مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحق في الإجهاض: ما هو الوضع في سويسرا؟

مجموعة من النساء يتظاهرن في مدينة جنيف
في 28 يونيو 2022، تظاهر العشرات من الأشخاص في العديد من المدن السويسرية، ومنها سانت غالن ولوتسيرن وجنيف (الصورة)، بغرض التعبير عن غضبهم إزاء قرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة والدفاع عن الحق في "تقرير المصير الإنجابي". Keystone / Magali Girardin

بعد قيام المحكمة العليا بإلغاء الحق في الاجهاض في الولايات المتحدة مؤخراً، يُجري هذا المقال تقييماً للوضع بالحقائق والأرقام فيما يتعلق بحالات الإجهاض في سويسرا.

في 24 يونيو 2022، ألغي الحق الفدرالي في الإجهاض في الولايات المتحدة. فالمحكمة العليا نفسها التي اعترفت بذلك الحق قبل خمسين عاماً تقريباً في قضية رو ضد ويد الشهيرة، دفنته الآن مُشكّلة بذلك تحولاً تاريخياً مفاجئاً.

هذا القرار لا يجعل الإجهاض غير قانوني، ولكنه يعطي الصلاحية لكل ولاية أمريكية في أن تأذن به أو تمنعه. وبالفعل، قامت ولايات عديدة بتجريم الإجهاض على الفور، ويُتوقع أن تحظره أكثر من عشرين ولاية أمريكية رابط خارجيفي الأمد القريب. وقد دفع هذا القرار بعض البلدان إلى إعادة النظر في ممارساتها. فما هو الوضع في سويسرا؟

ما الذي ينُصّ عليه القانون؟

إن الإجهاض مسموح به في سويسرا منذ عشرين عاماً بالضبط. ففي تصويت أجري بتاريخ 2 يونيو 2002، وافق الشعب على إلغاء تجريم الإجهاض حتى الأسبوع الثاني عشر من الحمل بنسبة تجاوزت 72٪. وقد أنهى هذا القرار سجالات استغرقت عقوداً من الزمن، ذلك أن أول محاولة لإلغاء تجريم الإجهاض قد فشلت بفارق ضئيل في صناديق الاقتراع في عام 1977.

ودخلت هذه اللائحة التنظيمية، المعروفة أيضاً باسم “نظام المُهلة”، حيز النفاذ في 1 أكتوبر 2002، وأُدرجت في القانون الجنائي السويسريرابط خارجي. فباستثناء الحالات التي يثبت فيها الطاقم الطبي وجود “إضرار جسيم بالسلامة البدنية للمرأة الحامل”، تنص المادة 119 على أنه لا يُعاقب على القيام بالإجهاض في حدود الأسابيع الاثني عشر الأولى، “بناء على طلب كتابي تقدمه المرأة التي تحتج بأنها تمر بظروف عصيبة”.

هناك بعض الأصوات المستنكرة لمجرد ذكر الإجهاض في قانون العقوبات. وفي 2 يونيو 2022، قامت النائبة البرلمانية عن حزب الخضر، ليونور بورشيه، التي ترأس أيضاً منظمة الصحة الجنسية السويسرية، بتقديم مبادرة برلمانية تدعو إلى إلغاء المادة 119 من القانون الجنائي وإدراج “نظام المهلة الزمنية” في قانون آخر. وتشير المبادرة إلى أن “تجريم الإجهاض هو أحد أهم أسباب الوصم الذي لا يزال يُحيط بالإجهاض في سويسرا”. كما أفادت المبادرة أنه “ينبغي الكف عن النظر إلى الإجهاض على أنه جريمة إلا في الحالات الاستثنائية، بل يجب اعتباره مجرد قرار صحي”.

  • ما هي اللوائح القانونية المعمول بها في أماكن أخرى من العالم؟

إن اللجوء إلى الإجهاض محظور تماماً في حوالي عشرين بلداً، لا سيما في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. وفي حوالي مائة بلد آخر، يخضع الإجهاض لشروط تحكمها قيود صارمة جداً، أي فقط في حال كانت حياة الأم مُعرّضة للخطر أو لأسباب صحية خطيرة.

محتويات خارجية

ويُسمح بالإجهاض في حوالي 80 بلداً، بما في ذلك في جميع أنحاء أوروبا تقريباً، في حال وجود صعوبات اجتماعية واقتصادية أو بناء على طلب المرأة حصراً بذلك. ويشير المركز الأمريكي للحقوق الإنجابيةرابط خارجي إلى أنه في معظم الأحيان يُسمح بالإجهاض في حدود المهلة الزمنية القصوى وهي 12 أسبوعاً كما هو الحال في سويسرا، لكن تلك المهلة تقع عند حدود 14 أسبوعاً في ألمانيا وفرنسا، وتصل إلى 24 أسبوعاً في سنغافورة.

في السنوات الخمس والعشرين الماضية، قام أكثر من خمسين بلداً بتحرير قوانينه المتعلقة بالإجهاض، لا سيما في ظل التقدم الذي أحرزته مؤخراً البلدان التي لا يزال فيها نفوذ الكنيسة الكاثوليكية قوياً، مثل أيرلندا (2019) والأرجنتين (2021) والمكسيك (2021) وكولومبيا (فبراير 2022).

ولكن وفقاً لما أظهره قرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة، فإن الحق في الإجهاض يظل هشاً، إضافة إلى أن بعض البلدان عمدت إلى تشديد ممارساتها في السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، حظرت بولندا الإجهاض في عام 2020 في حال إصابة الجنين بتشوه شديد.

هل تُسجّل الكثير من عمليات الإجهاض في سويسرا مقارنة بالمقاييس الدولية؟

وفقاً للمكتب الفدرالي للإحصاء رابط خارجيفإن معدل الإجهاض منخفض جداً في سويسرا، فهو يزيد قليلاً عن 6 لكل 1000 امرأة في سن الإنجاب. وتشير نماذج حديثةرابط خارجي صادرة عن منظمة الصحة العالمية ومعهد غوتماشر (مركز أبحاث أمريكي)، إلى أن سويسرا هي من البلدان التي لديها أقل معدل لحالات الإجهاض إلى جانب سنغافورة.

محتويات خارجية

وبحسب كليمنتين روسييهرابط خارجي، وهي أستاذة مشاركة في معهد الصحة العالمية التابع لجامعة جنيف، فإن الفضل في تحقيق هذه الأرقام يعود إلى “نظام التربية الجنسية الممتاز”، الذي تؤطره المدرسة بدءاً من سنوات الدراسة الأولى إضافة إلى وجود “شبكة جيّدة جداً من مراكز تنظيم الأسرة”، برئاسة منظمة الصحة الجنسية السويسريةرابط خارجي.

ولكن بعد عدة سنوات من الانخفاض المتواصل، لوحظ في عام 2020 زيادة طفيفة في معدل الإجهاض في سويسرا (بنحو 7 حالات إجهاض لكل 1000 امرأة تقريباً). ووفقا لكليمنتين روسييه، الأخصائية في مجال الصحة الإنجابية، فإنه في ظل السياق المقلق الناجم عن جائحة كوفيد، من المرجح أن يكون عدد النساء اللاتي رفضن الإنجاب أو اعتراهن الشك في الرغبة في ذلك قد ازداد، وبالتالي قررن إنهاء الحمل.

مَن يلتجئ إلى الإجهاض في سويسرا وفي أية ظروف؟

في عام 2020، لجأت ما يزيد قليلاً عن 11 ألف امرأة إلى الإجهاض في سويسرا، بمن فيهن أقلية من المراهقات، وذلك وفقاً للمكتب الفدرالي للإحصاء. وتفسر كليمنتين روسييه قائلة: “إن عمليات الإجهاض تجري في نفس العمر المتوسط لدى الولادة أي في نهاية العشرينات من العمر تقريباً”. وأضافت قائلة: “إلى جانب فشل وسائل منع الحمل، يرتبط جزء كبير من عمليات الإجهاض بتضارب المشاعر المتعلقة بقدوم الطفل، مما قد يؤدي أيضاً إلى حدوث سوء تفاهم لدى الزوجين أو حتى إلى انفصالهما عن بعضهما”.

محتويات خارجية

عموما، تتعلق 4 حالات إجهاض من أصل 10 بنساء من جنسيات أجنبية. وتعلل كليمنتين روسييه قائلة: “إن معدل الإجهاض أعلى لدى السكان الأجانب، ويُعزى ذلك جزئياً إلى أنهم لم يتلقوا في الغالب تعليماً جنسياً بمستوى عال كالمستوى الموجود في سويسرا”. وتضيف الباحثة أن إمكانية الحصول على وسائل منع الحمل قد تكون أكثر صعوبة عند الوصول إلى بلد جديد.

وتشير جامعة لوزانرابط خارجي، استناداً إلى إحصاءات كانتون فو الذي يوفر بيانات وأرقاما أكثر تفصيلاً من تلك التي تُجرى على المستوى الوطني، إلى أن اللجوء إلى الإجهاض مسألة “تمسّ كافة الفئات الاجتماعية” حتى وإن كانت “بعض الفئات السكانية أكثر عرضة نسبياً” للجوء إليه من الفئات الأخرى.

وحوالي ثلاثة أرباع النساء الأجانب المقيمات في سويسرا اللواتي أجهضن في عام 2020 كن واصلات إلى نهاية التعليم الإلزامي، وحوالي ثلاثة أرباعهن كن يدرسن أو يعملن حينما أُجريت لهن عملية الإجهاض. وأكثر من 4 من أصل 10 نساء منهن كن يعشن مع أزواجهن (مع أو بدون أطفال)، وثلثهن تقريباً كن يعشن بمفردهن أو مع أطفالهن.

والغالبية العظمى من عمليات الإجهاض (77%) تُجرى أثناء الأسابيع الثمانية الأولى من الحمل، وما يقارب 20 ٪ منها تُجرى بين الأسبوع التاسع والأسبوع الثاني عشر من الحمل. وفي عام 2020، أجريت حوالي 500 عملية إجهاض (أقل من 5 ٪) بعد ذلك الحد الزمنيرابط خارجي، ولم يُكشف عن أسباب الإجهاض إلا في نصف تلك الحالات. وقد كانت الأسباب في معظمها متعلقة بمشاكل صحية لدى الأم أو الطفل أو بصعوبات نفسية واضطرابات نفسية حتى، وفي حالتيْن من الحالات المذكورة كان الاغتصاب هو السبب وراء اتخاذ قرار الإجهاض.

محتويات خارجية

إجمالا، يختلف معدل الاجهاض باختلاف المناطق إلى حد كبير، فالمناطق الحضرية هي الأكثر تأثراً. وتبعا لذلك، تُسجّل جنيف تسجل أعلى معدل في البلاد وهو 11%، تليها بازل (9%). وتسجل المدن عدد أكبر من حالات الإجهاض لأنه يتركز فيها عدد أكبر من النساء في سن الإنجاب أو نساء أجنبيات من ناحية، ولأن الأوساط الريفية عادة ما تكون أكثر محافظة من ناحية أخرى. وعلقت كليمنتين روسييه قائلة: “إن الناس في الأرياف أكثر ميلاً إلى الإبقاء على الحمل في حال حدث بشكل غير متوقع”.

هل الحق في الإجهاض مُهدّد في سويسرا؟

تقول الباحثة كليمنتين روسييه إن قرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة أكد مجدداً أنه “لا يوجد أساس قانوني شامل ونهائي للإجهاض. إنما المسألة تتعلق بالموقف الأخلاقي المتفق عليه بصورة جماعية في المجتمع”. ولذلك، فقد ساد الخوف من أن يُصبح هذا الحق مهدوراً في المستقبل منذ عدة أيام. ففي فرنسا على سبيل المثال، قُدم مشروع قانون يهدف إلى إدراج الاجهاض في نص الدستور.رابط خارجي

وفي سويسرا أيضاً، توجد قوى مناهضة للإجهاض، متمثلة بصورة رئيسية في الجماعات الدينية والأحزاب اليمينية المحافظة، وخاصة حزب الشعب السويسري. بيد أن كليمنتين روسييه تؤكد أنها ليست سوى بضع جماعات وأن الوضع السويسري لا علاقة له بالوضع السائد في الولايات المتحدة “التي أصبح فيها الإجهاض مُسيساً تماماً من كلا الطرفين منذ خمسين عاماً إضافة إلى أنه يبلور العديد من القضايا الأخرى”، كما تقول.

بيد أن المناهضين للإجهاض يسعون إلى تحقيق أهدافهم. ففي شهر ديسمبر 2021، أطلق حزب الشعب السويسري مبادرتين شعبيتين تهدفان إلى تقييد اللجوء إلى الإجهاض. وترمي المبادرة الأولى، التي أطلقتها النائبة عن كانتون برن أندريا جيسبولر، إلى إدخال مهلة للتفكير لمدة يوم واحد قبل إجراء أي عملية إجهاض، بغرض “حماية النساء من التسرّع في اتخاذ قرار الإجهاض”. أما المبادرة الثانية، المقدمة من النائبة عن لوتسيرن إيفيت إسترمان، فهي تعارض الإجهاض في مرحلة متأخرة. إذ تطالب بألا يكون الإجهاض ممكناً حالما “يكون بمقدور الطفل التنفس خارج الرحم باستخدام تدابير العناية المركزة ربما”.

ومن السابق لأوانه معرفة الرأي الشعبي في هاتين المبادرتين، فهما الآن في مرحلة جمع التوقيعات لغاية شهر يونيو 2023. ولكن في العقود الأخيرة، دُحضت كل المقترحات الرامية إلى تقييد الحق في الإجهاض. وفي عام 2014، رُفض الاقتراح الأخير المقدم من حزب الشعب السويسري الذي كان يرمي إلى إلغاء سداد تكاليف الإجهاض التي يدفعها التأمين الصحي، بنسبة 70% تقريباً.

محتويات خارجية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية