مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شهادات حية لمُراقبي سلام سويسريين في فلسطين وإسرائيل

إحدى المظاهرات الفسلطينية السلمية التي رافقها المراقب الشاب رافاييل شارير في بلدية قفين بالقرب من طولكرم في صيف 2011 Raphael Schärer

ما الذي يدفع مُتطوعين سويسرييـن في مُنتصف عقـدهم الثالث من العـمر وآخريـن يُطلون على ربيعهم السبعين إلى العمل كمراقبين لحقوق الإنسان في إحدى أكثر المناطق توترا في العالم؟

swissinfo.ch جمعت شهادات ثلاثة سويسريين شاركوا في “برنامج المرافقة المسكوني في فسلطين وإسرائيل”، وعادوا مؤخرا بتجربة حياتية ثرية تمتزج فيها أحاسيس الرضا عن النفس بالصدمة إزاء ما شاهدوه من معاناة، وبالانبهار بقوة شعب تحت الاحتلال.

دوافعهم مختلفة ومهمتهم واحدة: دعم التحركات السلمية الفلسطينية والإسرائيلية من أجل التوصل إلى سلام عادل، وإبداء التضامن مع السكان المحليين الذين يعانون في ظل الاحتلال، من خلال إظهار وجود دولي ومرافقة الفلسطينيين في حواجز الطرق ونقاط التفتيش والبوابات الزراعية، والإلتزام في الآن نفسه بمبدأ توجيهي رئيسي ينص على عدم الإنحياز لأي طرف، بل خدمة جميع أطراف النزاع بنزاهة، ولكن دون الإلتزام بالحياد عندما يتعلق الأمر بانتهاك حقوق الفرد والقانون الإنساني الدولي.

“أردت رؤية ما يحدث في الضفة الغربية بأم عينــي”

رافاييل شارير، طالب الباكالوريوس في العمل الاجتماعي بكانتون لوتسرن، أطفأ مؤخرا شمعته الرابعة والعشرين. ورغــم صغر سنه، تظل تجربتــه الحياتيـة مثيرة للانتباه. فبعد تكوين تواصل أربعة أعــوام كتقني إلكترونيات، أدى خدمته المدنية لمدة سنة في مجال الطب النفسي، ثم في منزل للمسنين، قبل أن يعمل ويسافر لمدة سنة وأن يختار دراسة العمل الاجتماعي في عام 2009.

انضمام شارير لفريق المتطوعين في “برنامج المرافقة المسكوني في فلسطين وإسرائيل” في عام 2011 لا علاقة لـه بالدين لأنــه يقدم نفسه كشخص ليس لديه انتماء ديني مُحدد، بل يعود لقناعات شخصية ترسخت لديه تدريجيا منذ نعومة أظافره. ويقول: “كنت أرغب دائما في التطوع في مجال ما، لأنني عشت طفولة رائعة وآمنة هنا في سويسـرا وأردت أن أُعيد شيــئا ما لأشخاص لم يتمتعوا بحظ الترعرع هنا (…) كما أنني أهتم كثيرا بتلك المنطقة لأنني تواجدت بها عندما كنت صبيا صغيرا. وأنا أؤيد معنى حقوق الإنسان وأردت رؤية ما يحدث في الضفة الغربية بأم عيني”.

المعاينة الميــدانية للوضع في الضفة الغربية كانت أيضا من بين الدوافع التي شجعت ابن كانتون فو، بونوا ميستر، ذي الستة وعشرين ربيعا، إلى التحول إلى الضفة الغربية من فبراير إلى يوليو 2011 حيث عمل بكل من بيت لحم ويانون. ميستر، المتخرج من كلية القانون وعلوم الإجرام بجامعة لوزان ومن جامعة لندن ميتروبوليتان، يـوضح بأن اهتمامه بالمنطقة ناتج أساسا عن تخصصه في القانون الدولي الذي جعله ينكب أكثر على المعطيات الجيوسياسية، وهو مجال “لا يمكن أن نتجنب فيه قضية فلسطين”، مثلما يشرح.

ولكن هذا الشاب الذي يؤدي حاليا خدمته المدنية في منظمة “EIRENE” السويسرية النشطة في مجال التنمية والتعاون، والذي ينشر مساهمات عن تجربته كمراقب لحقوق الإنسان في مدونة إلكترونية، يقر بأن دوافعه كانت شخصية أيضا قائلا: “كنت أرغب في اكتشاف قدرتي على التطور والنمو في سياق غير مألوف (…). ثم إن هنالك أشياء كثيرة تـُقال وتُكتب على إشكالية (النزاع القائم) لذلك أردت أن أرى بعيني الحقيقة على أرض الواقع، وكانت أفضل طريقة لذلك الغرض اتخاذ قرار الذهاب إلى هناك”.

من جانبه، يــنوه عالم اللاهوت والصحفي والمؤلف تيو بوس (69 عاما) الذي عاد في نهاية شهر سبتمبر إلى لاشودفون، مدينة إقامته بكانتون نوشاتيل، بعد قضائه ثلاثة أشهر في القدس، إلى أن مراقبة حقوق الإنسان في إطار تجمع مسكوني هي بمثابة امتياز حقيقي “وإلا لتم طردنا بين عشية وضحاها في نقاط التفتيش. فنحن نرتدي سترة مُوحدة تحمل شارة برنامج المرافقة المسكوني في فلسطين وإسرائيل واسم الاتحاد العالمي للكنائس، وتواجدنا هناك نجم عن اتفاق تفاوضت من أجله الكنائس، ومنذ الشروع في تطبيق البرنامج في عام 2002، شارك فيه 900 متطوع من 24 بلدا”.

أيــام عمــل مُرهقة جسديا ومعنويا

يبدأ يوم عمل مراقب حقوق الإنسان في فلسطين وإسرائيل في ساعات مُبكرة جدا ولا يخلو من المصاعب والصدمات والمفاجآت المؤثرة. يحكي رافاييل شارير: “في معظم الوقت، عليك أن تستيقظ ما بين الثالثة والخامسة صباحا اعتمادا على نقطة التفتيش أو البوابة الزراعية التي يجب أن تذهب إليها. ولا تعلم أبدا ما قد يحدث في بقية اليوم. أحيانا، تتلقى مكالمة هاتفية تخبرك مثلا بوجود جنود إسرائيليين في طولكرم، ويتوجب عليك الذهاب على الفور لمراقبة الوضع والسؤال إن أمكن عن سبب تواجدهم هناك.”

بونوا ميستر الذي قضى، بشكل استثنائي، أكثر من الأشهر الثلاثة المحددة لمراقبي حقوق الإنسان في المنطقة، بهدف سد النقص في عدد المتطوعين خلال فصل الصيف، عمل خلال الأشهر الثلاثة الأولى في بيت لحم قبل انتقاله إلى يانون لفترة شهرين إضافيين. وكانت مهمته الرئيسية الأولى تتمثل في مراقبة نقطة التفتيش 300 التي تفصل القدس وبيت لحم خمسة أيام في الأسبوع ابتداء من الساعة الرابعة صباحا لتجميع البيانات الإحصائيات وإظهار حضور دولي يؤثر على سلوك الجنود الإسرائيليين إزاء العمال الفلسطينيين الذين يتعين عليهم العبور إلى الجهة الأخرى من الجدار.

وفي يانون قرب نابلس، حيث تتجسد المشكلة الرئيسية، حسب ميستر، في “تقدم عمليات الاستيطان غير القانوني والتوغلات المتكررة للمستوطنين المسلحين في القرية”، فكان على فريق المراقبين “طمأنة السكان وثني المستوطنين عن الهجوم وتدمير الحقول أو تلويث مياه البلدة”. ويقول ميستر: “عملــُنا كان مُتعبا بوضوح ومُرهقــا في غالب الأحيان لأننا نحتك بالجنود يوميا، وخاصة في نقاط التفتيش وخلال مرافقتنا للتظاهرات، كما أن إطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع والقنابل الصوتية لم شيئا يكن نادرا. كلنا شعرنا بشيء من التعب العاطفي والجسدي بعد قضاء فترة هناك، وهذا أحد الأسباب التي تجعل برنامج المرافقة المسكوني لا يتواصل مبدئيا أكثر من ثلاثة أشهر، لأنه عمل يصعب تحمله”.

لكن الإرهاق كان مُجرد جزء من تجربة حياتية كان لها تأثير عميق على نفســية وتصورات مُحاورينا الثلاثة. رجل الدين المسيحي تيو بوس، أكبرهم سنا، حكى تجربته بنبرة مُتحمسة مؤكدا أنــه عاد من القدس مُفعما بالحيوية والنشاط، رغم أنه قضى أياما صعبة في نقاط التفتيش بقلنديا شمال القدس حيث كان يسجل رفقة زملائه عبور ما يصل إلى 6000 شخص في ظرف نصف ساعة فقط، وخاصة أيام الجمعة لأداء الصلاة في المساجد.

مشاهــد تظل راسخة في الذاكرة والوجــدان

ولعل شعور هؤلاء المراقبين المتطوعين بأن تواجدهم كشهود دوليين يُحسن بعض الشيء، وبشكل ملموس، الظروف المعيشية لمن يعيشون تحت وطأة الاحتلال، هو المكافأة التي تُنسيهم متاعب المهمة. ويقول بوس ضمن هذا السياق: “لقد رأينا آثارا فورية على احتجاجات فريقنا وفرق المنظمات الدولية الأخرى العاملة إلى جانبنا، بحيث كان الوضع يتغير في اليوم الموالي. كما استمعنا لشهادات فلسطينيين قالوا لنا إن تواجدنا أمر عظيم وإنهم يُعولون علينا. وعندما زُرنا في اليوم الأخير مخيما للبدو كــُنا قد تفقدناه مرارا، قال لنا المسؤول عنه إن تدخلات المستوطنين توقفت منذ قدومنا. وكان أولئك المستوطنون قد أضرموا النار في القش لمنع المزارعين الفلسطينيين من سقي المواشي التي كان يناهز عددها الألفين”.

نفس الملاحظة تقريبا جاءت على لسان رافاييل شارير: “بعض الفلسطينيين قالوا لنا إن الجنود الإسرائيليين كانوا أكثر أدبا عندما رأونا وعلموا بأننا نمثل تواجدا دوليا في المنطقة، والعديد منهم قالوا لنا إنهم لا يفقدون الأمل عندما يرون أشخاصا من بلدان أخرى يأتون لمشاهدة ما يحدث، وأن ذلك يساعدهم على عدم الاستسلام”. وأعرب شارير عن “ذهوله” مما وصفه بـ “قوة العديد من الفلسطينيين الذين عاشوا مواقف قاسية خلال الانتفاضة الثانية أو حتى فقدوا أفراد من عائلتهم ولكنهم لم يفقدوا إيمانهم ولازالوا يتصرفون بطريقة سلمية من أجل إيجاد حل لهذا النزاع”.

بونوا ميستر الذي أكد أنه لن ينسى يوما “دخل فيه الجنود الإسرائيلون إلى بلدة وأطلقوا الرصاص المطاطي على الأطفال، مما خلق موجة ذعر ومشهدا سيظل راسخا في ذاكرتي”، عبر أيضا عن انبهاره بالشجاعة الكبيرة لبعض الفلسطينيين الذين يكافحون بشجاعة هائلة وإصرار أكيد. بفضلهم قد تتحرر البلاد .. يوما ما..”.

 وتظل عمليات تدمير بيوت الفلسطينيين من أكثر المشاهد التي أثرت في نفسية القس الإصلاحي تيو بوس الذي شاهد مرة لمدة ساعة ونصف وعلى بعد مائة متر فقط، تدمير المستوطنين لخمسة مباني فلسطينية. وقال: “كان بجانبي شاب في سن السابعة عشرة، إبراهيم، يتحدث الإنجليزية جيدا. سألته ما الذي يفعلون؟ أجاب: إنهم يحطمون غرفتي. قُلت: بماذا تشعر؟ فردّ: “أشعر وكأن روحي خرجت من جسدي”.

هذه الجملة الأخيرة نقلها رجل الدين بوس إلى متخصصة في علم النفس أكدت له أن هذا النوع من “التغيب” وسيلة من وسائل الدفاع عن النفس للصمود والبقاء. من جهته، أشار بونوا ميستر إلى أنه وزملاءه قاموا أيضا بربط الاتصال بين أسرة فلسطينية واللجنة الإسرائيلية المناهضة لتدمير المنازل لمساعدتها على إعادة بناء بيتها الذي دمره الجيش الإسرائيلي.

ويظل القس والصحفي تيو بوس، الذي نشـر ولا زال ينشر مقالات عديدة، فضلا عن إلقاء الكثير من العروض والمحاضرات، حول ما عايشـه هناك، على قناعة بأن “الحزم الشديد والإخلاص المطلق” الذي عاينه لدى الفلسطينيين “شيء غير قابل للتدمير”.

يمثل مشروعُ “بيس ووتش فلسطين/إسرئيل” المُشاركةَ السويسرية في برنامج المرافقة المسكوني في فلسطين وإسرائيل.

منذ مارس 2003، أي بعد عام من انطلاقه فعليا، شارك في هذا البرنامج بشكل تطوعي مراقبون لحقوق الإنسان من سويسرا، حيث انضموا في عين المكان إلى متطوعين من 11 بلدا.

تستمر المهام المُنفذة في إطار البرنامج لمدة ثلاثة أشهر على الأٌقل يسبقها تكوين إجباري يتواصل خلال نهايتي أسبوع.

المشروع يتم بتكليف من منظمة المساعدة البروتستانية السويسرية EPER، تحت رعاية رابطة الكنائس البروتستانتية السويسرية FEPS، بينما تتكلف منظمة “بيس ووتش سويتزرلاند” PWS بالعمل التشغيلي في سويسرا.

(المصدر: الجمعية السويسرية لمراقبة السلام “بيس ووتش سويتزرلاند”)

يهدف إلى دعم المبادرات المحلية والدولية الرامية إلى وضع حد للاحتلال الإسرائيلي وإلى إيجاد حل للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني من خلال سلام عادل ومـستند على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

تتمثل مهمته في مرافقة الفلسطينيين والإسرائيليين في تــحركاتهم غير العنيفة وجهودهم الملموسة الهادفة إلى إنهاء الاحتلال.

المشاركون في البرنامج يرصدون انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ويكتبون تقــارير عنها، كما يدعمون أعمال المقاومة غير العنيفة إلى جانب الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين في عين المكان والنشطاء المسالمين الإسرائيليين، ويوفرون الحماية من خلال تواجدهم غير العنيف، ويقومون بعمل ترويجي على الـمستوى السياسي.

أحد المبادئ التوجيهية الرئيسية للبرنامج “مبدأ عدم التحيز”، إذ تنص مدونة قواعد السلوك على “أننا لا ننحاز إلى طرف في هذا النزاع، ولا نمارس التمييز ضد أي طرف، ولكننا لسنا محايدين فيما يتعلق بمبادئ حقوق الشخص والقانون الإنساني الدولي. نريد أن نكون في خدمة جميع أطراف النزاع، بنزاهة وبدون تحيز على مستوى الأقوال والأفعال”.

(المصدر: برنامج المرافقة المسكوني في فلسطين/إسرائيل)

10 سنوات: أرسلت جمعية “بيس ووتش سويتزللاند” (PWS) منذ عقد من الزمن 368 مراقبا متطوعا (نساء ورجال) لحقوق الإنسان إلى شياباس (المكسيك)، وغواتيمالا، وفلسطين/إسرائيل، وكولومبيا.

هذه الجمعية التي حلت في عام 2001 محل جمعية COSAR التي كانت قد أنشأت في عام 1993، تكلف الجزء التشغيلي للمشاركة السويسرية في برنامج المرافقة المسكوني في فلسطين وإسرائيل (EAPPI) التابع لمجلس الكنائس العالمي.

كان قد تقرر تنفيذ هذا البرنامج لــهزم عقد الـعنف (2001-2010). وقد قرر مجلس الكنائس العالمي تمديد البرنامــج. ومع مرور السنين، كُلف الجمعية السويسرية لمراقبة السلام بتكوين متطوعين من بلدان أخرى (ألمانيا، وهولندا، وهنغاريا (المجر)، وفرنسا).

(المصدر: الجمعية السويسرية لمراقبة السلام “بيس ووتش سويتزرلاند”)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية