جبال الألب: المجتمعات المحلية تصارع التحديات المناخية

تزداد الانهيارات الصخرية المحدودة النطاق في جبال الألب بسبب تغير المناخ، لكن لا يُعرف بالضبط ما الذي يؤدي إلى حدوث كوارث طبيعية كبيرة مثل التي شهدتها قرية بلاتن، في غرب سويسرا، أمس الأربعاء.
بوندو وبرينز ولوستالو وسيفيو والآن بلاتن. يتقاسم سكان هذه القرى السويسرية الواقعة في جبال الألب مصيراً واحدا: فقد اضطروا إلى هجر منازلهم تحت تهديد الكوارث الطبيعية. فالانهيارات الصخرية وتدفقات الحطام تجعل الأماكن التي كانت مأهولة لقرون غير آمنة.
لقد انهار جبل كلاينس نيستهورن في بلاتن، الواقعة في وادي لوتشينتال في كانتون فاليه. وقد أدى هذا الانهيار إلى تدفق الحطام الذي غطى القرية. وحدث ما كان في الحسبان، إذ انهارت الواجهة الصخرية الغير المستقرة، فسقطت الصخور على نهر بيرش الجليدي، وتعرض نهر لونزا لانسداد، وتجاوز الحطام كل الحواجز ووصل إلى وسط القرية.
في بلاتن، في لوتشينتال، بكانتون فاليه الواقع غرب سويسرا، حدث ما كان يخشاه الكثيرون. فقد حصل انهيار ضخم بنهر بيرش الجليدي بعد ظهر يوم الأربعاء. وقد غطى الحطام القرية وتعرّض نهر لونزا لعملية انسداد. وكانت السلطات المحلية بكانتون فاليه قد قررت في الصباح إعلان الحالة الاستثنائية.
وأُخليت قرية بلاتن في وقت سابق كإجراء احترازي. لكن المشاعر كانت متأججة في محيط الكارثة، وفقاً لصحفيين كانوا على عيْن المكان يوم الأربعاء.
وأوضح مجلس الدولة في بيان صحفي أن قرار إعلان الوضع الاستثنائي كان يهدف إلى ”تمكيننا من الرد بأسرع وقت ممكن، إذا لزم الأمر من خلال تعبئة عدد من موارد التدخل على نطاق واسع (هيئة المراقبة في الكانتونات، والحماية المدنية، وحتى الجيش) في أسرع وقت ممكن“.
وقد لوحظت بالفعل زيادة كبيرة في النشاط على الجبل الجليدي خلال ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، مع انهيار كبير في حوالي الساعة الرابعة صباح يوم الأربعاء. وكان هذا هو الثاني من نوعه بعد الانهيار الذي حدث في وقت مبكر من مساء الثلاثاء، كما أوضح فرناندو لينر، وهو عضو في الطاقم الإقليمي في لوتشنتال.
وتقول مايلين جاكيمارت، الباحثة في علم الجليد في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ والمعهد الفيدرالي السويسري لأبحاث الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية (WSL) متحدثة إلى سويس إنفو ( SWI swissinfo.ch): ”لقد كان حدثًا غير متوقع تمامًا“. قبل أن تضيف: ”فإما حدثت التغييرات في الصخور حدثت بسرعة كبيرة، أو كانت هناك حركة بالفعل منذ أشهر أو سنوات ولم يلاحظها أحد“.
ويمثل التنبؤ بمثل هذه الظواهر للباحثين لغزًا معقدًا، يتضمن فهم تغير المناخ بالإضافة إلى العديد من العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر في حركة الجبال.
شاهد انهيار جدار جبل نيستهورن:
تغير المناخ يزيد من المخاطر الطبيعية
لقد كان هناك على الدوام مناطق غير مستقرة في جبال الألب السويسرية، كما يقول خبير المخاطر الطبيعية فيديريكو فيراريو. ويرجع ذلك إلى الظروف الجيولوجية والهيدروجيولوجية، فضلاً عن تأثيرات الطقس الأخرى.
ويشير خبير المخاطر الطبيعية إلى أن “تغير المناخ قد زاد من أهمية حالات عدم الاستقرار، حتى في المناطق المرتفعة”، حيث تذوب الأنهار الجليدية والتربة الصقيعية، المعروفة بـ “الغراء” في جبال الألب، نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، ما يسبب زعزعة استقرار المنحدرات، وزيادة خطر الانهيارات الصخرية.
وتؤكّد دراسة رابط خارجيجديدة أعدها المعهد الفيدرالي السويسري لأبحاث الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية إلى أن تغير المناخ يرفع من احتمالات حدوث كوارث طبيعية في جبال الألب، كما تزداد الانهيارات الصخرية تكرارًا في المناطق التي تعاني من ذوبان التربة الصقيعية فيها.
وتتأثر سويسرا بشكل خاص بتغير المناخ، وتعد جبال الألب من بين أسرع المناطق ارتفاعًا في درجات الحرارة على كوكب الأرض. فقد ارتفع متوسط درجة الحرارة بنحو 3 درجات مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو ما يعادل حوالي ضعف المتوسط العالمي.
>> ما هي التربة الصقيعية؟ ولماذا يهدد ذوبانها المناطق الجبلية؟ نشرح ذلك أدناه:

المزيد
انهيارات أرضية وتدفقات طينية: ارتفاع الحرارة يخل بتوازن التربة الصقيعية
الانهيارات الأرضية الكبيرة: هل هي ظاهرة استثنائية أم متكررة بشكل متزايد؟
رغم ذلك، تُشير تحليلات المعهد الفيدرالي السويسري لأبحاث الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية (WSL)، التي أُجريت على مدى الثلاثين عامًا الماضية، إلى أنه لا يزال هناك العديد من الشكوك حول الأسباب الدقيقة للانهيارات في الجبال. فلا توجد علاقة واضحة بين الاحترار المناخي والانهيارات، إلا في حالة الانهيارات الصخرية التي ينجرُّ عنها تساقط الصخور الفردية التي يقل قطرها عن 50 سنتمترًا. (تُشرح الفروق بين الانهيارات الصخرية، والانهيارات الأرضية هنارابط خارجي).
ويشير المعهد السويسري إلى أن التحديد الكمي لتأثير التغير المناخي على الانهيارات الأرضية وغيرها من التحركات الجبلية الضخمة لا يزال صعبًا بسبب تعقيدات الظواهر الطبيعية، وكذلك بسبب محدودية البيانات المتاحة، وتقنيات المعالجة الإحصائية الحالية.
وأما بالنسبة إلى الانهيارات الأرضية الصغيرة، التي تؤدي إلى انزلاق مواد يتراوح حجمها بين 100 إلى 1000 متر مكعب، فهي لا ترتبط بتغير المناخ، كما تقول ميلين جاكمارت، المشاركة في دراسة المعهد الفدرالي لأبحاث الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية. وتضيف: “تحدث هذه الانهيارات بشكل متكرر، خاصة في المناطق المرتفعة”. ويمكن لهذه الانهيارات، بحسب الباحثة، أن تعيق مسارات التنزه، وتسبب أضرارًا للمباني، وتشكل خطرًا على حياة البشر والحيوانات في محيطها.
لكن الربط بين ارتفاع درجات الحرارة والانهيارات الصخرية الكبيرة مثل الانهيارات التي شهدتها بلاتن مؤخرًّا أو التي حدثت في بوندو في عام 2017 سابق لأوانه، وفقًا لجاكيمارت التي تعبّر عن شكوكها قائلة: “تمتد ملاحظاتنا المنهجية على مدى حوالي 20 عامًا. ومن السابق لأوانه القول ما إذا كانت هذه أحداث استثنائية أو ما إذا كان هناك تغيير كبير من الناحية الإحصائية”.

“جبالنا لا تنهار واحدة تلو الأخرى”
وتلعب الظروف الجيولوجية المحلية والتضاريس دورًا مهمًا، كما يقول روبرت كينر، باحث آخر من المعهد الفدرالي لأبحاث الغابات والثلوج والمناظر الطبيعية إن زعزعة استقرار الجدران الصخرية هي نتيجة لعملية قد تستغرق ما يصل إلى آلاف السنين، ولكن يمكن أن تؤثر أحداث الطقس أو المناخ في توقيت الحدث. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتسرب المياه الذائبة من الأنهار الجليدية إلى الشقوق في الصخور وتتسبب في التفكك والانهيار في نهاية المطاف عندما تتجمد.
وقال كينر لوكالة الأنباء السويسرية Keystone-ATS: ”جبالنا لا تنهار الواحد تلو الآخر“.
وفي ما يتعلق بالتدفقات الحطامية، مثل الانهيارات الطينية والصخرية، يتضح أن عدد حالات هطول الأمطار الشديدة التي تتسبب في هذه الظواهر قد ارتفع. ومع ذلك، تشير جاكيمارت إلى أن “نصف الدراسات التي حُللت فقط تدل على زيادة في تدفقات الحطام”.
إن الأشخاص الذين نزحوا من قرية بلاتن هذا الأسبوع والبالغ عددهم 300 شخص تقريبًا ليسوا الوحيدين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم بسبب خطر الكوارث الطبيعية.
ففي عام 2024، كان هناك 1,100 حالة نزوح قسري في سويسرا بسبب الفيضانات والانهيارات الأرضية، وفقًا لأحدث تقريررابط خارجي صادر عن مركز رصد النزوح الداخلي. ويشير الرقم إلى عدد المرات التي أُجبر فيها الشخص على الانتقال إلى مكان آخر.
والرقم المسجل في عام 2024 هو الأعلى منذ بدء المسوحات في عام 2008، وكان ثلاثة أضعاف الرقم المسجل في عام 2023. وقد تمكن معظم الأشخاص من العودة إلى ديارهم، حيث تم الإبلاغ عن 97 شخصًا ”نازحًا داخليًا“ في سويسرا في نهاية عام 2024.
أما على الصعيد العالمي، فقد بلغ عدد التنقلات القسرية بسبب الكوارث الطبيعية في عام 2024، 45.8 مليون شخص. ومن بين البلدان الأكثر تضررًا الولايات المتحدة والفلبين والهند والصين وبنغلاديش ونيجيريا والبرازيل.
“من المستحيل مراقبة كل واجهة صخرية في سويسرا”
تمكن صور الأقمار الصناعية، وأجهزة الرادار، وأجهزة الاستشعار، الموجودة في الموقع من متابعة حركة الأرض على طول المنحدرات الجبلية. وفي حال تسجيل شيء غير اعتيادي،، يمكن للجهات المعنية إصدار تحذير.
ويقول إيف بوهلر، الخبير في أجهزة الرصد في معهد دراسات الثلوج والانهيارات الثلجية، إن سويسرا رائدة في مراقبة جبال الألب.
ويشير التلفزيون السويسري العمومي الناطق بالألمانية (SRF) إلى أن سويسرا تشهد “تعاونًا فريدًا من نوعه بين السلطات التي يتعين عليها اتخاذ القرارات، والشركات الخاصة التي طورت أنظمة مراقبة عالية التقنية، وفرق البحث التي تختبر الأجهزة الجديدة وتتحقق من صلاحيتها“.
ويقول فيديريكو فيراريو: “عندما تكون الظاهرة معروفة ومضبوطة، فمن الممكن التدخل ومنع الكوارث. فعلى سبيل المثال، يمكن للجدران والسدود الخرسانية أن تحمي القرى من الفيضانات وتدفقات الحطام. ومع ذلك، عندما تكون كميات المواد كبيرة جدًا، في المناطق التي يتعذر الوصول إليها، يكون التدخل أكثر تعقيدًا من الناحيتين التقنية والمالية، كما يقول.
+ الانهيارات الأرضية في سويسرا… كيف يمكن حماية الناس والقرى؟
وفي جبال الألب، من الصعب جدًّا توقع أي نقطة ستتعرض للانهيار بعد ذلك، كما تشير ميلين جاكيمارت. “يمكن أن يقدم السكان المحليون وبيانات الأقمار الصناعية معلومات هامة. لكن من المستحيل مراقبة كافة الواجهات الصخرية في سويسرا.”
وسيتطلب العيش في هذه المناطق في المستقبل التكيُّف مع المخاطر الطبيعية أو الانتقال من المناطق الأكثر عرضة لهذه المخاطر.
تحرير: غابي بولارد
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
مراجعة: ريم حسونة
التدقيق اللغوي: لمياء الواد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.