The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

80 عامًا على هيروشيما: جنيف والنضال من أجل حظر القنبلة النووية

هيروشيما
الأسلحة النووية: وسيلة ردع أم وصفة لكارثة؟ Illustration: SWI swissinfo.ch / Helen James

بعد ثمانين عامًا على الهجوم النووي الذي دمَّر هيروشيما، لا يزال العالم يشهد ارتفاعًا حادًّا في الإنفاق على الأسلحة النووية. وفي ظل تعثُّر جهود نزع السلاح النووي، تروي إحدى الناجيات شهادتها لتذكير العالم بحجم الخطر المحدق.

في 6 أغسطس 1945، كانت ميشيكو كوداما، طفلة في السابعة من عمرها، تعيش في هيروشيما. وفي الثامنة والربع صباحًا، نهضت من كرسيها، ووقفت قرب نافذة الصف. لم تدرهل تهرع إلى الخارج أم تبقى مكانها وتحتمي تحت غطاء الوقاية من الغارات الجوية. فجأةً، اخترق المكان وميض خاطف، تتداخل فيه ألوان الأصفر والبرتقالي والفضي، في مشهد تعجز الكلمات عن وصفه. ثمَّ تحطمت النوافذ، وانطرحت كوداما أرضًا لتحتمي بمقعدها، وسرعان ما فقدت الوعي.

لم تكن مدرستها تبعد عن مركز الانفجار سوى أربعة كيلومترات، أو أكثر قليلًا. أمَّا منزلها، فكان أقرب. وحين أفاقت، كان والدها يحملها، ويشقّ طريقه وسط مدينة تتلظّى بالنيران، وتتناثر على أرضها جثث متفحمة.

وفي مقابلة مصوّرة مع سويس إنفو (Swissinfo.ch)، تقول كوداما، الناجية من ذلك الهجوم النووي: “لا يزال المشهد مطبوعاً في ذاكرتي. كان البعض يتشبث بساقينا ويتوسّل: ‘أرجوكما ساعداني… أرجوكما القليل من الماء'”.

وكان أكثر ما راع كوداما مشهد لفتاة في مثل عمرها، ربما انفصلت عن عائلتها. هرعت الصغيرة نحوهما، وقد احترق نصف وجهها وجسدها، وتوسّلت إليهما بنظراتها، بينما تجاوزاها عاجزيْن عن مساعدتها. وتقول كوداما التفتُّ إلى الخلف، “فوجدتها مرتمية على الأرض… وأعتقد أنها فارقت الحياة”.

وبعد مرور ثمانين عامًا، تروي كوداما شهادتها لتذكّر العالم بالدمار الذي يمكن أن يخلّفه سلاح نووي واحد. فقد دمّرت أول قنبلة ذرية نحو عشرة كيلومترات مربعة من مدينة هيروشيما، وقتلت قرابة 135 ألف شخص. وتخاطب قصتها عالم منقسم، ينزلق نحو سباق تسلّح نووي جديد، سباق يرى الخبراء والخبيرات، أنه قد يفضي إلى كارثة.

مخاوف من اقتراب “يوم القيامة”

مع تعثُّر محادثات نزع السلاح في جنيف، وتصاعد الميزانيات العسكرية، لم يعد الزخم العالمي يمضي باتجاه نزع الأسلحة النووية، بل نحو إعادة التسلح. وخلال السنوات الخمس الماضية، ارتفع الإنفاق العالمي على الأسلحة النووية بشكل حاد. ومنذ عام 1945، اقترب العالم من حافة صراع نووي في عدد من المرات يفوق ما يتخيله معظم الناس.

وتقول ميليسا بارك، المديرة التنفيذية لمنظمة الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (ICAN)، التي تتخذ من جنيف مقرًا لها: “إن خطر استخدام الأسلحة النووية الآن أعلى من أي وقت مضى”، وجدير بالذكر أن هذه المنظمة حازت على جائزة نوبل للسلام عام 2017 لدورها في الدفع نحو اعتماد معاهدة حظر الأسلحة النووية (TPNW)، وهي أول اتفاقية دولية تحظر الأسلحة النووية بشكل شامل.

وتجد هذه المخاوف صدى لدى العديد من الخبراء، والخبيرات، حول العالم. ففي يناير الماضي، حرَّكت نشرة علماء الذرة (Bulletin of the Atomic Scientists) عقارب “ساعة يوم القيامة” ثانية واحدة إلى الأمام، لتصبح 89 ثانية قبل منتصف الليل، في أخطر تحذير من تهديد وجودي يتربَّص بالعالم بفعل التقنيات الخطرة. وقد عكست هذه الحركة المخاوف من أن تؤدي حرب روسيا على أوكرانيا إلى صراع نووي نتيجة سوء تقدير أو حادث عرضي. وجاء ذلك قبل التصعيد، في مايو، بين الهند وباكستان، وهما قوتان نوويتان، وقبل الضربات التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة في شهر يونيو على إيران والتي تطوّر قدرات نووية، لكنها تصرّ على أن هذه القدرات مخصصة لأغراض سلمية مثل إنتاج الطاقة، وليس لصنع أسلحة نووية.

أمَّا إيلويز فايت، التي ترأس برنامج الردع وعدم الانتشار في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)، فتقلق من “عودة الأسلحة النووية كأداة من أدوات السياسة والإكراه… إلى جانب التصدّع العالمي للنظام الدولي، وخاصة المعايير والضوابط المتعلقة بالأسلحة النووية”. وترى فايت أن هذه التطورات ترفع من احتمالات سوء التواصل ووقوع أخطاء كارثية.

سباق تسلّح جديد

محتويات خارجية

وفي السنوات الأخيرة، شهد الإنفاق على الأسلحة النووية ارتفاعًا حادًّا. فمنذ 2019، عزَّزت الدول النووية التسع؛ وهي الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والهند، وباكستان، وإسرائيل، وكوريا الشمالية، إنفاقها السنوي على هذا المجال. وتتصدّر الولايات المتحدة هذه القائمة، تليها روسيا، فالصين.

ويبرز هذا الاتجاه في حالة الصين، التي كانت تملك حوالي 200 رأس نووي في مطلع القرن الحادي والعشرين. ومع نهاية العام الماضي، ارتفعت ترسانتها النووية إلى 600 رأس، وتشير تقديرات وزارة الدفاع الأمريكيةرابط خارجي، إلى أن العدد قد يتجاوز ألف رأس بحلول عام 2030. ومع ذلك، لا تتجاوز الترسانة الصينية عُشر حجم الترسانتين الأمريكية والروسية.

ورغم تمسُّك بكين رسميًّا بسياسة “عدم المبادرة باستخدام السلاح النووي”، أي التعهد بعدم استخدامه إلَّا ردًّا على هجوم نووي، فإن بعض التحليلات الغربية تشكك في صلابة هذا الموقف في حال اندلاع نزاع واسع النطاق.

وتقول فايت: “الاهتمام المتزايد بالأسلحة النووية من جانب الدول التي تمتلكها، يُغري دولًا أخرى بالسعي وراءها”. وتُعدِّد من بين هذه الدول كوريا الجنوبية، واليابان، وأوكرانيا، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، التي باتت تنظر إلى السلاح النووي بقبول متزايد. وتضيف: “ترى فيه أداة فعالة لإدارة شؤون الدولة”.

وعلاوة على تزايد حجم الترسانات النووية، فإن تحديثها ينطوي على أخطار إضافية. فالعديد من القوى النووية تطوّر صواريخ تفوق سرعة الصوت، وأنظمة توجيه تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وتعرب بارك عن قلق بالغ إزاء تسلّل الذكاء الاصطناعي إلى أنظمة القيادة والتحكم النووية. وتحذّر من أن المنظومات الحديثة أشد عرضة للهجمات الإلكترونية.

أما الرؤوس النووية اليوم فهي أصغر حجمًا، لكنها أقوى بأضعاف من التي أُلقيت على هيروشيما، وبعدها بثلاثة أيام على ناغازاكي. فمثلًا، كان اختبار “كاستل برافو” النووي، الذي أجرته الولايات المتحدة عام 1954، أقوى بألف مرة من قنبلة هيروشيما (15 ميغاطن مقابل 15 كيلوطن). وإذا ضربنا تلك القوة التدميرية في 12 ألف رأس نووي، وهو العدد الموجود تقريبًا اليوم، ندرك حجم الكارثة المحتملة. وتضيف كوداما: “مع 12 ألف رأس نووي، كافية لتدمير الأرض مرتين”.

Kai Reusser / SWI swissinfo.ch
Kai Reusser / SWI swissinfo.ch

تراجع الأعراف الدولية…

حاليًا، يترنح الإطار الموضوع لضبط الأسلحة النووية منذ قصف هيروشيما. فمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، التي صيغت في جنيف في ستينيات القرن الماضي، تواجه اليوم أزمة مصداقية. فقد فشل مؤتمر المراجعة الأخير عام 2022 في تحقيق أي توافق، وتبدو الآفاق قاتمة بالنسبة لمؤتمر المراجعة المقبل في 2026.

وتنعقد هذه المؤتمرات كل خمس سنوات في نيويورك، لتقييم التقدم في الركائز الثلاث للمعاهدة؛ عدم الانتشار، ونزع الأسلحة، والاستخدام السلمي للطاقة النووية. بالإضافة إلى تعزيز التزامات الدول الموقِّعة عليها.

وتحذّر بارك، بالقول: “نشهد انهيارًا شبه كامل لاتفاقيات ضبط التسلح، وانطلاق سباق تسلّح نووي جديد. ويبدو الوضع بالغ الخطورة. هذه لحظة ينبغي فيها لقيادات العالم أن تتحاور معًا لخفض منسوب عدم الثقة… وأن تبحث مسألة نزع السلاح بجدية لأول مرة منذ عقود”.

… ومعاهدات جنيف

وتشكّل جنيف، التي تستضيف فعاليات لإحياء الذكرى الثمانين لقصف هيروشيما وناغازاكي، خيارًا طبيعيًا للدول التي تسعى للتعامل مع القضايا النووية، نظرًا لحياد سويسرا ولمكانة المدينة كمقر لعدد من الوكالات الأممية الأساسية، من بينها معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح (UNIDIRرابط خارجي).

وفي عام 1986، أدّى حادث تشيرنوبيل النووي إلى إطلاق حركات شعبية قوية مناهضة للأسلحة النووية في سويسرا. وقد أثرت هذه الحركات بعمق على الرأي العام ومسار سياسة الطاقة في المدى البعيد. وأصبحت جنيف مركزًا للتنسيق الدولي بشأن السلامة النووية والاستجابة للكوارث في أعقاب ذلك الحادث الكارثي.

وتضطلع جنيف بدور محوري رمزي في الدبلوماسية النووية، إذ تشكّل ساحة موثوقة للمفاوضات غير الرسمية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، الذي ألزم إيران بتقييد برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية عنها.

وتحتضن جنيف أيضًا مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح. لكنَّ هذا المنتدى التفاوضي متعدد الأطراف، الذي يعقد ثلاث دورات كل عام، لم يُثمر عن أي معاهدة جديدة منذ عقود. وكانت آخر معاهدة رئيسية هي الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT)، المُوقَّعة عام 1996، لكنها لم تُفعَّل لعدم فوزها بالتصديقات الضرورية. إذ امتنعت دول أساسية، كالولايات المتحدة، والصين، والهند، عن المصادقة عليها، فيما ألغت روسيا رسميًّا تصديقها عام 2023.

أمَّا معاهدة حظر الأسلحة النووية (TPNW)، السارية منذ 2021، فلا تزال جميع الدول النووية تتجاهلها. وحتى سويسرا المحايدة، امتنعت عن التوقيع عليها، رغم طابعها الإنساني الواضح. وفي أحدث تقييم له في مارس 2024، جدّدت الحكومة الفدرالية تأكيدها أن أفضل سبيل لوفاء سويسرا بالتزاماتها في مجال ضبط التسلّح النووي هو مواصلة العمل بمعاهدة عدم الانتشار القائمة، لأنها تشمل جميع الدول المالكة للسلاح النووي.

محتويات خارجية

 

المخاطر النووية تتفاقم في مناطق الصراع

لا يدرك كثير من الناس عدد المرات التي اقترب فيها العالم من كارثة نووية. فقد تراوحت منذ مرحلة الحرب الكورية، ثمَّ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، وبعض الإنذارات الكاذبة على شاشات الرادار. وعلى حد قول بارك، نجا العالم من تلك الكوارث الوشيكة “بمحض صدف غبية”. ويتفق مع هذا الرأي، كلٌّ من غاريث إيفانز، الرئيس السابق للجنة الدولية لمنع الانتشار النووي ونزع السلاح، وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة.

محتويات خارجية

والجدير بالملاحظة أن معظم هذه الوقائع الخطرة وقعت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. فقد راكم البلدان ترسانات هائلة من الأسلحة النووية خلال الحرب الباردة، عندما امتلك كل منهما عشرات الآلاف من الرؤوس النووية. واليوم، تسيطر الولايات المتحدة وروسيا على نحو 90% من الترسانة النووية العالمية، إذ يمتلك كل طرف أكثر من 5،000 رأس نووي.

واليوم، تشمل أكثر النزاعات الجيوسياسية تقلبًا دولًا نووية، أو دولًا على وشك امتلاك مثل هذه الأسلحة.

ووفقًا لبارك: “نشهد حاليًّا نزاعات كبرى تضم دولًا نووية، وتهديدات نووية، وتصاعد في الخطاب النووي، حتى من قيادات سياسية بارزة”. وتضيف قائلة: توظّف الدول النووية ترسانتها للتنمّر على دول أخرى، في نوع من التنمّر النووي، وتقوم بأفعال توحي بأنها بمنأى عن أي مساءلة”.

ومن جهة أخرى، تشير إلى أن الضربات الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل على إيران تكشف ازدواجية المعايير في السياسة النووية العالمية. ومع ذلك، تبدي بارك أملًا في الدعم المتزايد لمعاهدة حظر الأسلحة النووية، التي تقترب من نيل تأييد غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، مع توقيع أو تصديق نحو 100 دولة. ومن المتوقع انضمام دول أخرى، منها قيرغيزستان، خلال هذا العام.

محتويات خارجية

كي لا ننسى دروس الماضي

بالنسبة إلى السيدة ميشيكو كوداما، الناجية من حرب نووية، يبقى الخطر النووي حاضرًا بقوة، وواقعيًّا إلى حد الألم. فهي تحمل إرثًا قاسيًا يدفعها للحديث بدافع من الاحساس بالواجب، ولكي لا ننسى فظائع هيروشيما.

وهذا القلق له ما يبرره. ففي عام 2018، التقت كوداما بشخصيات دبلوماسية من خمس دول نووية، وحثتها على الوفاء بالتزاماتها في نزع السلاح بموجب معاهدة عدم الانتشار. ولكن، عندما عادت إلى جنيف في عام 2024، في خضم الحرب في أوكرانيا، رفض الشخصيات الممثلة لتلك الدول الاجتماع بها، واقتصر اللقاء على ممثلي الدول غير النووية.

من ناحية أخرى، أثارت مشاهد الحرب في أوكرانيا ألمًا خاصًّا في نفسها، خاصة صور الأطفال القتلى الموضوعين في أكياس بلاستيكية. وتقول: “في هيروشيما، لم تكن لدينا حتى أكياس بلاستيكية آنذاك. كانت الجثث المحترقة بلا أيدٍ ولا أقدام، واستحال التمييز بين الذكر والأنثى. وكانت تُنقل على عربات، وتُعامل مثل القمامة. وانتُزعت كرامتها الإنسانية بالكامل”.

كما تشعر كوداما بخيبة أمل حيال موقف طوكيو الحالي. فرغم أن اليابان هي الدولة الوحيدة التي شهدت هجومًا نوويًّا، لم توقّع حتى الآن على معاهدة حظر الأسلحة النووية. علمًا بأن هذه المعاهدة دخلت حيز النفاذ في عام 2021، وهو نفس العام الذي تُوفي فيه شقيقها الأصغر، الذي كان يبلغ خمسة أعوام وقت القصف، بعد إصابته بأنواع متعددة من السرطان المرتبطة بالتعرض للإشعاع.

وتقول بغضب: “ما زلنا نحن “هيباكوشا” (الناجون والناجيات من القصف الذري عام 1945) على قيد الحياة. نشعر بالغضب… ونأمل في عالم خالٍ من الأسلحة النووية”.

شاركت في الإعداد: أكيكو أوهارا

تحرير: نيريس آفري

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: مي المهدي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية