مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خبراء الأمم المتحدة يدققون في مصادر واردات سويسرا من الذهب

تذويب الذهب
منجم ذهب غير قانوني في ولاية بوليفار الجنوبية في فنزويلا بالقرب من الحدود مع البرازيل. Reuters / Jorge Silva

مع انطلاق أعمال الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف والتي تتواصل أشغالها إلى 7 أكتوبر الجاري، جرت مناقشات عديدة طُرحت خلالها مسألة الذهب المُستخرج بطرق تخالف القانون وتنتهك حقوق الإنسان، وكذلك دور الدول المستوردة، بما في ذلك سويسرا التي ورد ذكرها في تقرير للأمم المتحدة.

خلال الأسبوع الماضي، قدّم محقّق خاص تقريراً عن استخدام الزئبق في تعدين الذهب الضيق النطاق، كما قدّمت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في فنزويلا تقارير منفصلة إلى المجلس بشأن تداعيات عمليات تعدين الذهب على العديد من المجتمعات والبيئة، لا سيما تلك التي تجري في حوض الأمازون.

وأشار محققو الأمم المتحدة إلى انتهاكات لحقوق الإنسان مثل الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال والتعرّض للتسمم بالزئبق واللجوء إلى عمالة الأطفال، وهي انتهاكات لها تداعياتها على المجتمعات التي يحدث فيها تعدين غير قانوني للذهب، ووجّهوا أصابع الاتهام إلى الدول التي تشتري المعدن ومسؤوليتها بهذا الشأن.

وأفادت التقارير أنه يتوجّب على المشترين العالميين مثل سويسرا – التي يمر من خلالها ما يقرب من ثلثي التجارة العالمية لمعدن الذهب – العمل على ضمان احترام حقوق الإنسان خلال جميع مراحل عملية التوريد.

ازدياد الطلب وانعدام العناية الواجبة

وفي حديث له مع SWI swissinfo.ch، يعلّق ماركوس أوريلانا، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالمواد والنفايات الخطرة، والذي حقق في انتهاكات حقوق الإنسان في مجال التعدين الضيق النطاق قائلاً: “هذه مسألة خطيرة”. ويضيف:”من المتوقّع أن نشهد في الأشهر والسنوات المقبلة، المزيد من عمليات التدقيق حول تعدين الذهب من خلال آليات حقوق الإنسان، وكذلك للبلدان التي توجد فيها مصافي التكرير، بما في ذلك سويسرا”.

الجدير بالذكر، أن سويسرا تُعتبر أكبر مستورد عالمي للذهب، حيث قامت بشراء ما قيمته 92.3 مليار دولار أمريكي من هذا المعدن في عام 2021. كما توجد أربع من أكبر مصافي التكرير على مستوى العالم في سويسرا، تمتلك اثنتيْن منها شركات أجنبية.

وفي عام 2020، قدّرت وكالة رويترز للأنباء أن ثلاثاً من أكبر شركات مصافي التكرير “فالكامبي” Valcambi و “آرغور هيراوس” Argor-Heraeus و “بامب” PAMP تقوم بتكرير ما يقرب من 1500 طن من الذهب سنوياً، وكلها تمارس نشاطاتها في سويسرا.

و أفاد أوريلانا من خلال تقريره الذي عرضه خلال الأيام الأولى لأحدث دورة لمجلس حقوق الإنسان، بأن لدى النساء الحوامل في مجتمعات السكان الأصليين اللاتي يعشن في المناطق التي تصب فيها المياه الواردة من مواقع تعدين الذهب في الغابة البوليفية، مستويات عالية من الزئبق في الدم نتيجة استهلاكهن الأسماك الملوثة، فيما تنتشر ظاهرة الاعتداءات الجنسية وظاهرة العنف في مناطق التعدين. كما يبيّن التقريررابط خارجي كيف أثبتت التحاليل المخبرية وجود مستويات مرتفعة من الزئبق في دم السكان، حتى في جزر المحيط الهادئ، وذلك على بعد آلاف الكيلومترات من مناجم الذهب، من جرّاء التلوث على المستوى العالمي في المحيطات.

ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، كان هناك ما يقرب من 10 إلى 15 مليون شخص ممن يعملون بشكل مباشر في تعدين الذهب الضيق النطاق على مستوى العالم في عام 2017، منهم ما يقرب من مليون طفل و4.5 مليون امرأة.

تجد الاشارة إلى أن الزئبق، الذي يُستخدم لفصل الذهب عن المواد الأخرى، هو معدن ثقيل شديد السمية يتراكم بيولوجياً في الكائنات الحية. ويُمكن لهذا التراكم أن يتسبّب في إحداث أضرار صحية دائمة لا يمكن علاجها، بما في ذلك الاضطرابات العصبية والاضطرابات الإنجابية، كما يمكن أن يُؤدّي إلى الموت.

ويتابع أوريلانا حديثه أمام الجمعية العامة لمجلس حقوق الإنسان قائلاً: “إن استخدام الزئبق مردّه إلى الطلب النهم على الذهب من قبل الأسواق المالية وصائغي المجوهرات في أغنى البلدان”. ويوضّح أنّ ” المصافي في البلدان الصناعية التي تقوم بشراء الذهب تفتقر إلى الآليات المناسبة للعناية الواجبة للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بمخاطر الزئبق وتعدين الذهب الضيق النطاق”. وخصّ التقرير بالاسم كلا من سويسرا والمملكة المتحدة، وقد تصدرت الدولة التي تشقها سلسلة جبال الألب في عام 2020 الترتيب من حيث حجم واردات الذهب.

ويفيد التحقيق أيضاً بأن العنف الذي تمارسه الجماعات الإجرامية التي تتحكم في عمليات الإنتاج، أضرّ بسلامة السكان وصحتهم، في حين أدّت عمليات إزالة الغابات إلى تدمير الغابات المطريّة وساهمت في فقدان توازان التنوع البيولوجي.

تُعتبر سويسرا أكبر مستورد عالمي للذهب، حيث قام هذا البلد بشراء ما قيمته 92.3 مليار دولار أمريكي من هذا المعدن في عام 2021. كما توجد فوق أراضيه أربع من أكبر مصافي التكرير على مستوى العالم.

وبعد عرضه للتقرير، أكّد أوريلانا من خلال مقابلة هاتفية مع  SWI swissinfo.ch أنّ “سويسرا بحاجة إلى القيام بالمزيد من الخطوات في هذا القطاع بشأن مسألة حقوق الانسان والمحافظة على البيئة”.

ويقول: “لا تملك سويسرا.. نظاماً ملائماً للتتبع من شأنه أن يُلزم مصافي التكرير الإفادة عن مصدر الذهب وكيفية استخراجه؛ فنظام التتبع الذي تمتلكه سويسرا تتوقّف آليته عند مرحلة استلام الدولة الوسيطة لزمام الأمور ليتم بعد ذلك استغلال هذه الفجوة من قبل العصابات الإجرامية وتجار المخدرات الذين يتاجرون بالزئبق والذهب”.

وينبّه قائلاً: “في الوقت الذي تزيد فيه أرباح القائمين على صناعة الذهب، فإن حقوق الإنسان تتقهقر”.

وكانت تقاريررابط خارجي سابقة لـ SWI swissinfo.ch قد أفادت عن فقدان ما يقرب من 1000 كيلومتر مربع من الغابات المطريّة، في منطقة مادري دي ديوس جنوب شرق بيرو، حيث باع عمال المناجم غير القانونيين ذهبهم للجهات المشترية، بما في ذلك تلك المزعومة في سويسرا التي لم تجد حرجاً في غض الطرف. وبالإضافة إلى وجود الأنهار الملوثة والمسمّمة بالزئبق، فإن نسبة تلوث الهواء الناجم عن هذه المادة في المدن حيث يتم حرق المعدن لإزالة الزئبق المتبقي، غالباً ما تكون أعلى بآلاف المرات من الحدود المقبولة دولياً.

وبعد تقديم أوريلانا تقريره إلى مجلس حقوق الانسان، شاركت أكثر من 40 دولة في حوار تفاعلي حول التدابير والاجراءات التي من الواجب اتخاذها للحد من انتهاكات حقوق الإنسان في مجال التعدين الضيق النطاق. ولم تكن البعثة السويسرية من بين بعثات الدول المشاركة في هذا الحوار.

من جهة أخرى، استجابت باولا سيريسيتي، المتحدثة باسم البعثة، في وقت لاحق لطلب  SWI swissinfo.ch التعليق على هذا التقرير بعد نشره. وصرّحت قائلةً: “في سويسرا، يخضع قطاع تجارة الذهب إلى تشريع يُعتبر من أكثر التشريعات صرامة في العالم”. وكتبت في رسالة بالبريد الإلكتروني أن قانون تنظيم المعادن الثمينة وغسيل الأموال يهدف بشكل خاص إلى ضمان أن الذهب الذي يتم تداوله من قبل القيّمين على المصافي لا ينشأ من خلال مصادر احتيالية. 

هواية الذهب في فنزويلا

ووفقاً لتقرير آخر ذي صلة قُدِّم إلى مجلس حقوق الإنسان، ينتشر العنف المسلح في أوساط جماعات “سينديكاتوس” – وهي الجماعات الإجرامية التي تسيطر على مناجم التعدين – كما تنتشر عمليات الاستغلال في العمل والاستغلال الجنسي، والعقوبات المروّعة من خلال ممارسة الأحكام التعسفية، في منطقة تعدين الذهب في فنزويلا. هذه المنطقة المعروفة باسم “أركو مينيرو” Arco Minero (أي “القوس المنجمي”)، كان قد تم إنشاؤها خصيصاً لتعدين الموارد من الذهب على إثر انزلاق وتراجع مؤشرات الاقتصاد في البلاد، على أمل أن تجذب الاستثمارات الأجنبية.

وفي تصريح له للصحفيين، يقول فرانسيسكو كوكس، عضو بعثة تقصي الحقائق، إن السكان وكذلك عمال المناجم “وجدوا أنفسهم في كثير من الأحيان في مرمى تبادل إطلاق النار بين جماعات مارست أعمال عنف في سعيها للسيطرة على الذهب”.

وفي هذا السياق، يقول أوريانا إن الجماعات الفاعلة غير الحكومية، مثل السنديكاتوس، وكذلك قوى السلطة، بما في ذلك القادة العسكريون والمدنيون الذين لديهم مصالح مالية في عمليات التعدين، هم مسؤولون عن عمليات القتل والابتزاز والعقاب البدني والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

تقدر تقارير مختلفة أن ما نسبته 70 إلى 90% من الذهب الذي يتم الحصول عليه من مناطق التعدين الحرفي يتم إنتاجه بطرق غير قانونية

وتقول مارتا فالينياس، رئيسة البعثة لـ SWI swissinfo.ch : “إن النخب العسكرية والسياسية الفنزويلية استفادت مالياً من الأنشطة غير القانونية من  “آركو مينيرو” (أي في منطقة القوس المنجمي)”.

ويرى كوكس أنه في حين أن البيانات الرسمية قليلة وتفتقر إلى الشفافية، فإن تقارير مختلفة تقدر أن هناك نسبة من الذهب تتراوح ما بين 70 إلى 90 % والتي يتم الحصول عليها من منطقة التعدين يتم إنتاجها بطرق غير قانونية.

من جهة أخرى، أوصى التقرير المتعلق بفنزويلا بأن تتخذ الدول المستوردة للذهب تدابير لمنع غسل الذهب وكذلك غسل الأموال في مناطق تعدين الذهب في فنزويلا.

وتظهر البيانات السويسرية الرسمية أن البلاد توقفت عن استيراد الذهب مباشرة من فنزويلا في عام 2016. ولكن منذ ذلك الحين، هناك قلق من أن ينتهي الأمر بهذا الذهب في سويسرا بعد عبوره عبر بلدان أخرى.

ولم تستجب بعثة فنزويلا لدى الأمم المتحدة في جنيف لطلب من SWI swissinfo.ch للتعليق على مزاعم تواطئ السلطات واحتمال تورطها في تجارة الذهب غير القانونية.

شفافية المحكمة

مع تصاعد الضغط على مُستوردي الذهب لضمان الحصول على مصادر أكثر شفافية، استجابت المصافي السويسرية مؤخراً بالتعهد بعدم احتواء سلاسل التوريد الخاصة بها، على كل ذهب ناشئ من أراضي السكان الأصليين. وفي عام 2020، قالت شركة ميتالور اليابانية – التي تتخذ من نوشاتيل مقرّاً لها – إنها أوقفت عمليات الشراء من المناجم الحرَفية.

عملية ذوبان الذهب
يتم سكب الذهب السائل لتشكيل الحبوب في مصفاة ميتالور السويسرية في مارين بالقرب من مدينة نوشاتيل. Reuters / Denis Balibouse

مع ذلك، تُظهر البيانات السويسرية أن كميات كبيرة من الذهب يتم استيرادها من دول غير منتجة، بما في ذلك الشرق الأوسط وأوروبا، مما يطرح تساؤلات عن مصدر ومنشأ هذا الذهب. وتمارس جهات عديدة ضغوطات بهذا الشأن بغية الحصول على إجابات.

في هذا الصدد، تنتظر جمعية الدفاع عن الشعوب المهددةرابط خارجي، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من برن مقرّاً لها، قراراً من المتوقع أن يصدر في الأشهر المقبلة عن المحكمة الفدرالية (أعلى هيئة قضائية في البلاد)، بعد طلبها المقدم في عام 2018 إلى سلطة الجمارك الفدرالية لنشر الملفات المتعلقة بالمنشأ الدقيق للذهب المستورد إلى البلاد، بحجة أن المصلحة العامة تقتضي معرفة المنشأ. وكانت هذه الجمعية قد حقّقت منذ فترة طويلة في آليات الإنتاج غير القانوني للذهب في منطقة الأمازون وارتباط هذا الانتاج بمصافي التكرير السويسرية.

تحرير: فيرجيني مانجين

ترجمة: جيلان ندا

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية