The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

المساعي الحميدة السويسرية: هل يساهم الحياد في تحقيق السلام؟

ليليان ستادلر

مع تصاعد النزاعات عالميًا، تعود المساعي الحميدة السويسرية إلى الواجهة. وترى المؤرخة ليليان شتادلر، أن الحياد في حدّ ذاته لا يضمن تحقيق السلام. فتاريخيًّا، لم يكن الحياد شرطًا ضروريًّا ولا كافيًّا لنجاح المساعي الحميدة في النزاعات المسلحة، وفقًا للمؤرِّخة.

في سويسرا، يشيع الاعتقاد بوجود علاقة سببية بين الحياد وقدرة الدول على تقديم “المساعي الحميدة”. وحاليًّا، تعود هذه الفكرة إلى الواجهة بسبب النقاش الدائر حول مبادرة الحياد، التي ستطرح للاقتراع عام 2026. ويأتي هذا النقاش وسط تساؤلات عن دور المساعي الحميدة السويسرية في عالم متغيّر.

جوهر الموضوع

– هل الحياد السويسري عاملًا كافيًا وضامنًا لإنجاح المساعي الحميدة ؟

– ما هي العوامل الأخرى المساعدة؟ 

– ما الأسباب الحقيقية لتمسك سويسرا بالحياد؟ 

فلقد أشعل العدوان الروسي على أوكرانيا عام 2022، الجدل العالمي حول الحياد. ودفع بعض الدول المحايدة إلى إعادة النظر في مواقفها، فانضمّت كلّ من فنلندا والسويد إلى حلف الناتو. وفي المقابل، لا تزال سويسرا، في نظر العالم، ذلك البلد الأكثر التزامًا بالحياد على مدى عقود.

لكن منذ 2022، أجّجت حرب أوكرانيا جدلًا عميقًا حول مسألة الحياد، حتى داخل سويسرا نفسها. فبعد انضمام الحكومة الفدرالية إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا، قدَّمت لجنة من ائتلاف “لأجل سويسرا” (Pro Schweiz) مبادرة بعنوان “مبادرة الحياد”، في نوفمبر 2022.

وتقترح المبادرة وضع تعريف للحياد في الدستور، يستند إلى ثلاث ركائز؛ أولها، أن يكون حياد سويسرا دائمًا ومسلَّحًا، أمَّا الثانية، فهي عدم الانضمام إلى أية تحالفات عسكرية أو دفاعية، والركيزة الثالثة هي الامتناع عن المشاركة في أية عقوبات متعدّدة الأطراف. وفي الوقت ذاته، شدَّدت المبادرة على تأكيد دور سويسرا كوسيط محايد في النزاعات المسلحة.

رسم توضيحي لهيلفيتيا

المزيد

إلى أي اتجاه يتطوّر الحياد السويسري؟

يتعرض الحياد السويسري دائمًا للضغط في أوقات الأزمات. والسؤال الرئيسي بالنسبة لسويسرا هو ما إذا كانت ستختار الانفتاح أو الانعزالية. والإجابة ستحدد اتجاه البلد في المستقبل.

طالع المزيدإلى أي اتجاه يتطوّر الحياد السويسري؟

المساعي الحميدة السويسرية

تشمل المساعي الحميدة جميع الإجراءات التي يمكن للدولة، أو منظمة دولية، أو طرف غير حكومي القيام بها للمساهمة كطرف ثالث غير منحاز، في التوصّل إلى حلّ سلمي لأحد النزاعات المسلحة. وتندرج تحت هذا المفهوم على سبيل المثال، خدمات استضافة مباحثات السلام، وتفويض الحماية، وخدمات الوساطة. وتاريخيًّا، كانت المساعي الحميدة تضم أيضًا تسوية المنازعات، وقضايا التحكيم.

وجدير بالذكر، أنّ سمعة المساعي الحميدة السويسرية لا تعود إلى دور الوساطة، بل إلى العديد من تفويضات الحماية التي تولّتها سويسرا في القرنين التاسع عشر والعشرين. فمن خلالها، أدارت سويسرا، جزئيًّا ولسنوات طويلة، قنوات الاتصال الدبلوماسي بين دول متحاربة، انقطعت العلاقات الدبلوماسية بينها رسميًّا. فأثناء الحرب العالمية الأولى، حصلت سويسرا على 36 تفويضًا بالحماية، وزاد هذا العدد بشكل ملحوظ أثناء الحرب العالمية الثانية.

وفي أعقاب الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953، تولّت سويسرا تفويضًا بحماية الحدود بين الكوريتين، بالاشتراك مع السويد وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا. وما يزال هذا التفويضرابط خارجي مستمرًا حتى اليوم. وأثناء الحرب الباردة ركّزت سويسرا بشكل أساسي على تفويضات الحماية وعمليات الإغاثة الإنسانية، باعتبارها جزءًا من المساعي الحميدة السويسرية. 

المزيد
مجموعة قوات حفظ السلام
جنديان عند نقطة حدودية بين الكوريتيْن

المزيد

سويسرا على الساحة الدولية: من مُستضيف لعمليات التحكيم إلى وسيط من أجل إحلال السلام

تم نشر هذا المحتوى على لسويسرا تقليد عريق في الإسهام في حل النزاعات، لكن هذه المهمة النبيلة تطورت بمرور الوقت.

طالع المزيدسويسرا على الساحة الدولية: من مُستضيف لعمليات التحكيم إلى وسيط من أجل إحلال السلام

بين النجاح والإحفاق 

برزت ظاهرة الوساطة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عام 1945. ومنذ ذلك الحين، أدَّت سويسرا مهامًا عديدة في مجال الوساطة بين الأطراف المتحاربة، تراوحت نتائجها بين النجاح والإخفاق.

وكانت أولى المساعي الحميدة السويسرية قد باءت بالفشل. فأثناء أزمة السويس عام 1956، حاولت سويسرا إنهاء عدوان فرنسا وبريطانيا على مصر، عبر مباحثات سلام جرت على الأراضي السويسرية. ولكن لم يلق المقترح قبول أيٍّ من أطراف النزاع، ولا الأمم المتحدة، التي لم تكن سويسرا عضوًا فيها آنذاك.

وفي عام 1961، حقّقت سويسرا نجاحًا باهرًا، حينما ساندت مباحثات السلام في إيفيان بين الجزائر وفرنسا، كوسيط فعّال. وقد أسفرت هذه المباحثات عن إعلان استقلال الجزائر عن فرنسا، عام 1962.

لكن لاقت بعض محاولات الوساطة اللاحقة، مثلًا أثناء مسألة الرهائن في إيران عام 1979، وكذلك في أزمة جزر الفوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين عام 1982، رفضًا من أطراف النزاع. وفي أعقاب انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان عام 1991، توسّطت سويسرا بين النظام الأفغاني و”حركة المجاهدين” المقاومة، إلا أنّ النظام سقط عام 1992، بتنحّي الرئيس الأفغاني محمد نجيب الله.

وفي تسعينات القرن العشرين، بدأت المساعي الحميدة السويسرية في مجال الوساطة تشهد زخمًا فعليًّا، وفقًا للمؤرخين والمؤرخات.

ففي عام 1991، إبان أزمة الخليج، استضافت سويسرا لقاء القمّة بين جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، ونظيره العراقي طارق عزيز. وقد عُين إدوارد برونر، أمين الدولة السويسري آنذاك، مبعوثًا للأمم المتحدة في الشرق الأوسط. كما انخرط خليفته، كلاوس ياكوبي، في البلقان لإجراء مباحثات السلام بين الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش، ونظيره الكرواتي فرانيو تودجمان.

وما بين عامي 2000 و2018، شاركت سويسرا رسميًّا بالوساطة في 20 نزاعًا؛ من بينها النزاعات في السودان، ونيبال، وسوريا، وكولومبيا. واستضافت لوزان المباحثات بشأن برنامج إيران للسلاح النووي، ما بين عامي 2008 و2015.

وبصفتها رئيسة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSZE)، ترأست سويسرا مجموعة الاتصال الثلاثي حول أوكرانيا عام 2014؛ وانخرطت منذ ذلك الحين، في تسوية النزاعات سلميًّا في دول مثل تونس، وميانمار، وزيمبابوي، وموزمبيق. وفي نهاية المطاف، حقَّقت المساعي الحميدة السويسرية نتائج متباينة في هذه الحالات.

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: جانيس مافريس

ما هو مستقبل نموذج الحياد السويسري؟

هل يمكن التمسك بالحياد في زمن التكتلات والتوترات الجيوسياسية؟

382 إعجاب
270 تعليق
عرض المناقشة

مشاركة أطراف أخرى 

ولا تعود تلك النتائج بالضرورة إلى جهود سويسرا الرسمية، إذ يتعلّق الأمر بنزاعات غاية في التعقيد. كما أن المساعي الحميدة السويسرية ليست الوحيدة على الساحة. فهناك أطراف أخرى تنخرط في الوساطة لحل المنازعات؛ من بينها منظمات دولية، ودول أخرى محايدة، بل ودول غير محايدة أيضًا بشكل متزايد.

وصحيح أنّ سويسرا كان لها دور نشط في العلاقات الأمريكية – الروسية. فقد نظمت عام 2021 قمة جمعت جو بايدن، الرئيس الأمريكي آنذاك، بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. لكن، وفي العام نفسه، استضافت قطر المباحثات بشأن انسحاب أمريكا من أفغانستان. وفي عامي 2022 و2024، نظمت سويسرا مجددًا مؤتمرين حول الحرب الروسية على أوكرانيا. لكن تجري المباحثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، حتى الآن، في تركيا والسعودية. ولفترة وجيزة، انخرطت الولايات المتحدة، أثناء حكم الرئيس دونالد ترامب، من أجل التوصّل إلى حلّ سلمي. وفي هذه الأثناء، أدّت وساطة الصين إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية.

إذن، وبنظرة إجمالية إلى التاريخ، يصعب استخلاص نموذج واضح أو علاقة سببية حتمية بين الحياد وبين المساعي الحميدة.

فمن المنظور التاريخي، نادرًا ما شكَّل الحياد عاملًا حاسمًا في الحصول على تفويضات الوساطة، أو في إنجاح محادثات السلام. ومع ذلك، تحظى المساعي الحميدة السويسرية بتقدير دولي واسع، كما تتمتّع وزارة الخارجية الفدرالية بخبرة لا تقدَّر بثمن في هذا المضمار.

وإزاء هذا التقدير، ينبغي تواصُل المساعي الحميدة السويسرية. أما إذا أسفر الاقتراع المزمع عن نجاح مبادرة الحياد، فسيكون ذلك استنادًا إلى التراث العريق والهوية الوطنية، لا استنادًا إلى الاعتقاد الشائع بتعزيز الحياد، في حد ذاته، السلام. 

تحرير: بنيامين فون فيل

ترجمة: هالة فرَّاج

مراجعة: ريم حسونة

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية