
الاعتراف بدولة فلسطين يسمّم العلاقات بين إسرائيل وفرنسا

يسمّم قرار فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين علاقاتها المتوترة أصلا مع إسرائيل، مع ترقّب ردود فعل انتقامية من الدولة العبرية وردّ فرنسي عليها، وسط مخاطر من استمرار تفاقم الوضع بالنسبة إلى الفلسطينيين.
ومنذ إعلان الرئيس الفرنسي نيّته الاعتراف بدولة فلسطينية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنطلق الإثنين في نيويورك، أعربت إسرائيل عن غضبها إزاء هذه الخطوة.
وفي آب/أغسطس، اتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو إيمانويل ماكرون بـ”تأجيج نار معاداة السامية” وباللعب لصالح حركة حماس التي نفذت هجوما غير مسبوق على الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أدى إلى اندلاع حرب مدمّرة في قطاع غزة.
وأثارت هذه الإساءة إلى “فرنسا بأكملها” غضب الرئيس الفرنسي الذي دافع عن مبادرته الدبلوماسية واصفا إياها بأنّها “يد ممدودة” إلى إسرائيل من أجل “السلام الدائم”.
– “خط أحمر” –
قبل الاعتراف رسميا بدولة فلسطينية، هدّدت السلطات الإسرائيلية باتخاذ إجراءات محتملة.
ومن أهم الخيارات التي قد تلجأ إليها، ضمّ كامل الضفة الغربية أو جزء منها، الأمر الذي حذر منه الإليزيه مساء الجمعة مؤكدا أنّ هذا الضم سيشكّل “خطا أحمر واضحا”.
وفي إطار استهداف باريس تحديدا، قد تُغلق إسرائيل القنصلية الفرنسية في القدس أو تقلّص التعاون العسكري والدفاعي مع فرنسا. ورغم أنّ هذه الإجراءات ستكون ذات أهمية بالغة، لن تصل إلى حد القطيعة الدبلوماسية، بحسب ما أفاد دبلوماسيون من الجانبين وكالة فرانس برس.
لكنّ أحدهم رأى أنّ من المتوقع حدوث “الكثير من الضجيج”، مرجّحا اندلاع موجهات كلامية علنية بين الطرفين.
أمّا التأثير المباشر فتمثّل في اعتبار إيمانويل ماكرون شخصا غير مرغوب فيه في إسرائيل حتى إشعار آخر، رغم إقراره بأنّه “عرض الذهاب إلى هناك” قبل الاعتراف بدولة فلسطينية لشرح النهج الذي يعتمده. ومع ذلك، أكد أنّه على اتصال دائم بنتانياهو الذي تحدث معه مجددا الأحد، وفقا لمقرّبين منه.
في باريس، يبقي المسؤولون التحفّظ قائما بشأن الإجراءات المضادة المخطّط اتخاذها، لكنّهم تعهّدوا ردا قويا يرتكز على مبدأ المعاملة بالمثل.
وفي السياق، أشار دنيس بوشار السفير السابق والخبير في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)، إلى إجراءات تتعلق بالتأشيرات الدبلوماسية. وقال إنّ السفارة الإسرائيلية في فرنسا “مكتظة بعدد هائل من حاملي جوازات السفر الدبلوماسية، مع أنّ عملهم يندرج بوضوح ضمن نطاق أجهزة الاستخبارات”.
مع ذلك، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية أنّها “لن تساوم أبدا” في مسألة “أمن السفارات الأجنبية”، رافضة أي محاولة لتقليص الحماية الممنوحة للسفير الإسرائيلي في باريس.
– “ظلم وغير مسؤول” –
من جانب آخر، يشعر المراقبون بقلق بالغ إزاء التبعات المحتملة على الفلسطينيين.
وقالت أنييس لوفالوا الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط إنّ “الإسرائيليين مستعدّون لأي شيء، ومن المرجّح أن يكون الرد الفرنسي محدودا للغاية”. وأشارت إلى أنّ إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس سيكون “كارثيا” لأنّها نقطة اتصال رئيسية مع الفلسطينيين.
ورأت أنّه مع الضم المحتمل للضفة الغربية، فإنّ “الفلسطينيين سيخسرون أكثر في هذه الأزمة”.
وتخطّط إسرائيل لتوسيع مستوطناتها في الضفة الغربية التي تحتلها منذ العام 1967. وفي آب/أغسطس، صادقت حكومتها على بناء مستوطنات جديدة، الأمر الذي اعتُبر أنّه يهدد إمكان إقامة دولة فلسطينية مستقبلا.
وقال ماكرون في مقابلة مع القناة الـ12 الإسرائيلية الخميس “هذا ظلم وغير مسؤول… الضفة الغربية لا علاقة لها بحماس”.
وأضاف أنّه يرى في ذلك دليلا على أنّ “المشروع السياسي” للسلطات الإسرائيلية “ليس تفكيك حماس، بل القضاء على إمكان وجود دولتين”.
وفي هذا السياق، قال السفير الإسرائيلي في باريس جوشوا زاركا لفرانس برس “منذ البداية، أوضحنا أنّ اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية، من دون أي شروط، من شأنه أن يعقّد الوضع على الأرض بدلا من تعزيز السلام”.
وأضاف “لو وضع الرئيس ماكرون بعض الشروط، مثل الاعتراف بدولة فلسطينية بعد الإفراج عن الرهائن ونزع سلاح حماس، فإنّ الديناميكية كانت ستكون مختلفة”.
بالنسبة إلى جيرار أرو السفير الفرنسي السابق في إسرائيل والولايات المتحدة، فإنّ العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية “تأثّرت إلى الأبد”.
واعتبر أنّه إلى جانب العلاقة الصعبة بين ماكرون ونتانياهو، فإنّ فرنسا لا تحظى بشعبية لدى الشعب الإسرائيلي، موضحا أنّها لطالما “اعتُبرت معادية للسامية، وعدوا لدولة إسرائيل، وصديقا للفلسطينيين”.
من جهته، قال زركا “هدفي سيكون تهدئة الأمور في أسرع وقت ممكن”، في ظل غياب علاقة سلمية.
دت-ففف/ناش/الح