The Swiss voice in the world since 1935

“مؤسسة غزة الإنسانية”: “عرض ساخر” أم “حلّ حقيقي” لشبح المجاعة الذي يخيم على القطاع

تهافت على المساعدات
مجموعة من الفلسطينيين والفلسطينيات بانتظار استلام الغذاء من مطبخ خيري في بيت لاهيا، شمال قطاع غزَّة. 24 أبريل. محمود عيسى

تستعد "مؤسسة غزة الإنسانية"، منظمة غير حكومية حديثة النشأة، ومدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، لتولّي مهمة إيصال المساعدات إلى قطاع غزة، في إطار خطة تقضي بخصخصة عمليات الإغاثة لأول مرة. 

أعلنت إسرائيل عزمها تنفيذ مقترح، تدعمه الولايات المتحدة، لإجراء تغيير جذري في طريقة إيصال المساعدات إلى غزة. وقد يؤدي هذا المقترح، المثير للجدل، إلى إنهاء دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في قطاع غزة المحاصر.  

وتقترح الخطة، التي تحمل رسميًّا اسم “مؤسسة غزة الإنسانية”، وهي منظمة جديدة مسجّلة في جنيف – إحداث تغيير شامل في آلية إيصال المساعدات، من خلال إنشاء مراكز إنسانية في جنوب غزة، تتولى إدارتها وتأمينها شركات خاصة، وعناصر أمنية ذات خلفيات عسكرية، يُرجَّح أن تكون من الولايات المتحدة. وبذلك، تتجاوز هذه الخطة عمليًّا النظام الراسخ لتقديم المساعدات، الذي أنشأته الأونروا، وحافظت عليه على مدار عقود.  

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

المزيد

نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

اشترك.ي في النشرة الإخبارية لدينا، واحصل.ي على بريد إلكتروني كل يوم جمعة يحتوي على أخبار من الدول الناطقة بالعربية تم جمعها بواسطة وسائل الإعلام السويسرية. معلومات من منظور سويسري خصّيصًا من أجلك.

طالع المزيدنشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية

وتأتي هذه الخطوة في أعقاب الحصار الشامل الذي فرضته إسرائيل على دخول المساعدات إلى غزة، إثر انهيار الهدنة المؤقتة مع حركة حماس الفلسطينية المسلحة. فمنذ 2 مارس، فُرضت قيود صارمة على إيصال الإمدادات الإنسانية، قبل أن تستأنف إسرائيل عملياتها العسكرية في كامل القطاع، يومي 17 و18 مارس. وفي الأسبوع الماضي، حذّرت شخصيات مسؤولة في الأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية من خطر مجاعة وشيكة. 

معبر رفح
شاحنات محمّلة بالمساعدات تنتظر عند الجانب المصري من معبر رفح الحدودي، 2 مارس. علي مصطفى، 2025.

وفي الأسبوع الماضي، وافق بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، على السماح بإيصال مساعدات محدودة إلى غزّة، استجابةً لضغوط متزايدة من حلفائه. لكنّه، في الوقت نفسه، تعهّد بالسيطرة الكاملة على قطاع غزة، بهدف القضاء نهائيًا على حركة حماس. وقد قوبلت هذه التصريحات بإدانة سريعة، في بيان مشترك أصدرته كلّ من المملكة المتحدة، وفرنسا، وكندا. 

الخطاب المناهض للأونروا

منذ 7 أكتوبر 2023، عندما شنّت حركة حماس هجومًا مفاجئًا في جنوب إسرائيل، أسفر عن مقتل نحو 1،200 شخص، صعّد نتنياهو، وحكومته اليمينية، الخطاب المناهض للأونروا.  

وفي 28 أكتوبر 2024، أقرّ الكنيست الإسرائيلي، السلطة التشريعية للنظام السياسي في تل أبيب، مشروعي قانونيْن يحظران فعليًّا عمل وكالة أونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي الوقت نفسه، علّقت جهات مانحة رئيسية، من بينها الولايات المتحدة والسويد، تمويل الوكالة، ما أدخلها في أزمة مالية خانقة فاقمت من حدّة الكارثة الإنسانية في غزة.  

وتقول آنّ عرفان، مُحاضِرة في كلية لندن الجامعية ومؤلفة كتاب اللجوء والمقاومة: الشعب الفلسطيني والنظام الدولي للجوء (باللغة الإنجليزية): “لقد اتضح منذ فترة أن إسرائيل لا تريد وجود الأونروا على الساحة إطلاقًا”.  

وأضافت أنّ هذا المقترح “ينسجم مع النهج الذي تسير عليه إسرائيل”، الذي يهدف إلى إنشاء آلية بديلة لإيصال المساعدات في قطاع غزّة، تستبعد الأونروا بالكامل، سواء عبر وكالات أمميّة أخرى، مثل برنامج الأغذية العالمي، أو من خلال شركات خاصّة، وجهات متعاقدة. 

وبحسب المقترح، تطرح “مؤسسة غزة الإنسانية” نهجًا جديدًا لتقديم المساعدات الإنسانية، يستند إلى البراغماتية، والرقابة، والريادة. وتهدف إلى إيصال المساعدات الأساسية “بشكل آمن”، مع الاستعانة ببعض من “أكثر شركات التدقيق المالي ومكاتب المحاماة احترامًا وشهرة في العالم” لضمان الشفافية. كما تعهّدت المؤسسة بـ”التقيّد الصارم” بالمبادئ الإنسانية. وجاء في نص المقترح أيضًا أن “الحصول على المساعدات لن يخضع لأي معايير للأهلية”. 

وثيقة مؤسسة غزة الإنسانية
الوثيقة الرسمية لمقترح مؤسسة غزة الإنسانية، الجزء التعريفي.

غير أن نتنياهو ناقض في خطاب ألقاه مؤخرًا هذا الاقتراح بإعلانه أن المساعدات ستقدم للفلسطينيين فقط في حال ”لم يعودوا إلى المناطق التي قدموا منها“.

وبحسب المقترح، ستبدأ مؤسّسة غزّة الإنسانية، في المرحلة الأوّلية، بإنشاء أربعة مواقع توزيع آمنة و قابلة للتوسيع، بحيث يُتيح كلّ موقع إمكانية الوصول إلى الغذاء، والمياه، و”الإمدادات الضرورية الأخرى”، لـنحو 300 ألف شخص. وبعد هذه المرحلة الأوّلية، يمكن توسيع نطاق العملية للوصول إلى مليوني شخص في غزّة.  

ولا يقدّم المقترح تفاصيل واضحة حول كيفية عمل المؤسّسة ميدانيًا، أو مصدر تمويل عملياتها الشاملة. أمَّا على المستوى التنفيذي، فيُفترض أن تتولّى إدارتها “شركات تشغيل، وكيانات ائتمانية متمرّسة في إدارة الأزمات”. 

ونشر موقع “Ynetnewsرابط خارجي” الإخباري الإسرائيلي، يوم الاثنين، صورًا تُظهر عناصر “مسلّحين يرتدون سترات واقية”، يُقال إنّهم “محاربون قدامى في القوات الخاصّة الأمريكية”، وهم موجودون بالفعل في غزّة، ويستعدّون لتوزيع المساعدات فور بدء عمل المؤسّسة، المتوقّع بعد 24 مايو. 

وحتى ذلك الحين، ستُنفّذ عمليات إيصال المساعدات المحدودة وفق “النموذج القديم للتوزيع”، بحسب ما ورد في التقرير. 

ووفقًا لما ذكره مايك هوكابي، السفير الأمريكي لدى إسرائيل، لن تكون مؤسّسة غزة الإنسانية عملية تابعة للجيش الإسرائيلي. وصرَّح هوكابي في مؤتمر صحفي موجز، عقد بالقدس في 9 مايو: “لن يكون الجيش الإسرائيلي طرفًا في عملية التوزيع”. لكنه أضاف أنّ “الجيش الإسرائيلي سيشارك في تأمين المحيط”. وعندما سأله أحد الصحفيين عن كيفية تمويل الخطة، وعن موعد تنفيذها في غزة، أجاب هوكابي: “لا أدري ولا أدري”. 

وفي مؤتمر صحفي موجز آخر، عقد في 11 مايو، قال جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، إنّ إسرائيل “تؤيّد الخطّة تأييدًا كاملًا”، التي من شأنها منع حماس من سرقة الإمدادات الإنسانية، وهو ادعاء تنفيه حماس، و”تسمح بتدفّق المساعدات وفقًا للقانون الإنساني الدولي ومبادئه”. وأضاف ساعر أن إسرائيل ستتعاون مع الدول، والمنظمات غير الحكومية لتنفيذ الخطّة.  

المزيد
النشرة الإخبارية جنيف الدولية

المزيد

جنيف الدولية

جنيف الدولية عالَمٌ في حدّ ذاتها. نأخذك عبر نشرتنا الإخبارية، في رحلة تغطّي مختلفَ جوانب هذه المدينة السويسرية العالمية.

طالع المزيدجنيف الدولية

ومنذ البداية، أعربت قيادات الأمم المتّحدة وعدد من المنظمات الإنسانية عن رفضها الشديد لهذه المؤسسة، معتبرة أنّ “مؤسّسة غزّة الإنسانية” لا تلتزم، في جوهرها، بالمبادئ الإنسانية الأساسية. 

وقال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، لوفد صحفي في 8 أبريل: “دعوني أكون واضحًا، لن نشارك في أيّ ترتيب لا يحترم بالكامل المبادئ الإنسانية؛ الإنسانية، وعدم التحيّز، والاستقلالية، والحياد”.  

وبعد أسابيع، نشر فريق العمل الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهو تحالف يضمّ منظّمات تُعنى بتسهيل إيصال المساعدات، بيانًا وصف فيه الخطّة بأنها “خطيرة”، واعتبرها جزءًا من “استراتيجية عسكرية” إسرائيلية تتعارض مع المبادئ الإنسانية، وتبدو “مصمّمة لتعزيز السيطرة”، والدفع نحو المزيد من “التهجير القسري”. 

وفي 13 مايو، شنّ توم فليتشر، منسّق الإغاثة الطارئة في الأمم المتّحدة، خلال كلمته أمام مجلس الأمن في نيويورك، هجومًا حادًّا على هذا المقترح، واصفًا إيّاه بأنه “عرض جانبي ساخر”، و”إلهاء متعمَّد”، و”مجرّد ورقة تين لتغطية المزيد من العنف والتهجير” بحق الشعب الفلسطيني في القطاع المحاصر.  

وفي الجلسة نفسها، وصفت دوروثي شيا، رئيسة البعثة الأمريكية لدى الأمم المتّحدة، مؤسّسة غزّة الإنسانية بأنّها “حلّ حقيقي يضمن وصول المساعدات إلى شريحة المدنيين والمدنيات المستحِقة لهذه المساعدات، وليس إلى حماس”. وردّت على منتقدي المقترح قائلة: “ليس هناك من موقف أخلاقي يستدعي معارضة هذه الخطّة”.  

وتأسّست الأونروا عام 1949 بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي تقدّم خدمات الإغاثة، والتعليم، والرعاية الصحية للفلسطينيين والفلسطينيات، الذين أصبحوا لاجئين بعد الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1948، والمعروفة أيضًا باسم “النكبة”. وتشمل مناطق عمل الوكالة؛ غزّة والضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، إلى جانب الأردن، ولبنان، وسوريا. 

ووفقًا لآن عرفان، فإنّ الحكومة الإسرائيلية، في البداية، “تغاضت بصمت عن وجود الأونروا… رغم أنّها لم تكن راضية عنها”. 

وأضافت أنّ “إسرائيل اعتبرت الأونروا خيارًا أفضل من بدائل أخرى عديدة… فعلى مدار الجزء الأكبر من تاريخها، أدركت المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية بهدوء، أنّ الأونروا تقدم في الواقع خدمة لإسرائيل، لأنّ خدماتها تخفّض تكلفة الاحتلال”.   

مبنى الأونوروا
الشعب الفلسطيني يكافح من أجل البقاء، في ظل إمكانات محدودة داخل خيام نُصبت حول مبنى الأونروا في مخيم الشاطئ للاجئين بقطاع غزة، 29 أبريل. وكالة الأناضول 2025

رمزٌ لالتزام الأمم المتحدة

ويرى جلال الحسيني، الباحث المشارك في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، أن تفكيك الوكالة الأممية القائمة منذ عقود له بُعدان: أحدهما تنظيمي، والآخر سياسي. وتمثّل الأونروا، على حد قوله، “مكسبًا سياسيًّا للاجئين واللاجئات، بشكل عام”. وهي بمثابة رمز لالتزام الأمم المتحدة بالتنفيذ النهائي للقرار 194 و”تذكير بحقيقة أن هذه القضية لم تُحل بعد”.

وكان القرار 194 قد صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، بعد الحرب العربية الإسرائيلية، عندما طُرد آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات من ديارهم أو فرّوا منها. وقد دعا القرار إلى عودة اللاجئين واللاجئات “في أقرب تاريخ ممكن عمليًّا”، بالإضافة إلى تعويض “من يختار عدم العودة”.

ويشير الحسيني إلى أن الأونروا كانت، في الأصل، حلًا مؤقتًا. ويضيف: “كان من المتوقع إعادة إدماج اللاجئين واللاجئات خلال ثمانية أشهر، لكن سرعان ما تبيّن أن ذلك غير قابل للتحقيق، وطَموح أكثر من اللازم”.

القرار 194
العلم الفلسطيني يرفرف، بينما تشكل 6،552 كوفية تقليدية الرقم 194 لتمثيل القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة، وذلك خلال محاولة لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية عام 2010. رويترز/ شريف كريم

“الكثير من إشارات الخطر”

ويرى يورغن ينسهاوغن، الأستاذ الباحث في معهد أبحاث السلام في أوسلو، أن النموذج الذي تمثّله “مؤسّسة غزّة الإنسانية” في مجال المساعدات، يُجسّد تمامًا ما سبق أن حذّر منه. وقد قال لسويس إنفو إنّ “التقويض النشط ونزع الشرعية عن الأونروا” هو ما مهّد الطريق لهذا التحوّل.  

ومن الجدير بالذكر أن ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي، كان من بين الأسماء المرشّحة لعضوية المجلس الاستشاري للمؤسسة. إلا أنّ تعيينه لم يتأكّد بعد.  

ومن جانبه، قال بول شبيغل، مدير مركز الصحّة الإنسانية في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور: “إنّ منظومة الأمم المتّحدة قائمة بالفعل، لاسيّما عبر الأونروا، وهي قادرة على توفير الغذاء، والماء، والمأوى… لكن يثير المسار الذي تسلكه الأمور قلقًا عميقًا […]، وهناك الكثير من علامات الخطر”. 

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان بإمكان “مؤسّسة غزّة الإنسانية” العمل في غزّة دونَ دعم الأمم المتحدة، وغيرها من المنظّمات الإنسانية. وإذا تمكّنت المؤسّسة من تأمين التمويل والعقود التي تحتاجها للحصول على المساعدات وتوزيعها، فقد تضطرّ الأمم المتّحدة وشركاؤها إلى التعامل معها.  

تحرير: فيرجيني مانجين
ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: دوريان بوركهالتر

أي مستقبل ينتظر القطاع الإنساني في ظل تقلص الدعم الدولي؟

أقدمت عدة دول – من بينها الولايات المتحدة وسويسرا – على تقليص ميزانياتها المخصصة للمساعدات، مما أدخل القطاع الإنساني في أزمة وجودية. وفي ضوء هذا الوضع، ما السبل التي ينبغي للعاملين والعاملات في المجال الإنساني استكشافها؟ رأيك يهمّنا!

6 إعجاب
7 تعليق
عرض المناقشة

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية