The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

الألياف الضوئية: تقنية جديدة ترصد “همسات” الجليد قبل الانهيار

نهر رودانو
قام باحثون وباحثات في سويسرا باختبار استخدام الألياف الضوئية على بعض الأنهار الجليدية في جبال الألب (في الصورة نهر رودانو الجليدي). Wojciech Gajek

 
 
يمكن لكابلات الألياف الضوئية المستخدمة يوميًا لتصفّح الإنترنت وإجراء المكالمات الهاتفية، الإسهام في التنبؤ بانهيارات أرضية أو جليدية وشيكة. وفي سويسرا، يجري العمل على مشاريع بحثية قد تفتح آفاقًا واعدة في مجال رصد المخاطر الطبيعية. 

في 28 مايو المنصرم، تصدّر انهيار نهر بيرش الجليدي في جبال الألب السويسرية، عناوين الصحف حول العالم. فقد أدّى الانهيار الهائل المكوّن من الجليد، والطين، والركام، إلى طمر قرية بلاتن (Blatten) التي تم إخلاؤها مسبقًا، مسجّلًا واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في التاريخ السويسري الحديث

ورغم أن مثل هذه الكوارث تُعد نادرة الحدوث، إلا أنها قد تكون أكثر شيوعاً مما كان يُعتقد سابقاً، وفقاً لدراسةرابط خارجي تناولت أدلة على انهيارات جليدية سابقة في الأنديز والقوقاز ومناطق جبلية أخرى. 

وتتنوع أسباب الانهيارات الجليدية والصخرية، إذ قد تنجم عن عوامل جيولوجية محضة أو ترتبط بتضاريس الأرض، مثل ميلان المنحدرات أو ضعف البنية الصخرية.

جوهر الموضوع

* لماذا كثرت الانهيارات الجليدية وزادت مخاطرها؟

* تعرّف على آخر تكنولوجيا سويسرية لرصد هذه الانهيارات قبل حدوثها.

* ما تكلفة هذه التكنولوجيا؟.

لكن تغيّر المناخ يُسهم بشكل متزايد في تعزيز احتمالات وقوعها؛ فارتفاع درجات الحرارة يُسرّع ذوبان الجليد، ويُعجّل في تشكّل التشققات داخل الكتل الجليدية، كما يزيد من هشاشة المنحدرات الجبلية، وعدم استقرارها. 

>> سيكون لذوبان طبقة التربة المتجمدة المعروفة باسم التربة الصقيعية العديد من العواقب على المناطق الجبلية، كما نوضح هنا:

المزيد
كوخ جبلي

المزيد

انصهار التربة الصقيعية يهدد المناطق الجبلية في سويسرا وحول العالم…ما العمل؟

تم نشر هذا المحتوى على جهود البحث العلمي في سويسرا لفهم تأثير انصهار التربة الصقيعية في المناطق الجبلية، والتداعيات البيئية لهذه الظاهرة عالميًا.

طالع المزيدانصهار التربة الصقيعية يهدد المناطق الجبلية في سويسرا وحول العالم…ما العمل؟

ويؤكّد هذا الواقع المستجد الحاجة الملحّة إلى مراقبة المناطق المعرّضة للخطر بهدف حماية القرى والسكان، والبنى التحتية من الكوارث الطبيعية. ولا شك أن صور الأقمار الصناعية، والكاميرات، وأجهزة الرادار، تتيح تتبّع تطوّر حركة الأنهار الجليدية، كما حدث في بلاتن، إلا أن هذه التقنيات لا توفّر سوى لمحة سطحية عمّا يجري داخل الكتلة الجليدية نفسها. 

لكن يعتقد باحثون.ات في سويسرا، ومناطق جبلية أخرى مثل ألاسكا، التوصّل إلى حلّ مبتكر؛ استخدام كابلات الألياف الضوئية لرصد الاهتزازات الدقيقة، وغيرها من الإشارات المبكّرة على تزعزع استقرار الأنهار الجليدية، أو قرب حدوث تغيّر مفاجئ في بنيتها الداخلية. 

يقول توماس هدسون، عالم الزلازل في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ  (ETH)، في حديثه لموقع سويس إنفو (Swissinfo.ch): “تُتيح لنا الألياف الضوئية رصد أحداث زلزالية بالغة الصغر، لا تستطيع التقنيات الأخرى قياسها. وهذا ما قد يساعد في تطوير أنظمة أكثر دقة وفاعلية لمراقبة الأنهار الجليدية”.  وقد قدّم هدسون مؤخراً نتائج تجاربه على أحد الأنهار الجليدية السويسرية إلى الجمعية الأميركية لعلم الزلازلرابط خارجي

الألياف الضوئية
يتكون كابل الألياف الضوئية من العديد من الخيوط (أو الألياف الضوئية) Connect Images / Andrew Brookes

الألياف الضوئية على الأنهار الجليدية في جبال الألب 

في عام 2023، قام فريق بحثي من المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ(ETH)  بتركيب 1.2 كيلومتر من كابلات الألياف الضوئية على نهر غورنر الجليديرابط خارجي في سويسرا. وقد تم ربط هذه الكابلات بجهاز يُعرف باسم “الاستجواب الضوئي”(Interrogator)، يٌرسل نبضات ليزر عبر الألياف بهدف التقاط التغيّرات الدقيقة في سلوك الجليد. 

وعندما تمرّ موجات زلزالية داخل النهر الجليدي، تتسبّب بتمدّد أو انضغاط في الكابلات، مما يؤدي إلى تغيير في شكل نبضة الليزر. وتُعرف هذه الطريقة باسم الاستشعار الصوتي الموزّع (Distributed Acoustic Sensing – DAS)، وهي تقنية تحوّل كابل الألياف الضوئية إلى شريط طويل يعمل كمئات من المجسّات الزلزالية. 

وتنشأ بعض هذه الموجات الزلزالية، أو ما يُعرف ب”هزّات الجليد”، من تشقّقات تتكوّن داخل النهر الجليدي. وتُعدّ هذه التشققات مؤشّرًا مقلقًا، إذ تُضعف من استقرار الكتلة الجليدية من خلال السماح لمياه الذوبان بالتسرّب إلى الداخل، ما يزيد من خطر الانفصالات الجليدية، ويُسرّع حركة الجليد باتجاه أسفل الوادي. 

شاهد صور انهيار نهر بيرش الجليدي في سويسرا (28 مايو 2025):

تقنية لرصد الأنهار الجليدية بأكملها

سجّل توماس هدسون ما يصل إلى ألف موجة زلزالية يومياً على النهر الجليدي. ومع ذلك، لا يزال من المبكر تفسير دلالة هذا النشاط الزلزالي بدقة، إذ لا يستطيع الجزم ما إذا كان يشكّل نمطاً غير طبيعي يُنذر بانهيار وشيك، أم يُمثّل متوسطاً طبيعياً للحركة، خاصة وأن التجربة لا تزال في مراحلها الأولية.

ولكن في المستقبل، وبعد جمع المزيد من القياسات ومراقبة حركة النهر الجليدي على مدى أطول يرى هدسون أنّ “هذه الاهتزازات قد تساعدنا في كشف تغيّرات خفيّة داخل الكتلة الجليدية. فقد يكون الارتفاع المفاجئ في النشاط الزلزالي مؤشّراً على انهيار وشيك — وهي إشارات لا يمكن للأجهزة التقليدية التقاطها” على حدّ قوله. 

ولا تقتصر فوائد الألياف الضوئية على رصد هذه الاهتزازات الدقيقة فحسب، بل تُوفر أيضاً بيانات مهمة حول بنية الجليد وتركيبه الداخلي. وفي هذا السياق، يشير فابيان فالتر، خبير الحركات الأرضية في المعهد الفدرالي للأبحاث حول الغابات والثلوج والمناظر الطبيعة  (WSL)، إلى إمكانبّة نشر هذه الكابلات على مساحات واسعة بسهولة أكبر، بالمقارنة مع المجسّات الزلزالية التقليدية التي تُزرع في نقاط محدّدة.  

ويُضيف فالتر أن من شأن تعميم استخدام هذه التقنية من شأنه إتاحة مراقبة أنهار جليدية كاملة، حتى تلك الواقعة في مناطق نائية يصعب الوصول إليها. ويعدّ فالتر من أوائل الباحثين.ات مختبري.ات الألياف الضوئية في هذا السياق، إذ تمكّن أيضًا عام 2019 من رصد أنواع جديدة من الموجات الزلزالية في نهر الرون الجليديرابط خارجي، في سويسرا. 

ويُبدي أندرياس ماكس كيب، أستاذ الجغرافيا الفيزيائية والهيدرولوجيا في جامعة أوسلو، ومؤلف دراسة حول الانفصالات الجليدية الضخمة في المناطق الجبليةرابط خارجي، حماسة مماثلة لهذه المقاربة. ويقول في رسالة إلكترونية لموقع سويس إنفو: لا شك في أن الفكرة ممتازة. فغالباً ما يترافق تسارع حركة الصخور أو الأنهار الجليدية مع ازدياد في الاهتزازات”. 

ويرى كيب أن الخطوة التالية تكمن في فكّ رموز الإشارات المسجّلة بواسطة الألياف الضوئية. ويضيف قائلاً: “لكن لا شك لديّ في أن هذه التقنية ستكون قادرة، على الأقل في بعض الحالات، على تقديم معلومات جوهرية حول العمليات غير المرئية التي تؤدي إلى تسارع حركة الجليد”. 

المزيد

الزلازل والانهيارات الثلجية وتدفّقات الحطام 

إن استخدام الألياف الضوئية لرصد النشاط الزلزالي ليس بالأمر الجديد. فقد استُخدمت تقنية الاستشعار الصوتي الموزّع(DAS)  منذ سنوات في كابلات الألياف الضوئية البحرية لتحديد مواقع الزلازل في قاع المحيطات، ورصد النشاطات البركانية.

غير أن توسيع نطاق استخدام هذه التقنية ليشمل أنواعاً أخرى من المخاطر الطبيعية هو تطور حديث نسبياً. وفي هذا السياق، يقول فابيان فالتر: “تُعدّ سويسرا من البلدان الرائدة في هذا المجال”.  

ففي عام 2022، استُخدمت كابلات الألياف الضوئية لأول مرة في سويسرا لرصد الانهيارات الثلجيةرابط خارجي. كما مكّنت هذه التقنية من قياس الانفصالات الصخرية الدقيقة  السابقة للانهيار الأرضي الكبير قرب قرية برينز (Brienz)رابط خارجي ، في كانتون غرابوندن، عام 2023. 

الألياف
تصوير نظام الكشف عن الانهيارات الأرضية في بريينز، وفي غريغوريون، باستخدام الألياف الضوئية. Google Earth / ETHZ

ويُشير فالتر إلى وجود كابلات الألياف الضوئية المُخصصة للاتصالات أصلاً تحت الأرض على امتداد الطرقات وخطوط السكك الحديدية، وفي محيط بعض البنى التحتية الحيوية. ويُقدَّر وجود نحو أربعة مليارات كيلومتررابط خارجي من هذه الكابلات، منتشرة حول العالم. 

ويُضيف أنه من السهل تقنياً ربط جهاز “الاستجواب الضوئي” بطرف أحد الخيوط غير المستخدمة — المعروفة باسم “الألياف المظلمة”  (Dark Fiber)، وهي خيوط داخل الكابل لم تُفعَّل بعد ولا تُستخدم في نقل البيانات. وبمجرد توصيل الجهاز بها، يصبح بإمكانه إرسال نبضات ليزر على طول الكابل بأكمله، فيحوّله إلى نظام مراقبة قادر على تغطية عشرات الكيلومترات. 

تصوير
تصوير مراقبة انهيار أرضي بواسطة جهاز رادار (في الأعلى) والألياف الضوئية. Nayan Gurung / WSL

أما التحدي الراهن، فيكمن في تطوير خوارزمية قائمة على الذكاء الاصطناعي قادرة على التعرّف التلقائي على الإشارات ذات الدلالة، بما يسمح بتمييز حركة صخرة مثلاً، عن حركة حيوان أو اضطراب طبيعي عابر. 

وتوضح مادهوباشيتا هيراث، الباحثة في جامعة أوفا ويلاسا في سريلانكا، ومؤلفة مراجعة علمية حول استخدام الألياف الضوئية في رصد المخاطر الطبيعيةرابط خارجي، إمكانيّة إطلاق النظام، في حال رصده لحركة كبيرة قد تسبق انهيارًا أرضيًا أو جليدياً، إنذارا مبكرا يُكسب السكان وقتًا ثمينًا لاتخاذ إجراءات الحماية، قبل وقوع الكارثة. 

وتُشير هيراث إلى أنّ كابل الألياف الضوئية نفسه يُعد منخفض التكلفة نسبيًا، كما لا يتطلّب تشغيله وصيانته موارد مالية كبيرة، “وهو ما يجعل هذه التقنية ملائمة للتطبيق في كلٍّ من البلدان المتقدّمة والنامية”، على حدّ قولها في رسالة إلكترونية لموقع سويس إنفو. 

مراقبة الأنهار الجليدية الأكثر خطورة باستخدام الألياف الضوئية 

من جهته، يرى توماس هدسون، من المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ (ETH)، أنه من الممكن في المستقبل نشر كيلومترات من الألياف الضوئية على الأنهار الجليدية التي تُعدّ الأكثر عرضة لخطر الانهيار.”في كثير من الحالات، يكفي تغطية مقدّمة الأنهار الجليدية المُعلّقة — أي المنطقة الأكثر هشاشة والأكثر تعرضاً للانفصال — لمراقبتها بفعالية” على حدّ قوله. 

ومع ذلك، يجب ضبط النظام بشكل مختلف لكل نهر جليدي على حدة، لأن ”كل نهر جليدي فريد من نوعه“، كما يقول هدسون. ”ما هو العدد الحرج للكسور الذي يجعل الانهيار محتملاً؟ ما زلنا لا نعرف ذلك“، كما يؤكد.

ستكمل الألياف الضوئية مجموعة تقنيات المراقبة الحالية، مثل الصور الساتلية وأجهزة الرادار. فوفقًا لهودسن: ”من خلال الجمع بين ملاحظات التغيرات السطحية وتلك العميقة، سنتمكّن من تحسين مراقبة الأنهار الجليدية الأكثر خطورة“. 

تحرير: غابي بولارد

ترجمة: جيلان ندا

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية