The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
الديمقراطية السويسرية
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

توربل السويسرية … من تقليد محلي إلى نموذج دولي لمعالجة الفجوة الرقمية

توربل
توربل هي بلدية في كانتون فاليه، تقع على ارتفاع حوالي 1500 متر. التقطت هذه الصورة في أبريل 1942. Eth-Bibliothek Zürich, Bildarchiv / Fotograf: Witmer, Hans / Dia_338-094 / Cc By-Sa 4.0

احتلت قرية توربل الصغيرة بؤرة اهتمام الأوساط العلمية العالمية. فقد ساعدت معرفة الطريقة التي استفاد بها مزارعو  الجبال ومزارعاتها من المياه والمراعي المشتركة في تحديد نمط إدارة الموارد الرقمية العامة اليوم.  

في عام 1483، أبرم مزارعون سويسريون بإحدى القرى الجبلية اتفاقاً بشأن استخدام المياه والمراعى. وقد أثبت هذا الاتفاق استدامته لدرجة، جعلت مؤيدي المصادر المفتوحةرابط خارجي بمؤسسة موزيلا، والمعروفة من خلال محرك بحثها “فاير فوكس”، يسعون إلى تطبيق نفس المبادئ في مجال الملكية الرقمية العامة حاليا.  

كيف حدث هذا؟ 

منذ ما يزيد عن 500 عام، دأب السكان المحليون على إدارة مساحات واسعة من المراعي والغابات في كثير من أقاليم سويسرا الحالية. ولا تزال هذه المؤسسات والمجتمعات المحلية، خاصة في المناطق الجبلية، تدير حتى اليوم الأراضي الزراعية المشتركة، التي تسمى المراعي، وفقًا لقواعد واضحة ومبادئ مستدامة.  

جوهر الموضوع

* كيف تحولت قرية جبلية في سويسرا إلى مرجع عالمي في إدارة الممتلكات المشتركة.

* باحثة أمريكية حائزة على جائزة نوبل في الاقتصاد تستلهم نظريتها من قرية جبلية نائية.

* هل تجد الفجوة الرقمية والهجرة من الأرياف حلها في تقليد سائد منذ قرون؟

وهذا ما فعله المزارعون أيضاً على مدى قرون في قرية توربل الجبلية الصغيرة، الواقعة على إحدى المنحدرات بكانتون فاليه.

محتويات خارجية

ولقد ذاع صيت توربل، لاسيما في الأوساط العلمية، بسبب اتفاقية عام 1483. 

روبرت ماك كوركل نيتينغ: من اللغات الإفريقية إلى جبال الألب  

وصفت إحدى الخبيرات هذه القرية في حوارها مع “سويس إنفو” (SWI swissinfo.ch)، بأنّها “القرية التي تمت دراستها بشكل مفرط”. ففي البداية، اهتمّ الدارسون والدارسات من زيورخ بقرية توربل. ولكن جاء الأمريكي روبرت ماك كوركل نيتنغ، في عام 1970 إلى المنطقة لنفس الغرض. ترى، لماذا يهتمّ أحد علماء الأنثروبولوجيا واللغات الإفريقية بما يدور في جبال الألب السويسرية؟ لقد طُرح عليه هذا السؤال كثيرا، مثلما ورد في كتابه “التوازن على قمم الجبال” (Balancing on a Alp)

في السنوات العشر الفاصلة بين زيارته الأولى وسنة صدور هذا الكتاب، أمضى نيتينغ حوالي عام ونصف في القرية، لكنه قضّى أيضاً ”صيفاً في مكتب جامعي بلا نوافذ“، حيث ملأ بطاقات ببيانات حياة أولئك الذين عاشوا في توربل على مر القرون.  

ويقول نيتينغ في كتابه المذكور آنفا: ”عالم القرية ليس كبيرًا جدًا، رغم تغطية البحث ثلاثة قرون”. وكان هذا الكون الصغير أحد الأسباب التي دفعت عالم الأفريقيات، الذي كان يبحث سابقًا عن كوفيار في شمال نيجيريا، إلى الانتقال إلى توربل. كان نيتينغ مهتمًا بكيفية تشكيل المجتمع الريفي الصغير لنظام بيئي خاص به.  

ويصف كتاب نيتينغ الكثير من جوانب هذا المجتمع المتجانس إلى حد كبير. فبحسب انطباع نيتنغ “لم يكن في قرية توربل على مدى السبعة قرون الأخيرة على الأقل، أرستقراطية متوطنة، أو طبقة إقطاعية، بل بعض الحرفيين أو التجار المتفرغين للعمل. ولم تكن بها طبقة من العمال الزراعيين الأُجراء”. لقد كانت قرية زراعية بحتة. 

وكان بإمكان النساء الغريبات الزواج من سكان القرية، “إلا أن الكاهن كان يأتي دائماً من الخارج”، بحسب قول نيتنغ. وحتى التوجه السياسي كان يُورث «من الأب إلى الابن» في عالم توربل الصغير. ولقد اهتم نيتنغ بالعديد من جوانب الحياة المشتركة. لكن أبحاثه كشفت في المقام الأول عن الكيفية التي عاش بها شعب توربل في ظل هذه البيئة، وكيفية ممارسة الزراعة، التي أدت الموارد المشتركة فيها دوراً كبيراً: فمنذ اتفاقية 1483 كان الاستخدام الجماعي للمراعي، والغابات والموارد المائية منظماً بإحكام.  

إلينور أوستروم ومبادؤها المتعلقة بالممتلكات العامة 

أثار هذا الأمر أيضا اهتمام الخبيرة السياسية إلينور أوستروم، الحاصلة عام 2009 على جائزة نوبل في الاقتصاد عن كتابها ”دستور الأراضي المشاعة: ما وراء الدولة والسوق“. ففي هذا العمل، المنشور عام 1990، وضعت أوستروم معايير لإدارة الممتلكات المشتركة بنجاح. 

نوبل
إلينور أوستروم تتسلم جائزة نوبل في الاقتصاد من الملك تشارلز السادس عشر ملك السويد. Pontus Lundahl / AFP

وقد انصب اهتمام أوّل دراسة حالة في الكتاب على قرية توربل السويسرية. كما انصب اهتمام أوستروم كذلك على القرى الجبلية اليابانية، وكذلك على حالات في إسبانيا والفلبين. وقد اكتشفت هذه الدراسة نظماً، تمكنت من خلالها هذه المجتمعات من التعامل باستدامة مع الموارد العامة: سواء كان هذا إزاء ملايين الأفدنة في قرى هيرانو، وناغايكه ويمانكا، أو من خلال محكمة المياه بـ فالنسيارابط خارجي

وكتبت أوستروم في عام 1990، يمكن لتحليل دراسات الحالة توفير «فهم أعمق» لكيفية تشكيل الناس للمواقف «التي يتعين عليهم فيها اتخاذ قرارات يومًا بعد يوم، وتحمّل عواقب أفعالهم».  

لقد فتحت دراسة أوستروم الباب لتقاليد توربل وأعرافها كي تعانق العالمية، وجعلت سكانها حاملين لمعرفة يمكنها تحسين التعايش في أماكن أخرى. 

فقبل ذلك، سادت فكرة تفيد بأن استخدم مالكين كثر لنفس الممتلكات، يدفع الجميع إلى التنافس وإلى الاحتكار. وبهذا يتم الإفراط في استخدام الموارد المشتركة واستنزافها. إلا أن أوستروم استخلصت من دراستها مبادئرابط خارجي، تحول دون استنزاف هذه الموارد. ومن بينها رسم حدود واضحة بين الشريحة المستخدِمة والشريحة غير المستخدِمة للموارد العامة، وكذلك التكيف مع الأوضاع الاجتماعية والبيئية المحلية.  

جمعيات ريفية وتعاونيات حضرية 

 يعتبر مجتمع توربل مجتمعاً ريفياً. فوفقاً للمؤرخ دانيل شلِابيرابط خارجي، توجد تشابهات بين جمعيات الموارد العامة والمؤسسات التعاونية اليسارية (الاشتراكية) الحضرية على عدة مستويات.

وقد أصبح هذا الأمر أكثر وضوحاً بعد إصدار كتاب أوستروم. لم تكن الفئة المؤيدة للمصادر المفتوحة بمؤسسة موزيلا الوحيدة المستندة إلى نتائج أوستروم، بل درسها أيضاً التحالف التعاوني الدوليرابط خارجي ومؤسسات تعاونية من مختلف أنحاء العالم. 

توربل
منذ عام 1483، أصبح الاستخدام المشترك للمروج والغابات والمجاري المائية في توربل يخضع لنظام محكم. Eth-Bibliothek Zürich, Bildarchiv / Stiftung Luftbild Schweiz / Fotograf: Swissair Photo Ag / Lbs_L1-823234 / Cc By-Sa 4.0

ألبرت روشتي: “ركائز سويسرا”

وصف وزير البيئة السويسري ألبرت روشتي مبادئ أوستروم مؤخرا بـ”ركائز سويسرا”. 

ففي مايو 2025، تحدث المهندس الزراعي والسياسي من حزب الشعب السويسري المحافظ اليميني (SVP) أمام جمعية التعاونيات السويسرية، عن توربل وكيف يمكن تهيئة الظروف على غرار هذه القرية، لأجل نجاح المجتمعات ذات الموارد المشتركة. وقد شبَّه روشتي الأسس الواضحة التي طالبت بها أوستروم، بدولة القانون السويسرية.

وربط وزير البيئة السويسري ”الحدود الواضحة“ بـ ”السيادة والاستقلالية“. وقال إن التنظيم الذاتي واتخاذ القرارات بشكل تشاركي يتوافق مع الديمقراطية المباشرة في سويسرا. وأضاف أن مراعاة الظروف المحلية تعني ”الفيدرالية لدينا“. 

ولا تزال التعاونيات تعد حتى اليوم لاعبا مهما في “الاقتصاد الحديث”، كما “شكّلت أسس دولتنا”. فما كان لسويسرا الوجود “بصورتها الحالية” لولا “تاريخ التعاونيات الطويل”، على حدّ قول روشتي. (تعود الاقتباسات لنص هذا الخطاب المكتوب.) 

انفتاح سكان توربل 

يرجع السبب في تحول “ركائز سويسرا” هذه إلى معرفة عالمية، إلى الانفتاح الذي قابل به شعب توربل الباحثين والباحثات قبل 50 عاماً. 

لقد كان نيتنغ “صديقاً مخلصاً لنا، نحن شعب الجبل البسيط”، هكذا ورد في رسالة من توربلرابط خارجي إلى زوجة نيتنغ. 

أما أوستروم، فقد حظيت باستقبال كبير في القرية عام 2011. ويتذكر الاقتصادي برونو س. فراي، الذي لا يزال يعتبر أبحاث أوستروم رائدة حتى اليوم، في حديثه مع سويس إنفو (SWI swissinfo.ch): ”الموكب مع الأوركسترا عبر القرية“. 

وكانت تلك لحظة فريدة بالنسبة لأوستروم، التي توفيت في عام 2012. هذا ما أكّدته لفراي بعد الاحتفال في توربل. وحتى اليوم، لا تزال إلينور أوستروم المرأة الوحيدة التي حصلت على جائزة نوبل في الاقتصاد. 

جائزة نوبل
الحائزة على جائزة نوبل إلينور أوستروم أثناء استقبالها في توربل في 14 أبريل 2011. Archives municipales de Törbel

مشروع أفق أوروبا يتطلع إلى المستقبل   

واليوم، هناك جيل آخر من العلماء والعالمات في القرية. فحاليًا، يبحث جزء من مشروع أفق أوروبارابط خارجي في توربل، كيف يمكن للمناطق الريفية التغلّب على “النزوح والفجوة الرقمية المتزايدة بالمقارنة مع المناطق الحضرية”، كما يبحث “الأنظمة البيئية المبتكرة”. 

إنها “المؤسسات الجماعية العريقة، والموثّقة جيدًا، التي تعمل إلى الآن بنجاح”، والتي تجتذب حتى اليوم الباحثين والباحثات للقدوم إلى توربل، مثلما توضّح ماريانا ميلنيكوفتش، رئيسة هذا المشروع، لفريق سويس إنفو. إنها ترغب مع فريقها في العمل في توربل بنفس المنهج الذي استخدمه نيتنغ، ولكن مع أخذ الابتكارات والمناخ المتغير بعين الاعتبار.  

توربل من جديد في صدارة المشهد

وتؤكّد ميلنيكوفيش أنّ “توربل قرية صغيرة ذات أثر كبير”. فيمكن للباحثين والباحثات هنا، متابعة “كيفية تأقلم البلديات الريفية مع التغيّرات، ومحافظتها على القيم الاجتماعية والبيئية الأساسية في ذات الوقت”. 

ولا يتوقّف الأمر بالنسبة إليها وفريقها، على دراسة الماضي فقط. “بل يتعلّق بمعرفة كيف تتمكّن قرية متجذّرة في التاريخ من التغلب على تحديات المستقبل، مع سكّانها، وثقافتها، ومواردها المشتركة التي لم تمس”، على حدّ قول ميلنيكوفيش.  

رسم توضيحي لعدد من الأشخاص يشتركون في سحب عمارة سكنية

المزيد

التعاونيات السويسرية: أساس الاستدامة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية 

تُعتَبَر سويسرا بِحَق بلد التعاونيات. وهنا، لا يتخلل مبدأ التعاون قطاعها الاقتصادي فحسب، ولكنه يشكل جذور سياستها أيضا.

طالع المزيدالتعاونيات السويسرية: أساس الاستدامة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية 

تحرير: دافيد أوغستير

ترجمة: هالة فراج

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية