذه الأدوية في سويسرا الغنية؟

* كيف تسللت البكتيريات المقاومة إلى المستشفيات السويسرية؟

ورغم التحذيرات، لا يزال عدد الشركات المطوّرة لمضادات حيوية جديدة ضئيلًا. والسبب في ذلك، معادلة اقتصادية بسيطة. فكلفة التطوير مرتفعة، والعائد المالي ضئيل. وبالنسبة إلى التكاليف، يستغرق تطوير مضاد جديد 10-15 سنة، بكلفة تفوق مليار دولار أميركي (790 مليون فرنك سويسري). وأمَّا من حيث العائد، فيتوَّقع من الشركات طرح هذه العقاقير بأسعار زهيدة. كما تبيع كميات محدودة، لأن الإفراط في استخدام المضادات يؤدّي إلى ظهور المقاومة.  

محتويات خارجية

وقد دفع هذا الخلل الاقتصادي خبراء الصحة وخبيراتها إلى المطالبة باعتماد نماذج شراء جديدة. ومن بين الخيارات المطروحة، تقاضي الشركات رسوم اشتراك سنوية لإتاحة مضاد حيوي. ويضمن هذا النموذج عائدًا مناسبًا بصرف النظر عن الاستخدام، على عكس نموذج الدفع حسب عدد الجرعات المستخدمة. وقد بدأت مجموعة من الدول، منها المملكة المتحدة، والسويد، واليابان، بتنفيذ نماذج تجريبية للحوافز “بعد “اللاحقة للتطوير”. وفي المقابل، لا يزال التقدم السويسري بطيئًا. وإذا سارت الخطط وفق المسار المرسوم، فلن تبدأ الحوافز قبل عام 2029.

وترى بربارا بوليك، المديرة التنفيذية للطاولة المستديرة السويسرية حول المضادات الحيوية، أن موقف سويسرا يبعث إشارة سلبية. وتقول: “لن يكون عدم انخراط دولة ثرية، مثل سويسرا، في الجهود الدولية الرامية إلى وضع نماذج لتعويض تكاليف المضادات الحيوية الجديدة، إشارة مشجعة للدول الأخرى والجهات المستثمرة”.

وتحذِّر من العواقب، فتقول: “قد لا تجهز المضادات الحيوية الجديدة في الوقت المحدّد لتحلّ مكان المضادات الحيوية المتضرّرة من مقاومة البكتيريا، وسيغادر الباحثون والباحثات هذا المجال تمامًا”.  

نفاذ المضادات الحيوية

وترى كوادر طبية، كالطبيب سيلفيو بروغر، من جامعة زيورخ، أنّ خطر نفاذ المضادات الحيوية الفعّالة ليس فرضية بعيدة الوقوع. فرغم التدني النسبي لمقاومة مضادات الميكروبات في سويسرا، تتزايد المخاوف مع وصول حالات من الخارج تحمل سلالات بكتيرية مقاومة للدواء.

وخلال العام الفائت، عالج بروغر حالة مصابة بحروق، وتعاني من الراكدة البومانية المقاومة للكاربابينيم، وهي بكتيريا قاتلة مقاومة للدواء. وأوضح، قائلًا:”كان مستوى المقاومة الذي شاهدناه مخيفًا. فقد انتشرت البكتيريا في كلّ مكان؛ في الأنف، والرئتين، والجروح. وغالبًا ما تلقى هذه الحالات حتفها في غضون عشرة أيام، نظرًا لعدم توفر العلاج”.

وغالبًا ما تنتشر بكتيريا الراكدة البومانية المقاومة للكاربابينيم (CRAB) بسهولة في المستشفيات، لاسيما في بيئة رطبة، مثل وحدات العناية بالحروق. وفي عام 2007، أدّى انتشار باكتيريا الراكدة البومانية المقاومة للكاربابينيم إلى إغلاق مؤقت لوحدة العناية بالحروق في إحدى المستشفيات غرب سويسرا، لإجراء عملية التعقيم. 

وحاليًّا، لا يجدي في علاج الراكدة البومانية المقاومة للكاربابينيم سوى مضاد حيوي واحد، هو سولباكتام دورلوباكتام (الاسم التجاري: كزاكدورو). وبينما حصل هذا العقار على موافقة الجهات التنظيمية الأميركية عام 2023، لم تصرّح سويسرا باستخدامه، وتسمح باستيراده في حالات محددة. وقد استورده مستشفى زيورخ الجامعي بسعر مرتفع، وساهم في إنقاذ الحالة المصابة بعدوى الراكدة البومانية.

ويخشى بروغر من أن تصبح هذه السيناريوهات هي القاعدة. وقال:”عدد كبير من المضادات الحيوية الفعّالة غير مرخصة هنا، ويتعيّن استيرادها”. 

سوق صغيرة ومخزون متناقص

وفي ظل التوقعات بانخفاض المبيعات، قرّرت بعض الشركات تأجيل إطلاق الدواء أو التخلي عنه، لاسيما في سوق صغيرة تضمّ 9 ملايين شخص، حتى أنّ بعض الشركات لا تقدّم طلب الحصول على الموافقة للهيئة السويسرية للرقابة على الأدوية.

المزيد

وكشفت دراسة شملت 18 مضادًا حيويًا جديدًا معتمدًا في الأسواق الكبرى، بين عامي 2010 و2020، إطلاق ستة مضادات حيوية فقط في سويسرا، ما يضعها في مستوى مماثل لدول مثل رومانيا واليونان. 

وفي الأثناء، أصبح الوصول إلى المضادات الحيوية القديمة أصعبَ، في ظلّ تعثّر سلاسل التوريد، وخروج المزيد من الشركات المصنِّعة من السوق. وبين عامي 2023 و2025، سجَّلت مستشفيات جامعة جنيف 88 حالة نفاد في مخزون المضادات الحيوية، شملت 32 مادّة فعالة، وفقًا للصيدلي في المستشفى، ياسين ديف. ولذلك، اضطرت هذه المستشفيات إلى استيراد الأدوية في 16 حالة. وفي خمس حالات أخرى، لم يكن بالإمكان توفير الدواء داخل سويسرا على الإطلاق، إمّا لعدم الترخيص أو لسحبه من السوق.

وحتّى لو توفّر خيار الاستيراد، فليس الثمن زهيدًا، إذ تبلغ تكلفة المضادات الحيوية المستوردة 2،5 ضعف السعر المعتاد، بينما يصل سعر بعضها إلى خمسة أضعاف السعر العادي، وفقًا لديف. أضف إلى ذلك تأخر بدء العلاج بسبب الاستيراد، وزيادة المساءلة القانونية للمستشفى. 

المضادات الحيوية سوق متدهور…  

ويعكس تزايد الاعتماد على المضادات الحيوية المستوردة أزمة أعمق. فالمضادات الحيوية، حسب منظّمة الصحة العالميّة، أدوية أساسية يجب أن تكون في متناول الجميع. ومع ذلك، فتطوير فئات جديدة منها مكلف للغاية، على عكس الأدوية الجنيسة.

“الفئة” هي مجموعة من المضادات الحيوية، تشترك في بنية كيميائية مشتركة، وآلية عمل موحّدة. وغالبًا ما تعمل الأدوية ضمن الفئة الواحدة على استهداف العملية البكتيرية ذاتها، وقد تظهر أنماط مقاومة متشابهة. ويقدّر الخبراء والخبيرات وجود 13 فئة من المضادات الحيوية.

ويوضح مارك جونز، رئيس قسم الشؤون الدولية في شركة باسيليا السويسرية للتكنولوجيا الحية، المطوّرة للمضاد الحيوي “زفتيرا”، أن السوق غير مواتية. ويضيف: “يتوقّع [من الشركات] بيع المضادات الحيوية بأسعار زهيدة، حتى وإن كانت مبتكرة. وعلى عكس أدوية السرطان، يتمّ الاحتفاظ بالمضادات الحيوية الجديدة الأفضل، كملاذ أخير، خلف باب خزانة موصدة”.

وذلك يصعّب على الشركات العاملة على تطوير الأدوية تغطية التكاليف، وهي في أغلب الأحيان شركات صغيرة تعاني من نقص في التمويل. وانسحبت معظم شركات الأدوية الكبرى من قطاع المضادات الحيوية، رغم استحواذها عادةً على الأدوية الواعدة والمرشحة خلال مراحل التطوير.

وقد ساهمت حوافز التطوير السابقة، المتّخذة شكل منح وإعانات مالية، في تمكين بعض الشركات من تغطية التكاليف المتعلقة بالأبحاث المبكرة، والتجارب السريرية. ويحذّر الخبراء من أنّ غياب الحوافز المالية، سيؤدي إلى عدم توفر هذه الأدوية عند الحاجة.

محتويات خارجية

…وشركات تفلس

وفي هذا الإطار، حصلت شركة أشوغون، المتأسّسة عام 2002 ومقرّها الولايات المتحدة الأميركية، على ترخيص أميركي لإنتاج المضاد الحيوي زيمدري (بلازوميسين) عام 2018. ورغم ذلك، لم تنجح في تغطية تكاليف إطلاق المنتج؛ وبعد وقت قصير، تقدّمت بطلب لإعلان إفلاسها.

وفي هذا السياق، قال هنري سكينير، رئيس صندوق مكافحة الالتهابات المقاومة للمضادات الحيوية: “هذه مشكلة عالمية. ويتعيّن على الدول مرتفعة الدخل، وعلى رأسها سويسرا، تعزيز دورها بتوفير الحوافز التسويقية المناسبة، بما يكفل تأمين عائدات كافية على الاستثمار. والهدف، استمرار الشركات الصغيرة وكبيرة الحجم في تطوير المضادات الحيوية”.  ويهدف الصندوق إلى استثمار مليار دولار أميركي في شركات التكنولوجيا الحيوية، لدعم البحوث في مراحل الاختبارات السريرية.

وتجري بعض الدول تقييمًا لنماذج تحفيز لدعم إنتاج المضادات الحيوية. ففي عام 2019، بدأت المملكة المتحدة تجربة اشتراك يشبه نموذج “نتفليكس”. وبموجب النموذج الجديد، تدفع هيئة الخدمات الصحية الوطنية رسومًا سنوية ثابتة مقابل إتاحة الدواء، بغضّ النظر عن كمية الاستخدام. وفي مايو 2024، تحوّل هذا النموذج إلى سياسة شراء رسمية في المملكة المتحدة. وقد ساعد النموذج في تعزيز التدفق النقدي للشركات وتحسين وصول المرضى إلى المضادات الحيوية. كما تختبر اليابان، والسويد، وإيطاليا، وكندا نماذج حوافز مماثلة.

سويسرا لا تشعر بالضغط…

وفي المقابل، تحرز سويسرا تقدمًا بطيئًا، في مسألة الحوافز المخصّصة لتطوير مضادات حيوية جديدة. فقد مضى أكثر من عقد كامل منذ إدراجها كجزء من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الالتهابات المقاومة للمضادات الحيوية.

وأعرب المختصون والمختصات في المجال الطبي، عن كمون التحدي في إقناع الحكومة بالحاجة الملحّة داخل سويسرا، لا سيما في ظل انخفاض مستويات المقاومة فيها، ونجاح حملات التوعية بالاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية. كما تخفّف قدرة سويسرا على تحمّل كلفة الاستيراد، حدّة الضغط محليًا.

وفي حديث مع سويس إنفو (SWI swissinfo.ch)، قال ستيفن هاربرث، رئيس قسم مكافحة العدوى في مستشفيات جامعة جنيف: “تتمتع سويسرا بميزة الثراء. ففي معظم الدول، لا يمكن لطبيب أن يطلب من الصيدليّ استيراد دواء جديد مهما كانت كلفته”.

…لكن، دوام الحال من المحال

لكن قد لا تستمرّ هذه الوضعية طويلًا، إذا أصبحت شركات الأدوية غير قادرة على تغطية تكاليف التطوير. ويضيف هاربرث أنّ الأمر لا يتعلّق فقط بالمرضى في سويسرا، بل بالمسؤولية، كدولة رائدة في الصناعة الدوائية، لضمان توفّر المضادات الحيوية عالميًا.

المزيد
antibiotics

المزيد

من يتحمّل تكاليف تطوير المضادات الحيوية الجديدة؟

تم نشر هذا المحتوى على قلة من شركات الأدوية الكبرى لديها حصة في أبحاث المضادات الحيوية الجديدة. ولكن يمكن لحوافز المالية أن تساعد في هذا المجال على الرغم من الجدل الذي تثيره.

طالع المزيدمن يتحمّل تكاليف تطوير المضادات الحيوية الجديدة؟

ورغم استفادة شركات سويسرية مثل “باسيليا”، و”بيوفيريسي”، و”روش”، من حوافز دول أخرى، فقد رفضت الحكومة السويسرية في السابق، مقترحات برلمانية بشأن الحوافز اللاحقة للتطوير.

وفي ردِّ على سؤال من سويس إنفو، أفاد المكتب الفدرالي للصحة العامة، بتخطيط الحكومة لتقديم اقتراح إلى البرلمان في خريف 2025، لمراجعة قانون الأوبئة. وستوفر النسخة المعدَّلة أساسًا قانونيًا لتقديم حوافز مالية لتعزيز تطوير المضادات الحيوية. ولن يدخل حيز التنفيذ قبل عام 2029.

محتويات خارجية

لعبة الانتظار

ولكنّ الوقت ينفذ. ففي مايو، أعلنت شركة الأدوية السويسرية “روش”، إحدى الشركات الكبرى القليلة المستمرّة في إجراء أبحاث حول المضادات الحيوية، عن انتقال المضاد الحيوي الجديد “زوسورابالبين”، إلى مراحل التجارب السريرية المتقدّمة. وستتوفّر أوّل فئة جديدة قادرة على قتل البكتيريا سالبة الغرام، وهي بكتيريا مقاومة بسبب غشائها المزدوج، خلال 50 سنة.

وقال مايكل أوبيريتر، رئيس قسم الوصول العالمي إلى الأدوية في شركة روش، إنّ الشركة مستعدّة لتحمّل بعض المخاطر بهدف تأمين وصول الأدوية، ولكنّ هذه الحوافز من الدول الغنية ضرورية لضمان استدامة الابتكار.

وختم قائلًا:” في غياب هذه الحوافز، ستغادر الشركات السوق أو لن تدخله حتى. وهكذا، ستتعمّق أزمة هجرة العقول التي نشهدها في قطاع تطوير الأدوية، حيث ينتقل الباحثون إلى مجالات أخرى. وقد يتطلّب تغيير هذا الاتجاه سنوات عديدة”.     

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: ناتالي سعادة

مراجعة: ريم حسونة

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية