مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تقوم الجامعات السويسرية بما يكفي للتصدى للتحرش الجنسي؟

رسم ملون لامرأة تدفع رجلا بعيدا عنها
Creative Commons 2.0

دَفَعَت حركة #أنا_أيضا (MeToo#) الجامعات السويسرية إلى الرَد على ممارسات التحرش الجنسي. لكن الطلاب والموظفين يقولون إن هناك حاجة إلى بَذل المَزيد من الجهود.

في شهر يونيو 2022 في جنيف، وَجَدَت كورين شاربونيل، أستاذة الفيزياء الفلكية الفرنسية في جامعة جنيف، في نفسها الشجاعة لإطلاق صَرخة الألم الكامنة في داخلها. وأثناء حديثها أمام جمهور يَقِظ غالبيته من النساء خلال مؤتمرٍ حول التحرش الجنسي في الأوساط الأكاديمية، كان صوتها يرتجف وهي تتحدث عما تحملته بعض النساء في المجال الأكاديمي خلال حياتهن المهنية.

تولت شاربونيل البالغة من العمر 57 عاما دَور المُرشدة للأكاديميات الأخريات [في المؤسسات الأكاديمية السويسرية] قبل عشر سنوات. خلال ذلك الوقت، دَعَمَت حوالي 60 متدربة في مراحل مختلفة من حياتهن المهنية، من طالبات الدكتوراه إلى المراحل الأولى لممارستهن التدريس. تختلف مهمة المُرشدين عن مُهمة موظفي التظلمات (المسؤولين عن جَمع الشكاوى)، في قيامهم بتقديم المشورة حول كيفية التَقَدُّم بطلب للحصول على منَحة دراسية، أو كيفية المُشاركة في برامج التعاون البحثي. “تتقدم النساء إلى برامج التوجيه لأنهن يرغبن في الحصول على وظيفة في المجال الأكاديمي، وليس لِرَغبتِهُنْ في مواجهة المشاكل”، تقول شاربونيل. وقد تعرَّضت هؤلاء الأكاديميات إلى المُضايقات مع تقدمهن في حياتهن المهنية. وتذكر الاستاذة الجامعية حوالي 15 حالة تحرش، كانت خمسة منها ذات طبيعة جنسية.

التحرش الجنسي ليس جديدا، لكن الجديد هو الوعي بنطاقه الذي جاء مع حركة #أنا_أيضا (أو #MeToo بالإنكليزية)، وهي حركة اجتماعية ضد التحرش والاعتداء الجنسي المنهجي بدأت في عام 2006 وأصبحت حملة واسعة النطاق في هوليوود في عام 2017.

وكما تعلِّق شاربونيل: “في السنوات الأخيرة، بدأت المُتدربات بالتشكيك في سلوكيات مُعيّنة بدلا من مُجرد قبولها”.

امرأة تبتسم وقوفا لعدسة المصور
كانت كورين شاربونيل، أستاذة الفيزياء الفلكية بجامعة جنيف (الصورة) شاهدة على العديد من حالات التحرش خلال قيامها بدورها الذي امتد لعقد من الزمان كمُرشدة. Corinne Charbonnel / nige.ch

الاعتراف بالمشكلة

بعد خمس سنوات من تحول وَسْم “أنا أيضاً (#metoo) إلى ظاهرة عالمية، أدركت العديد من المؤسسات الأكاديمية حَجم المشكلة، وأظهرت التزامها بمُعالجة التحرُّش من خلال مجموعة من المبادرات، بدءا من تنفيذ مدونات قواعد السلوك، وإقامة الدورات المخصّصة للطلاب والموظفين، إلى إطلاق الشعارات والحَملات التي تشير إلى “سياسة عَدَم التسامح المُطلق” مع هذه الممارسة.

كان المؤتمر الذي عُقِد في جنيف في يونيو 2022 هو الحَدَث الثالث حول قضايا النوع الاجتماعي في الأوساط الأكاديمية الذي تنظمه رابطة جامعات الأبحاث الأوروبية (اختصارا بالانجليزية: LERU)، وهي شبكة تأسست عام 2002 تضم 23 جامعة أوروبية بارزة، بضمنها جامعتي جنيف وزيوريخ. وهذه هي المرّة الأولى التي تناقش فيها الرابطة كيفية مَنع ومُعالجة التَحيز الجنسي والتحرُّش الجنسي في مؤسسات التعليم العالي. ومن المتوقع أن يُعقد المؤتمر القادم في عام 2024.

لكن الطلاب والموظفين والأكاديميين يقولون إن العديد من هذه التدابير ليست سوى استعراض لخلق انطباع إيجابي، ويَدْعون جامعاتهم إلى الوفاء بالتزاماتها لِجَعل الأوساط الأكاديمية مكاناً أفضل.

في عام 2019، وُجِّهَت انتقادات علنية إلى كل من جامعة بازل والمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ بسبب طريقة تعاملهما مع قضايا التحرش الجنسي الأخيرة. وانتقد الخبراء بشدة انعدام الشفافية (حيث لم يتم إبلاغ الضحايا بالإجراءات ذات الصلة التي يُمكن اتخاذها)، وطول فترة التحقيق، وحقيقة عدم حصول الجُناة إلا على عقوبات طفيفة.

حول ذلك، قال إيف فلوكيغر، رئيس جامعة جنيف، والرئيس السابق للجامعات والمعاهد العليا السويسرية في المؤتمر الذي عُقِدَ بجنيف: “التحرش الجنسي، والتمييز على أساس الجنس، والتمييز، لها تأثير كبير على مستقبل مجتمعنا وعلى حياة الأشخاص الذين يدرسون ويعملون في الجامعات”. وأضاف: “عندما يتعلق الأمر بالتحرش الجنسي، يجب أن تكون جميع الجامعات فوق مستوى الشبهات”.

في عام 2019، تحدَّثَت إستر أوزار، الطالبة في مرحلة الدكتوراه بجامعة بازل، مع وسائل الاعلامرابط خارجي عمّا حدث لها. كان المُشرف على رسالتها، وهو أستاذ في الجامعة، يضايقها بطلبات لا نهاية لها لإقامة علاقة جنسية لمدة خمس سنوات. في آخر الأمر، وجدت في نفسها الشجاعة للإبلاغ عنه. ورغم تلقيه تحذيراً كتابياً من الجامعة وإعفائه من وظائفه الإدارية، إلّا أنَّه لا يزال يُدرّس في الجامعة. وبعد سَبع سنوات من عملها في أطروحة الدكتوراه الخاصة بها، غادرت أوزار الجامعة دون الحصول على شهادة أكاديمية.

في نفس العام أيضاً، ظهرت حالة أخرى للعلن تتعلق باستاذ في قسم الهندسة المعمارية في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، زُعِمَ أنه كان يضايق الطلاب والموظفين وطلاب مرحلة الدكتوراه. وبعد تحقيقه في القضية، والاستماع إلى 13 شاهدا على مدى أكثر من 42 ساعة، أقر المعهد المرموق بحقيقة انتهاك الأستاذ لإرشادات الامتثال للمعهد، لكنه نفى حدوث أي تحرش جنسي.

قضية عالمية

التحرش الجنسي في الجامعات ليس مشكلة سويسرية كما أنه لا يقتصر على الأوساط الأكاديمية. وهو موجود في جميع قطاعات المجتمع، من شركات الرقص إلى الشركات متعددة الجنسيات. وكما تظهر البيانات الحديثة، فقد تعرَّض أكثر من 5% من طلاب الدكتوراه في فرنسا إلى التحرش الجنسي. وفي الولايات المتحدة، تعرضت أكثر من 20% من الطالبات لاعتداء جنسي أو لسلوك سيء.

لا توجد في سويسرا إحصاءات وطنية بخصوص حالات التحرش بطلاب الجامعات أو أعضاء هيئة التدريس، ولكن دراسة استقصائية حديثةرابط خارجي أجراها الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية شملت حوالي 4500 امرأة في البلاد، تظهر تعرّض 33% منهن للتحرش الجنسي في مكان العمل. وخَلُصَ تحقيق مستقلرابط خارجي ومجهول المصدر نشرته جامعة لوزان في ديسمبر 2022 عن وقوع قرابة 150 شكل من أشكال التحرش الجنسي ذات الطبيعة الجنائية، بما في ذلك أربع حالات اغتصاب.

تشير التقديرات إلى أن الأرقام الحقيقية لهذه الظاهرة تزيد عن ذلك بكثير، حيث لا يتم الإبلاغ عن مثل هذه الحالات في كثير من الأحيان. بالإضافة إلى ذلك، لا يُدرك العديد من الضحايا ما هية التحرش الجنسي حقا – الذي يمتد تعريفه من النكات الجنسية، إلى اللمسات والقبلات غير المرغوب فيها، وصولا إلى الاغتصاب. وحتى لو كان الضحايا مدركين لما يحدث، فإنهم غالبا ما يختارون التزام الصمت، أو يرفضون المشاركة عند حدوث تحقيق. “إنهم يخشون العواقب التي قد تترتب على حياتهم المهنية، ويخافون من النظر إليهم كمُبَلِّغين [عن الخروقات]”، كما تقول لويز كارفالهورابط خارجي، رئيسة برنامج التنوع والشمول في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية “سيرن” (اختصارا CERN) في جنيف.

محتويات خارجية

الأمر لا يتعلق بالجنس، لكن بالسلطة

تشكل التسلسلات الهرمية الرأسية، وظروف العمل غير المستقرة، والمنافسة الشرسة على المِنَح الدراسية والوظائف أرضاً خصبة للتحرش في الأوساط الأكاديمية. وفي العادة، يكون الجُناة من الرجال في موقع السلطة – على الرغم من عدم إمكانية استثناء النساء. وكما تقول كارفالهو: “الأمر لا يتعلق فقط بالجنس، ولكن بالسلطة”.

يجد طلاب مرحلة الدكتوراه، الذين يحتلون المركز الأدنى في السلم الوظيفي الأكاديمي، أنفسهم مُستهدَفين بشكل خاص. ومما يُعزِّز موقفهم الضعيف هذا، هو العقود غير المُستقرة (المحددة المدة والقصيرة الأجل) الممنوحة لهم، والاعتماد على أستاذ سيشارك في لجنة امتحانية ويمتلك صلاحية الموافقة على درجة الدكتوراه أو رفضها – وهو إجراء شائع في سويسرا وألمانيا.

كريستين (ليس اسمها الحقيقي)، التي تُحَضِّر لِنَيل درجة الدكتوراه في إحدى الجامعات السويسرية، تعرضت للمُضايقة من قبل أستاذ معروف أثناء وبعد انعقاد مؤتمر دولي. وبعد قيامه بارسال العديد من الرسائل الالكترونية غير المرغوب فيها، أبلغت كريستين مستشاراً في جامعتها السويسرية عما حدث، لكنه لم يأخذ الأمر على مَحمَل الجد. نتيجة لذلك، قررت كريستين تغيير مجال دراستها. “ماذا لو انتهى الأمر بِبَحثٍ علمي أو بمنحة تخصني على مكتبه؟ ربما كان سيرفضها بدافع الإنتقام”، كما قالت لـ SWI swissinfo.ch.

التكاليف الخفية

العواقب الشخصية لضحايا جريمة التحرش الجنسي جسيمة. فقد توصلت دراسة داخلية صدرت عام 2016 من جامعة جنيف، أن ضحايا التحرش يُعانون من الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، ومخاطر عدم القدرة على مواصلة حياتهم المهنية. علاوة على ذلك، هناك تكاليف قانونية مُحتملة يمكن أن تصل قيمتها إلى 20,000 فرنك أو أكثر. وكما قالت شاربونيل أثناء المؤتمر الذي عُقد بجنيف: “لقد عانى جميع المتدربين لديّ الذين وقعوا ضحايا للتنمر أو التحرش الجنسي من الاكتئاب”.

يحمي القانون السويسري الموظفين بشكل صريح من التحرش الجنسي في مكان العمل (المادة 4 من قانون المساواة بين الجنسين). لكن الاجراءات القانونية بالنسبة لضحايا التحرش الجنسي اللاتي يرفعن دعاوى قضائية على أرباب العمل تكون “صعبة ومحفوفة بالمخاطر، ومكلفة، وطويلة جدا وتُشعِر صاحبتها بالعُزلة”، كما قالت إيرين شميدلين، المحامية والشخصية الموثوق بها في جامعة لوزان، في مؤتمر جنيف.

نادرا ما تصدر المحاكم السويسرية حُكماً لصالح المُوَظَّف. ووفقا لدراسة استقصائيةرابط خارجي، فإن 18% فقط من قضايا التحرش الجنسي التي تنظر فيها محاكم الكانتونات تنتهي لصالح الشخص الذي تعرض للتحرش. وحتى في حال عَرض القضية على المحكمة الفدرالية، فإن فرصة الضحية للحصول على حكم إيجابي تظل أقل من 50%. وتعني النتيجة الإيجابية تعويض الموظف/ة بمبلغ يصل إلى 6 مرتبات شهرية.

إلى جانب دفع أتعاب محاميه الخاص، يتعيّن على الموظف/ة (الضحية) أيضاً دفع ما يصل إلى 19,000 فرنك كمشاركة في الرسوم القانونية للطَرَف الخصم في حالة خسارة الدعوى (على مستوى الكانتونات). وتستغرق الإجراءات القانونية في المتوسط حوالي 4 سنوات، لكنها وصلت إلى  ثماني سنوات رابط خارجي في بعض الحالات.

المشكلة الأساسية في رفع دعوى قضائية بتهمة التحرش الجنسي هي نُدرة وجود الشهود أو الأدلة المباشرة في معظم الحالات. وكما تقول المحامية شميدلين: “عادة ما تكون قضايا المحاكم صعبة، وهي أكثر صعوبة حتى بالنسبة لقضايا التحرش الجنسي”. وبغية التحضير لقضية ما على أفضل وجه، فانها تُوصي بالبحث عن شهود، والاحتفاظ بمذكرات مُفصَّلة عن الأحداث، وتدوين جميع الأدلة الممكنة بالتفصيل، من الرسائل النصية، إلى زيارات الأطباء المتعلقة بالقضية.

بدورها، تدفع المؤسسات أيضاً ثمن ما يحدث فيها من مضايقات في شكل الإضرار بالسُمعة والرسوم القانونية المُترتبة. علاوة على ذلك، فإنها تتكبد خسائر خَفية تنعكس بإجمالي المبيعات، وفُقدان المواهب والمَعرفة، وانخفاض إنتاجية المجموعة التي حدثت فيها حالة التحرش الجنسي. ويُقَدِّر المركز الدولي لبحوث المرأة الخسارة في الإنتاجية الناجمة عن قضية التحرش بمبلغ 22,500 دولار (21,000 فرنك) سنويا.

ما هو أيضاً على المحك هنا هو السُمعة الطيبة. فالمؤسسات التي تجد نفسها عالقة بين المطرقة (قضية تحرش جنسي) والسندان (فضيحة مُحتملة)، قد تميل إلى التَسَتُّر على الجريمة وعدم محاسبة الجاني، “لأن هذا الشخص يتمتع بالسلطة والمكانة، أو يقدم المنح، أو يوشك على التقاعد”، كما تقول شاربونيل. ويمكن أن تضر طريقة تعامل المؤسسات مع هذه القضايا بسمعتها بِقَدَر القضية نفسها.

حملات لزيادة الوعي وخلق الثقة

من جهتها، بدأت المؤسسات الأكاديمية بالتحرك لمكافحة هذه الأفعال، حيث أطلقت جامعة جنيف مثلاً حملة إعلامية وتوعوية حملت وسم #UNINIE بعد مرور عام على التقرير الداخلي لعام 2016، الذي أشار إلى التكلفة الشخصية للتحرش، تلَتَها جامعات سويسرية أخرى. ومن المتوقع أن يُقام أول يوم وطني للتوعية بالتحرش الجنسي في 23 مارس من العام الجاري، سوف تُعرَض أحداثه وتنظم فعالياته في مختلف الجامعات السويسرية.

ملصق إشهاري مناهض للتحرش
ملصق إشهاري تم تصميمه في إطار حملة ضد التحرش الجنسي. FHV (Fédération des hôpitaux vaudois)
لوحة إشهارية
ملصق إشهاري تم تصميمه في إطار حملة ضد التحرش الجنسي. swissinfo.ch

تعمل الحملات على زيادة الوعي وخلق مساحة للضحايا للتعبير عن أنفسهم. وعلى سبيل المثال، شجعت حملة عام 2017 في جامعة بازل طالبة الدكتوراه إستر أوزار، على الإبلاغ عن تعرّضها للتحرش لمدة خمس سنوات من قبل أستاذ طلب منها إقامة علاقة جنسية.

وبعد فترة وجيزة من خروج هذه القضية للعَلن، قامت جامعة بازل بمراجعة اللوائح الخاصة بحماية السلامة الشخصية، ووضعت مدونة لقواعد السلوك، وأنشأت منصب مُنسق النزاهة الشخصية لرعاية الأشخاص المحتاجين، ونظمت سلسلة من الدورات التدريبية للموظفين والطلاب.

وكما قال إيف فلوكيغر عميد جامعة جنيف في المؤتمر الذي عُقِدَ بجنيف: “البيانات [حول آثار التحرش الجنسي] واضحة، ولا جدوى من محاربتها. بدلا من ذلك، يجب أن نركز على مكافحة التحيز الجنسي، والتحرش، والتمييز واعتماد سياسة ‘عدم التسامح المطلق’”.

محتويات خارجية

“تَقدَّمْ وبَلِّغ عن الاساءة”

الطريقة الأخرى لزيادة الوعي والثقة هي التثقيف. وبهذا الصدد، تُقدم العديد من المؤسسات، بدءا بجامعات جنيف وبازل، وانتهاء بالمعهد التقني الفدرالي العالي في كل من لوزان وزيورخ، دورات تثقيفية حول كيفية اكتشاف التحرش الجنسي، وكيفية الرَد، وكيفية التنديد به. وعادة ما تكون هذه الدورات على أساس طوعي.

مع ذلك، لم يتم بعد توضيح تأثير هذه المبادرات بشكل قاطع. وتظهر الأبحاث التي أجراها عالما الاجتماع فرانك دوبين وألكسندرا كاليف، وهما باحثان في جامعة هارفارد، أن الدورات التدريبية المُصَمَّمة للتثقيف حول السلوكيات الضارة يمكن أن تؤدي إلى ردّة فعل عكسية، تجعل المُتحرشين المُحتملين أكثر تقبلاً لسلوكياتهم. وكما جاءَ في مقالٍ للباحثَين نُشِر في مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” (Harvard Business Review): “إذا بدأتَ أي دورة تدريبية بإخبار مجموعة من الأشخاص أنهم سبب المشكلة، فسوف يبدأون بالدفاع عن أنفسهم”. ومن وجهة نظر عالمَي الاجتماع، فإن فَرض مثل هذه الدورات سوف يؤدي فقط إلى تعزيز الرسالة القائلة بأن الرجال “أوغاد” يجب إصلاحهم.

بدلا من ذلك، يوصي المؤلفان بتدريب المُديرين والمُتفرجين. في دورات كهذه، يُقَدَّم التحرش بوصفه تحدٍ يتعين على جميع المديرين التعامل معه، ويُدَرَّب المتفرجون على التعاون في مكافحة التحرش وفقاً لِشِعار “إذا رأيت شيئا، قُلْ شيئا”. وقد تَبَنَّت كل من المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية وجامعة بازل هذا النَهج. “نحن نريد تمكين 90% من الأشخاص الذين يُروّجون للسلوك الجيد، من خلال تعليمهم كيفية التصرف كمراقب نشط. تَقدَّمْ وبَلِّغ عن الاساءة – هذه هي الطريقة التي تمكننا من تخفيف التصعيد والحَد من السلوك السيء في مكان العمل”، تقول كارفالهو.

رسم بياني
swissinfo.ch

الحاجة إلى المزيد من التغييرات الهيكلية والثقافية

لكن الخبراء يُجادلون بأن الدورات والحملات ليست كافية. فالحملات تخاطر بالتحدُّث بشكل أساسي مع المناصرين للقضية، وإزعاج الأشخاص الذين تريد تحذيرهم.

“لنكن صريحين: لا أحد يقرأ مدونة قواعد السلوك”، تقول طالبة الدكتوراه كريستين، التي شاركت قضيتها بخصوص التحرش مع  SWI swissinfo.ch. ومع ترحيبها بإنشاء مكاتب مستقلة مخصصة للشكاوى مجهولة المصدر، إلّا أنّها لا تثق بالمكاتب الداخلية؛ حيث تخشى من مَيل المؤسسات إلى إخفاء القضايا التي تُضرّ بسمعتها.

المهتمون بهذه القضية يرون أن هناك حاجة إلى مزيد من التغييرات الهيكلية والثقافية. وبادئ ذي بدء، سيكون الحَد من انعدام الأمن الوظيفي طريقة جيدة لتقليل اعتماد طلاب الدراسات العليا (الدكتوراه) وما بعد الدكتوراه، والأساتذة المبتدئين على تأثير المشرفين على تأطيرهم.

وبحسب دوبّين وكايف، فإن وجود المزيد من التنوع في القمة، بما في ذلك المزيد من النساء بالطبع، من شأنه أن يُساعد في الحَد من التحرش الجنسي.

وفي انتظار حدوث هذه التغييرات، يحث الطلاب والباحثون وخبراء التحرش الجنسي قادة التعليم العالي (من رؤساء الجامعات، والعمداء، والرؤساء وأعضاء مجلس الإدارة) على الوفاء بوعدهم في تطبيق سياسة “عدم التسامح المطلق”، وأن يكونوا القادة الذين يقودون التغيير، وأن يتحلوا بالمسؤولية.

وعلى حد تعبير لويز كارفالهو: “بِغَضّ النظر عن مدى ذكاء أستاذ ما، فإن مُضايقة الآخرين سعيا وراء التَمَيُز أمرٌ غير مَقبول. إن معيار التميز الوحيد الذي يستحق المتابعة، هو أن تكون نموذجا لاحترام الآخرين في مكان العمل”.

تحرير: فيرجيني مانجين 

ترجمة: ياسمين كنونة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية