مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الجيل الجديد يحارب التحرّش الجنسي في الجامعات السويسرية

طلاب وطالبات داخل بهو الجامعة
يتواصل التحرش الجنسي في الجامعات. Alexandra Wey/Keystone

لم تؤدّ حملات التوعية العامة إلى وقف التحرش الجنسي في الجامعات السويسرية. جيل جديد من النساء يأخذ زمام الأمور بيده. وقد التقت SWI swissinfo.ch ثلاث نساءٍ من بينهنّ.

يتواصل التحرش الجنسي في الأوساط الأكاديمية على الرغم من الوعي المتزايد على إثر ظهور حركة MeToo#.

هناك جيل جديد من النساء ممّن يتعاملن مع هذه القضية وجهاً لوجه، وكلّهن عزم على إحداث فرق. إنّهن يطلقن حملات توعية، ويُنشئن خطوطًا هاتفية ساخنة ومنصات على الإنترنت للضحايا المحتملات، ويقدّمن ورش عمل حول المهارات الشخصية، ويصبحن فاعلات في النقاش السياسي حول حرم جامعي أكثر شمولاً.

التقينا بثلاث نساء سويسريات يرغبن في إحداث تغيير داخل مؤسساتهم التعليمية وخارجها.

ليفيا بوسكاردين: تمكين المرأة من خلال فنون الدفاع عن النفس

ليفيا بوسكاردين
ليفيا بوسكاردين: تمكين المرأة من خلال فنون الدفاع عن النفس Courtesy of

كسرت ليفيا بوسكاردين، البالغة من العمر 36 عامًا، أوّلَ لوح خشبي لها عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها. كان ذلك أبرز حدثٍ في دورة الدفاع عن النفس التي كانت تشارك فيها. منذ ذلك اليوم، صارت ليفيا تتباهى أمام أخيها بقطعة اللوح المكسورة كلّما أراد أن يضايقها أو يزعجها.

تقول بوسكاردين: “كان لتلك الدورة تأثير دائم عليّ، وعلّمتني الدفاع عن نفسي”.

بعد سنوات من ذلك، وأثناء دراستها الجامعية لنيل درجة البكالوريوس والماجستير ثم كطالبة دكتوراه في علم الاجتماع في جامعة بازل، واجهت ليفيا بوسكاردين أشكالًا أخرى أكثر خطورة من الإزعاج.

“كان كبار العلماء يعلّقون باستمرار على جسدي وملابسي وابتسامتي وطلاء أظافري. ودعاني أستاذ عدّة مرات إلى منزله. هذا ليس سلوكًا مناسبًا إذا لم يكن الشخص في نفس مستواك من حيث التسلسل الهرمي.”، تقول بوسكارين.

تنامى عدم رضا الشابّة بشكل متزايد عن البيئة المحافظة في الجامعة، والطريقة التي عوملت بها. فبعد وقت قصير من حصولها على الدكتوراه، قرّرت ترك مسيرتها الأكاديمية، لتأخذ الأمور على عاتقها مقرّرةً تمكينَ النساء الأخريات.

المزيد

أخذت بوسكاردين دورات متعمّقة في العنف المنزلي والصحة الجنسية والحقوق الجنسية، وأصبحت مُدَرِّبَةً في فنّ الـ “Wen-Do”، وهو نفس فنّ القتال الّذي مارسته في سن الحادية عشرة. وهي تقدّم الآن دروسًا للطالبات والموظفات والباحثات في جامعة بازل، وكذلك للذين عانوا أحدَ أشكال المضايقات خارج الجامعة. المشاركون هم من النساء فقط: ضحايا التحرش الجنسي، والطالبات اللّواتي يردن معرفة كيفية التصرف في المواقف التي تنطوي على تهديد، والنساء المهاجرات، والفتيات اللّواتي لا يتجاوزن الثامنة من العمر.

تدور دروس بوسكاردين حول تعليمِ التمكين ومنعِ العنف. فهي تُطلِع المشاركات على تعريفات التحرش الجنسي، والسلوكيات المناسبة وغير المناسبة، والهياكل الداعمة المتوفرة داخل الجامعة. تتضمن الاجتماعات أيضًا لحظات تشارك فيها المتدرّبات تجاربهنّ داخل المجموعة. تقول ليفيا: “كثير من النساء يبكين عندما يحكين قصصهنّ المؤلمة”. وأخيرًا ، تعلّم بوسكاردين المشاركات استراتيجيات حول كيفية تحليل لغة جسد الجاني، وكيفية التصرف لفظيًا وجسديًا، وكيفية إبلاغ الزميلات وتوعيتهنّ حول التحرش الجنسي. وتضيف: “في بعض الأحيان، نضمّن أيضًا الدفاع الجسدي عن النفس، لمجرّد أنه ممتع”.

وكما تؤكّد المدرّبة، فإنّ النتائج مثيرة للإعجاب. حيث تشرح كيف أنّ” النساء يصلن خجولات وخائفات ثم يتوهّجن. إنّهنّ يغادرن وقد تغيّرن”. وهكذا يمكن للمشاركات ترك الشركاء العنيفين وبيئات العمل السامّة وراءهنّ، والتحدث عن تجارب التحرّش التي تعرّضن لها، وبالتالي تغيير حياتهنّ. لكنّ هذه المهمّة تُلقِي بعبئها على ليفيا أيضًا. وقد وجدت في ممارسة الملاكمة التايلاندية ثلاث مراّت في الأسبوع، وقراءة كتاب أثناء الاستحمام الشمسي استراتيجية تأقلم جيّدة.

تدعو ليفيا بوسكاردين أيضًا إلى تحالف جديد بين الرجال والنساء، لأنّ “الرجال هم مفتاح التصدي للتمييز على أساس الجنس والعنف”. هذا ما جعلها تتعاون مع زميل من الذكور يقدّم الآن دورة تدريبية مماثلة للرجال، حيث أنّ: “الكثير من الناس لا يدركون حقًا أنهم يتعدّون الحدود”، حسب تعبيرها.

سيمونا ماتيرني: البدء بالوقاية

سيمونا ماتيرني، مديرة المشاريع، مكتب تكافؤ الفرص، جامعة لوسيرن
سيمونا ماتيرني، مديرة المشاريع، مكتب تكافؤ الفرص، جامعة لوسيرن Courtesy of

تؤمن سيمونا ماتيرني، 39 عامًا، بقوّة الوقاية. وبصفتها مديرة مشروع في جامعة لوسيرن، كانت القوة الدافعة وراء أول يوم وطني للتوعية بالتحرش الجنسي، والذي نُظّم يوم 23 مارس الماضي.
انضمّت ماتيرني إلى زملائها وزميلاتها من جميع هياكل النظام التعليمي السويسري لتقديم برنامج حافل ذلك اليوم. وكان من بين الجهات المنظّمة المعهد التقني الفدرالي العالي في كل من لوزان (EPFL) وزيورخ (ETH Zurich)، إلى جانب تسع جامعات أخرى و 15 مؤسسة للتعليم العالي. وقد بدأت حملة التوعية حول التحرش الجنسي عبر الإنترنت بمقاطع فيديو مخصّصة ونشرات إعلامية. واتخذت التظاهرة شكل موائد مستديرة ومؤتمرات ومسرح تفاعلي، وذلك عبر الإنترنت وفي المؤسسات المحلية.

قبل انضمامها إلى جامعة لوتسيرن، كانت ماتيرني مديرة مشروع في “منع الجريمة السويسرية” (Swiss Crime Prevention)، وهي خدمة مشتركة بين الكانتونات ومتخصّصة في منع الجريمة وتعزيز السلامة. تضمّن العمل التواصلَ مع قوّات شرطة الكانتونات، ومراقبة النشاط الإجرامي، وتطوير استراتيجيات الاتصال للوقاية.

لطالما كانت ماتيرني مهتمّة بالسبب الذي يجعل الأشخاص العاديين يقومون بالأفعال غير الأخلاقية. تقول: “لذلك درست الفلسفة العملية وتلقيت دروسًا في القانون وعلم الإجرام”. ولكن عندما ساعدت النساء ضحايا العنف المنزلي في الملاجئ، أدركت ماتيرني مقدار الألم والمال الذي يمكن لمجتمعنا توفيره إذا لم تتمّ دراسة الجرائم فحسب بل العمل على التوقّي منها أيضًا.

المزيد
يد فوق أخرى تمسكان بفارة الكمبيوتر

المزيد

السرية لا تزال تَكتَنف مسألة التحرش الجنسي في الشركات الكبرى

تم نشر هذا المحتوى على لا تزال مسألة التَحَرُّش الجنسي تُناقَش خَلف أبواب مُغلقة في مُعظم الشركات مُتعددِّة الجنسيات في سويسرا. السؤال المطروح إذَن، هل حَدَث هناك أي تغيير في الشركات الكبرى منذ إطلاق وَسم #أنا_أيضاً (أو “مي تو”) على موقع ‘تويتَر’ للتواصل الاجتماعي قبل عامٍ من اليوم؟ قادت الحملة العالمية على وسائل التواصل الاجتماعي المقترنة بوسم #metoo (أنا أيضاً)…

طالع المزيدالسرية لا تزال تَكتَنف مسألة التحرش الجنسي في الشركات الكبرى

“الوقاية عمل شاق حقّا، فمن الصّعب توسيع دائرة الأشخاص الّذين اقتنعوا بالفعل ويتفاعلون مع الآخرين”، تقول ماتيرني. مضيفةً أنّ يوم التوعية الجنسية أدّى إلى نتائج متباينة. حيث تشرح “لقد كان المسرح التفاعلي في جامعة لوتسيرن ناجحًا للغاية، لكننا نعلم أنه في بعض الجامعات لم يحضر الكثيرُ من الناس التظاهرات”. وتصديقًا لاعترافها، كانت SWI swissinfo.ch قد شهدت مائدة مستديرة نظّمتها جامعة جنيف، وعاينت حضور عدد قليل جدًا من الأشخاص، دون سنّ الثلاثين، من بينهم رجُلان.

تدافع سيمونا ماتيرني عن استراتيجية توعية بشأن التحرش الجنسي تكون أقلّ تركيزًا على المشاعر السلبية والقصص الحزينة وتمنح اهتماما أكبر إلى الرسائل الإيجابية، شارحة بالقول: “إذا أردنا الوصول إلى جمهور أوسع، بما في ذلك الرجال، فنحن بحاجة إلى نشر الأمل والنتائج الإيجابية للجميع”.

تبدو ماتيرني مقتنعة بأن عالمًا أكثر مساواة يمكن أن يؤدي إلى بيئات عمل أفضل، حيث يمكن لكل شخص التحدّث عن مخاوفه، ومعالجة التمييز والتعامل معه بشكل مناسب، وحيث تسود ثقافة القبول والحوار.

لكنّ إقناعَ صانعات وصانعي القرار والقادة بتبنّي التدابير المناسبة لا يقلّ أهمية عن حملة الاتصال الجيدة. تقول مديرة المشاريع: “جميع رؤساء الجامعات، تقريبًا، الّذين اتّصلنا بهم للحصول على رسالة الفيديو للحملة، شاركوا في ذلك بحماس، لكننا الآن بحاجة إلى تحميلهم مسؤوليّاتهم”. وقد نادت الرسالة ببيئة أكاديمية أكثر أمانًا وبوضع حدّ للتحرش الجنسي. ومن أجل تحقيق ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من النشاط والضغط والتواصل.

فالنتينا غاسّر: التغيير عبر الشفافية

فالنتينا غاسر، 30 عامًا ، طالبة دكتوراه، ETH زيورخ.
فالنتينا غاسر، 30 عامًا ، طالبة دكتوراه، ETH زيورخ. Courtesy of

فالنتينا غاسر (Valentina Gasser)، 30 عامًا، عالِمة شابّة من أصول سويسرية وبيروفية وإيطالية. وبصفتها طالبة دكتوراه في الكيمياء في المعهد التقني الفدرالي العالي بزيوريخ (ETH Zurich)، كانت حتى وقت قريب نائبةَ رئيس جمعية النساء في العلوم الطبيعية (WiNS)، وهي جمعية نسوية في ميدان العلوم داخل المعهد والتي تدعم التنمية الشخصية والمهنية للنساء.

لطالما كان العِلم ضالّةَ غاسّر: حتى في غياب نموذج يحتذى به من حولها، كانت وهي طفلة تتخيّل اكتشافَ عقاقير وأدوية جديدة.

لم تكن تتوقّع أن يصبح التحرش الجنسي لاحقًا عقبةً في حياتها المهنية. تعرضت غاسّر للمضايقة عدّة مرات من قِبل عالِم أعلى رتبة منها، وذلك أثناء سعيها للحصول على درجة الدكتوراه، سواء في مكان العمل أو في المناسبات الاجتماعية ذات الصلة. وفي محاولة للردّ على النكات والتلميحات الجنسية، اختارت غاسّر مواجهة مُعنّفِها، “لكنه لم يستمع إليّ، وشعرتُ بأن زملائي قد تخلّوا عنّي”. وعلى أمل العثور على الراحة وأُذُنٍ صاغية، انضمّت العالِمة الشابّة إلى “وينز” ( WiNS)، وهي جمعية تثمّن فيها فالنتينا انفتاحَها واحترامَها.

تم إنشاء “وينز” عام 2014، وهي تضمّ علماءً من أقسام الكيمياء وعلم الأحياء والرياضيات والفيزياء. وتقدم الجمعية فعاليات مهنية وتواصلية كانت في البداية متاحة للنساء فقط. لكن في الآونة الأخيرة، أصبحت الفعاليات مفتوحة للجميع، وكانت غاسّر إحدى الدافعات لهذا التغيير.

“بهذه الطريقة، يمكن أن تتاح الفرصة للرجال أيضًا لمعرفة ما تعايشه النساء والأقليات الأخرى من العاملين والعاملات في مجال العلوم” ، كما تقول. لكنّ ما يقلق فالنتينا غاسّر الآن هو الصعوبة التي يواجهها العديد من الضحايا في الإبلاغ عن الحالات، حيث: “لا توجد مكافأة للتحدث – عادة ما يحدث ذلك في شكل انفجار”. وترى غاسر أن أحد أسباب ذلك يكمن في أنظمة الإبلاغ الخاطئة والفوضوية. كما أنّ عدم وجود عواقب للجناة يمثّل مشكلة أخرى. وتشرح: “علينا تغيير النقاش من إلقاء اللّوم على الضحية إلى الإشارة إلى خطأ الجاني”.

في يناير الماضي، التقت أكثر من 50 طالبة دكتوراه،  من ضمنهن غاسّر، بأعضاء المجلس التنفيذي بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ للتعبيرِ عن التحديات التي يواجهنها في أنشطتهنّ اليومية، والتوصيةِ باتخاذ تدابيرَ لمنع الأفراد من القيام بسلوكيات غير لائقة وغير محترمة في المعهد ومراقبتهم وتحميلهم مسؤولياتهم. إنّهن يدافعن عن الإبلاغ مجهول الهوية، والتحصيص الجنساني لمناصب الأستاذية، وإجراء استطلاعات لرصد قضية التحرش الجنسي. “تحلّ بالشفافية، اِطرَحْ الأسئلة الصحيحة، وتجرّأ على النّظر إلى المشكلة؛ هذا كلّ ما نطلبه”، تقول غاسّر.

تأمل فالنتينا غاسر أن يستمع المعهد إلى هذه المطالب. ومع ذلك، قرّرت في الوقت الحالي تركَ الخطوط الأمامية [لهذه المعركة] للتركيز على بحثها. إذ تقول: “لا أريد أن يكون هذا الموضوعُ الشيءَ الوحيدَ في حياتي”.

تحرير: فيرجيني مانجان 

ترجمة: أمل المكّي 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية