The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

تقنيات التبريد الشمسي : هل تنقذ الكوكب أم تعمّق مشكلات بلدان الجنوب؟

الدكتور ساندرو فاتيوني

بإمكان دول الجنوب أن تكون المستفيد الأكبر من تقنيات الهندسة الجيولوجية الشمسية، المثيرة للجدل، للتخفيف من آثار تغيّر المناخ. ومع ذلك، قد تكون أيضا الأشدّ تضرراً في حال فشل هذه التكنولوجيا، كما يشرح ساندرو فاتيونيرابط خارجي من المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ في هذا المقال.

قبل عشر سنوات، وضعت اتفاقية باريس هدفا للحد من ظاهرة الاحتباس لا يتجاوز 1،5 درجة مئوية. وقد تجاوز كوكب الأرض هذا السقف لأول مرة، العام الماضي. ورغم الجهود المبذولة لوقف هذا التطوّر السلبي، تستمر غازات الاحتباس الحراري في الارتفاع عامًا بعد عام.

أدّت هذه الصورة القاتمة لمستقبل البشرية إلى تحفيز البحث في مجال انعكاس أشعة الشمس، أو إدارة الإشعاع الشمسي، وهي مقاربة تُعرف أيضًا باسم الهندسة الجيولوجية الشمسية، يشار إليها اختصارًا بـ (SRM). وتتمثل الفكرة في عكس جزء من أشعة الشمس باتجاه الفضاء، مما يساعد على تبريد المناخ اصطناعياً.

جوهر الموضوع:

* بلدان الجنوب مستفيدة أم متضررة من هذه التكنولوجيا الجديدة؟

* إشراك بلدان الجنوب في الأبحاث والحوكمة ضرورة علمية وأخلاقية.

*قيام التجارب تحت إشراف متعدد الأطراف، ضمانة للعدالة والشفافية.

حلول مبتكرة

ومن بين الحلول المقترحة في إدارة المخاطر البيئية نشر جسيمات عاكسة صغيرة على ارتفاع يزيد عن عشرين كيلومترًا، لتعكس جزءًا من أشعة الشمس نحو الأعلى. كما تتوقع بعض الدراسات الأخرى أن تؤدي هذه الجسيمات إلى إطالة عمر السحب أو حتى تعزيز قدرتها على عكس الأشعة الشمسية بعيدا عن سطح الأرض. ويُشار إلى أن هذا التأثير يحدث على ارتفاع أقل من ثلاثة كيلومترات فوق سطح الأرض.

وقبل الخوض في الموضوع، وجب التنبيه إلى أن نظام إدارة الإشعاع الشمسي ليس بديلاً عن تدابير الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. كما أنه ليس الحل الأمثل لمشكلة تغيّر المناخ.

ففي أفضل الأحوال، قد تكون هذه التقنية الرخيصة نسبيا والقادرة على إحداث أثر التبريد السريع، وهي بذلك مكمّل مؤقت للجهود المبذولة للحدّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من أجل تجنب نقاط التحوّل التي لا رجعة فيها من الناحية البيئية والمناخية. وبعبارة أخرى، علينا ألاّ نغفل في هذه العملية عن الهدف المنشود، وهو التوقف الكامل عن إنتاج غازات الدفيئة.

ولا يخلو هذا النوع من التدخّل على مستوى الغلاف الجوي، رغم مساعدته الأكيدة على تبريد المناخ، من المخاطر. وهو لذلك يتطلّب حوكمة دولية تشمل أيضًا البلدان الأكثر تأثّرًا بتغيّر المناخ، وإشراك خبراتها. 

استكشاف المخاطر والفوائد

لئن ثبت أن نظام إدارة الإشعاع الشمسي كفيل حقاً بالحدّ من تأثير التغيرات المناخية بشكل فعّال، وربما يُجنّب ملايين الوفياترابط خارجي ومليارات الدولارات من الأضرار الناجمة عن الاحتباس الحراري، فإنّ بعض الدراسات تعتبر أن هذا النظام، قد يُستعمل كذريعة ويؤخّر موعد التخلّي التدريجيرابط خارجي عن الوقود الأحفوري.

ولا تزال الكثير من مخاطر MRS وفوائده المحتملة غير مؤكّدة. وعلى أمل الاستغناء عن استخدامه، فإن نشر المعلومات عن آثاره المناخية والمجتمعية على نطاق أوسع، أمر ضروري للغاية.

ومن هذه الآثار، على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي بعض تقنيات الهندسة الجيولوجية الشمسية إلى الإضرار بالبيئة، كأن تُحدث تقلّصاً في طبقة الأوزون، أو تغيّراً في أنماط هطول الأمطار، وفوق كل ذلك، التوزيع غير المتكافئ لآثارها الإيجابية والسلبية المحتملة في جميع أنحاء العالم، ما يُثير تساؤلات من حيث الحوكمة والعدالة.

نظام الجيلوجيا الشمسية
Kai. Swissinfo

ومن هنا تنبع الحاجة إلى مواصلة الأبحاث من أجل اكتساب المزيد من الخبرات والمعلومات، لا سيما فيما يتعلق بتأثيراتها المحتملة في شتى أنحاء العالم.

إشراك بلدان الجنوب

بالنظر إلى الماضي، تتحمل بلدان الشمال مسؤولية 92% من الانبعاثات التراكمية لغازات الدفيئة. لكن البلدان الأكثر عرضة لآثار تغيّر المناخ هي بلدان الجنوب. لذا، تكتسي التقنيات المستعملة في نظام إدارة الإشعاع الشمسي أهمية حيوية بالنسبة إليها. وستكون هذه البلدان المستفيد الرئيسي، إذا تم نشر هذه التقنيات وثبتت فعاليتها. أما في حالة الفشل، فإن البلدان المعرضة للتأثر هي الأكثر خسارة.

ونظراً للطابع العابر للحدود لهذه التقنيات ذات الآثار العالمية، فإنه من الضروري معالجة هذه المسألة في إطار تحالف عالمي.

ففي البداية، كانت الأبحاث في مجال هذه التقنية من اختصاص جامعات الشمال أساساً. وكانت تموّل عن طريق الأعمال الخيرية، ما أدّى بعد ذلك إلى إطلاق “مبادرة درجات” (Degrees Initiativeرابط خارجي)، التي ترمي إلى زيادة مشاركة بلدان الجنوب وخبراتها، وضمان تمثيل البلدان النامية تمثيلا واعيا وملتزما.

“هناك حاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث لفهمٍ أفضل لإدارة الإشعاع الشمسي، وآثاره المحتملة في شتى مناطق العالم.”

واستطاعت هذه المبادرة، بفضل مساهمات وتبرعات من مصادر حكومية وخيرية موجودة عموماً في الشمال، أن تُنشئ صندوق أبحاث موجّه لعلماء الجنوب. وقد ساعد ذلك على إجراء أبحاث استجابة للانشغالات المحلية، ودراسة التأثيرات المحتملة لـ SRM في المناطق المعرّضة لتغيّر المناخ.

وقد شهد العالم في السنوات الأخيرة، زيادة معتبرة في إنفاقه في هذا المجال. ويعكس ذلك وعيًا متزايدًا بأهمية هذا الموضوع وخطورته. لكن، لا تزال حصّة التمويل المرصودة لباحثي الجنوب، رغم أخذها في الارتفاع بشكل مطّرد، تمثّل 2٪ من إجمالي الميزانية فقط.

حوكمة متوازنة

ولإعادة التوازن بين بلدان الجنوب والشمال، نظّمت “مبادرة درجات” منتدى عالمياً في منتصف شهر مايو الماضي في كيب تاون بجنوب أفريقيا، خُصص لإدارة الإشعاع الشمسي.

وكانت أبرز الأصوات التي ظهرت خلال المؤتمر من الشمال. وهذا لا يمنع الباحثين والباحثات الحاصلين.ات على تمويل من “مبادرة درجات” من الحرص على أن تكون خبرات الجنوب في صميم التقيّيم الجاري على تلك الطرق.

ففي جامايكا، على سبيل المثال، وتحديداً في جامعة جزر الهند الغربية، تدرس روكسان ستينيت براون تأثير نظام إدارة الإشعاع الشمسي في الزراعة في جامايكا، وجزر الكاريبي. أما في إندونيسيا، فيقوم هيري كوسوانتو، الأستاذ في معهد العلوم والتكنولوجيا، بتحليل آثاره المحلية في درجات الحرارة القصوى وهطول الأمطار. وفي كيب تاون، بالجامعة الحاملة لنفس الاسم، ينكبّ روماريك أودولامي على دراسة تداعياته على مناطق مختلفة من أفريقيا.

وبينما يعيش العالم حالة من الانقسام، تؤكد هذه التساؤلات على الحاجة إلى حوكمة متوازنة دوليًا لتقنيات الإشعاع الشمسي. وفيما أيّد بعض المشاركين.ات في المؤتمر إجراء تجارب فورية على نطاق محدود، دعا آخرون.ات إلى اتفاقية لعدم استخدام هذه التقنيات أو وقف استخدامها إلى أن تتوصل الأبحاث إلى الحدّ من حجم المخاطر.

إسهامات سويسرا في مجال إدارة الإشعاع الشمسي؟

تعكف العديدُ من الفرق العلمية في المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ (EPFZ) ومعهد بول شيرر، ومرصد دافوس الفيزيائي للأرصاد الجوية (PMOD)، على إجراء أبحاث في مجال إدارة الإشعاع الشمسيرابط خارجي. لكن تسعى سويسرا، قبل كل شيء، إلى لعب دور رائد في حوكمة الهندسة الجيولوجية الشمسية، من خلال إدراج هذا الموضوع على جدول أعمال الأمم المتحدة.

“تسعى سويسرا إلى لعب دور رائد في إدارة الإشعاع الشمسي.”

وبعد محاولة أولى في عام 2019، تقدّمت برن العام الماضي بلائحة إلى جمعية الأمم المتّحدة للبيئة، تدعو إلى إجراء تقييم دولي لإدارة الإشعاع الشمسي. وفشلت المحاولة مرّة أخرى؛ إذ تم سحب اللائحة بسبب الخلافات بين الدول حول نطاق التقرير، والجهات المشاركة. ولا يزال العالم، إلى حدّ اليوم، يفتقر لمثل هذه الصورة الدولية الشاملة والكاملة عن إدارة الإشعاع الشمسي. 

لكن تبيّن جهود برن المبذولة، استعدادها لتحمّل مسؤولياتها في إقامة حوكمة متعددة الأطراف. وباعتبار سويسرا بلدًا محايدًا ومقرًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية بجنيف، فإنّها في وضع يؤهّلها للقيام بهذا الدور. ونظرًا للوضع الجيوسياسي الراهن، والتأثير المتزايد لتغيّر المناخ في جميع أنحاء العالم، والزيادة السريعة في التمويل المخصّص للأبحاث في مجال الإشعاع الشمسي، من المرجّح أن تكتسب هذه المسألة أهمية أكبر في المستقبل القريب. 

ويتطلب إثراء النقاش واتخاذ القرار بشأن الهندسة الجيولوجية الشمسية وضع آليات حوكمة مُلزمة، كما يستوجب الحدّ من عدم اليقين بشأن مخاطر هذه التقنيات وفوائدها من خلال تنسيق الأبحاث والإبلاغ عن نتائجها بدقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب وحده ولا تعبّر بالضرورة عن موقف سويس إنفو (SWI swissinfo.ch).

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: لويجي جوريو

هل سيكون من الضروري تشييد مكنسات ضخمة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري؟

هل أصبحت التقنيات المُستخدمة أو المقترحة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون بشكل اصطناعي من الهواء أمرًا لا غنى عنه أم تُوجد بدائل أفضل؟ شارك برأيك!

2 إعجاب
45 تعليق
عرض المناقشة

ترجمة: موسى آشرشور

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية