مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مبايعة بوكو حرام لداعش.. مرحلة جديدة أم فرقعة إعلامية؟

جنود تشاديون يقفون في نقطة تفتيش قبالة راية تابعة لتنظيم "بوكو حرام" في مدينة داماساك النيجيرية يوم 18 مارس 2015 التي استعادتها قوات مشتركة تشادية نيجيرية من بين أيدي مقاتلي التنظيم قبل أيام. Keystone

بعد سنوات عديدة من التبعية الفكرية لتنظيم القاعدة، والتغني بالعلاقة معه، أعلن تنظيم "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" في نيجيريا، المعروف باسم "بوكو حرام" مبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الخصم اللدود لتنظيم القاعدة، مؤكدا بذلك مضيه قدما نحو مزيد من الراديكالية والتطرف، وفاتحا مسارا جديدا من التنافس الحميم بين التنظيمين (القاعدة وداعش) في القارة الإفريقية.

وقبل الخوض في التداعيات المحتملة لقرار جماعة بوكو حرام مبايعة خليفة داعش أبو بكر البغدادي والإنخراط في معسكره، لا بد من التطرق ولو باختصار لتاريخ هذه الجماعة، وتطورها، وكيف وصلت إلى هذه المرحلة.

الإنبعاث من تحت الرماد

فجماعة بوكو حرام، هي نتاج لظروف وعوامل عديد تراكمت كان لها الأثر الكبير في تشكيل التنظيم وتناميه، من بينها الصراع التاريخي في نيجيريا بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي، وحالة التهميش التي تعاني منها مناطق قبائل “الهوسا” التي ينتمي إليها معظم مقاتلي الجماعة في شمال البلاد، هذا فضلا عن التنافس الذي عرفته تلك المنطقة في العقود الماضية بين جماعات إسلامية ذات مشارب عديدة، منها جماعة “إزالة البدع وإحياء السنة” ذات التوجه السلفي العلمي الرافض للعنف، والمناوئ للطرق الصوفية المنتشرة بكثرة في شمال نيجيريا وجنوب النيجر، ودخول الدعوة الشيعية على الخط منذ الثمانينات، ووصول مجموعات من “جماعة الدعوة والتبليغ” ذات المنشإ الباكستاني إلى المنطقة.

وسط هذه الأجواء عاش مؤسس جماعة بوكو حرام محمدو يوسف، وتنقل بين بعض الجماعات، قبل أن يؤسس هو جماعة خاصة به في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي حملت اسم “طالبان نيجيريا”، وكان لها نهجها الخاص، الرافض للإختلاط بالمجتمع، والداعي إلى مُناصبة الدولة العداء ومقاومتها، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، أعلن “محمدو يوسف” تغيير اسم جماعته ليصبح “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”، لكنها اشتهرت باسمها الإعلامي “بوكو حرام” وهي جملة من لغة “الهوسا” التي يتحدث بها السكان ومعناها “التعليم الغربي حرام”، وهذا مبدأ من مبادئ الجماعة، التي بدأت أنشطتها الدعوية والتنظيمية في عدة ولايات بشمال نيجيريا، معلنة أن هدفها الأساسي هو “محاربة مؤسسات الدولة” التي تعتبرها كافرة، والسعي لفرض “تطبيق الحكم الإسلامي وفقا لرؤية سلفية جهادية، سبيلا لإقامة الخلافة الإسلامية على الأرض”.

في النصف الثاني من عام 2009 حدث أول صدام عنيف بين “بوكو حرام” والقوات النيجيرية، وكانت الجماعة حينها قد كبرت وتفاقم نفوذها في المنطقة، وباتت لها مساجدها وأماكن تجمعها، إلا أن تسليحها كان مقتصرا على الأسلحة البيضاء والمسدسات، وخلال تلك المواجهات قتلت الشرطة النيجيرية الآلاف من عناصر الجماعة، واعتقلت مؤسسها “محمدو يوسف” وأعدمته رميا بالرصاص، وأعلنت أنها قضت نهائيا على التنظيم، وأبادت سائر عناصره، غير أن تلك الحملة العسكرية التي راح ضحيتها عشرات من السكان المسلمين في شمال نيجيريا الذين لا علاقة لهم بجماعة “بوكو حرام” حسب تقارير منظمات حقوقية، لم تكن سوى منعطف خطير وحاسم في مسيرة الجماعة، التي انبعثت من تحت رماد تلك المذبحة المروعة، بقيادة نائب مؤسسها “أبو بكر شيكوي” (الزعيم الحالي للتنظيم) وتحولت من مجموعة شبان يقاتلون بالسلاح الأبيض والمسدسات، إلى أخطر تنظيم إرهابي عرفته القارة السمراء، راح ضحية أعماله حتى الآن آلاف النيجيريين وتوسع خطره ليطال دول جوار نيجيريا، مثل تشاد والنيجر والكاميرون.

“داعش” تتوغل في إفريقيا

اليوم وبدخول جماعة “بوكو حرام” تحت مظلة داعش تكون رابع جماعة في القارة السمراء تنضم لهذا التنظيم، بعد “جماعة أنصار بيت المقدس” في مصر والتي غيّرت اسمها إلى “ولاية سيناء” بعد انضمامها لداعش، و”الجيش الإسلامي” في ليبيا، الذي انضم هو الآخر لداعش، والمنطقة الوسطى في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي التي انشقت عن القاعدة وبايعت داعش وأصبح اسمها “جند الخلافة في الجزائر”، وهو أمر يوضح بجلاء سرعة توغل هذا التنظيم في إفريقيا، بعد الظهور القوي والمفاجئ له في الشرق الأوسط، حيث يُسيطر حاليا على مساحات شاسعة في العراق وسوريا، ويتوقع المراقبون أن تكون الدينامكية المتسارعة لنشاطات داعش في الشرق الأوسط، حافزا لفروعه في إفريقيا لمواكبة الدينامكية والحيوية، عبر تكثيف النشاطات وأعمال العنف، وربما تطويرها وتنويعها، خصوصا وأن قائمة المحظورات في الحرب تتضاءل لدى داعش أكثر منها لدى تنظيم القاعدة، هذا فضلا عن أن فروع التنظيم في إفريقيا تحظى بأرضية ملائمة لأنشطتها، حيث ظهرت في دول بعضها مفكك كليبيا، وبعضها يشهد توترات سياسية غير مسبوقة كمصر، وبعضها يعاني من هشاشة في منظوماته الأمنية والإدارية وبنيته الاجتماعية كنيجيريا، الأمر الذي “يُسهّل من مهامها وقدرتها على التحرك والضرب في أماكن أكثر حساسية وخطورة”، حسب مراقبين.

سباق مع “القاعدة”

هنا لابد من التنبيه إلى أن إفريقيا بدأت تتحول شيئا فشيئا إلى مسرح تنافس محموم بين “الدولة الإسلامية” (داعش سابقا) وتنظيم القاعدة، فبرغم من الإختراقات التي حققها تنظيم “الدولة” في القارة، إلا أن تنظيم القاعدة ما يزال يحظى بولاء العديد من التنظيمات المتشددة في إفريقيا مثل القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وأنصار الشريعة في ليبيا وتونس، وشباب المجاهدين في الصومال، وجماعة المرابطون في شمال مالي وجنوب ليبيا. 

ويعرف هذا التنافس تصاعدا ملحوظا بسبب عدم اعتراف أي من الطرفين بشرعية الطرف الآخر ومحاولة التفوق عليه. فقد اعتبر تنظيم داعش على لسان الناطق باسمه “أبو محمد العدناني” أن “شرعية جميع الإمارات والجماعات والولايات والتنظيمات في المناطق التي يمتد إليها سلطان الخلافة، تعتبر باطلة”، وهو ما يعني تلقائيا القول بعدم شرعية التنظيمات التابعة للقاعدة في إفريقيا بعد ظهور جماعات تابعة لداعش هناك، بينما يرى تنظيم القاعدة أن داعش مجرد فصيل منشق عنه، وأن خلافة البغدادي لا شرعية لها.

ووسط هذا التدافع يقف آلاف الشباب الأفارقة أمام خيارين راديكاليين، يستقطبان باسم الجهاد في سبيل الله، وتحفزهم عوامل عديدة للإرتماء في أحضانهما، ليس أقلها شأنا الفقر الذي يدفع الآلاف منهم للرمي بأنفسهم في مهاوي المجهول عبر قوارب الموت في محاولة للهجرة السرية إلى أوروبا، والجهل المنتشر في بلدانهم، والظلم وغياب العدل والديمقراطية، في وقت توفر فيه هذه الجماعات “راحة نفسية” عبر رفع شعار خدمة الدين والجنة الموعودة، كما تتيح  – حسب متابعين – مصادر دخل مُغرية بشكل كبير.

الحرب وحدها لا تكفي

هذا التطور في مسيرة “جماعة بوكو حرام” يأتي في وقت تحشد فيه دول إفريقية عديد لقتال التنظيم، حيث بدأت جيوش تشاد والنيجر ونيجيريا والكامرون في التوغل نحو مناطق سيطرة التنظيم، بتعاون استخبارتي ولوجستي غربي، وهي حرب يجمع المراقبون على أن “بوكو حرام” لن تكون قادرة على الصمود أمامها، ولن تستطيع الحفاظ على مكتسباتها الميدانية والعسكرية في مواجهتها، لكنها أيضا لا تضمن القضاء على الجماعة واستئصالها، بل قد تدفع إلى إعادة انتشارها وتموقعها، وربما تتوزع في بلدان المنطقة على شكل خلايا نائمة، وتوجّه جهودها لحرب عصابات ذات أمد طويل، وضرب مصالح الحكومات الغربية والإفريقية أينما تصل يدها، خصوصا وان التنظيم يضم في صفوفه عشرات من التشاديين وعددا غير يسير من شباب النيجر ومالي والكامرون وكوت ديفوار وغيرها، لذلك لا يمكن الحديث عن القضاء عليه بمجرد اعتماد استراتيجية تعتمد المقاربة الأمنية والعسكرية وحدها، وإلا لكانت الجماعة اختفت بعد مقتل أغلب عناصرها ومؤسسيها سنة 2009.

خلاصة القول، يبقى جهد مواجهة هذه الجماعة ناقصا في انتظار اعتماد إستراتيجية تضيف إلى البعد العسكري والأمني بُعدا تنمويا واقتصاديا وتعليميا، وقبل كل ذلك عدالة اجتماعية ورفعا للغبن والتهميش، وإنهاء لحالة مركزية التنمية والدولة في الوسط والجنوب.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية