
التفكير الصفري: القاسم المشترك بين مكوّنات الساحة السياسية

ربحك، خسارتي. هذا هو المفهوم الكامن وراء التفكير الصفري. ويتبنى أنصار الأحزاب اليسارية واليمينية هذه النظرة للعالم، كما أظهرت دراسة أجرتها جامعة بازل.
يجسّد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خطاب التفكير الصفري، إذ يظهر ذلك من خلال الادّعاء بأنّ حصول المهاجر على وظيفة في الولايات المتّحدة، يعني تقليص فرص العمل للمواطنين الأمريكيين، أو الاعتقاد بأنّ ما أُنتج في آسيا، لا يمكن إنتاجه في الولايات المتّحدة.
ويسود في سويسرا الاعتقاد بأنّ مجموعة واحدة لا يمكنها تحقيق النجاح، إلّا على حساب مجموعة أخرى. فبينما يعتقد ثلث السكان أنّ الازدهار يمكن أن يعمّ الجميع، يرى حوالي 30% من سكان سويسرا أنّ الحصول على الثروة يتبع منطق المحصلة الصفرية. وظهرت هذه النتائج في دراسة أجرتها جامعة بازل، مستندة إلى النسخة الثانية من الاستطلاع الوطني، “كيف حالك يا سويسرا؟”، الذي أعدّته مؤسّسة البحوث الاجتماعية ببرن ( gfs Bern)، التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SSR SRG)، الشركة الأمّ لـسويس إنفو (SWI swissinfo.ch).
تستند الدراسةرابط خارجي التي أجرتها جامعة بازل بعنوان “المعتقدات الصفرية والآراء السياسية والرضا عن الحياة في بلد غني” إلى الطبعة الثانية من استطلاع “كيف حالك يا سويسرا؟”. وأنجزت هذه الدراسة مؤسّسة البحوث الاجتماعية في برن (gfs.bern)، بتكليف من هيئة الإذاعة السويسرية (SSR SRG)، الشركة الأم لسويس إنفو (SWI swissinfo.ch)، في الفترة بين مايو ويونيو 2024.
ويعتبر كيلي ليو، المؤلّف المشارك في الدراسة، أنّ اتفاق 30% من الشعب السويسري مع التفكير الصفري يشكل مفاجأة بالنسبة إليه، إذ أنّ “سويسرا دولة غنية شهدت نموًّا اقتصاديًا مستمرًا نسبيًا”. كما يعتقد أنّ من غير المتوقع أن تكون هذه العقلية مقتصرة على فئة سكانية معينة؛ سواء من حيث العمر، أو الجنس، أو التعليم، أو اللّغة.
لا فرق بين اليسار واليمين
ولا يمكن أن يُعزى التفكير الصفري إلى حزب سياسي محدد أيضًا، وإن كان أكثر شيوعًا بين اليسار السياسي في ما يتعلّق بالثروة، ويرتبط بالمطالبات بمزيد من إعادة التوزيع، وفرض ضرائب أعلى على الأصول المالية.
وتشير الدراسة إلى وجود نسبة مؤيّدة لعبارة “لا يمكن للناس أن يصبحوا أغنياء إلّا على حساب الآخرين”، بين أنصار كلّ حزب. وبالمثل، تتبنّى نسبة من جميع الأحزاب وجهة نظر معاكسة، مفادها أنّ “الثروة يمكن أن تزيد فيتوفّر ما يكفي للجميع”.
ويشترك الطيف السياسي في سويسرا في التفكير الصفري، ما يدل على إمكانية الحصول على توافق حول المطالب السياسية المتنوعة عبر جميع الأحزاب.
ويقول ألويس ستوتزر، الذي شارك في إعداد الدراسة: “يبدو أنّ هناك بعدًا ثانيًا هنا، إلى جانب التقسيم الكلاسيكي بين اليسار واليمين”. ولا يتعلّق هذا البعد، بالضرورة، بالحدود التقليدية في المجتمع أو بقيم الناس، بل يتعلّق بالأفكار حول كيفية سير الأمور في العالم”.
هل التفكير الصفري يجعل الناس غير سعداء؟
وعند دراسة العلاقة بين التفكير الصفري والرضا، خلصت الدراسة إلى أنّ الأشخاص الذين يتشاركون هذه العقلية بقوّة هم أقلّ رضا عن حياتهم. وتقول المؤلّفة وشريكها، إنّهما لا يستطيعان الجزم بوجود هذا الارتباط، ولكنّ مؤشّراته كبيرة.
وسيكون من المحبّذ أيضًا إجراء المزيد من البحوث بشأن الاستغلال السياسي للتفكير الصفري. ويقول ستوتزر: “يمكن للقوى السياسية أن تحاول استغلال هذه النظرة لدى للناخبين.ات، واستخدامها لمصلحتها الخاصة”.
وعلى سبيل المثال، قد يستخدم الساسة خطاب التفكير الصفري في مجال التجارة العالمية لتبرير السياسات التجارية الحمائية، أو قد يحاولون تعزيز عقلية “نحن” مقابل “هم” لكسب الشعبية وعزل الخصوم.
* التفكير الصفريرابط خارجي هو التفكير القائم على الخسارة، حيث يكون مكسب الشخص هو خسارة شخص آخر، فهو يتبنى شعار «أربح كل شيء من الطرف الآخر وهو يخسر كل شيء»، كما أنه ناتج عن ثقافة أو تربية أو بيئة لا تخلو من هذه الأفكار، وأصبحنا نجده اليوم في كل شيء، في العمل والسياسة والاقتصاد وفي العلاقات الإنسانية والاجتماعية.

المزيد
نشرتنا الإخبارية المتخصصة في السياسة السويسرية
تحرير: بالتس ريغندينغر
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
مراجعة: ريم حسونة
التدقيق اللغوي: لمياء الواد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.