
من دونباس إلى صحراء مالي: الطوارق يستلهمون تكتيكات حرب أوكرانيا

من المسيّرات المفخخة إلى العربات الوهمية القابلة للنفخ، يعتمد متمردو الطوارق في مالي بشكل متزايد على تكتيكات مستوحاة من خبرات أوكرانية لمهاجمة جيش بلادهم وحلفائه الروس، وفق ما أفادت مصادر وشهادات حصلت عليها وكالة فرانس برس.
وتعيد هذه الأساليب تشكيل ميزان القوى في النزاع بين المجلس العسكري الحاكم في باماكو و”جبهة تحرير أزواد”، وهي تحالف انفصالي مسلّح يضم غالبية من الطوارق الذين يقاتلون للسيطرة على هذا الإقليم في شمال البلاد.
وفي حين تربط الطوارق علاقات بكييف، تعتمد مالي بشكل متزايد على مقاتلين روس لمواجهة المتمردين والجهاديين المرتبطين بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية الذين ينشطون في منطقة الساحل.
وقال المتحدث باسم المتمردين محمد المولود رمضان لوكالة فرانس برس “ربما ما يجمعنا أكثر بأوكرانيا هو أنها، مثلنا، تعاني من الهمجية والإمبريالية الروسية”.
في تموز/يوليو 2024، ألمح المسؤول في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أندري يوسوف إلى أن كييف زوّدت المتمردين بمعلومات مكّنتهم من تنفيذ هجوم.
وإلى جانب الجهاديين، قتل المتمردون عشرات من المرتزقة الروس والجنود الماليين في بلدة تينزاواتين في شمال شرق مالي. وانضم المتمردون أحيانا للقتال إلى جانب “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بالقاعدة.
وقال مدير برنامج الساحل في مؤسسة كونراد أديناور في مالي أولف لايسينغ لفرانس برس إن “أوكرانيا أرادت أن تبهر شركاءها الغربيين عبر الادعاء بأنها تساعد المتمردين في مهاجمة روسيا في إفريقيا أيضا… لكنها قللت من شأن الرأي العام لأن المتمردين يُعتبرون إرهابيين في عواصم دول الساحل”.
تأسست “جبهة تحرير أزواد” في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وتتألف في معظمها من الطوارق، وهم شعب أمازيغي شبه بدوي يعيش في مناطق تمتد عبر الصحراء الكبرى والساحل، ويسعى منذ عقود إلى إقامة دولة مستقلة.
– إمدادات أوكرانية –
تتهم مالي والنيجر وبوركينا فاسو التي تحكمها مجالس عسكرية متحالفة مع موسكو، أوكرانيا بتزويد الجبهة بالأسلحة.
وقال رئيس الوزراء المالي الجنرال عبد الله مايغا أمام الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي “مهما بدا الأمر بعيدا، فإن الحرب في أوكرانيا والإرهاب في الساحل مرتبطان”، مضيفا أن “النظام الأوكراني أصبح أحد أبرز مزوّدي الجماعات الإرهابية في العالم بمسيّرات انتحارية”.
لكن أوكرانيا والجبهة التي تضم عدة فصائل متمردة تسعى للسيطرة على مناطق ذات غالبية من الطوارق في شمال شرق مالي، نفتا مرارا تلك الاتهامات.
وقال رمضان “لم نتلق أي مساعدة مادية من أوكرانيا، لا طائرات ولا أسلحة ولا معدات أخرى”، مضيفا أن “قوتنا تكمن في تصميمنا ودهائنا وقدرتنا على التدريب والتنظيم الذاتي”.
لكنه أوضح أن بعض مقاتلي الجبهة تلقوا تدريبات متخصصة في أوكرانيا على استخدام طائرات “أف بي في” (المسيّرات بنظام الرؤية من منظور الشخص الأول)، مضيفا أنه “عند عودتهم إلى الميدان، عززوا قدراتهم العملياتية بشكل كبير، ودربوا بدورهم مقاتلين آخرين في هذا المجال الإستراتيجي. واليوم أصبحت هذه التقنية جزءا أساسيا من قدراتنا القتالية”.
وتُستخدم هذه الطائرات المسيّرة المحمّلة بالمتفجرات والموجّهة عبر نظارات معززة بالواقع الافتراضي لتنفيذ هجمات ضد قوافل الجيش المالي أو قواعد تضم مرتزقة روس تابعين لـ”فيلق إفريقيا”، الذي يخضع مباشرة لوزارة الدفاع الروسية ويُعتبر خلفا لمجموعة فاغنر.
وقال الباحث رضا اليموري من مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد إن استخدام هذه الطائرات “يتيح للجبهة تجنب المواجهة المباشرة مع جيش مالي وشريكه الروسي الأفضل تجهيزا”.
وفي شباط/فبراير الماضي، أعلنت الجبهة إسقاط مروحية تابعة للجيش المالي في الشمال بواسطة طائرة مسيّرة، وهو ما نفته السلطات التي قالت إنها “اعترضت طائرة مسيّرة أطلقها إرهابيون واستعادتها”.
وتستخدم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” بدورها طائرات مسيّرة مفخخة لمهاجمة القوات المالية.
شاحنات وهمية –
تعتمد الجبهة أيضا على تقنيات تم تطويرها في أوكرانيا، منها مجسمات مطاطية لعربات وشاحنات تُستخدم كطُعم للتضليل.
وفي تموز/يوليو الماضي، عرضت السلطات المالية شاحنات وهمية قابلة للنفخ قالت إنها تابعة للمتمردين، في حين نشرت الجبهة صورا لطائرات مسيّرة تعمل بأسلاك ألياف بصرية يصعب رصدها أو تعطيلها.
لكن بحسب لايسينغ، فإن “الطائرات التركية منحت الجيش المالي وشريكه الروسي تفوقا واضحا على متمردي الطوارق عندما سيطرا على معقل المتمردين في مدينة كيدال عام 2023″، مضيفا أن “المتمردين والجهاديين لجأوا لاحقا إلى استخدام طائرات تجارية معدّلة، لكنها تبقى أقل تطورا من النماذج التركية”.
سد-بدي/ع ش/ص ك