الصدق قبل النجاح: القيم السويسرية الحقيقية

ما الذي يحظى بالأولوية في حياة السويسريين والسويسريات؟ Keystone / Urs Flueeler

ما هو الأهم بالنسبة للناس في سويسرا ليعيشوا حياة مليئة بالرضا؟ وفق استطلاع أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SSR SRG)، فإن "الصدق" يُعتَبَر أكثر أهمية من "الاستمتاع بالحياة". في حين، اُعتبر النجاح أقل أهمية بكثير.

ويتحدث الجميع عن “التوازن بين العمل والحياة الأسرية”، ويبدو أن لا أحد يرغب في بذل جهد كبير في العمل بعد الآن، خصوصًا الشباب. فهذه العبارة تتردد كثيرًا على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة في الأوساط الاقتصادية – وربما فيه شيء من الحقيقة.

على الرغم من أن هذه العبارة قد تبدو مبالغ فيها، إلا أنها ليست بلا أساس تمامًا. هذا ما تؤكده نتائج استطلاع “كيف حالك يا سويسرا؟”، الذي أجرته مؤسسة البحوث الاجتماعية في برن (gfs.bern) بتكليف من هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، حيث شارك فيه أكثر من 50 ألف شخص من المناطق اللغوية الأربعة، لكن لم تُنشر نتائجه التفصيلية حتى الآن.

هذا الاستطلاع اقترح ثماني أفكار رئيسية تعكس مواقف فلسفية مختلفة بشأن الحياة. وطُلب من الأشخاص الذين شاركوا في الاستجواب الإشارة إلى أي منها أكثر أهمية لتحقيق سعادته.ها . وقد قال 83% إنهم وجدوا شعارًا يعكس نظرتهم للحياة.

الشباب وسويسرا الناطقة بالفرنسية يختلفان عن بقية الفئات السكانية

أظهرت نتائج الاستطلاع بعض المفاجآت. فالشعار الذي يتوقع الكثيرون أن يتصدر القائمة – “النجاح هو الأهم!” – جاء في آخر الترتيب تقريبًا. فوفقاً للفكرة السائدة في هذا البلد، فإن النجاح يُحقَّق في المقام الأول من خلال العمل، ومن المعروف أن سويسرا تحتل مكانة متقدمة عالمياً من حيث الجدية والاجتهاد في العمل. لكن مبدأ النجاح جاء في المرتبة ما قبل الأخيرة بين المبادئ الثمانية للحياة. أما شعار «المهم أن يتذكرني الناس!» فحظى بأولوية لدى عدد أقل من الأشخاص في سويسرا.

أما الاختيار الذي تصدّر نتائج هذه الدراسة، واحتل فيها المرتبة الثانية، فكان «المهم هو الاستمتاع بالحياة!»، وهو شعار لا يتوافق مع الصورة النمطية التي يتم تداولها عن السويسريين والسويسريات، ويتناقض بشكل مباشر مع مجتمع قائم على الكفاءة والإنجاز، ومع القيم المرتبطة تقليديًا بهيلفيتيا المجتهدة، والتي لا تدخر جهدا.

كيف يمكن تفسير هذا الانعكاس الواضح للقيم؟ هل هي الأولويات الجديدة للأجيال الشابة واهتماما بالتوفيق بشكل أفضل بين الوظيفة والحياة الخاصة؟ يبدو أن هذا هو الحال، لأن شعار “المهم هو الاستمتاع بالحياة”، من الواضح أنه يتصدر اختيارات الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و39 عاما، على عكس الفئات العمرية الأخرى. ويشكل الجزء الناطق باللغة الفرنسية من سويسرا استثناءً أيضا من خلال تفضيله لهذه القاعدة وهذا التوجّه.

الصدق أسمى الفضائل لدى كبار السن

أما بالنسبة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 40 عامًا والقاطنين في المناطق غير الناطقة بالفرنسية من البلاد، فيسود شعار: “الشيء الأساسي هو أن تكون صادقًا!”. وبشكل عام، اختار ثلاثة من كل عشرة من المشاركين في الاستطلاع هذه الصيغة، وهو ما يضعها بوضوح في المرتبة الأولى. ويظهر هذا الاختيار بشكل خاص بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، أو القاطنين في الجزء الناطق باللغة الإيطالية جنوب البلاد.

وفيما يتعلق بمسألة الصدق، فيظهر ان الشباب أقلّ التزاما بهذه الفضيلة. ويتجلى هذا من خلال عدم تورع هذه الفئة على إتيان الكذب، أو على الأقل الاعتراف باستخدامه. على سبيل المثال، يعترف ما يقرب من واحد من كل خمسة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 16 و39 عامًا بالكذب على الآخرين أكثر مما يرغبون. وتقل هذه النسبة عن 10% في الفئة العمرية 40-64 عاماً، وتنخفض إلى 4% فقط بين المتقدمين في العمر.

“اللياقة البدنية” ليست أولوية

«العقل السليم في الجسم سليم»: هل فقد هذا الشعار القديم جاذبيته في سويسرا؟ رغم انتشار النقاشات العامة حول تحسين الصحة في المجتمع، فإن اللياقة البدنية على ما يبدو ليست من أولويات الشعب السويسري، بل على العكس من ذلك. يسبقه شعاران آخران:  هما: “من المهم امتلاك علاقات قوية” ومن “المهم القدرة على مساعدة الآخرين”.

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة : مي المهدي