مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هذا ما يجب أن تبدو عليه سويسرا خالية من الكربون في عام 2050

منزل
يتعين تركيب لوحات شمسية على ما يناهز 60 % من أسطح المنازل في البلاد من أجل بلوغ الحياد الكربوني في عام 2050، وفق دراسة نشرت قبل فترة قصيرة من اقتراع يوم الأحد. © Keystone / Julien Grindat

وافق الناخبون والناخبات في الاقتراع الوطني الأخير على رغبة الكونفدرالية السويسرية في بلوغ الحياد المناخي بحلول عام 2050. وحسب العديد من الدراسات، فإنه من الممكن ضمان أمن تزويد البلاد بالطاقة حتى بدون طاقة أحفورية. لكن يرى خبير في الانتقال في مجال الطاقة، بأنه سيكون من الضروري إدخال تغييرات سلوكية مهمة.

سيتعين على سويسرا في عام 2050، ألا تبث من غازات الدفيئة في الجو سوى ما تستطيع الخزانات الطبيعية والاصطناعية امتصاصه. وهذا هو الهدف الذي حددته الكونفدرالية، ووافق عليه 59 % من الشعب في اقتراع شعبي. لكن تبقى العديد من المسائل مفتوحة.

كيف ستبدو سويسرا بدون الطاقة الأحفورية أو  بالقليل جدا منها؟

مبنى يتم تسخينه بحرارة ساكنيه وحدهم ويتم تبريده بصمامات تحل محل مكيف الهواء: في لوتسيرن، يعطي المشروع التجريبي “2226” فكرة عن الشكل الذي ستبدو عليه بنية المستقبل.

مبنى
لا يحتاج هذا المبنى الواقع في منطقة إمنويد الصناعية في إمنبروك، في كانتون لوتسيرن، إلى تدفئة أو تهوية أو تبريد. وهو الأول من نوعه في سويسرا. screenshot RTS

إن هذا المبنى الفريد من نوعه في سويسرا في الوقت الحالي، كله مزايا حسب مصمميه، كما شرح مديره تييس بوكي، في مقابلة له مع الإذاعة والتلفزيون السويسريين RTS حيث قال”يمثل استهلاكه للطاقة ثلث استهلاك بناية تقليدية مجهزة بالتدفئة وتكييف الهواء. ونوفر المال مع تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون”.  ومن أجل بلوغ الهدف المناخي للكونفدرالية، يجب أن يتضاعف هذا النوع من البناء على مدى 30 عاما القادمة. وتعتزم الكونفدرالية تحقيق هدفها من خلال اتخاذ مزيج من التدابير تتجلى في إنشاء المباني المعزولة جيدا التي يتم تسخينها بمضخات حرارية وسيارات وشاحنات كهربائية تعمل بالهيدروجين، وتطوير الألواح الشمسية والطاقة المنتجة باستخدام الرياح، وآلات لامتصاص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي لا يمكن تجنب انبعاثها.

هل هذا هدف واقعي؟

يمكن تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من وسائل النقل والتدفئة وتبريد المباني والصناعة بنسبة تصل إلى 95٪ بفضل التقنيات الحالية واستخدام الطاقات المتجددة، كما تقول الكونفدراليةرابط خارجي . وسيكون من الممكن أيضا الحد من استخدام غازات الدفيئة الأخرى، ولا سيما في الزراعة. وسيتم تعويض الانبعاثات المتبقية عن طريق بالوعات ثاني أكسيد الكربون الطبيعية، على غرار الغابات والتربة، وكذلك عن طريق التقنيات التي يمكنها إزالة غازات الدفيئة من الغلاف الجوي أو امتصاصها مباشرة في المكان الذي تنبعث منه، على سبيل المثال في محطات الحرق، لتخزينها لاحقا بشكل مستدام.

يقول المهندس مارك مولررابط خارجي، وهو خبير مستقل متخصص في الانتقال في مجال الطاقة “على كل حال، سيحدث هذا الانتقال، شئنا أم أبينا. لأن النفط سوف ينفد عاجلا أم آجلا وليس أمام أوروبا من خيار سوى المراهنة على الطاقات المتجددة”.

ويقول مارك مولر، إنه على افتراض أن تكلفة عدم فعل أي شيء هي أعلى بكثير من تكلفة الفعل، سيستمر تكاتف السياسيين وعملهم بسرعة لإيجاد حلول، على الرغم من بطء وتيرة العمليات الديمقراطية في سويسرا. ويضيف “لقد أثبتت سويسرا بالفعل عدة مرات في الماضي أنها تعرف كيف تتصرف بسرعة عندما تكون تحت الضغط”. وسيكون هذا عاملا حاسما لنجاح هذا التحول. ويسترسل مارك مولر قائلا: “كلما أسرعنا في استعادة السيطرة على إنتاج الطاقة لدينا، كلما قل تعرضنا لخطر المعاناة من العواقب المدمرة المحتملة لندرة الطاقة على الصعيد العالمي”.

هل يمكن ضمان أمن إمدادات الطاقة؟

نعم، وفقا لدراستين نشرتا قبل وقت قصير من الاقتراع. وخلصت الدراسة الأولى التي نشرت  في 24 مايورابط خارجي، من قبل خبراء من مركز علوم الطاقة في المعهد التقني الفدرالي في زيورخ (ETH)، إلى أن هذا الهدف يمكن تحقيقه تقنيا واقتصاديا. وتكمن طريقة تحقيق ذلك في استخدام الكهرباء لتشغيل أنظمة النقل والتدفئة بدلاً من الوقود الأحفوري، حيث سيؤدي ذلك إلى تقليل الطلب الإجمالي على الطاقة.

ومن المؤكد أن تزيد هذه التحولات في مجال الطاقة من الطلب على الكهرباء من 60 تيراوت في الساعة (TWh) اليوم إلى نطاق يتراوح بين 80 و100 تيراوت في الساعة خلال عام 2050. ولكن يمكن تلبية هذا الطلب من خلال زيادة كمية الطاقة المتجددة المنتجة في سويسرا وتبادل الكهرباء مع البلدان المجاورة، كما يقول باحثو المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (EPFZ).

وخلصت الدراسة الثانية التي نشرها في 30 مايورابط خارجي باحثون في المعهد التقني الفدرالي في لوزان (EPFL) والمعهد العالي المتخصص لغرب سويسرا (HES-SO)، إلى أبعد من ذلك، حيث تقدر أن سويسرا يمكن أن تحقق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 من دون الحاجة إلى استيراد الكهرباء. ويكمن الحل في الإنتاج الكبير للكهرباء الكهروضوئية في الصيف وتخزينها الجزئي في السدود بغرض استخدامها في الشتاء.

ويجب تغطية حوالي 60٪ من أسطح المباني في البلاد، حسب هذا السيناريو، بألواح شمسية. ومن المتوقع أيضا زيادة توليد الطاقة باستخدام الرياح في فصل الشتاء. وبالإضافة إلى كون نظام الطاقة المستقبلي هذا أقل تلويثا، فإنه سيكون حسب الباحثين أقل تكلفة كذلك. ولن تكون هناك حاجة بعد الآن لتخصيص أموال لاستيراد النفط أو الغاز أو الكهرباء، مما سيحقق وفورات تبلغ حوالي 30٪ على المدى الطويل.

هل سيتعين على الناس تغيير عاداتهم لتحقيق ذلك؟

لا شك في ذلك. يقول مارك مولر: “لا يتم تسليط الضوء على هذا دائما في التقارير، لكن لا يمكننا تحقيق تلك الأهداف بدون اتخاذ تدابير صارمة لترشيد الاستهلاك”. ولا يوجد في الوقت الحاضر، على سبيل المثال، بديل قابل للتطبيق لإزالة الكربون من قطاع الطيران. ويستدرك مارك مولر قائلا “من أجل إتاحة تحليق جميع الطائرات بشكل غير ملوث، سيتطلب ذلك إنتاج 30٪ من الكهرباء على مستوى العالم. وهذا غير أخلاقي، بالنظر إلى أن 1٪ فقط من سكان العالم يستخدمون وسيلة النقل هذه بانتظام”.

رجل
مارك مولر هو خبير في الانتقال في مجال الطاقة ويدير شركته الاستشارية الخاصة. Impact living

ويرى الخبير أنه سيكون من الضروري أيضا استعادة جزء من الإنتاج الصناعي إلى أراضينا وخفض الواردات بشكل كبير من آسيا أو أي مكان آخر. وإلا سنخاطر بجعل البلدان الأخرى تدفع تكلفة هذا التحول، كما يقول مارك مولر “لكننا لا نرغب كثيرا في قول ذلك في بلد بنى ازدهاره على التجارة الحرة والأسواق المفتوحة”.

سيتعلق الأمر أيضا بمسألة إقناع الأقلية الكبيرة (41٪) من الأشخاص الذين صوتوا “بلا” في صناديق الاقتراع يوم الأحد. كما يقول مارك مولر “بذلنا كل جهد حتى الآن، لجعل البيئة مسألة غير مرغوب فيها”. ويدعو الخبير إلى تخفيف المعايير والقيود من أجل جعل الوصول إلى نمط حياة خال من الكربون، أكثر متعة. ويقول الخبير “على سبيل المثال، عليك ملء العديد من النماذج لتغيير التدفئة الخاصة بك، بينما يمكنك استخدام الطائرة 50 مرة في السنة بدون أي عائق.  ويجب أن يتغير ذلك”.

هل تتجه بلدان أخرى أيضا نحو الحياد الكربوني؟

وفقا لمنصة نيت زيرو تركير (Net Zero Trackerرابط خارجي)، أعلنت 148 دولة عضوا في الأمم المتحدة (من أصل 198) أنها تريد تحقيق الحياد المناخي، وهي تمثل مجتمعة 88٪ من الانبعاثات العالمية و85٪ من سكان العالم. ويعتزم معظمها تحقيق ذلك بحلول عام 2050. لكن تعد بعض البلدان أكثر طموحا، على غرار فنلندا (2035) أو ألمانيا (2045). وتستهدف الصين وروسيا، وهما من بين أكبر الاقتصادات المسببة للانبعاثات في العالم، عام 2060 لتحقيق ذلك.

وقد أصبحت المملكة المتحدة في عام 2019، أول دولة صناعية كبرى ترسخ التزامها بصافي انبعاثات صفري لغازات الدفيئة في القانون. وفي المجموع، مع أخذ اقتراع يوم الأحد في سويسرا بعين الاعتبار، أدرج 26 بلدا الحياد المناخي في تشريعاته. ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بفرنسا وألمانيا وإسبانيا والدنمارك واليابان وكوريا الجنوبية.

يقول مارك مولر “لم يجد أي بلد الحل المثالي، لكن يمكن أن تشكل دول الشمال الأوروبي مصدر إلهام. وأنا معجب بالمثال الدنماركي، حيث يمتلك المواطنون ثلثي محطات إنتاج الطاقة باستخدام الرياح. وبالتالي، فإن التحول البيئي يسير جنبا إلى جنب مع إضفاء الطابع الديمقراطي على البنيات التحتية للطاقة “.

ترجمة: مصطفي قنفودي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية