مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حكم قضائي مثير يُعيد النزاع الضريبي بين برن وواشنطن إلى الواجهة

تسعى إدارة الضرائب الامريكية إلى الحصول على بيانات دقيقة حول الحسابات المصرفية التي يمتلكها مواطنون امريكيون يشتبه في تهربهم من دفع الضرائب المستحقة عليهم في بلادهم. Keystone

أصدرت المحكمة الإدارية الفدرالية بسويسرا حكما لصالح أحد عملاء مصرف "كريدي سويس" الذي سبق أن اشتكى إليها لمنع ارسال بيانات حسابه المصرفي إلى إدارة الضرائب الأمريكية التي تتهمه بالتهرب الضريبي.

وقالت وزارة المالية السويسرية إن مفاوضاتها مع السلطات الأمريكية سوف تتواصل من أجل تسوية الخلاف حول السرية المصرفية، والتهرّب الضريبي المزعوم.

وأشارت المحكمة السويسرية في بيان اصدرته الأربعاء 11 أبريل 2012 أن أدلة التهرّب من دفع الضرائب، كعدم الإعلان عن امتلاك حساب مصرفي سويسري، ليست حجة كافية لتمكين دائرة الإيرادات الداخلية الأمريكية ( IRS ) من الإطلاع على بيانات حساب المعني بالأمر.

وقد فشلت هذه الإدارة في العام الماضي في الحصول على المساعدة الإدارية من سويسرا بشأن 650 ملفا استنادا إلى اتفاقية منع الإزدواج الضريبي بين البلديْن، ووجد ذلك القرار الدعم من إدارة الضرائب الفدرالية في سويسرا (  FTA). وتسعى مصلحة الإيرادات الداخلية في امريكا على وجه الخصوص إلى الحصول على تفاصيل الحسابات المصرفية التي تعود ملكيتها إلى مواطنين أمريكيين متهمين بالتهرّب من دفع الضرائب.

مصرف كريدي سويس أحال إلى المحكمة الإدارية الفدرالية الطلب الأمريكي بتسليم البيانات، وفي يناير 2012 خلصت المحكمة إلى أن كل الشروط قد توفّرت لتقديم المساعدة الإدارية المطلوبة، لكنها عادت وأوقفت هذا التعاون بعد الإعتراض الذي قدمه أحد أصحاب الودائع المشمولين بهذا الملف.

وقررت المحكمة أنه في الوقت الذي يمكن فيه اتهام بعض موظفي البنك بالغش الضريبي، فإن أكثر ما يمكن ان يدان به مالكو هذه الحسابات هو التهرب الضريبي، وهو أمر لا يعاقب عليه القانون في سويسرا.

من جهة أخرى، قضت المحكمة أنه وفقا لاتفاقها مع الولايات المتحدة بأن حالة تهرب ضريبي واحدة لا تؤهلها للحصول على المساعدة الإدارية، حتى ولو تعلّق الأمر بمبالغ مالية مهمة، كما رأى القضاة أن عدم إبلاغ شخص ما امتلاكه لحساب مصرفي لا يعد تهربا ضريبيا في عرف القانون السويسري. وهذا الحكم لا يمكن الإعتراض عنه أو استئنافه.

سابقة

في سياق متصل، أوضح ماركوس متز، رئيس المحكمة الإدارية الفدرالية، أن الحكم استند إلى اتفاقية منع الإزدواج الضريبي بين سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1996، وهي اتفاقية لا تعتبر التهرب الضريبي مخالفة يعاقب عليها القانون.

وقد تمت الموافقة في البرلمان السويسري على التعديلات التي ادخلت على الإتفاقية بما يسمح بتقديم المساعدة الإدارية حتى في حالة التهرب الضريبي، ولكن الكنغرس الامريكي هو الذي لم يصادق عليها بعدُ. وقال متز في حديث إلى التلفزيون السويسري أن 30 شكوى تقدم بها عملاء بمصرف كريدي سويس لا تزال معلقة لم يبت فيها.

أما بيتر كونتس، أستاذ قانون الشركات بجامعة برن، فيرى أن الحكم الأخير يعدّ “سابقة محدودة”. وأضاف أن هذا الحكم من حيث المبدأ ينطبق على جميع العملاء الامريكيين، ولكن لن يستطيع ان يستفيد منه إلا من لديهم حالات مماثلة. ويرى هذا الخبير أنه سوف يصبح من اليسير جدا على الولايات المتحدة الحصول على البيانات المصرفية التي تريد بمجرد مصادقتها على التعديلات المدخلة على اتفاقية منع الإزدواج الضريبي. وقال كونتس، في حديث إلى التلفزيون العمومي السويسري: “في هذه اللحظة، الولايات المتحدة لا يمكن إلا أن تلوم نفسها.   وكلما أسرعت بالمصادقة على الإتفاقية المعدلة، كلما كان أيسر لهم الوصول إلى المعلومات التي يريديون”.

اما راينر شفايتزر، وهو أستاذ فخري في القانون الجنائي في جامعة سانت غالن، فيرى أن قرار المحكمة يبيّن أن كريدي سويس “يستخدم طرق مثيرة للجدل” لجذب الحرفاء وأن إدارة الإيرادات الداخلية الامريكية قد اكتفت بتقديم طلبات عامة وتنقصها الدقة.

استياء أمريكي

وبحسب ما اوردته وكالة الانباء السويسرية يوم الخميس 12 أبريل فقد “اعتبرت وسائل الإعلام الأمريكية قرار المحكمة السويسرية بمثابة الإنتكاسة التي يصعب القبول بها في مساعي البحث عن حل للنزاع الضريبي بين البلديْن”. وفي اليوم نفسه، أورد الموقع الإلكتروني لصحيفة “نيويورك تايمز” أنه “من شان قرار المحكمة السويسرية عرقلة التوصل إلى حل في النزاع الضريبي”، وتذهب الصحيفة إلى أن “هذا الحكم سيعيد المحادثات إلى منطلقها الأوّل”.

في مقابل ذلك، ذهبت أصوات أخرى إلى تحميل الإدارة الامريكية تبعات ما جرى، وذلك لعدم مصادقتها على اتفاقية منع الإزدواج الضريبي بصيغتها المعدلة، والتي تنص بوضوح على ضرورة تقديم المساعدة الإدارية حتى في حالة التهرب الضريبي، لكن هذه الإتفاقية تأخّر مجلس الشيوخ الأمريكي في المصادقة عليها بسبب اعتراض أحد اعضائه وهو النائب الجمهوري راند باول.

في الأثناء، يخشى آشار روبنشتاين، رجل قانون مشهور في المجال الضريبي من “ردة فعل قوية من الطرف الأمريكي. فخيبة الامل ستكون كبيرة لان الكثيرين ظنوا أنه قد تم التوصّل إلى حل لمثل هذه القضايا منذ 2009 مع تفجّر ملف يو بي إس”.

المزيد من المحادثات

في برن، أشارت كتابة الدولة للشؤون المالية الدولية ( SIF ) أن قرار المحكمة سلط الضوء على الصعوبات التي تواجه ما يسمى بمجموعة الإستفسار في ظل العمل بالنص الأصلي لإتفاقية التعاون الضريبي لعام 1996.

ويقول هذا المكتب، وهو وحدة تابعة لوزارة المالية السويسرية، بإنه سوف يعمل على إبراز مزايا التعديلات التي أدخلت على هذه الإتفاقية خلال محادثاته مع الطرف الأمريكي، وهي المحادثات الهادفة إلى تسوية النزاع الضريبي الذي يخص 11 مصرفا سويسرا، وهو ملف قيد الدرس حاليا. ووفقا لكتابة الدولة للشؤون المالية الدولية، يمكن للولايات المتحدة التقدم بطلبات جديدة من اجل المساعدة الإدارية، إذا كانت تلك المطالب محددة بدقة.

وقد سبق أن أوقفت هذه المحكمة سنة 2010 تسليم بيانات عملاء أمريكيين بمصرف سويسري كبير آخر هو اتحاد المصارف السويسرية، نظرا لغياب أي سند قانوني لذلك. لكن في المقابل، صادق البرلمان في شهر يوينو من نفس السنة على اتفاق بين برن وواشنطن يفتح الطريق للتعاون الثنائي بين البلديْن بشأن الحسابات المصرفية في مصرف يو بي إس محل النظر.
 

ويتوقع المراقبون أن يستمر الشد والجذب بين البلديْن في المجال الضريبي، ولكن قل من يشك في أن البيانات المطلوبة سوف تسلم إلى الطرف الأمريكي عاجلا أم آجلا.

كان مصرف يو بي اس أوّل مصرف يجد نفسه تحت مجهر العدالة الأمريكية، وصدرت ضده غرامة قدرها 780 مليون دولار للتعويض عن المساعدة التي قدمها موظفوه لمواطنين امريكيين كانوا يحتالون عن السلطات الضريبية في بلادهم.

في العام التالي، وقعت السلطات السويسرية اتفاقا مع نظيرتها الأمريكية، يقوم بمقتضاه اتحاد المصارف السويسرية بتسليم إدارة الضرائب الامريكية البيانات المصرفية الخاصة بحوالي 4500 عميل امريكي مقابل إيقاف الولايات المتحدة التتبعات العدلية ضد هذا المصرف.

قاد العفو الضريبي الذي أعلنته الإدارة الامريكية على مواطنيها المتهربين من الضرائب إلى التعرف عن 30.000 منهم. واستطاعت إدارة الضرائب الحصول منهم على معلومات مهمّة حول الدور الذي لعبته المصارف السويسرية في مساعدة هؤلاء على الإحتيال على سلطات بلادهم.

تم القبض على العديد من المصرفيين السويسريين ، ووضع بعضهم رهن الإقامة الجبرية لإستكمال التحقيقات في الأشهر الأخيرة، وقد شمل ذلك ثلاثة مديرن في مصرف فيغلان. وفي نهاية يناير أعلن هذا المصرف أنه سيفوّت في أغلب إلى مصرف رايفايزن.

بعد عدة ايام، وجهت وزارة العدل الأمريكية إلى مصرف wegelin تهمة مساعدة وتحريض مواطنين أمريكيين في الإحتيال على إدارة الضرائب في بلادهم، وهذه هي المرة الاولى التي يتم فيها اتهام بنك أجنبي رسميا بمثل هذه الممارسات في الولايات المتحدة. 

يجري حاليا التحقيق حول تصرفات وأنشطة 11 مصرفا سويسريا بما في ذلك مصرف “كريدي سويس”.

(نقله من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية