The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

وسط الغبار ودوي الانفجارات.. توأمان في غزة عاشا كل حياتهما في الحرب

reuters_tickers

من رمضان عبد

غزة (رويترز) – لم يعرف التوأمان الفلسطينيان عدي وحمزة سوى الحرب منذ أن تفتحت أعينهما على الدنيا، فقد ولدا تحت سماء يمتزج فيها الهواء برائحة البارود، بعد أقل من شهر على اندلاع الصراع بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023.

كان الهجوم العسكري المدمر، الذي شنته إسرائيل على غزة ردا على هجوم حماس عليها، هو الذي حدد المعالم ورسم التفاصيل لحياة الطفلين.

وقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، التي قبلتها حماس جزئيا، ولكن لا يمكن لأحد حتى هذه اللحظة أن يؤكد بدرجة من اليقين ما إذا كانت الخطة ستؤدي إلى وضع نهاية للحرب، أو متى يمكن أن تأتي هذه النهاية.

* الأم تحلم “بالسلام والطعام”

منذ ولادة عدي وحمزة أبو عودة في الثاني من نوفمبر تشرين الثاني 2023، فقدا منزلهما وعاشا في الخيام وفي الشوارع، وقُتل والدهما وهو يسعى للحصول على الطعام وأصيب اثنان من أشقائهما.

وعانى كلاهما من الجوع المستمر ونوبات المرض المتكررة ودوي القصف المرعب المتواصل.

يعيش التوأمان الآن في مخيم مكتظ على الشاطئ وسط صرخات الناس من حولهم بشكل شبه مستمر، وصيحات الباعة الجائلين، وأزيز الطائرات الحربية ودوي الطلقات النارية يتردد من بعيد.

وتحلم والدتهما إيمان بمستقبل أفضل لهما ينعمان فيه بالسلام والطعام والبيت والتعليم.

يعاني الولدان بالفعل من صدمة نفسية وبطء النمو. وتخشى أمهما من تعرضهما، ومعهما الجيل الجديد من أطفال غزة، لنوبات هلع مستمرة إذا تواصل الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

* فرح وحزن

فرت الأسرة من منزلها الذي كان قريبا من الخطوط الأمامية في بداية الحرب ولجأت إلى مدرسة مكتظة بالنازحين. وكان الوقود شحيحا عندما جاء إيمان المخاض مما اضطرها إلى الذهاب إلى المستشفى سيرا على الأقدام. كان جناح الولادة أيضا مكتظا بالجرحى والمصابين.

وقال محمد سالم مصور وكالة رويترز الذي كان موجودا هناك في ذلك اليوم إن دوي إطلاق النار ومشاهد المواكب الجنائزية والنحيب من مشرحة قريبة اختلطت جميعها مع صرخات الأطفال حديثي الولادة.

وقال إن الشعور بين الأطباء والمرضى في ذلك الجناح كان غريبا، موضحا أنه كان مزيجا بين الفرح والحزن.

وضعت إيمان توأميها بعد وصولها المستشفى بفترة وجيزة، وكان وزن كل منهما ثلاثة كيلوجرامات.

وكانت إسرائيل قد قطعت جميع الإمدادات إلى غزة في بداية الحرب، وكان هناك نقص في حليب الأطفال وغيره من الضروريات مثل الحفاضات. وسمحت إسرائيل باستئناف دخول بعض المساعدات إلى القطاع بعد عدة أسابيع من الحرب لكن وكالات الإغاثة قالت إن ما وصل كان يمثَّل قدرا ضئيلا مما كان مطلوبا.

وقالت إيمان إنها كانت تبحث عن نساء بقسم الولادة يمكنهن التبرع ببعض مسحوق الحليب.

وأضافت “أفر على كشك الولادة.. على النساء النايمات في الكشك أقول مين يا بنات عندها حليب زايد؟ ممكن النساء يرضعوا (أو) حليب نصفه يرموه، يعطوني نصف العلبة أرضع فيها ابني”.

وقالت إيمان إن وجود عدد قليل من الأسرّة دفعها للعودة في نفس اليوم إلى المخيم الواقع على بعد كيلومتر واحد تقريبا ومعها طفلاها الرضيعان.

* الحرب دمرت غزة

اشتعل فتيل الحرب، وهي الحلقة الأحدث والأكثر دموية خلال عقود من الصراع، عندما هجم مسلحون بقيادة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 مما أدى، بحسب إحصاءات إسرائيلية، إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز نحو 250 رهينة.

وبحلول يوم ولادة التوأمين في الثاني من نوفمبر تشرين الثاني 2023، كان عدد القتلى الفلسطينيين في غزة قد تجاوز تسعة آلاف، بحسب السلطات الصحية في القطاع.

ولا يزال الرد العسكري الإسرائيلي، الذي كان هدفه المعلن القضاء على حماس، مستمرا منذ عامين. وتقول السلطات الصحية الفلسطينية إن عدد القتلى تجاوز الآن 67 ألفا.

وشردت الحرب جميع السكان تقريبا في القطاع المطل على البحر المتوسط، وهو عبارة عن شريط ضيق يكتظ بالسكان تعرضت معظم أنحائه للدمار نتيجة لما يسميه منتقدو إسرائيل بأنه هجمات عشوائية.

وتقول إسرائيل إنها تحاول تجنب قتل المدنيين لكن حماس تتخفى بين السكان، وهو ما تنفيه حماس.

* الفرار إلى بر الأمان

خلال فصل الشتاء الأول للتوأمين، تركزت العمليات العسكرية الإسرائيلية على مجمع ناصر الطبي بالقرب من المدرسة التي لجأت إليها الأسرة للاحتماء بها.

تعرضت المنطقة للحصار، وفرت الأسرة تحت قصف عنيف، وانتهى بها المطاف في المواصي، وهي منطقة على الشاطئ أعلنتها إسرائيل منطقة آمنة.

وكان الشتاء قاسيا في الخيمة، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى بضع درجات فوق الصفر ليلا. وليس هناك نظام صرف صحي ولا يوجد سوى القليل من المياه النظيفة في الجوار، وأصيب التوأمان بالإسهال.

ومع عدم توفر حفاضات، قطعت إيمان شرائط من القماش يمكن تنظيفها وإعادة استخدامها، وربطتها بأكياس بلاستيكية. ومع ذلك، أصيب التوأمان بقروح وطفح جلدي.

ومع مرور أشهر عام 2024، أصبح من الصعب العثور على الطعام. وقالت إيمان إن والد التوأمين، واسمه أيمن، قُتل على يد القوات الإسرائيلية أثناء خروجه لشراء الخضار في 27 يوليو تموز من ذلك العام.

وأضافت “احنا (كنا) جوعانين، مفيش أي شي، طلع برة إلا وجاله شظية في رقبته، استشهد على الفور. إيش ذنبه؟ رايح يجيب قوت لأولاده”.

* سوء الحالة الصحية وتأخر النمو

عندما أُعلنت هدنة في يناير كانون الثاني، عادت إيمان والطفلان إلى منزل الأسرة المدمر. لكن فترة راحتهما لم تدم طويلا، وفرضت إسرائيل حصارا شاملا واستأنفت العمليات العسكرية في مارس آذار.

اضطرت الأسرة إلى النزوح مجددا. وبدون خيمة، عاشت في الشارع المجاور لمجمع ناصر الطبي لعدة أسابيع قبل أن تعود إلى المواصي لتجد أن المكان الذي كان يؤويها قد دُمر.

ولم تكن إيمان تأكل ما يكفي من الطعام ليعينها على إرضاع التوأمين رضاعة طبيعية، ولم تجد حليبا صناعيا. كانت تصنع مشروبا من الأعشاب وتغمس الخبز فيه لإطعامهما. وقالت إنهما كانا يهذيان أثناء النوم وهما جائعان وخائفان أو يستيقظان ليلا وهما يبكيان.

وكان من المتوقع أن يبدأ عدي وحمزة في المشي بحلول شهر مايو أيار، عندما بلغا 18 شهرا، لكن كان عدي قد بدأ يخطو بضع خطوات بينما حمزة يحبو فقط. وأخبر أحد الأطباء إيمان أنهما يعانيان من نقص الكالسيوم وهو ما يؤخر نموهما.

وفي أغسطس آب، خلصت مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهي مرصد عالمي للجوع، إلى أن سيناريو المجاعة يتحقق في غزة. ورفضت إسرائيل النتائج التي توصلت إليها المبادرة.

* الحياة في المخيم

قالت إيمان إن التوأمين، بعد أن قاربا العامين من العمر، يستطيعان المشي بالكاد وغير قادرين على التحدث إلا ببضع كلمات بما في ذلك كلمة “ماما” وأسماء إخوتهما.

وتقضي شقيقتهما الكبرى هالة (20 عاما) معظم الوقت بصحبتهما، إذ تلعب معهما وتساعدهما على المشي وتطعمهما وتضعهما في السرير. وعندما تقوم إيمان بتحميمهما، تستخدم نفس الدلو الذي تغسل فيه ملابسها، إذ يتم جلب المياه عبر المخيم في أوعية بلاستيكية ثقيلة.

والضوضاء مستمرة في المخيم. وهناك أيضا رائحة حفرة الصرف الصحي التي تحفرها كل عائلة بجوار خيمتها ورائحة الدخان المنبعث من المواقد الطينية حيث تخبز النساء أرغفة صغيرة من الخبز.

وهذه الأرغفة، التي يصاحبها أحيانا وعاء من الخضار أو الأرز أو المعكرونة أو العدس، هي كل ما تأكله الأسرة.

ويحب التوأمان الذهاب إلى الشاطئ مع والدتهما أو أشقائهما واللهو مع الأمواج فوق الرمال.

وأعربت إيمان عن أملها في أن يحظى فلذتا كبدها بحياة سعيدة وأن تنتهي الحرب وتصبح حياة الأسرة أفضل مما هي عليه الآن.

وقالت “نتمنى أننا نبقى في أحسن حال، أحسن من اللي عايشين فيه حاليا، وبتمنى أن أولادنا يكبروا ويترعرعوا”.

(إعداد محمد علي فرج ومحمود رضا مراد للنشرة العربية – تحرير أيمن سعد مسلم)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية