مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تنأى سويسرا بنفسها عن الاتحاد الأوروبي بشأن المراقبة الجماعية للسكان؟

كاميرات مراقبة في أحد شوارع مدينة برن القريبة من مقر البرلمان
يسمح قانون مكافحة الإرهاب السويسري الجديد للشرطة الفدرالية باتخاذ قرارات تخص تدابير المراقبة الإلكترونية دون الحاجة للحصول على إذن مُسبق من محكمة، ويُتيح لها إمكانية استخدام البيانات التي تم جمعها لأغراض أخرى غير تلك التي ينص عليها القانون، وفقًا لقول أحد الخبراء. Westend61 / Jess Derboven

بينما كانت بروكسل بصدد كبح جماح الاستخدام المفرط لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عبر تقنين المراقبة واسعة النطاق، انهارت المفاوضات بشأن الاتفاقية الإطارية بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يضع مستقبل قوانين حماية الخصوصية في سويسرا على المحك، لاسيما بعد أن أقرّ الناخبون مؤخرًا واحدًا من أكثر قوانين مكافحة الإرهاب صرامة في أوروبا.

في نهاية شهر مايو 2021، وبعد سبع سنوات من المفاوضات، تخلت الحكومة السويسرية عن الاتفاقية الإطارية مع الاتحاد الأوروبيرابط خارجي، الأمر الذي انعكس سلبًا على العلاقات الثنائية مع بروكسل وأوصلها إلى أدنى مستوى تاريخي، وفي 13 يونيو الماضي، أي بعدها بوقت قصير، صوّت الشعب السويسري مؤيّدًا بوضوح للقانون الفدرالي لمكافحة الإرهاب، الذي يمنح الشرطة سلطات أوسع بذريعة التدخل الوقائي.

في الواقع، تأتي القطيعة مع الاتحاد الأوروبي في لحظة حاسمة بالنسبة للجهود الأوروبية الرامية إلى وضع حدّ لاستخدام تقنيات مراقبة السكان سواء من قبل الشركات الخاصة أو من قبل أجهزة الأمن والشرطة، وفي الوقت الذي تعكف فيه المفوضية الأوروبية على صياغة أول تشريع من نوعه في العالم لتنظيم الذكاء الاصطناعيرابط خارجي، حيث أن المقترح قيد المناقشة يستهدف مخاطر هذه التقنيات ويحدد أسسا واضحة تضبط استخداماتها.

وتتقصّد بروكسل، على وجه الخصوص، أنظمة تحديد الهوية البيومترية (ومن بينها تقنية التعرف على الوجوه)، التي أصبحت تنتشر في الأماكن العامة – وغالبًا بدون علم السكان – لأغراض شتى تشمل المراقبة وجمع البيانات وإنفاذ القانون.

المزيد

في وقت سابق من عام 2021، أطلقت منظمة العفو الدولية حملة ضد استخدام الحكومات أو الهيئات الخاصة لتقنيات التعرف على الوجهرابط خارجي، ومن وجهة نظرها فإن “تقنية التعرف على الوجه قد تتحوّل إلى سلاح تستخدمه السلطات الأمنية ضد المجتمعات المهمشة في جميع أنحاء العالم”. وفي الوقت نفسه، انتقدت المنظمة غير الحكومية علنًا القانون السويسري الجديد الخاص بإجراءات الشرطة لمكافحة الإرهابرابط خارجي، واصفة النّص بأنه “غامض بشكل خطير” ومعتبرة أن القانون يشكل “تهديدًا للمستقبل”، نظرًا لأنه يشجّع على زيادة المراقبة، وبالتالي يزيد بشكل غير مباشر من استخدام أنظمة تحديد الهوية التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى حظرها، كما يقول مراقبون.

وحذّر لوكاس هافنر ، منسق حملة التكنولوجيا وحقوق الإنسان في الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية، من أن “القانون السويسري يُعدّ، على المستوى الليبرالي الديمقراطي الأوروبي، بالتأكيد أحد أكثر القوانين تطرفاً، لكونه يمنح الشرطة الفدرالية في بعض الحالات سلطات غير مسبوقة”. وفي العام الماضي أيضا، أعرب المجلس الأوروبيرابط خارجي عن مخاوفه بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والحقوق الأساسية التي يسمح بها القانون الجديد.

المزيد
تظاهرة من تنظيم فريق الذكاء الاصطناعي

المزيد

ما الذي يحدث عندما تتخلى غوغل عن “أخلاقياتها”؟

تم نشر هذا المحتوى على طرد موظفة سامية عضو بفريق اخلاقيات الذكاء الاصطناعي بشركة غوغل يثير السؤال حول مصداقية هذه الشركات الكبرى في الالتزام بمواثيقها الاخلاقية.

طالع المزيدما الذي يحدث عندما تتخلى غوغل عن “أخلاقياتها”؟

إلى أين تنظر العين الإلكترونية للقانون؟

مع أن قانون مكافحة الإرهابرابط خارجي لا يذكر كاميرات المراقبة صراحة، إلا أنه يخوّل الشرطة الفدرالية (FEDPOL) الأمر “بالمراقبة الإلكترونية لإرهابي محتمل”، وعلى سبيل المثال باستخدام سوار إلكتروني (المادة 23q) ، وأكثر ما يثير الجدل هو أن بإمكان الشرطة الفدرالية اتخاذ قرار المراقبة الإلكترونية دون حاجة إلى الحصول على إذن من محكمة، وأن بإمكانها أن تستخدم ما يُجمع من بيانات في غير المنصوص عليه قانونًا، وأن “هذا القانون لا يمنع الكثير، هذه هي المشكلة”، على حدّ قول فريديريك برنار، أستاذ القانون العام في جامعة جنيف.

وردًا على سؤال وجهته SWI swissinfo.ch، أكّدت الشرطة الفدرالية عدم استخدامها لأنظمة التعرف على الوجه، ونفت وجود أي صلة بين الإجراءات الوقائية المنصوص عليها في القانون الجديد وبين استخدام هذه التقنيات.

غير أن أجهزة الشرطة في بعض الكانتونات تستخدم بالفعل أنظمة القياسات الحيوية للتحقيق في انتهاكات مرتكبة على علاقة بقضية جنائية مرفوعة. فعلى سبيل المثال، تستخدم شرطة كانتون سانت غالن برنامج التحقيق السويدي “غريفَيي أنَلايز دي إي برو”  (Griffeye Analyze DI Proرابط خارجي)، الذي يحلل كميات كبيرة من البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنية التعرف على الوجه، وتقول شركة “غريفَيي تكنولوجيز” (Griffeye Technologies) المُصنّعة للبرنامج على موقعها الالكتروني أن بإمكان هذا التطبيق تحديد الوجوه من خلال ربط “البيانات الوصفية بمصادر مفتوحة على الإنترنت” وعبر استخدام كميات كبيرة من “صور العالم الحقيقي”.

حاليا، هناك ما لا يقل عن أربعة مليار شخص من جميع أنحاء العالم لديهم ملفات تعريف على شبكة الانترنت يُمكن من خلالها الحصول على ما يُعرف بـ “صور العالم الحقيقي”، وتُظهر دراساترابط خارجي كتلك التي أجرتها جوي بولامْوِيني ، الباحثة في مختبر (MIT Media Lab) التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأخرى أجرتها تيمْنيت غيبرو ، المسؤولة السابقة عن قسم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التابع لشركة غوغل، أن برامج الذكاء الاصطناعي التجارية تحلل وجوه ذوي البشرة الداكنة، والنساء، بدقة أقل.

يُوثّق الفيلم الوثائقي الجديد “الانحياز المُشفّر” (Coded Bias) – المُتاح على شبكة نتفليكس – تحيّز الخوارزميات وعيوب تقنية التعرف على الوجه التي اكتشفتها جوي بولامْويني، الباحثة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا:

محتويات خارجية

وفي رسالة عبر البريد الالكتروني، أوضح هانزبيتر كروسي، رئيس قسم الاتصالات بشرطة سانت غالن، أن المواد التي يتم تجميعها “تُقارن الكترونيًا بالصور الموجودة في قاعدة بيانات الشرطة لإيجاد تطابقاتها”، وفي النهاية يقوم شخص مختص بفحصها بشكل مباشر وعيني.

وفي مراسلة أخرى، قالت الشرطة الفدرالية لـ SWI swissinfo.ch إن “كل كانتون يقرر بنفسه إذا كان يريد استخدام هذه التكنولوجيا بحكمة، وما إذا كان لديه الأساس القانوني اللازم للقيام بذلك”، ولكن في ظل غياب تشريعات واضحة تضبط استخدام تقنيات من هذا القبيل، من الذي سيقرر الحكمة من عدمها؟

من جانبه، صرح جان فيليب فالتر، المفوض السويسري لحماية البيانات في المجلس الأوروبي، لـ SWI swissinfo.ch قائلًا: “لا يُستبعد اتخاذ قرارات تعسفية وسوء استخدام لا يمكن التغاضي عنه، لا سيما في ظل صياغة (قانونية) فضفاضة”.

كل العيون على سويسرا

في الآونة الأخيرة، وضعت منظمة العفو الدولية حالة حقوق الإنسان الأساسية في سويسرا قيد الرصد، ولاسيما بسبب خطر تزايد المراقبة العشوائية للسكان دون تمييز.

“من الواضح أن القانون السويسري لمكافحة الإرهاب سيؤدي إلى زيادة المراقبة على المزيد من الأشخاص، نظرًا لأن الشرطة الفدرالية تأمل في التعرف على ꞌالإرهابيين المُحتمَلينꞌ قبل ارتكابهم لأي جريمة، ومن المنطقي أن تُستخدم  تقنيات القياسات الحيوية في هذا السياق”، كما يقول لوكاس هافنر من منظمة العفو الدولية، ويحذر من أن ذلك قد يكون له تأثير كبير على الأشخاص الذين يُعانون من التهميش والتمييز ضدهم.

ومثال ذلك، كما يرشد الناشط في منظمة العفو الدولية، أن تقوم الشرطة بتركيب كاميرات خارج الأماكن التي يرتادها المشتبه بهم المحتملين، مثل المساجد التي غالبًا ما تكون هدفًا للمراقبة الوقائية.

وأشار لوكاس هافنر إلى أن “هذه التقنيات لا تهدد الحق في المساواة وعدم التمييز فحسب، ولكن أيضًا حق حرية التعبير والتجمّع، فضلاً عن الحق في (احترام) الخصوصية”، وواقعيًا، ينص القانونرابط خارجي السويسري لمكافحة الإرهاب على أن “الآراء والأنشطة الدينية والفلسفية” قد تخضع للمراقبة وتبرر جمع ومعالجة البيانات الشخصية بالغة الحساسية (المادة h23)، وبما أن تعريف الإرهاب واسع جدًا ، فمن غير المستبعد، كما يعتقد الخبير القانوني فريديريك برنار، أن يُطبّق القانون على نطاق أوسع وخارج المجال المُتصوّر في الأصل.

لا قانون من دون تشريع

في بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة والصين، يتم استخدام التعرف على الوجه بشكل منهجي لأغراض تخدم النظام العام، كما تستخدمه الصين أيضًا لتصنيف السلوك الاجتماعي لمواطنيها، بينما تُعتبر ثلاث دول، وهي بلجيكا ولوكسمبورغ الأوروبيتين ومعهما المغرب، الدول الوحيدة في العالم التي يُحظر فيها استخدام تقنيات تحديد الهوية بواسطة القياسات الحيوية.

محتويات خارجية

في الأثناء، تتطلّع المفوضية الأوروبية، من خلال مقترح القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي، إلى حظر تحديد الهوية باستخدام المقاييس الحيوية في الأماكن العامة على جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومعاقبة من لا يلتزم بذلك.

أما سويسرا، فلديها قانون لحماية البيانات، وهو متوافق جزئيًا مع اللائحة العامة لحماية البيانات الخاصة بالاتحاد الأوروبي، ولكن في غير مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي: “لذلك يجب عليها العودة إلى طاولة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي واستئناف الحوار وصولًا إلى حوكمة التقنيات الجديدة في أسرع وقت”، وفق ما صرّح به ريكاردو تشافارياغا، رئيس مكتب اتحاد المختبرات الأوروبية لأبحاث الذكاء الاصطناعي “كلير CLAIREرابط خارجي” في سويسرا، لـ SWI wissinfo.ch.

معيار جديد؟

يسمح القانون الذي اقترحته المفوضية الأوروبية باستخدام تقنية التعرف على الوجه في حالة “الجرائم الخطيرة” وخاصة المرتبطة بالإرهاب، إلا أنه، من وجهة نظر تشافارياغا وخبراء آخرين، يبقى على كل حال يمثل نقطة تحول ذات شأن، ويُتوقّع لها أن تصبح معيارًا لمجال التكنولوجيا الفائقة.

وهذا السبب هو الذي يجعل شافارياغا يعتقد أن عدم التوافق، أو التوافق المتأخر، مع القانون الأوروبي سيكلف سويسرا ثمنًا باهظًا، ولا يخشى خبير الذكاء الاصطناعي على القدرة التنافسية لمنتجات التكنولوجيا السويسرية في السوق العالمية فحسب، وإنما أيضًا على حقوق الإنسان.

ويشير أيضًا إلى أنّ “بعض مجالات تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تكون عالية الخطورة، ومن ذلك ما تستخدمه الشرطة لفرض القانون والذي قد تكون له آثارًا سلبية على المواطنين”، ويتابع قائلا: “جهاز الشرطة ما هو إلا الحلقة الأخيرة في السلسلة، حيث تنتج له الشركات ما يستخدم من أنظمة، وتعده بتوفير المال والكفاءة، وغالبًا من دون تقديم أيّ ضمانات حقيقية”، ومن هنا تبرز أهمية وضع المعايير.

وأشار شافارياغا إلى أنه لا أحد يشتري مصعدًا بدون شهادة أمن وسلامة، أو ساعة لا تعمل، وأنه يجب عمومًا، حسب قوله، أن تتناسب المتطلّبات مع المخاطر، ولماذا لا يكون هذا مطبّقا أيضًا بالنسبة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن الحقوق الأساسية والحريات المدنية أضحت على المحك؟

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية