مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أفغانستان بين الانقسام والاقتسام

التركيبة العرقية للمجتمع الأفغاني والخلافات الحادة بين الأطراف المتناحرة وغياب دور هام وفعال للأمم المتحدة تجعل تصور مستقبل البلاد امر بالغ التعقيد Keystone

من سيرثُ كابول؟ حتى قبل سقوط نظام حركة الطالبان في أفغانستان؟ يبدو أن هذا التساؤل هو الشغل الشاغل لورثة الخليفة قبل مماته ولموزعي الأدوار على المسارح الدولية..

تصاعدت حدة مثل هذه التساؤلات خاصة بعد أن ازدادت الضغوط على واشنطن وإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش حول النتائج النهائية للحرب الأفغانية والحملة الأمريكية-البريطانية المستمرة على أفغانستان والتي ستدخل شهرها الثاني يوم الجمعة المقبل.

وبدأت الأصوات تتعالى بإنهاء القصف الأمريكي بأقرب فرصة مُمكنة وكذلك الحد من قتل الأبرياء من المدنيين الأفغان الذين تفاقمت مُعاناتهم بسبب النقص الحاد في المؤن والأغذية مع حلول فصل الشتاء مما يُهدد بحدوث كارثة بشرية حقيقية. وبدأت صُور القتلى والجرحى من المدنيين الأفغان تتصدر الصفحات الأولى للصحف العامية ووسائل الإعلام الأخرى.

ويبدو أن واشنطن لم تضع في احتمالاتها أن القصف المتواصل وزيادةَ عدد الضحايا الأبرياء سيزيد من شعبية حركة الطالبان وتراص صفوفها. وبالفعل بدأت تكسبُ شعبية داخلية وسط أبناء قبائل البشتون التي تشكل 41% من الشعب الأفغاني وكذلك دعما شعبيا من أنصارها الباكستانيين الذين ينتمون لقبائل البشتون والمتعاطفين معهم.

إيجاد بديل لطالبان ليس سوى حلقة من سلسلة عوامل معقدة في أفغانستان وما جاورها..

مع انعدام وجود استراتيجية حقيقية للولايات المتحدة والتوجهات لماهية الحرب الدائرة هناك، تبقى مسألةُ إيجاد حكومة بديلة لنظام الطالبان من أكثر القضايا تعقيدا إذ أن الخيارات لديها أيضا محدودة إن لم تكن معدومة، مع تضارب مصالحها مع مصالح الدول المجاورة والارتباط العرقي والديني بين المجموعات العرقية التي تُشكل المجتمع الأفغاني ودول الجوار..ومما زاد من القلق الأمريكي أنه حتى في حال استيلاء التحالف الشمالي على العاصمة كابول، تحت الحماية العسكرية الأمريكية، فلن يكون بمقدور التحالف الحفاظ على سيطرته لمدة طويلة.

والحديث عن مستقبل أفغانستان لا يمكن أن يكون بمعزل عن مصالح الدول المجاورة وكذلك الانبثاق الاستراتيجي لدول آسيا الوسطى بعد اكتشاف النفط والغاز الطبيعي هناك ومصالح الدول العظمى التي سارعت لمد نفوذها إلى الشرق الأوسط الجديد وأثر ذلك على المسرح الدولي وصراع النفوذ والتنافس بين الدول العظمى حول اقتسام غنائم دول الاتحاد السوفييتي السابق. ومن هنا عادت أفغانستان لتحتل الصدارة في المخططات الاستراتيجية للدول العظمى فنبيذ قديم في زجاجة جديدة.

لمحة موجزة عن أفغانستان وعن مجتمع مدني ليس كبقية المجتمعات

يبلغ تعداد أفغانستان 21 مليون نسمة 90% من المسلمين، 80% تقريبا من السُّنة. البلاد مقسمة إلى مقاطعات عرقية حيث تشكل قبائل البشتون(الباتان) 41% من السكان معظمهم يقطنون المناطق الجنوبية والشرقية المتاخمة لباكستان. أما الطاجيك فيمثلون 22% من السكان يقطنون المناطق الشمالية المتاخمة لطاجيكستان. ثم يأتي الأزبيك الذين يشكلون نسبة 6% من السكان موزعون في المناطق الشمالية الغربية. والهزار الذين يمثلون 5% يتواجد معظمهم شرق البلاد وعلى الحدود المتاخمة لإيران. أما البلوش فلا يتجاوزون الـ5%.

ولهذا فان المجتمع الأفغاني ليس كبقية المجتمعات المدنية وما زالت القوانين القبلية هي السائدة ولديهم مجلس قبلي للشورى (لويا جيرغا) ينظر في معظم القضايا التي تهم البلاد.

وبالتالي من الصعب على الإدارة الأمريكية إيجاد حكومة بديلة للطالبان لا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الأغلبية من البشتون التي ينتمي إليها عناصر الطالبان. والمهمة صعبة وليست كما حدث في البوسنة ويوغسلافيا.

صورة عن التحالف الشمالي المناوئ أو الجبهة المتحدة

عندما فرضت حركة الطالبان سيطرتها على كابول، وحَّدت قواتُ المعارضة صفوفها خاصة من القبائل غير البشتون وشكلت الجبهة المتحدة الذي يترأسه الرئيس المخلوع برهان الدين رباني وهو من أصل طاجيكي. ويضم التحالف:

1-جماعة إسلامي: بزعامة الجنرال محمد فهيم الذي عين خلفا للزعيم الراحل أحمد شاه مسعود.

2-حزب جيش ميللي: بزعامة الأزكستاني الأصل الجنرال عبد الرشيد دوستم.

3-الحركة الاسلامية الوطنية: دخلت هذه الحركة مدينة مزار الشريف بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان وتلقى الجنرال عبد الرشيد دوستم الدعم من روسيا وأوزبكستان وشكل تحالفا مع قلب الدين حكمتيار عام 1994 وكان جزء من التحالف المناوئ لحكومة برهان الدين رباني. وشكلا مجلسا تنسيقيا أعلى مع الجنرال عبد المالك وسيطرا على 5-6% من الأراضي الأفغانية. وفي عام 1997 خسر الجنرال دوستم المعركة ضد مالك الذي انضم إلى صفوف الطالبان ومن ثم هرب خارج أفغانستان وانقسم الحزب على نفسه.

4-الجمعية الإسلامية: أُسست عام 1973 بزعامة برهان الدين رباني الذي كان محاضرا في قسم الشريعة الإسلامية –جامعة كابول وانتخب رئيسا للجمعية الإسلامية المكونة من الحزب الإسلامي الطاجيكي وتلقى دعما في البداية من المملكة العربية السعودية حتى عام 1993 وأيضا من الجنرال مالك وعبد الرشيد دوستم وحزب الوحدات الشيعي.

5-مجلس الشورى الشمالي الأعلى: أسسه الزعيم الراحل أحمد شاه مسعود ونسق مع خمس قادة عسكريين في خمس أقاليم أفغانية وشكل ما يُعرف بجيش مسعود الإسلامي وتلقى الدعم من روسيا، إيران والهند.

6-حزب الوحدات: استطاعت طهران أن توحد صفوف الأحزاب الشيعية الثمانية في أفغانستان، ماعدا الحركة الإسلامية، وشكلت حزب الوحدات الذي يشكل معظمه من الهزارا.

وتضم هذه الجبهة المتحدة بعض القادة العسكريين السابقين وقلة من قبائل البشتون من أمثال البروفيسور عبد الرب رسول سياف والحاج عبد القدير المحافظ السابق لمقاطعة نانغارهار الشرقية. لكن التحالف الشمالي يشككون بولائه وهو الذي أوصى بمنفذي عملية اغتيال أحمد شاه مسعود بتنحلهما صفة صحفيين عربيين.

وهناك بعض القادة من الشيعة أمثال: عبد الكريم خليلي، آصف محسني وحسين النوري. وهناك خلافات حادة داخل التحالف ول ايملكون القوة العسكرية الكافية لدحر الطالبان كما ينقصهم العتاد والرجال والمال. ويقول الجنرال عبد المنير قائد القوات الحدودية مع طاجيكستان انه يتوجب على الولايات المتحدة الاستمرار في قصفها لمواقع الطالبان الأمامية حتى يتسنى لقوات التحالف التغلب على قوات الطالبان وهذا ما عبر عنه العديد من القادة العسكريين الذين التقينا معهم في شمال أفغانستان.

وكان هؤلاء القادة قد تباحثوا مع الخبراء العسكريين الأمريكيين الذين زاروا المنطقة وزودوهم بالخرائط والمواقع لقصفها من قبل الولايات المتحدة و بريطانيا.

ولا تتجاوز قوات التحاف النظامية عن 15000 مقاتل وتحاول ضم متطوعين جدد من الشبان وصغار السن إلى صفوفها. كما أنها تخضع لنفوذ الدول المجاورة التي تدعمها ولهذا فان الولايات المتحدة لتريد أن تضع بيضها في سلة واحدة لأن مصالحها الاستراتيجية تتضارب ومصالح الدول المجاورة لأفغانستان. ولذلك بدأت بدعم التحالف الشمالي للحد من نفوذ ايان في المنطقة.

روسيا دعمت حكومة رباني خوفا من توسيع حركة الطالبان رقعة نفوذها إلى المناطق الشمالية لتؤثر على جمهوريات آسيا الوسطى والشيشان. وقدمت الدعم العسكري والمعدات الروسية من دبابات وصواريخ لوناام وفروغ 7.

ازبكستان كانت من الدول الرئيسية التي دعمت الجنرال عبد الرشيد دوستم الذي كان عاملا قبل تسلمه القيادة وهو ازبكستاني الأصل. ودعمته بالطائرات والدبابات والخبراء العسكريين خاصة بعد تعرض الرئيس الازبكستاني إلى محاولة اغتيال على يد الحركة الإسلامية الازبكستانية التي تتلقى الدعم والتدريب على يد تنظيم القاعدة في أفغانستان حسب زعم طشقند.

وطاجيكستان دعمت حكومة رباني والعديد من الطاجيك يطمحون إلى إنشاء دولة طاجيكستان الكبرى من خلال ضم أجزاء من أفغانستان.

وتبقى الهند التي لعبت وستلعب دورا هاما في دعم التحالف الشمالي عسكريا وماديا طالما أن هذا التحالف يعارض حكومة أفغانية موالية لباكستان وحاولت من خلال ذلك أن تحصل على معلومات أمنية عن باكستان عبر دولة ثالثة بعد سقوط حكومة رباني ومازلت تقدم الدعم له وللتحالف الشمالي.

وبدون أدنى شك فان الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الكاملة لما آلت إليه الأوضاع في أفغانستان حيث ضخّت ما لا يقل عن ثمانية مليارات من الدولارات لالحاق الهزيمة بخصمها اللدود الاتحاد السوفيتي.

وجنت على نفسها براقش مما زرعته في أفغانستان من ثقافة الكلاشينكوف والآن دخلت في حرب ضد أفغانستان ولا يبدو ان هناك حلا سريعا في الأفق لإنهاء الحرب أو لتعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة.

ومع التركيبة العرقية للمجتمع الأفغاني والخلافات الحادة بين الأطراف المتناحرة وغياب دور هام و فعال للأمم المتحدة، يبقى أحد الحلول والسيناريوهات المطروحة والأقرب إلى الحقيقة على أرض الواقع هو تقسيم أفغانستان على أسس عرقية وكونفدرالية ضعيفة بعيدة عن الحكم المركزي. وان كان ذلك بمثابة كارثة حقيقية لأفغانستان ودول الجوار إلا انه أحد الحلول المطروحة لتقسيم أفغانستان إلى ثلاثة أجزاء:

شمالية طاجيكية مركزها مدنية مزارشريف ومنطقه غربية بأغلبية أزبكستانية تحكم من هيرات وحكومة جنوبية شرقية للأغلبية البشتون إدارتها من كابول وقندهار.

وبإمكان واشنطن والدول الغربية إبقاء الصراع العرقي بين المناطق المستقلة الثلاث في صراع دموي طويل الأمد وهذا يتطلب تعاون باكستان لانجاح مثل هذا المخطط.

فهل يتم تقسيم أفغانستان من قبل التحالف الأمريكي–الغربي لاقتسام الغنائم في جمهوريات آسيا الوسطي ؟؟ و من يعري اهتماما لمعاناة الملايين من الشعب الأفغاني الذي مزقته الحرب والصراعات ونفوذ الدول العظمى؟ سؤال المليون دولار.. لننتظر ونراقب.

د.وائل عواد – خوجا بهاء الدين، شمال أفغانستان

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية