مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

«أدركت سويسرا أنه من الأفضل الجلوس إلى طاولة المفاوضات بدلاً من عرقلتها»

رجل
كان باسكال سانت أمان هو مهندس الإصلاح الضريبي الدولي على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية بصفته مدير الضرائب في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. Patricia De Melo Moreira / AFP

وافق الشعب السويسري على مبادرة إصلاح نظام الضرائب المفروضة على كبرى الشركات، والتي أطلقتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE). بالنسبة لباسكال سانت ـ آمان، الذي قاد عملية الإصلاح بصفته مدير مركز السياسة والإدارة الضريبية التابع للمنظمة ومقره باريس،  تمثّل هذه الخطوة تتويجاً لسنوات طويلة من الكفاح ضد التهرب الضريبي من قبل الشركات متعددة الجنسيات.

فقد استهوت فكرة فرض حد أدنى من الضرائب على الشركات الكبرى السويسريين. حيث وافقوا على مشروع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومجموعة العشرين في اقتراع وطني عام شهدته سويسرا يوم الأحد  18 يونيو بنسبة 78.5% وهو تأييد كبير جدا. وبالتالي، سيتعيَّن على جميع الشركات متعددة الجنسيات التي يتجاوز حجم مبيعاتها السنوي 750 مليون يورو دفع ضرائب بمعدل أدناه 15%.

وبحسب باسكال سانت ـ آمان المفاوض الرئيسي لهذه الاتفاقية بشأن فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، والتي وقعت عليها 140 دولة أخرى. التفاوض مع الكنفدرالية السويسرية بشأن هذه الخطوة، لم يكن أمرا سهلا.

swissinfo.ch: أنت الأب الروحي لهذا الإصلاح. هل موافقة شعب ذو سيادة عليه من خلال تصويت شعبي يجعلك سعيداً؟

باسكال سانت ـ آمان: يُسعدني أن أرى المجتمع الدولي بأكمله يُطبّق هذه الاتفاقية، بما في ذلك دولة مثل سويسرا. على الرغم من تاريخها الخاص مع الضرائب، أدركت الكنفدرالية جيداً أنَّ من مصلحتها أن تتعاون مع الدول الأخرى. فهي الدولة الوحيدة التي جعلت الشعب يصوت على مثل هذا الإصلاح. إنه تتويج لخمسة عشر عاماً من العمل لإنشاء قواعد مشتركة.

 هل التصويت في سويسرا لصالح الإصلاح هو إشارة جيدة لتطبيقه على أرض الواقع؟

باسكال سانت ـ آمان: بالفعل، نحن توصَّلنا الآن إلى مجموعة كبيرة من الدول التي تبنَّت فرض الحد الأدنى من الضرائب: دول مجموعة السبع والعديد من دول مجموعة العشرين، بالإضافة إلى الدول التي بَنَت جزءًا كبيراً من اقتصادها على المنافسة الضريبية، مثل سويسرا والإمارات العربية المتحدة. وبالتالي، حتى لو لم تطبق الولايات المتحدة والصين هذا الاصلاح، فسيظل له تأثير.

هل يمكننا فعلاً الاستغناء عن الولايات المتحدة؟

باسكال سانت ـ آمان: نعم، لأنَّ الإصلاح أُعِدَّ بحيث إذا لم تطبقه دولة، فيمكن أن تُطالبها دولة أخرى بدفع ضرائب إضافية. وبذلك، بمجرد أن تضع مجموعة كافية من الدول الإصلاح، يمكن تطبيق الحد الأدنى من الضريبة العالمية حتى على شركات الدول التي لم تستجب للنداء. الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لم تتبن الإصلاح. ومع ذلك، فإنَّ الشركات الأمريكية التي تستفيد من أنظمة ضريبية تقل عن 15%، لأنَّها اختارت أن يكون مقر أرباحها برمودا مثلاً، ستظل تخضع للضريبة بمعدل 15% كحد أدنى، ليس في الولايات المتحدة ولكن في أوروبا واليابان أو في الدول الأخرى التي تطبق الإصلاح.

أنهى باسكال سانت ـ آمان دراسته في معهد الإدارة الوطني (ENA)، وعمل في وزارة المالية الفرنسية. وبعد ذلك، انضم إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) في عام 2007. وفي عام 2012، تولى منصب مدير مركز السياسة والإدارة الضريبية. ثم ترك هذا المنصب في نهاية أكتوبر من عام 2022 للالتحاق بجامعة لوزان، حيث انضم إلى إدارة مركز السياسة الضريبية التابع لها.

طوال فترة المفاوضات، عارضت سويسرا زيادة معدل الضريبة. هل عرقلت الكنفدرالية السويسرية هذا الإصلاح؟

باسكال سانت ـ آمان: ببساطة، سويسرا دافعت عن مصالحها. مع اقتصادها المتطور جداً، الذي يعتمد إلى حد كبير على أنظمة ضريبية جذابة للغاية، كان من مصلحة الكنفدرالية أن تعمل على التخفيف من تأثير الحد الأدنى للضرائب العالمية. وبعد إلغاء السرية المصرفية، أدركت أنَّ الدول الأخرى يمكنها تطبيق الإصلاحات بدونها. وبالتالي، أيقنت سويسرا أنه من الأفضل لها أن تجلس إلى طاولة المفاوضات وتمارس نفوذها، بدلاً من أن تعرقل الاصلاحات وتحاول إجهاضها.

في سويسرا، عارض الحزب الاشتراكي والنقابات العمالية هذا الإصلاح، معتبرين أنه لن يفيد سوى الكانتونات الغنية في البلاد. هل تتفهم هذه الانتقادات؟

باسكال سانت ـ آمان: إنها انتقادات سويسرية بحتة، ولا علاقة لها بالإصلاح الضريبي العالمي. إنها مسألة إعادة تخصيص الأموال داخل الكنفدرالية. ولذا، ليس لدي أي تعليق حول هذا الموضوع. يجب على الكنفدرالية أن تجد بنفسها وبسيادتها الكاملة التوازن الصحيح.

لكن الانتقادات نفسها موجودة على المستوى الدولي. حيث تنتقد الدول النامية الإصلاح بشدة، لأنها تعتبر أنَّ زيادة معدل الضريبة لن تفيد سوى الدول الغنية. هل هذا هو الحال فعلاً؟

باسكال سانت ـ آمان: لا، هذا ليس صحيحاً. الدول النامية تتخلى حالياً عن الكثير من عائدات الضرائب من خلال منح استثناءات لاجتذاب الاستثمار. بإمكان الدول النامية أن تضع حداً لهذه الاستثناءات. خاصة وأنَّ هذه الاستثناءات سوف تختفي على كل الأحوال، لأنَّ الدول النامية إذا لم تفرض الضرائب على الشركات متعددة الجنسية، فسيكون بمقدور الدول الأخرى أن تفرض عليها ضريبة بنسبة 15%. أعتقد أن هذا الانتقاد يعود إلى حد كبير إلى عدم فهم آليات الإصلاح.

مع ذلك، في دول الجنوب، الغنية بالمواد الأولية، تكون الضرائب عادة أعلى (25ـ35%)، فهل ستستفيد هذه الدول فعلاً من الحد الأدنى للضرائب بمعدل 15%؟

باسكال سانت ـ آمان: نعم، التعديل لا يُلزم الدول بتحديد الضريبة على أرباح الشركة بنسبة 15%. يمكن أن تكون الضريبة المفروضة عليها بمعدل 25% أو أكثر. في المقابل، الأرباح التي تحققها الشركات متعددة الجنسيات خارج البلاد، والتي كانت تستطيع التهرب فيها من الضرائب حتى الآن، لن تتمكن من التهرب منها بعد اليوم.

أليس هناك احتمال بأن تخضع هذه الدول للضغوط من أجل خفض معدل الضرائب إلى الحد الأدنى لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما تدَّعي بعض المنظمات غير الحكومية؟

باسكال سانت ـ آمان: لا، لا أعتقد.

عمالقة الويب يتهربون حتى هذه اللحظة من هذا الإصلاح. كيف يمكن إلزامهم بدفع الحد الأدنى من الضرائب؟

باسكال سانت ـ آمان: هم ليسوا معفيين من هذا الإصلاح. كانت أرباحهم حتى اللحظة تخضع لضرائب قليلة جداً. وسيضطرون هم أيضاً من الآن فصاعداً لدفع 15%. السؤال الذي لا يزال يطرح نفسه هو أين يجب على هذه الشركات أن تستثمر أرباحها. وهذا عبارة عن الشق الآخر من الإصلاح، الذي يُطلق عليه اسم «الركيزة 1». وهو يهدف لمنح المزيد من المكاسب، أي ربع إيرادات هذه الشركات، للدول التي يتواجد فيها المستهلكون. لا تزال المفاوضات جارية وتتقدم ببطء.

لماذا يبدو فرض هذا الشق من الإصلاح أكثر صعوبة من فرض الحد الأدنى من الضريبة على الشركات الكبرى؟

باسكال سانت ـ آمان: الحد الأدنى من الضريبة العالمية لا يتطلب سوى تشريعات داخلية قائمة على نفس النموذج، كتلك التي أيدها الشعب السويسري في اقتراع عام وطني. وبذلك، كان يكفي الاتفاق على نموذج لكي تطبقه الدول. أما بالنسبة لوضع «الركيزة 1»، فلا يكفي الاتفاق على نموذج فحسب، وإنما ينبغي توقيع معاهدة متعددة الأطراف ومصادقة الدول عليها. وبالتالي، الزخم السياسي والقانوني ليس نفسه. من المفترض وضع النقاط الأخيرة على هذه المعاهدة في شهر يوليو. 

وقد قاد هذا المسؤول الكبير مواجهة مع السلطات السويسرية بيد من حديد لوضع حد للسرية المصرفية، دامت لعدة سنوات. وقد حقق غايته عندما تبنت سويسرا اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات عام 2017. كما أنه كان المصمم للإصلاح الضريبي الدولي على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية.

ترجمة: ميساء قطيفاني ـ خبية

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية