The Swiss voice in the world since 1935

تعزيز السلام: ما الدور المطلوب من سويسرا

لورانت غوشيل

كي تنجح سويسرا في تعزيز السلام، يجب أن تتمتّع بالمكانة الدولية المناسبة، والإرادة السياسية، وقبل كل شيء، قبول الأطراف المعنية المنخرطة في النزاع. فهل ما يزال هذا هو حالها، كما كان من قبل؟  

يعتقد البعض أن تعزيز السلام مرتبط بسويسرا بشكل مشابه للجبن أو الشوكولاتة، إذ يُعتبر جزءاً من الدور الإنساني الذي تقوم به، منذ تأسيس الصليب الأحمر على يد هنري دونان، الذي ينحدر من مدينة جنيف في القرن التاسع عشر. ومع ذلك، رغم وجود علاقة تاريخية بين التزام سويسرا الإنساني ودورها في تعزيز السلام، إلا أن هذا الارتباط ليس دائماً مؤكداً. وينطبق الشيء نفسه على سياسة الحياد، التي تعود صيغتها الحديثة إلى نفس الفترة. 

لقد انتهت الحقبة التي كانت فيها سويسرا تنأى بنفسها عن النزاعات في الدول المجاورة بدافع مصالحها الخاصة. وكانت تسعى آنذاك، من خلال مساعيها الحميدة إلى عزل القوات الأجنبية وتسهيل تبادل الرهائن. لم تعد أوروبا مركز العالم، وأصبح التعامل مع النزعات العنيفة أكثر تعقيدًا مما كان عليه سابقًا. لم يعد يكفي حمل الشعار الصحيح لتحقيق السلام، كما أن الحياد لم يعد سببًا كافيًا لذلك. والسردية الروسية التي تشير إلى أن سويسرا تخلت عن حيادها من خلال تبني عقوبات الاتحاد الأوروبي بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، هي جزء من الحرب الإعلامية العالمية إلى حد ما . 

رسم توضيحي لهيلفيتيا

المزيد

إلى أي اتجاه يتطوّر الحياد السويسري؟

يتعرض الحياد السويسري دائمًا للضغط في أوقات الأزمات. والسؤال الرئيسي بالنسبة لسويسرا هو ما إذا كانت ستختار الانفتاح أو الانعزالية. والإجابة ستحدد اتجاه البلد في المستقبل.

طالع المزيدإلى أي اتجاه يتطوّر الحياد السويسري؟

المنافسة تشتدّ 

مع التغيرات الجيوسياسية التي شهدتها السنوات الأخيرة، برزت دول جديدة على الساحة الدولية، مثل عُمان وقطر، إذ تسعى هذه الدول إلى تعزيز دورها كوسطاء وبناة جسور بفضل مصالحها الإقليمية والجيوسياسية. ورغم انضمام النرويج إلى حلف شمال الأطلسي، لم يمنعها ذلك من لعب دور نشط وناجح للغاية في حل النزاعات الدولية. 

والخبر السار لسويسرا، كداعم للسلام، هو أنّه رغم الاتّهامات الموجّهة إليها في ما يتعلّق بالسياسة الأمنيّة العالميّة، هناك حاجة متزايدة لدول غير متحيّزة، تسعى للمساهمة في حلّ النزاعات. أمّا الخبر الأقل إيجابيّة، فهو أنّ المنافسة تشتدّ، ولا يمكن لسويسرا الاعتماد على الاعتقاد بأنّ السلام يتحقق في جنيف فقط. ومن الضروريّ أن تعمل سويسرا على إثبات مصداقيّتها، وموثوقيّتها في تعزيز السلام مستقبلًا. ويجب عليها أن تتجنّب تعريض رأس مالها السياسيّ الدوليّ، الذي بنته على مرّ السنين، للتشكيك دونَ سببٍ، ولأغراض قصيرة النظر. فيرتبط اسم سويسرا باحترام القانون الدوليّ والدفاع عن حقوق الإنسان، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي أثناء النزاعات المسلّحة… 

من الضروري أن تعمل سويسرا على إثبات مصداقيتها وموثوقيتها في تعزيز السلام مستقبلاً. يجب عليها أن تتجنب تعريض رأس مالها السياسي الدولي، الذي بنته على مر السنين، للتشكيك بدون سبب، ولأغراض قصيرة النظر. فاسم سويسرا يرتبط باحترام القانون الدولي والدفاع عن حقوق الإنسان، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي أثناء النزاعات المسلحة. 

وهذا يعني أنّه ليس أمام سويسرا خيار سوى إدانة العدوان العسكريّ الروسيّ على أوكرانيا، بشكل قاطع. ويجب أن تكون إدانة انتهاكات حقوق الإنسان من قبل كل من إسرائيل وحماس، بنفس الدرجة من الوضوح. وعلاوة على ذلك، فإنّ استبعاد أحد طرفي الصراع، كما فعلت سويسرا بحظرها لحركة حماس، لا يتماشى مع صورتها كدولة تدعم السلام. لذا، يجب أن تُعطى الأولويّة للسياسة الخارجيّة على الداخليّة، مما يستدعي من الحكومة تحمّل مسؤوليّاتها القياديّة. ففي نهاية المطاف، يعتبر تعزيز السلام من أولويّات سياسة سويسرا الخارجيّة، كما يقرّ به الدستور الفدراليّ. 

هل ستتحلى سويسرا بالشجاعة المطلوبة؟  

تزداد الحاجة إلى بناء السلام، ولكن ذلك لم يسهل المهمة. عند اندلاع الحروب، يصبح تطبيق قواعد ميثاق الأمم المتحدة أكثر تأثراً بالصراعات السياسية داخل مجلس الأمن الدولي. لذا، تبرز أهمية دول مثل سويسرا، التي تتمتع بمستوى عالٍ من المصداقية والحياد. 

وأظهرت سويسرا تميزاً ملحوظاً من خلال النتائج الإيجابية لعضويتها الأولى التي انتهت مؤخراً في هذه الهيئة. لقد تركت بصمة بارزة في مجالات الدفاع عن الفئات المدنية أثناء الحروب، ودور التقنيات الحديثة في تعزيز السلام، بالإضافة إلى أهمية حماية البيئة لأمن الدول. ورغم المخاوف التي عبر عنها المعسكر السياسي المحافظ، لم يكن مبدأ الحياد عائقاً. 

ولقد برهنت السنوات الأخيرة على أنّ سويسرا يمكنها أن تكون محايدة، وحارسة للقيم في ذات الوقت. وقد كان هذا المزيج شرطًا أساسيًّا لنجاح عقد الاجتماع حول الحرب في أوكرانيا، في بورغنستوك. وكان من الشجاعة الإعلان عن هذا المؤتمر قبل عام.  

فقد تطلّب عقد هذا المؤتمر تفعيل جميع شبكات علاقات سويسرا السياسيّة. وفضلًا عن ذلك، كان من الضروريّ أن تصمد الحكومة أمام شتّى محاولات الضغط، التي سعت إلى إفشال هذا اللقاء بصيغته المُزمعة. وإذا ما أرادت سويسرا أداء دور مستقبليّ في تعزيز السلام، فعليها الاستمرار في الحفاظ على هذا الطموح وهذه الشجاعة. فبعيدًا عن المساعي الحميدة التقليديّة، التي مَثّلها مؤتمر بورغنشتوك، يتعيّن على سويسرا الوجود في سياقات النزاع المعنيّة والانخراط فيها، دون تعريض قيمها الأساسيّة للتشكيك. 

المزيد

ترجمة: هالة فرّاج

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية